المقدمة
الشيخ زايد -رحمه الله – مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وباني نهضتها، وذكراه غالية على كل مواطن ومقيم على أرض الدولة بل على كل عربي وإنسان على وجه الأرض، فالفقيد يجسد منطقة ناصعة في الذاكرة الإنسانية، يزدهر فيها ما زرعه من حب للناس، وما غرسه من فضائل وإنجازات تغرد في ساحات الوطن وفضاء عالمه العربي والإسلامي .
الموضوع
-1 الإتحاد:
صنع مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم دولة الإمارات العربية المتحدة فقد بدأت اتحاداً بين إماراتيهما أبو ظبي ودبي، على أن يدعوا باقي حكامالإمارات لهذه الوحدة، فتم له ما أراد عام1971.
-2التعليم في الإمارات:
حين أعلن زايد أن التعليم هو صمام الأمان بعد زوال الثروة النفطية واجه ترددا من البعض الذين لم يتعودوا إرسال أولادهم إلى المدرسة ولكنه لم ييأس وقرر دفع المكافآت الشهرية للطلبة الذين يتعلمون . كحافز لاستمرارهم في المدارس , وأوفد البعثات التعليمية من أبناء البلاد إلى البلدان المجاورة وجامعات الدول العربية والأجنبية لتلقي التعليم العالي في التخصصات المختلفة ليعودوا بعد سنوات مسلحين في شتى مجلات الخبرة التي تسهم في نهضة البلاد
وكانت الثمار باهرة وأثمر التحدي الذي غرسه زايد بين ضلوع إنسان الإمارات , وأفلح في إرساء قواعد البناء الحضاري وأثبت لبني قومه أن كل ما أصابهم من تخلف طوال الحقب الماضية كان قهرا وبغير إرادتهم وأنهم لم يفقدوا هذه الإرادة ويستطيعون أن يغيروا حياتهم بسواعدهم ويبنوا مستقبلهم بعرقهم وإصرارهم
وفي نفس الوقت الذي كان فيه العمران يمتد والبناء يرتفع كان زايد يبدأ بناء من نوع آخر . بناء المواطن الصالح القادر على أن يخطو بثبات على درب التقدم ولقد جاء هذا الانطلاق من وجهة نظر ثابتة آمن بها . وتتلخص في ضرورة أن تكون بلاده مثلا ونموذجا للبناء العصري على أرض طالما أطبق عليها الحرمان وأن التحول الكبير لا يمكن أن يتحقق إلا بإنسان جديد يؤمن بذاته وبقدراته وبوحدة أرضه ووحدة مصيره
أكثر من ذلك . . أدرك زايد بفطرته المستمدة من بساطة الصحراء أنه من السهل أن يبني المصانع ويشيد المعامل ولكن من الصعب أن يبني الإنسان الذي يدير هذه المنشآت ويسخرها لخدمة بني وطنه
ولقد طرح الشيخ زايد حينئذ سؤالا مهما وهو : هل نتحرك في بداية المسيرة ببطء حتى لا نخطئ كثيرا ؟ أم ننطلق بسرعة ونسابق الزمن رغم احتمالات الوقوع في نسبة أكبر من الأخطاء في غمار السرعة والسباق
وحــتى لا يتحول التساؤل إلى نقاش ثم إلى قضية قد يضيع الهدف وسط مجادلاتها حـسم زايد الأمر وقال : ((لا بد من الانطلاق بسرعة ويجب أن نسابق الزمن . لقد فاتنا الكثير وأمامنا أهداف علينا أن نبلغها من أجل خير رفاهية شعبنا . . صحيح إننا قد نقع في أخطاء وبقدر الإمكان أثناء المسيرة ودون أن تتوقف انطلاقة حركتنا , والله يوفقنا .زايد بن سلطان)).
وبدأ زايد يشرف بنفسه على إعداد كوادر من الشباب المسلحين بالعلم والفكر والثقافة . الذين يمكن الاعتماد عليهم في الــمستقبل
وكان التعليم والصحة هما الدعامتان اللتان اعتمدت عليهما مسيرة بناء الإنسان في البلاد فبظهور النفط سقط الضلع الأول من الثالوث الرهيب ((الفقر . والجهل . والمرض))وبدأ استخدام الموارد الجديدة للقضاء على الجهل والمرض .
