شحالكم
اخباركم
ما بطول عليكم بالموضوع أبى تقرير عن الايجاز والاطناب يكون فيه كتابين وموقع
واستعيلو شوي لو سمحتو ا
اريد اسلمه عقب العيد
شكرا لكم
- الاجاز ولاطناب 1111.doc (79.0 كيلوبايت, 1443 مشاهدات)
شحالكم
اخباركم
ما بطول عليكم بالموضوع أبى تقرير عن الايجاز والاطناب يكون فيه كتابين وموقع
واستعيلو شوي لو سمحتو ا
اريد اسلمه عقب العيد
شكرا لكم
——————————————————————————–
المقدمة
اعلم أنهما من أعظم أنواع البلاغة حتى نقل صاحب سر الفصاحة عن بعضهم أنه قال: اللغة هي الإيجاز والإطناب.
قال صاحب الكشاف: كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع أنشد الجاحظ: يرمون بالخطب الطوال وتارة وحي المال حظ خيفة الرقباء واختلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أولا وهي داخلة في قسم الإيجاز.فالسكاكي وجماعة على الأول لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة لأنهم فسروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة وفسروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف والإطناب أداؤه بأكثر منها لكون المقام خليقًا بالبسط.
وابن الأثير وجماعة على الثاني فقالوا: الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد والإطناب بلفظ أزيد.
وقال القزويني: الأقرب أن يقال: إن المنقول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله إما بلفظ مساوللأصل المراد أوناقص عنه واف أوزائد عليه لفائدة.
والأول المساواة والثاني الإيجاز والثالث الإطناب.واحترز بواف عن الإخلال وبقولنا لفائدة عن الحشووالتطويل فعنده ثبوت المساواة واسطة وأنها من قسم المقبول.
فإن قلت: عدم ذكرك المساواة في الترجمة لماذا هل هولرجحان نفيها أوعدم قبولها أولأمر غير ذلك قلت: لهما ولأمر ثالث وهوا المساواة لا تكاد توجد خصوصًا في القرآن وقد مثل لها في التلخيص بقوله تعالى {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} وفي الإيضاح بقوله {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} وتعقب بأن في الآية الثانية حذف موصوف الذين وفي الأولى إطناب بلفظ السيء لأن المكر لا يكون إلا سيئًا وإيجاز بالحذف إن كان الاستثناء غير مفرغ: أي بأحد وبالقصر في الاستثناء وبكونها حادثة على كف الأذى عن جميع الناس محذرة عن جميع ما يؤدي إليه وبأن تقديرها يضر بصاحبه مضرة بليغة فأخرج الكلام مخرج الاستعارة التبعية الواقعة على سبيل التمثيل لأن يحيق بمعنى يحيط فلا يستعمل إلا في الأجسام.
تنبيه الإيجاز والاختصار بمعنى واحد كما يؤخذ من المفتاح وصرح به الطيبي.
وقال بعضهم: الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف الإيجاز.
قال الشيخ بهاء الدين: وليس بشيء.
والإطناب قيل بمعنى الإسهاب والحق أنه أخص منه فإن الإسهاب التطويل لفائدة أولا لفائدة ذكره التنوخي وغيره.
فصل الإيجاز قسمان: إيجاز قصر وإيجاز حذف.
فالأول هو الوجيز بلفظه.
قال الشيخ بهاء الدين: الكلام القليل إن كان بعضًا من كلام أطول منه فهوأجاز حذف وإن كان كلامًا يعطي معنى أطول منه فهوإيجاز قصر.
وقال بعضهم: إيجاز القصر هوتكثير المعنى بتقليل اللفظ.
وقال آخر: هوأن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة وسبب حسنه أنه يدل على التمكن في الفصاحة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم أوتيت جوامع الكلم وقال الطيبي في التبيان: الإيجاز الخالي من الحذف ثلاثة أقسام أحدها: إيجاز القصر وهوأن تقصر اللفظ على معناه كقوله {إنه من سليمان} إلى قوله {وائتوني مسلمين} جمع في أحرف العنوان والكتاب والحاجة.
وقيل في وصف بليغ: كانت ألفاظه قوالب معناه.
قلت: وهذا رأي من يدخل المساواة في الإيجاز.
الثاني: إيجاز التقدير وهوأن يقدر معنى زائد على المنطوق ويسمى بالتضييق أيضًا وبه سماه بدر الدين بن مالك في المصباح لأنه نقص من كلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه نحو فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف أي خطاياه غفرت فهي له لا عليه هدى للمتقين أي الضالين الصائرين بعد الضلال إلى التقوى.
الثالث: الإيجاز الجامع وهوأن يحتوي اللفظ على معان متعددة نحو {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} الآية فإن العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المومى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودية.
والإحسان هو الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث بقوله أن تعبد الله كأنك تراه أي تعبده مخلصًا في نيتك وواقفًا في الخضوع آخذا أهبة الحذر إلى ما لا يحصى {وإيتاء ذي القربى} هو الزيادة على الواجب من النوافل هذا في الأوامر وأما النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية وبالمنكر إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية أوكل محرم شرعًا وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية.
قلت: ولهذا قال ابن مسعود: ما في القرآن آية أجمع للخير والشر من هذه الآية أخرجه في المستدرك.
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه قرأها يومًا ثم وقف فقال: إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئًا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئًا إلا جمعه.
وروى أيضًا عن ابن شهاب في معنى حديث الشيخين بعثت بجوامع الكلم قال: بلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحوذلك ومن ذلك قوله تعالى {خذ العفو} الآية فإنها جامعة لمكارم الأخلاق لأن في أخذ العفوالتساهل والتسامح في الحقوق واللين والرفق في الدعاء إلى الدين وفي الأمر بالمعروف كف الأذى وغض البصر وما شاكلهما من المحرمات وفي الإعراض بالصبر والحلم والتؤدة.
ومن بديع الإيجاز قوله تعالى {قل هو الله أحد} إلى آخرها فإنه نهاية التنزيه وقد تضمنت الرد على نحوأربعين فرقة كما أفرد ذلك بالتصنيف بهاء الدين بن شداد.
وقوله {أخرج منها ماءها ومرعاها} دل بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتًا ومتاعًا للأنام من العشب والشجر والحب والثمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح لأن النار من العيدان والملح من الماء.
وقوله {لا يصدعون عنها ولا ينزفون} جمع فيه جميع عيوب الخمر من الصداع وعدم العقل وذهاب المال ونفاذ الشراب.
وقوله {وقيل يا أرض ابلعي ماءك} الآية أمر فيها ونهى وأخبر ونادى ونعت وسمى وأهلك وأبقى وأسعد وأشقى وقص من الأنباء ما لوشرح ما ندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام وقد أفردت بلاغة هذه الآية بالتأليف.