3– الإهتمام بالتراث:
زرع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان فينا نحن الأجيال الجديدة حب التراث وحب العادات والتقاليد حيث أن للماضي رائحة طيبة عبقة يشتمها الكبار فيحسون بالحنين له ويشتمها الصغار فيحسون بالنشوة والاعتزاز والفخر ولا أروع من الفخر عند العرب من الفخر بماضيهم العريق وعاداتهم.
أصالة القائد تتجلى في حبه للتراث وتشجيع النهوض به وكانت وما زالت له جلساته وزياراته لأصحاب المهن التاريخية والقديمة فكم جلس زايد مع الصيادين والمزارعين وكثيراُ ما شارك الشعب أفراحه واحتفالاته وحمل السيف معهم وسط أغاني الشعب الخالدة
وزايد يعتز أشد الاعتزاز باللباس الوطني ولم يحدث أبدا سواء داخل البلاد أو خارجها أن خلع هذا الزي ولا شك أن ذلك أمر وثيق الصلة والارتباط بالتراث والعزة الوطني
ويشجع سموه الألعاب الشعبية الوطنية لأنها تعبر عن روح الشعب ووجدانه وعاداته وتقاليده ونمط حياته كما يحافظ على أعراق التقاليد العربية من الاندثار رغم التبدل الهائل الذي تشهده المنطقة بسبب تغير أنماط الحياة التي تأخذ طابعاً عصرياً ناصحاً الجيل بتطبيق المقولة الخالدة بتعلم الرماية وركوب الخيل
وتلقى سباقات الخيل والجمال صدى كبير في نفس زايد ونظرا لارتباطها الوثيق بالماضي المجيد لأهل البلاد ويحرص سموه على تنظيم هذه السباقات وحضورها وتشجيعها باعتبارها من الألعاب الشعبية المتصلة بالفروسية وتمجيد أبطالها
ورياضة الصيد بالصقور هي أحب الهوايات إلى قلب الشيخ زايد وهو من أشهر هواة هذه الرياضة التي كان يمارسها ولا يزال الكثير من الملوك والأمراء في شبه الجزيرة العربية يمارسوها . ويحرص صاحب السمو الشيخ زايد على ممارسة هوايته المحببة في أوقات الفراغ القليلة التي يحظى بها وسط زحام مسؤوليات الحكم ومهام الدولة وهو يرى في هذه الرياضة تراثا شعبيا يجب المحافظة عليه والعناية به ويشجع الأبناء على ممارسته وقد سأل أحد الصحفيين سموه : هل تذهبون كل عام في رحلات للقنص وهل هذه الرحلات للراحة؟
فرد سموه : القنص لا راحة فيه إنه يعلم الجلد والصبر وليس فيه رفاهية ولا ترفيه وأنا أحب القنص لأنه يجمع بين الصغير والكبير . . . وفي رحلة القنص نمر بأراض وصحارى شاسعة فيها من البشر ما لم نراهم نسمع كلامهم ببساطة ونختلط بهم نعيش حياتهم ونستفيد منها نستفيد من حياة هؤلاء الذين يعيشون على الطبيعة
ويعتبر كتاب تاريخ رياضة الصيد بالصقور الذي قام الشيخ زايد بتأليفه مرجعا هاما في هذه الرياضة القديمة ولعله أوسع هذه المراجع وأكثرها دقة لأن المعلومات التي يشملها الكتاب تأتي عن خبرة وحسن اطلاع
يقول زايد : منذ زمن مضى وكان عمري في ذلك الوقت حوالي 12 سنه كنت أتصيد بالبندقية وأذكر وقتها أنني لصغر سني كنت لا أقوى على حملها كثيرا بل كنت اعتمد على ستارة أو أي شيء آخر . . لقد أحببت القنص وأخذت أمارسه وأخرج كثيرا للصيد مع من هم أكبر مني سنا وأتعلم منهم وحينما بلغت السادسة عشر كنت قد تعلمت الصيد بالصقور فشرعت أزاول الصيد بالاثنين معا بالبندقية حينا وبالصقر حينا آخر وعندما بلغت من العمر الخامسة والعشرين وكان قد مضى وقت من الزمن في تعلم أصول الصيد وفنونه في هذا الوقت فضلت الصيد بالصقر على ما عداه وأقلعت عن استخدام البندقية في صيد الحيوان .