وفي العجائب للكرماني: أجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم فلم يجدوا مثلها في فخامة ألفاظها وحسن نظمها وجودة معانيها في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال
وقوله تعالى {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} الآية جمع في هذه اللفظة أحد عشر جنسًا من الكلام: نادت وكنت ونبهت وسمعت وأمرت وقصت وحذرت وخصت وعمت وأشارت وعذرت.
فالنداء يا والكناية: أيّ والتنبيه ها والتسمية النمل والأمر ادخلوا والقصص مساكنكم والتحذير لا يحطمنكم والتخصيص سليمان والتعميم جنوده والإشارة وهم والعذر لا يشعرون فأدت خمس حقوق: حق الله وحق رسوله وحقها وحق رعيتها وحق جنود سليمان.
وقوله {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الآية جمع فيها أصول الكلام: النداء والعموم والخصوص والأمر والإباحة والنهي والخبر.
وقال بعضهم: جمع الله الحكمة في شطر آية كلوا واشربوا ولا تسرفوا وقوله تعالى {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} الآية قال ابن العربي: هي من أعظم آي في القرآن فصاحة إذ فيها أمران ونهيان وخبران وبشارتان.
وقوله {فاصدع بما تؤمر قال ابن أبي الأصبع: المعنى صرح بجميع ما أوحى إليك وبلغ كل ما أمرت ببيانه وإن شق بعض ذلك على بعض القلوب فانصدعت والمشابة بينهما فيما يؤثره التصريح في القلوب فيظهر أثر ذلك على ظاهر الوجوه من القبض والانبساط ويلوح عليها من علامات الإنكار والاستبشار كما يظهر على ظاهر الزجاجة المصدوعة فانظر إلى جليل هذه الاستعارة وعظم إيجازها وما انطوت عليه من المعاني الكثيرة.
وقد حكى أن بعض الأعراب لما سمع هذه الآية سجد وقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام أه.
وقوله تعالى وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين قال بعضهم: جمع بهاتين اللفظتين ما لواجتمع الخلق كلهم على وصف ما فيها على التفصيل لم يخرجوا عنه
وقوله تعالى {ولكم في القصاص حياة} فإن معناه كثير ولفظه قليل لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعيًا إلى أن لا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض وكان ارتفاع القتل حياة لهم.
وقد فضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى وهوقولهم: القتل أنفى للقتل بعشرين وجهًا أوأكثر.
وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال: لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك.
الأول: أن ما يناظره من كلامهم وهوقولهم القصاص حياة أقل حروفًا فإن حروفه عشرة وحروف القتل أنفى للقتل أربعة عشر.
الثاني: أن نفي القتل لا يستلزم الحياة والآية ناصة على ثبوت التي هي الغرض المطلوب منه.
الثالث: أن تنكير حياة يفيد تعظيمًا فيدل على أن في القصاص حياة متطاولة كقوله تعالى {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} ولا كذلك المثل فإن اللام فيها للجنس ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء.
الرابع: أ الآية فيها مطردة بخلاف المثل فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل بل قد يكون أدعى له وهوالقتل ظلمًا وإنما ينفيه قتل خاص وهوالقصاص ففيه حياة أبدًا.
الخامس: أن الآية خالية من تكرار لفظ القتل الواقع في المثل والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه وإن لم يكن مخلًا بالفصاحة.
السادس: أن الآية مستغنية عن تقدير محذوف بخلاف قولهم فإن فيه حذف من التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها وحذف قصاصًا مع القتل الأول وظلمًا مع القتل الثاني والتقدير: القتل قصاصًا أنفى للقتل ظلمًا من تركه.
السابع: أن في الآية طباقًا لأن القصاص يشعر بضد الحياة بخلاف المثل.
الثامن: أن الآية اشتملت على فن بديع وهوجعل أحد الضدين الذي هو الفناء والموت محلًا ومكانًا لضده الذي هو الحياة واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة ذكره في الكشاف وعبر عنه صاحب الإيضاح بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال في عليه.
التاسع: أن في المثل توالي أسباب كثيرة خفيفة وهوالسكون بعد الحركة وذلك مستكره فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به وظهرت بذلك فصاحته بخلاف ما إذا تعقب كل حركة سكون فالحركات تنقطع بالسكنات نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فحبست ثم تحركت فحبست لا تطيق إطلاقها ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره فهي كالمقيدة.
العاشر: أن المثل كالتناقض من حيث الظاهر لأن الشيء لا ينفي نفسه.
الحادي عشر: سلامة الآية من تكرير قلقلة القاف الموجب للضغط والشدة وبعدها عن غنة النون.
الثاني عشر: اشتمالها على حروف متلائمة لما فيها من الخروج من القاف إلى الصاد إذا القاف من حروف الاستعلاء والصاد من حروف الاستعلاء والإطباق بخلاف الخروج من القاف إلى التاء التي هي حرف منخفض فهوغير ملائم للقاف وكذا الخروج من الصاد إلى الحاء أحسن من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد ما دون طرف اللسان وأقصى الحلق.
الثالث عشر: في النطق بالصاد والحاء والتاء حسن الصوت ولا كذلك تكرير القاف والتاء.
الرابع عشر: سلامتها من لفظ القتل المشعر بالوحشة بخلاف لفظ الحياة فإن الطباع أقبل له من لفظ القتل.الخامس عشر: أن لفظ القصاص مشعر بالمساواة فهومنبئ عن العدل بخلاف مطلق القتل.
السادس عشر: الآية مبنية على الإثبات والمثل على النفي والإثبات أشرف لأنه أول والنفي ثان عنه.
السابع عشر: أن المثل لا يكاد يفهم إلا بعد فهم أن القصاص هو الحياة.
وقوله {في القصاص حياة مفهوم من أول وهلة.
الثامن عشر: أن في المثل بناء أفعل التفضيل من فعل متعد والآية سالمة منه.
التاسع عشر أن أفعل في الغالب يقتضي الاشتراك فيكون ترك القصاص نافيًا للقتل ولكن القصاص أكثر نفيًا وليس الأمر كذلك والآية سالمة من ذلك.
العشرون: إن الآية رادعة عن القتل والجرح معًا لشمول القصاص لهما والحياة أيضًا في قصاص الأعضاء لأن قطع العضوينقص أوينغص مصلحة الحياة وقد يسري إلى النفس فيزيلها ولا كذلك المثل في أول الآية ولكم وفيها لطيفة وهي بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم لتخصيصهم بالمعنى مع وجود فيمن سواهم.
تنبيهات.
الأول ذكر قدامة من أنواع البديع الإشارة وفسرها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمة.
وهذا هوإيجاز القصر بعينه لكن فرق بينهما ابن أبي الأصبع بأن الإيجاز دلالته مطابقة ودلالة الإشارة إما تضمن أوالتزام فعلم منه أن المراد بها ما تقدم في مبحث المنطوق.
الثاني: ذكر القاضي أبو بكر في إعجاز القرآن أن من الإيجاز نوعًا يسمى التضمين وهوحصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هي عبارة عنه.
قال: وهونوعان.
أحدهما: ما يفهم من البينة كقوله معلوم فإنه يوجب أنه لا بد من عالم.
والثاني: من معنى العبارة كبسم الله الرحمن الرحيم فإنه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه هلى جهة التعظيم لله تعالى والتبرك باسمه.
الثالث: ذكر ابن الأثير وصاحب عروس الأفراح وغيرهما من أنواع إيجاز القصر باب الحصر سواء كان بإلا أوبإنما أوغيرها من أدواته لأن الملة فيها نابت مناب جملتين وباب العطف لأن حرفه وضع للإعناء عن إعادة العامل وباب النائب عن الفاعل لأنه دل على الفاعل بإعطائه حكمه وعلى المفعول بوسعه وباب الضمير لأنه وضع الاستغناء به عن الظاهر اختصارًا ولذا لا يعدل إلى المنفصل مع إمكان المتصل وباب علمت أنك قائم لأنه محتمل لاسم واحد سد مسد لمفعولين من غير حذف ومنها باب التنازع إذا لم نقدر على رأي الفراء ومنها طرح المفعول اقتصارًا على جعل المتعدي كاللازم وسيأتي تحريره ومنها جمع أدوات الاستفهام والشرط فإن كم مالك يغني عن قولك أهوعشرون أم ثلاثون وهكذا إلى ما لا يتناهى ومنها الألفاظ اللازمة للعموم كأحد ومنها لفظ التثنية والجمع فإنه يغني عن تكرير المفرد وأقيم الحرف فيهما مقامه اختصارًا.ومما يصلح أن يعد من أنواعه المسمى بالاتساع من أنواع البديع وهوأن يأتي بكلام يتسع فيه التأويل بحسب ما يحتمله ألفاظه من المعاني كفواتح السور وذكرها بن أبي الأصبع.
القسم الثاني من قسمي الإيجاز: إيجاز الحذف وفيه فوائد ذكر أسبابه: منها مجرد الاختصار والاحتراز عن العبث لظهوره.
ومنها التنبيه على أن الزمان يتقاصر عن الإتيان بالمحذوف وأن الاشتغال بذكره يفضي إلى تفويت المهم وهذه هي فائدة باب التحذير والإغراء وقد اجتمعتا في قوله تعالى ناقة الله وسقياها فناقة الله تحذير بتقدير ذروا وسقياها إغراء بتقدير ألزموا.
ومنها التفخيم والإعظام لما فيه من الإبهام.
قال حازم في منهاج البلغاء: إنما يحسن الحذف لقوة الدلالة عليه أويقصد به تعديد أشياء فيكون في تعدادها طول وسآمة فيحذف ويكتفى بدلالة الحال وتترك النفس تجول في الأشياء المكتفى بالحال عن ذكرها.
قال: ولهذا القصد يؤثر في المواضع التي يراد بها التعجب والتهويل على النفوس ومنه قوله في وصف أهل الجنة {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} فحذف الجواب إذا كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى فجعل الحذف دليلًا على صدق الكلام عن وصف ما يشاهدونه وتركت النفوس تقدر ما شاءته ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك وكذا قوله {ولو ترى إذ وقفوا على النار} أي لرأيت أمرًا فظيعًا لا تكاد تحيط به العبارة.
ومنها: التخفيف لكثرة دورانه في الكلام كما في حذف حرف النداء نحو {يوسف أعرض} ونزن ولم يكن والجمع السالم ونمه قراءة {والمقيمي الصلاة} وياء {والليل إذا يسر} وسأل المورج السدوسي الأخفش عن هذه الآية فقال: عادة العرب أنها إذا عدلت بالشيء عن معناه نقصت حروفه والليل لما كان لا يسري وإنما يسري فيه نقص منه حرف كما قال تعالى {وما كانت أمك بغيًا} الأصل بغية فلما حول فاعل عن نقص منه حرف.
ومنها: كونه لا يصلح إلا له نحو {عالم الغيب والشهادة} {فعال لما يريد} ومنها: شهرته حتى يكون ذكره وعدمه سواء.
قال الزمخشري: هونوع من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال وحمل عليه قراءة حمزة تساءلون به والأرحام لأن هذا مكان شهر بتكرر الجار فقامت الشهرة مقام الذكر.
ومنها: صيانته عن ذكره تشريفًا كقوله تعالى {قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات} الآيات حذف فيها المبتدأ في ثلاثة مواضع قبل ذكر الرب: أي هورب والله ربكم و الله رب المشرق لأن موسى استعظم حال فرعون وإقدامه على السؤال فأضمر اسم الله تعظيمًا وتفخيمًا ومثله في عروس الأفراح بقوله تعالى رب أرني أنظر إليك أي ذاتك.
ومنها: صيانة اللسان عنه تحقيرًا له نحو صم بكم أي هم أوالمنافقون.
ومنها: قصد العموم نحو وإياك نستعين أي على العبادة وعلى أمورنا كلها والله يدعوإلى دار السلام أي كل واحد.
ومنها: رعاية الفاصلة نحو {ما ودعك ربك وما قلى} أي وما قلاك.
ومنها: قصد البيان بعد الإبهام كما في فعل المشيئة نحو {فلو شاء لهداكم} أي فلوشاء هدايتكم فإنه إذا سمع السامع فلوشاء تعلقت نفسه بما شاء أنبهم عليه لا يدري ما هو فلما ذكر الجواب استبان بعد ذلك وأكثر ما يقع ذلك بعد أداة شرط لأن مفعول المشيئة مذكور في جوابها وقد يكون مع غيرها استدلالًا بغير الجواب نحو {ولا يحيطون بشيء من عمله إلا بما شاء} وقد ذكر أهل البيان أن مفعول المشيئة والإرادة لا يذكر إلا إذا كان غريبًا أوعظيمًا نحو {لمن شاء منكم أن يستقيم} {لو أردنا أن نتخذ لهوًا} وإنما أطرد أوكثر حذف مفعول المشيئة دون سائر الأفعال لأنه يلزم من وجود المشيئة وجود المشاء فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب لا يمكن أن تكون إلا مشيئة الجواب ولذلك كانت الإرادة مثلها في أطرد حذف مفعولها ذكره الزملكاني والتنوخي في الأقصى القريب.
قالوا: وإذا حذف بعد لوفهوالمذكور في جوابها أبدًا.
وأورد في عروس الأفراح {وقالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة} فإن المعنى: لوشاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة لأن المعنى معين على ذلك.
فائدة قال الشيخ عبد القاهر: ما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره وسمي ابن جني الحذف شجاعة العربية لأنه يشجع على الكلام.
قاعدة في حذف المفعول اختصارًا واقتصارًا.
قال ابن هشام: جرت عادة النحويين أن يقولوا بحذف المفعول اختصارًا واقتصارًا.
ويريدون بالاختصار الحذف لدليل ويريدون بالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو كلوا واشربوا أي أوقعوا هذين الفعلين والتحقيق ا يقال: يعني كما قال أهل البيان: تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه ومن أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندًا إلى فعل كون عام فيقال حصل حريق أونهب وتارة يتعلق بالإعلام بمجرد إيقاع الفعل للفاعل فيقتصر عليهما ولا يذكر المفعول ولا ينوي إذ المنوي كالثابت ولا يسمى محذوفًا لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة مالا مفعول له ومنه {ربي الذي يحيي ويميت} {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} {كلوا واشربوا ولا تسرفوا} {وإذا رأيت ثم} إذ المعنى: ربي الذي يفعل الإحياء والإماتة وهل يستوي من يتصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم وأوقعوا الأكل والشرب وذروا الإسراف ز إذا حصلت منك رؤية ومنه {ولما ورد ماء مدين} الآية ألا ترى أن عليه الصلاة والسلام رحمهما إذ كانتا على صفة الذيان وقومهما على السقي لا لكون مذودهما غنمًا وسقيهم إبلًا وكذلك المقصود من لا نسقي السقي لا المسقي ومن لم يتأمل قدر يسقون إبلهم وتذودان غنمهما ولا نسقي غنمًا وتارة يتصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله فيذكران نحو {لا تأكلوا الربا} {ولا تقربوا الزنا} وهذا النوع الذي إذا لم يذكر محذوفه قيل محذوف وقد يكون اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره نحو {أهذا الذي بعث الله رسولًا} {وكل وعد الله الحسنى} وقد يشتبه الحال في الحذف وعدمه نحو {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} قد يتوهم أن معناه نادوا فلا حذف أوسموا فالحذف واقع.
ذكر شروطه: هي ثمانية.
أحدها: وجود دليل إما حالي نحو {قالوا سلامًا} أي سلمنا سلامًا أومقالي نحو {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا} أي أنزل خيرًا قال سلام قوم منكرون أي سلام عليكم أنتم قوم منكرون.
ومن الأدلة العقل حيث يستحيل صحة الكلام عقلا إلا بتقدير محذوف ثم تارة يدل على أصل الحذف من غير دلالة على تعيينه بل يستفاد التعيين من دليل آخر نحو حرمت عليكم الميتة فإن العقل يدل على أنها ليست المحرمة لأن التحريم لا يضاف إلى الإجرام وإنما هووالحل يضافان إلى الأفعال فعلم العقل حذف شيء.
وأما تعيينه وهوالتناول فمستفاد من الشرع وهوقوله صلى الله عليه وسلم إنما حرم أكلها لأن العقل لا يدرك محل الحل ولا الحرمة.
وأما قول صاحب التلخيص أنه من باب دلالة العقل أيضًا فتابع به السكاكي من غير تأمل أنه مبني على أصول المعتزلة.
وتارة يدل العقل أيضًا على التعيين نحو وجاء ربك أي أمره بمعنى عذابه لأن العقل دل على استحالة مجيء الباري لأنه من سمات الحادث وعلى أن الجاني أمره أوفوا بالعقود {وأوفوا بعهد الله} أي بمقتضى العقود وبمقتضى عهد الله لأن العقد والعهد قولان قد دخلا في الوجود وانقضيا فلا يتصور فيهما وفاء ولا نقض وإنما الوفاء والنقض بمقتضاهما وما ترتب عليهما من أحكامهما وتارة تدل على التعيين العادة نحو {فذلكن الذي لمتنني فيه} دل العقل على الحذف لأن يوسف لا يصح ظرفًا للوم ثم يحتمل أن يقدر لمتنني في حبه لقوله {قد شغفها حبًا} وفي مراودتهما لقوله {تراود فتاها} والعادة دلت على الثاني لأن الحب المفرط لا يلام صاحبه عليه عادة لأنه ليس اختياريًا بخلاف المراودة للقدرة على دفعها.
وتارة يدل على التصريح به في موضع آخر وهوأقواها نحو {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} أي أمره بدليل {أو يأتي أمر ربك} {وجنة عرضها السموات} أي كعرض بدليل التصريح به في آية الحديد {رسول من الله} أي من عند الله وبدليل ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معه ومن الأدلة على أصل الحذف العادة بأن يكون العقل غير مانع من إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف نحو نعلم قتالًا لا تبعناكم أي مكان قتال والمراد مكانًا صالحًا للقتال وإنما كان كذلك لأنهم كانوا أخير الناس بالقتال ويتعيرون بأن يتفوهوا بأنهم لا يعرفونه فالعادة تمنع أن يريدوا لونعلم حقيقة القتال: فلذلك قدره مجاهد مكان قتال ويدل عليه أنهم أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يخرج من المدينة ومنها الشروع في الفعل نحوبسم الله فيقدر ما جعلت التسمية مبدأ له فإن كانت عند الشروع في القراءة قدرت اقرأ أوالأكل قدرت آكل وعلى هذا أهل البيان قاطبة خلاف لقول النحاة: إنه يقدر ابتدأت أوابتدائي كائن بسم الله ويدل على صحة الأول التصريح به في قوله {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها} وفي حديث باسمك ربي وضعت جنبي.ومنها: الصناعة النحوية كقولهم في لا أقسم لأن فعل الحال لا يقسم عليه وفي تالله تفتؤ التقدير: لا تفتؤ لأنه لوكان الجواب مثبتًا دخلت اللام والنون كقوله {وتالله لأكيدن} وقد توجب صناعة التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه كقولهم في لا إله إلا الله: إن الخبر محذوف: أي موجود وقد أنكره الإمام فخر الدين وقال: هذا كلام لا يحتاج إلى تقدير وتقدير النحاة فاسد لأن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلًا على سلب الماهية مع القيد وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر.
ورد بأن تقديرهم موجود ويستلزم نفي كل إله غير الله قطعًا فإن العدم لا كلام فيه فهوفي الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة ثم لا بد من تقدير خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر ظاهر أومقدر وإنما يقدر النحوي ليعطي القواعد حقها وإن كان المعنى مفهومًا.
تنبيه قال ابن هشام: إنما يشترط الدليل فيما إذا كان المحذوف الجملة بأسرها أوأحد ركنيها أويفيا معنى فيها هي مبنية عليه نحو {تالله تفتؤ} أما الفلة فلا يشترط لحذفها وجدان دليل بل يشترط أن لا يكون في حذفها ضرر معنوي أوصناعي.
قال: ويشترط في الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف.
ورد قول القراء في {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين} أن التقدير: بل ليحسبنا قادرين لأن الحسبان المذكور بمعنى الظن والقدر بمعنى العلم لأن التردد في الإعادة كفر فلا يكون مؤمورًا به.
قال: والصواب فيها قول سيبويه: إن قادرين حال: أي بل نجمعها قادرين إذ فعل الجمع أقرب من فعل الحسبان ولأن بلا لإيجاب المنفى وهوفيها فعل الجمع.
الشرط الثاني: أن لا يكون المحذوف كجزأ ومن ثم لم يحذف الفاعل ولا نائبه ولا اسم كان وأخواتها.
قال ابن هشام: وأما قول بن عطية في بئس مثل القوم: إن تقدير بئس المثل مثل القول فإن أراد تفسير الإعراب وأن الفاعل لفظ المثل محذوفًا فمردود وإن أراد تفسير المعنى وأن في بئس ضمير المثل مستترًا فسهل.
الثالث: أن لا يكون مؤكدًا لأن الحذف مناف للتأكيد إذا الحذف مبني على الاختصار والتأكيد مبني على الطول ومن ثم رد الفارسي على الزجاج في قوله في إن هذان لساحران أن التقدير: إن هذان لهما ساحران فقال: الحذف والتوكيد باللام متنافيان وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافي بينهما لأن المحذوف لدليل كالثابت.
الرابع: أن لا يؤدي حذفه إلى اختصار المختصر ومن ثم لم يحذف اسم الفعل لأنه اختصار للفعل.
الخامس: أن لا يكون عاملًا ضعيفًا فلا يحذف الجار والناصب للفعل والجازم إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل.
السادس: أن لا يكون المحذوف عوضًا عن شيء ومن ثم قال ابن مالك: إ حرف النداء ليس عوضًا عن ادعوا لإجازة العرب حذفه ولذا أيضًا لم تحذف التاء من إقامة واستقامة وأما وأقام الصلاة فلا يقاس عليه ولا خبر كان لأنه عوض أوكالعوض من مصدرها.
السابع: أن لا يؤدي حذفه إلى تهيئة العامل القوي ومن ثم لم يقس على قراءة وكلا وعد الله الحسني.
فائدة اعتبر الأخفش في الحذف التدريج حيث أمكن ولهذا قال في قوله تعالى واتقوا يومًا لا تجزي نفس عن نفس شيئًا أن الأصل لا تجزي فيه فحذف حرف الجر فصار تجزيه ثم حذف الضمير فصار تجزي وهذه ملاطفة في الصناعة ومذهب سيبويه أنهما حذفا معًا.
قال ابن جني: وقول الأخفش أوفق في النفس وآنس من أن يحذف الحرفان معًا في وقت واحد.
قاعدة الأصل أن يقدر الشيء في مكانه الأصلي لئلا يخالف الأصل من وجهين: الحذف ووضع الشيء في غير محله فيقدر المفسر في نحو: زيدًا رأيته مقدمًا عليه وجوز البيانيون تقديره مؤخرًا عنه لإفادة الاختصاص كما قاله النحاة إذا منع منه مانع نحو وأما ثمود فهديناه إذا لا يلي أما فعل.قاعدة ينبغي تقليل المقدر مهما أمكن لتقل مخالفة الأصل ومن ثم ضعف قول الفارسي في واللائي لم يحضن أن التقدير: فعدتهن ثلاثة أشهر والأولى أن يقدر كذلك.
قال الشيخ عز الدين: ولا يقدر من المحذوفات إلا أشدها موافقة للغرض وأفصحها لأن العرب لا يقدرون إلا مالوا لفظوا به لكان أحسن وأنسب لذلك الكلام كما يفعلون ذلك في الملفوظ به نحو {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس} قدر أبوعلي جعل الله نصب الكعبة وقدر غيره حرمة الكعبة وهوأولى لأن تقدير الحرمة في الهدى والقلائد والشهر الحرام لا شك في فصاحته وتقدير النصب فيها بعيد من الفصاحة.
قال: ومهما تردد المحذوف بين الحسن والأحسن وجب تقدير الأحسن لأن الله وصف كتابه بأنه أحسن الحديث فليكن محذوفه أحسن المحذوفات كما أن ملفوظه أحسن الملفوظات.
قال: ومتى تردد بين أن يكون مجملًا أومبينًا فتقدير المبين أحسن ونحو وداود وسليمان إذا يحكمان في الحرث لك أن تقدر في أمر الحرث وفي تضمين الحرث وهوأولى لتعينه والأمر مجمل لتردده بين أنواع.
قاعدة إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلًا والباقي فاعلًا وكونه مبتدأ والباقي خبرًا فالثاني أولى لأن المبتدأ عين الخبر وحينئذ فالمحذوف عين الثابت فيكون حذفًا كلا حذف فأما الفعل فإنه غير الفاعل اللهم إلا أن يعتضد الأول برواية أخرى في ذلك الموضع أوبموضع آخر يشبهه فالأول كقراءة يسبح له فيها بفتح الباء كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله بفتح الحاء فإن التقدير: يسبحه رجال ويوحيه الله ولا يقدران مبتدأن بحذف خبرهما لثبوت فاعلية الاسمين في رواية من بني الفعل للفاعل.
والثاني نحو {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} فتقدير خلقهم الله أولى من الله خلقهم لمجيء {خلقهن العزيز العليم} .
قاعدة إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولًا أوثانيًا فكونه ثانيًا أولى ومن ثم رجح أن المحذوف في نحو أتحاجوني نون الوقاية لا نون الرفع وفي نارًا تلظي التاء الثانية لا تاء المضارعة وفي والله ورسوله أحق أن يرضوه أن المحذوف خبر الثاني لا الأول وفي نحو الحج أشهر أن المحذوف مضاف للثاني: أي حج أشهر لا الأول: أي أشهر الحج وقد يجب كونه من الأول نحو إن الله وملائكته يصلون على النبي في قراءة من رفع ملائكته لاختصاص الخبر بالثاني لوروده بصيغة الجمع وقد يجب كونه من الثاني نحو {إن الله بريء من المشركين ورسوله} أي بريء أيضًا لتقدم الخبر على الثاني.
فصل الحذف على أنواع.
أحدها: ما يسمى بالاقتطاع وهوحذف بعض حروف الكلمة وأنكر ابن الأثير ورود هذا النوع في القرآن ورد بأن بعضهم جعل منه فواتح السور على القول بأن كل حرف منها من اسم من أسمائه كما تقدم وادعى بعضهم أن الباء في {وامسحوا برؤوسكم} أولكلمة بعض ثم حذف الباقي ومنه قراءة بعضه ونادوا يا مال بالترخيم ولما سمعها بعض السلف قال: {ما أغنى أهل النار} عن الترخيم.
وأجاب بعضهم بأنهم لشدة ما هم فيه عجزوا عن إتمام الكلمة ويدخل في هذا النوع حذف همزة إنا في قوله {لكنا هو الله ربي} إذا الأصل لكن أنا حذفت همزة أنا تخفيفًا وأدغمت النون في النون ومثله ما قرئ ويمسك السماء أن تقع على الأرض بما أنزل إليك فمن تعجل في يومين فلثم عليه إنه لحدي الكبر.
النوع الثاني: ما يسمى بالاتفاق وهوأن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي بأحدهما عن الآخر لنكتة ويختص غالبًا بالارتباط العطفي كقوله {سرابيل تقيكم الحر} أي والبرد وخص الحر بالذكر لأن الخطاب للعرب وبالدهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم لأنه أشد عندهم من البرد.
وقيل لأن البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحًا في قوله {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها وفي قوله {وجعل لكم من الجبال أكنانًا} وفي قوله تعالى {والأنعام خلقها لكم فيها دفء} ومن أمثلته هذا النوع بيدك الخير أي والشر وإنما خص الخير بالذكر لأنه مطلوب العباد ومرغوبه أولأنه أكثر وجودًا في العالم أولأن إضافة الشر إلى الله تعالى ليس من باب الآداب كما قال صلى الله عليه وسلم والشر ليس إليك ومنها وله ما سكن في الليل والنهار أووما تحرى وخص السكون بالذكر لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد ولأن كل متحرك يصير إلى السكون.
ومنها {والذين يؤمنون بالغيب} أي والشهادة لأن الإيمان بكل منهما واجب وآثر الغيب لأنه أمدح ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة من غير عكس.
ومنها ورب المشارق أي والمغارب.
ومنها {هدى للمتقين} أي وللكافرين قاله ابن الأنباري ويؤيده في قوله {هدى للناس.
ومنها {إن امرؤ هلك ليس له ولد} أي ولا والد بدليل أنه أوجب للأخت النصف وإنما يكون ذلك مع فقد الأب لأنه يسقطها.
النوع الثالث: ما يسمى بالاحتباك وهومن ألطف الأنواع وأبدعها وقل من تنبه له أونبه عليه من أهل فن البلاغة ولم أره إلا في شرح بديعية الأعمى لرفيقه الأندلسي وذكره الزركشي في البرهان ولم يسمه هذا الاسم بل سماه الحذف المقابلي وأفرده في التصنيف من أهل العصر العلامة برهان الدين البقاعي.
قال الأندلسي في شرح البديعية: من أنواع البديع الاحتباك وهونوع عزيز وهوأ يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول كقوله تعالى {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق} الآية التقدير: ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به فحذف من الأول الأنبياء لدلالة الذي ينعق عليه ومن الثاني الذي ينعق به لدلالة الذين كفروا عليه.وقوله {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء} التقدير تدخل غير بيضاء وأخرجها تخرج بيضاء فحذف من الأول تدخل غير بيضاء ومن الثاني وأخرجها.
وقال الزركشي: وهوأن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كل واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه كقوله تعالى أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلى إجرامي وأنا بريء مما تجرمون التقدير: إن افتريته فعلى إجرامي وأنتم برآء منه وعليكم إجرامكم وأنا بريء مما تجرمون.وقوله {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} فلا يعذبهم.
وقوله {فلا تقربوهن حتى يطهرن} .
{فإذا تطهرن فأتوهن} أي حتى يطهرن من الدم ويتطهرن بالماء فإذا طهرن وتطهرن فأتوهن.
وقوله {خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا} أي عملًا صالحًا بسيء وآخر سيئًا بصالح.
قلت: ومن لطيفه قوله {فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة} أي فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت.
وفي الغرائب للكرماني: في الآية الأولى التقدير: مثل الذين كفروا معك يا محمد كمثل الناعق مع الغنم فحذف من كل طرف ما يدل عليه الطرف الآخر وله في القرآن نظائر وهوأبلغ ما يكون من الكلام انتهى.
ومأخذ هذه التسمية من الحبك الذي معناه الشد والإحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب فحبك الثوب: سد ما بين خيوطه من الفرج وشده وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع الحسن والرونق.
وبيان أخذه منه أن مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخيوط فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كان حائكًا له مانعًا من خلل يطرقه فسد بتقديره ما يحصل به الخلل مع ما أكسبه من الحسن والرونق.
النوع الرابع: ما يسمى بالاختزال وهوما ليس واحدًا مما سبق وهوأقسام لأن المحذوف إما كلمة اسم أوفعل أوحرف أوأكثر.
أمثلة حذف الاسم: حذف المضاف وهوكثير في القرآن جدًا حتى قال ابن جني: في القرآن منه زهاء ألف موضع وقد سردها الشيخ عز الدين في كتابه المجاز على ترتيب السور والآيات ومنه الحج أشهر أي حج أشهرًا أوأشهر الحج ولكن البر من آمن أي ذا البر أوبر من {حرمت عليكم أمهاتكم} أي نكاح أمهاتكم {لاذقناكم ضعف الحياة وضعف الممات} أي ضعف عذاب وفي الرقاب أي وفي تحرير الرقاب.
وحذف المضاف إليه يكثر من ياء المتكلم نحو {رب اغفر لي} وفي الغايات نحو لله الأمر من قبل ومن بعد أي من قبل الغلب ومن بعده.
وفي كل وأي وبعض وجاء في غيرهن كقراءة فلا خوف عليهم بضم بلا تنوين: أي فلا خوف شيء عليهم حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام نحو وما أدراك ماهية نار أي هي نار.وبعد فاء الجواب نحو {من عمل صالحًا فلنفسه} أي فعمله لنفسه {ومن أساء فعليها} أي فإساءته عليها.
وبعد القول نحو {وقالوا أساطير الأولين} قالوا أضغاث أحلام وبعدما الخبر صفة له في المعنى نحو {التائبون العابدون} ونحو {صم بكم عمي} ووقع في غير ذلك نحو {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل} {لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ} أي هذا سورة أنزلناها أي هذه.
ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع حذف الخبر أكلها دائم وظلها أي دائم ويحتمل الأمرين فصبر جميل أي أجمل أوفأمري صبر {فتحرير رقبة} أي عليه.
أوقال واجب حذف الموصوف {وعندهم قاصرات الطرف} أي حور قاصرات أن اعمل سابغات أي دروعًا سابغات أيها المؤمنون أي القوم المؤمنون.
حذف الصفة يأخذ كل سفينة أي صالحة بدليل أنه قرئ كذلك وأن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة الآن جئت بالحق أي الواضح وإلا لكفروا بمفهوم ذلك فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا أي نافعًا.
حذف المعطوف عليه {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} أي فضرب فانفلق.
وحيث دخلت واوالعطف على لام التعليل ففي تخريجه وجهان.
أحدهما: أن يكون تعليلًا معلله محذوف كقوله {وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا} فالمعنى: وللإحسان إلى المؤمنين فعل ذلك.والثاني: أنه معطوف على علة أخرى مضمرة لتظهر صحة العطف: أي فعل ذلك ليذيق الكافرين بئسه وليبلي حذف المعطوف مع العاطف {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح} وقاتل أي ومن أنفق بعده بيدك الخير أي والشر.
حذف المبدل منه خرج عليه {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب} أي لما تصفه والكذب بدل من الهاء حذف الفاعل لا يجوز إلا في فاعل المصدر نحو لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي دعائه الخير وجوزه الكسائي مطلقًا لدليل وخرج عليه إذا بلغت التراقي أي الروح حتى توارت بالحجاب أي الشمس.
حذف المفعول تقدم أنه كثير في مفعول المشيئة والإرادة ويرد في غيرهما نحو إن الذين اتخذوا العجل أي إلهًا كلا سوف تعلمون أي عاقبة أمركم.حذف الحال يكثر إذا كان قولًا نحو {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام} أي قائلين.
حذف المنادى ألا يا اسجدوا أي يا هؤلاء ليت أي يا قوم.
حذف العائد يقع على أربعة أبواب الصلة نحو أهذا الذي بعث الله رسولًا أي بعثه.
والصفة نحو {واتقوا يومًا لا تجزي نفس عن نفس} أي فيه.
والخبر نحو {وكلا وعد الله الحسنى} أي وعده.
والحال حذف مخصوص نعم إنا وجدناه صابرًا نعم العبد أي أيوب فقدرنا فنعم القادرون أي نحن {ولنعم دار المتقين} أي الجنة.حذف الموصول {آمنًا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم} أي والذي أنزل إليكم لأن الذي أنزل إلينا ليس هو الذي أنزل إلى من قبلنا ولهذا أعيدت ما في قوله {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم أمثلة. حذف الفعل يطرد إذا كان مفسرًا نحو {وإن أحد من المشركين استجارك} {إذا السماء انشقت} {قل لو أنتم تملكون} ويكثر في جواب الاستفهام نحو {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا} أي أنزل وأكثر منه.
حذف القول نحو {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا} أي يقولان ربنا.قال أبوعلي: حذف القول من حديث البحر قل ولا حرج ويأتي من غير ذلك نحو انتهوا خيرًا لكم أي وائتوا {والذين تبوءوا الدار والإيمان} أي وألفوا الإيمان أواعتقدوا {اسكن أنت وزوجك الجنة} أي وليسكن زوجك {وامرأته حمالة الحطب} أي أذم {والمقيمين الصلاة} أي امدح ولكن رسول الله أي كان وأن كل لما أي يوفوا أعمالهم أمثلة حذف الحرف.
قال ابن جني في المحتسب: أخبرنا أبوعلي قال: قال أبو بكر حذف الحرف ليس بقياس لأن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار فلوذهبت تحذفها لكنت مختصرًا لها هي أيضًا واختصار المختصر إجحاف به حذف همزة الاستفهام.
قرأ بن محيصن {سواء عليهم أأنذرتهم} وخرج عليه هذا ربي في المواضع الثلاثة وتلك نعمة تمنها أي أوتلك.
حذف الموصول الحرفي.
قال ابن مالك: لا يجوز إلا في أن نحو {ومن آياته يريكم البرق} حذف الجار يطرد مع أن وأنّ نحويمنون عليك أن أسلموا بل الله يمن عليكم أن هداكم أطمع أن يغفر لي أيعدكم أنكم أي بأنكم وجاء مع غيرهما نحو قدرناه منازل أي قدرناه له ويبغونها عوجًا أي لها يخوف أولياءه أ يخوفكم بأولياءه واختار موسى قومه أي من قومه {ولا تعزموا عقدة النكاح} أي على عقدة النكاح حذف العاطف خرج عليه الفارسي {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا} أي وقلت {وجوه يومئذ ناعمة} أي ووجوه عطفًا على وجوه يومئذ خاشعة حذف فاء الجواب خرج عليه الأخفش إن ترك خيرًا الوصية للوالدين حذف حرف النداء كثير {هاأنتم أولاء} يوسف أعرض قال رب إني وهن العظم مني فاطر السموات والأرض وفي العجائب للكرماني: كثر حذف يا في القرآن من الرب تنزيهًا وتعظيمًا لأن في النداء طرفًا من الأمر.
حذف قد في الماضي إذ وقع حالًا نحو أوجاءوكم حصرت صدورهم أنؤمن لك واتبعك الأرذلون.حذف لا لانافية يطرد في جواب القسم إذا كان المنفي مضارعًا نحو تا لله تفتؤا وورد في غيره نحو {وعلى الذين يطيقونه فدية} أي لا يطيقونه وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم أي لئلا تميد.
حذف لام التوطئة وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن وإن أطعتموهم إنكم لمشركون حذف لام الأمر خرج عليه قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا أي ليقيموا.
حذف لام لقد يحسن مع طول الكلام نحو {قد أفلح من زكاها} حذف نون التوكيد خرج عليه قراءة ألم نشرح بالنصب.
حذف نون الجمع خرج عليه قراءة وما هم بضاري به من أحد حذف التنوين خرج عليه قراءة {قل هو الله أحد الله الصمد} {ولا الليل سابق النهار} بالنصب.
حذف حركة الإعراب والبناء خرج عليه قراءة فتوبوا إلى بارئكم ويأمركم وبعولتهن أحق بسكون الثلاثة وكذا أويعفوالذي بيده عقدة النكاح فأواري سوءة أخي ما بقي من الربا أمثلة.
حذف أكثر من كلمة حذف مضافين فإنها من تقوى القلوب أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فقبضت قبضة من أثر الرسول أي من أثر حافر فرس الرسول {تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت} أي كدوران عين الذي وتجعلون رزقكم أي بدل شكر رزقكم حذف ثلاثة متضايقات فكان قاب قوسين أي فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب.حذف ثلاثة 7 من اسم كان وواحد من خبرها.
حذف مفعولي باب ظن {أين شركائي الذين كنتم تزعمون} أي تزعمونهم شركائي.
حذف الجار مع المجرور {خلطوا عملًا صالحًا} أي بسيء وآخر سيئًا أي بصالح.
حذف العاطف مع المعطوف تقدم.
حذف حرف الشرط وفعله يطرد بعد الطلب نحو فاتبعوني يحببكم الله أي إن اتبعتموني {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} أي إن قلت لهم يقيموا وجعل منه الزمخشري {فلن يخلف الله عهده} أي إن اتخذتم عند الله عهدًا فلن يخلف الله وجعل منه أبوحيان {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل} أي إن كنتم آمنتم بما أنزل إليكم فلم تقتلون.