-4الإهتمام بالبيئة:
اهتم زايد بالبيئة الإماراتية وأولاها عناية كبيرة كيف لا وهي التي أخرجت من رحمها رجالاَ أشداء بنوا هذه الأرض وعمروها وأقاموا عليها دولة حديثة متطورة ولذلك دعا زايد إلى المحافظة عليها وحمايتها فتم إنشاء المحميات الطبيعية المزروعة بالأشجار الصحراوية والتي تمثل بيئة صالحة للحيوانات البرية للحياة فيها مثل الغزلان والأرانب البرية ومختلف أنواع الطيور.
[IMG]file:///C:UsersUserAppDataLocalTempmsohtmlclip11c lip_image002.jpg[/IMG]
-5 تحويل الصحراء وزراعتها:
قامت الدولة بتهيئة العديد من الأراضي عن طريق تسوية الأرض وحرثها ومد شبكات الري الحديثة فيها وقامت بزراعتها بشكل مبدئي بأشجار صحراوية قادرة على تحمل ملوحة التربة وحرارة الجو وتم استخدام الطرق الحديثة في الري مثل التنقيط والتقطير والرش وتم توفير الأسمدة الزراعية العضوية والكيماوية وقامت الدولة في نفس الوقت بتشجيع الزراعة وتم استغلال الإعلام والإرشاد الزراعي في هذا المجال وإضافة إلى ذلك تم توزيع الأراضي الزراعية على المواطنين وبالمجان وتم توفير الدعم اللازم لهم عن طريق حفر الآبار وإنشاء الأحواض والبيوت البلاستيكية وتوزيع الأشتال ودعم الأسمدة والبذور وجلب المهندسين والعمال وفعلاً لم تبخل دولة الإمارات في أي شيء يساعد في نشر الرقعة الخضراء في أراضي الإمارات ..
زايد ليس مجرد زعيم نتغنى بأمجاده وإنجازاته .. زايد دنيا من الحب نعيشها .. زايد هو الأب والدولة والقائد .. زايد هو شيخ كل العرب وأمير كل الفرسان .. زايد هو الرجل الذي وضع يديه المعطاءة في الأرض اليابسة فجعلها جنة سندسية اللون تتباهى كعروس في يوم عرسها لتصبح إماراتي الجميلة في مقدمة الدول وينتقل الإنسان الإماراتي إلى مستوى أرقى وأفضل .. فشكراً يا زايد ، شكراً يا أبي .. وعندما يتحدث الحب في قلوبنا لابد أن ينطق باسم زايد.
لاهتمام بالجيش-6
القوات المسلحة هي الدرع الواقية التي تحمي عملية بناء الدولة ضد كافة الاخطار الخارجية وتوفر المناخ المناسب للشعب لتحقيق آماله وكان أمرا طبيعيا أن يتم التخطيط والتنظيم لبناء جيش وطني قوي في دولة الامارات العربية المتحدة يساير في تدريبه وتنظيمه وتسليحه خط المسيرة الحضارية التي تحققت بشكل مميز من حيث الفترة الزمنية وحجم الانجاز وكان ذلك نابعاُ من إيمان صاحب السمو الشيخ زايد وإخوانه أعضاء المجلس الاعلى بأن الطريق إلى التقدم لابد وأن يقترن بالسلام والاستقرار وأن الحق لابد له من جيش قوي يقف وراءه
في 6مايو 1976 صدر قرار توحيد القوات المسلحة وجاء هذا القرار بمثابة الانطلاقة الكبرى للقوات المسلحة لتصل الى ما وصلت اليه الآن من تقدم كبير في التدريب والتنظيم والتسليح
ولما كان الانسان هو الهدف من وراء الجهود الخيرة التي نقلت البلاد الى هذا المستوى الحضاري الواضح فقد فتحت القوات المسلحة أبوابها لشباب الوطن ووفرت لهم كل وسائل التحصيل والاطمئنان فأصبحت تعتمد في التدريب الاساسي والفني على نفسها وتبعث بالضباط وضباط الصف للالتحاق بكليات الاركان أو كليات الدفاع الوطني او التدريب الفني العالي وخاصة في المجال التكنلوجي