حذف جواب الشرط فإن استطعت ا {تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء} أي فافعل وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون أي أعرضوا بدليل ما بعده أئن ذكرتم أي تطيرتم {ولو جئنا بمثله مددًا} أي لنفذ {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم} أي لرأيت أمرًا فظيعًا {ولو لا فضل الله عليكم ورحمته} {وإن الله رءوف رحيم} أي لعذبكم {لولا أن ربطنا على قلبها} أي لأبدت به {لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم} أي لسلطكم على أهل مكة.
حذف جملة القسم {لأعذبنه عذابًا شديدًا} أي والله.
حذف جوابه {والنازعات غرقًا} الآيات: أي لتبعثن {ص والقرآن ذي الذكر} أي إنه لمعجز {ق والقرآن المجيد} أي ما الأمر كما زعموا.
حذف جملة مسببة عن المذكور نحو {ليحق الحق ويبطل الباطل} أي فعل ما فعل
حذف جمل كثيرة نحو {فأرسلون يوسف أيها الصديق} أي فأرسلون إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له يا يوسف.
خاتمة تارة لا يقام شيء مقام المحذوف كما تقدم وتارة يقام ما يدل عليه نحو {فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم} فليس الإبلاغ هو الجواب لتقدمه على توليهم وإنما التقدير: فإن تولوا فلا لوم علي أوفلا عذر لكم لأني أبلغتكم وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك: أي فلا تحزن واصبر {وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين} : أي يصيبهم مثل ما أصابهم.
فصل كما انقسم الإيجاز إلى إيجاز قصر وإيجاز حذف كذلك انقسم الأطناب إلى بسط وزيادة فالأول الإطناب بتكثير الجمل كقوله تعالى {إن في خلق السموات والأرض} الآية في سورة البقرة أطنب فيها أبلغ إطناب لكون الخطاب مع الثقلين وفي كل عصر وحين للعالم منهم والجاهل والموافق منهم والمنافق.
– الإيجاز :
ôهو التعبير عن الأفكار الواسعة و المعاني الكثيرة بأقل عدد من الألفاظ .
وهو نوعان :
أ – الإيجاز بالحذف : ويكون بحذف كلمة أو جملة أو أكثر مع تمام المعنى .
مثل :
ôو جاهدوا في × الله حق جهاده . أي في سبيل الله .
ôو اسأل × القرية أي أهل القرية .
ôخلقت × طليقاً أي خلقك الله طليقاً .
ب – الإيجاز بالقصر : ويكون بتضمين العبارات القصيرة معاني كثيرة من غير حذف
مثل :
ô قال تعالى: " أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ " العبارة توضح معاني كثيرة تتعلق بالخالق و عظمته و قدرته و وحدانيته …. إلخ .
ô" ولكم في القصاص حياة " العبارة توضح معاني كثيرة من تخويف للقاتل و حقن للدماء و شعور بالأمن والأمان …إلخ .
ô قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – : إذا لم تستح فاصنع ما شئت !! رواه البخاري.
وفي قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ، الكثير من المعاني التي يحملها ذلك الأمر التهديدي ، ومعناه أنه إذا انتزع الحياء من نفس الإنسان فقد يعمد إلى عمل الفواحش والمنكرات بأنواعها ، سراً وجهراً ، قولاً وعملاً ، ولكن العاقل يدرك أن وراء هذا القول ما وراءه من تهديد ووعيد ، فمن يقدم على ذلك ، فالحساب أمامه والعقاب ينتظره .
ôجاء في رسالة الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى كسرى : أسلم تَسْلَمْ رواه البخاري.
وفي قول الرسول ( أسلم تسلم) غاية الإيجاز ، ومنتهى الاختصار ، فمعنى هاتين الكلمتين : اعرف الإسلام ، وادخل فيه ، وسلِّم أمرك للَّه ، بالانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك ، فإن تحقق ذلك سلمت نفسك من العذاب وسلطانك من الانهيار
هام جداً :
الفرق بين نوعي الإيجاز ، هو أن إيجاز القصر يُقدَّر فيه معان كثيرة ، أما إيجاز الحذف فغايته هي اختصار الكلام وقلة ألفاظه.
سر جمال الإيجاز :
إثارة العقل وتحريك الذهن ، وإمتاع النفس .
لبيان نوع الإيجاز في العبارات الآتية :
(1) – قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام.
(2) – و قال تعالى: {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}
(85) سورة يوسف(3) – و قال تعالى: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا}
(31) سورة النازعات.(4) – و قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}
(106) سورة آل عمران.(5) – وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}
(31) سورة الرعد.(6) – وقال أبو الطيب : أتَى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيبَتِهِ فَسَرّهُمْ وَأتَينَاهُ عَلى الهَرَمِ
(7) – أكلتُ فاكهةً و ماءً.
الإجابة :
(1) – في الآية إيجاز قِصَر ، لأن كلمة {الأمن } يدخل تحتها كل أمر محبوب ، فقد انْتَفَى بها أن يخافوا فقرًا ، أَو موتاً ، أو جوْراً ، أو زوال نعمة ، أو غير ذلك من أصناف المكاره .
(2) – في الآية إيجاز حذف ؛ لأن المعنى {تالله لا تفتأ تذكر يوسف}
فحذف حرف النفي.(3) – في الآية إيجاز قصر ، فقد دل الله سبحانه بكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا و متاعاً للناس من العُشب والشجر والحطب واللِّباس والنار و الماء .
(4) – في الآية إيجاز حذف ، فقد حُذف جوابُ أَمَّا ، وأصل الكلام : {فيقال لهم أكفرتم بعْد إيمانكم }.
(5) – في الآية إيجاز بحذف جواب لو ، إذ تقدير الكلام لكان هذا القرآن .
(6) – في البيت إيجاز بحذف جملة : و التقدير و أتيناه على الهَرم فساءنَا.
(7) – في العبارة إيجاز حذف جملة ، إذ التقدير و شَربْت ماء .
(أ) – بين نوع الإيجاز فيما يأتي ووضح السبب :
(1) – قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} (91) سورة المؤمنون
(2) – وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
(199) سورة الأعراف(3) – وقال عليه الصلاة والسلام : « إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا » .
(4) – وقال تعالى في وصف الجنة: {.. وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ..}
(71) سورة الزخرف.(5) – و قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}
(51) سورة سبأ .(7) – وقال صلى الله عليه وسلم : " الطمعُ فقرٌ واليأسُ غِنًى " .
(8) – وقال علي – كرم اللَه وجهه -: " آلَةُ الرِّيَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ" .
(9) – ويُنْسب للسموءل : وإِنْ هُو لَمْ يَحْمِلْ على النَّفْسِ ضَيْمَها *** فَلَيْسَ إلى حُسْنِ الثَّناءِ سبيلُ
(10) – و قال تعالى في وصف انتهاء حادثة الطوفان {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
(44) سورة هود .