وفي داخل الدولة تتوافر مراكز التدريب للمجندين والمدارس العسكرية المختلفة كمدارس المشاة والدروع والدبابات والاشارة والمدفعية وغيرها بالإضافة الى الدراسات الاكاديمية مثل كلية زايد الثاني العسكرية وكلية خليفه بن زايد الجوية والكلية البحرية
أعطى زايد بحسه القومي الأصيل ووجدانه العربي القوي ، بعداُ قوميا لواجبات القوات المسلحة ومهامها حين خاطب قوات دولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت تستعد للتوجه إلى لبنان الشقيق للمشاركة في قوات الردع العربية التي أوكلت إليها مهمة الحفاظ على أمن لبنان وسلامته بقوله
" إننا جزء لا يتجزأ من الأمة العرية ، لنا حقوق وعلينا واجبات وأول واجباتنا المشاركة بكل ما نستطيع من امكانات للدفاع عن أمتنا العربية والذود عن كل شبر من أرضها يتعرض لعدوان أجنبي
الاهتمام بالمرأة -7
تنطلق مسيرة النهضة النسائية في دولة الإمارات العربية المتحدة من إيمان صاحب السمو الشيخ زايد بأهمية دور المرأة في المجتمع وضرورة مشاركتها في مجالات الحياة المتعددة
وقد كان لسموه الفضل الأول بعد الله عز وجلّ في تشجيع المرأة على التعليم ففتح لها المدارس وساعدها في الوصول إلى جميع مراحل التعليم فحصلت على اعلى الشهادات الجامعية ، وشجعها على استكمال دراستها العليا ، فشاركت المرأة الرجل في البعثات للحصول على أعلى الشهادات الدراسية في مختلف التخصصات
وفي نفس الوقت فتح صاحب السمو الشيخ زايد أبواب العمل أمام المرأة فأصبحت الطبيبة والمدرسة والصحفية والمذيعة والمشرف الاجتماعية وعملت في كل المجالات التي يمكن أن تستوعب جهد المرأة وتتناسب مع طبيعتها
وإذا كان دور المرأة الفاعل يؤكد وجوده الآن في دولة الامارات العربية المتحدة فإن الفضل يرجع أولا لله تعالى ومن ثم إلى الجهود التي قامت وتقوم بها صاحبة السمو الشيخة فاطمة بنت مبارك قرينة صاحب السمو رئيس الدولة ، وبفضل ما قامت به سموها ظهر الى الوجود أول تجمع نسائي في دولة الامارات فبعد دراستها لشكل ومضمون هذا التجمع والدور الذي يمكن أن يقوم به ، تقدمت سموها بمشروعها إلى الوالد الشيخ زايد الذي وافق على الفور وهكذا ظهر في الدولة أول تجمع نسائي وكان ذلك في العام 1973
وخلال فترة زمنية قصيرة استطاعت صاحبة السمو الشيخة فاطمة بنت مبارك أن تحقق الحلم الكبير حيث نجحت في تكوين اتحاد نسائي واحد ضم كل الجمعيات النسائية
ومن أقوال صاحبة السمو الشيخة فاطمة بنت مبارك عن المرأة بدولة الإمارات العربية المتحدة
" لقد وقف صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ومعه إخوانه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات ليضربوا بمعاول الهدم على جدران التخلف ، ولم يكن من الممكن إحداث التغيير الاجتماعي في رأي قائد المسيرة دون النهوض بالمرأة وخروجها للحياة العامة دون الإخلال بالتقاليد العربية والإسلامية "
الخاتمة
لقد كان الشيخ زايد – رحمه – يعرف بــ " والد الأمة " . توفي في نوفمبر 2022 . وتتواصل رؤيته، رحمه الله، في نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة في المستقبل بعد أن تولي ابنه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مقاليد الحكم، خلفاً لوالده كرئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة.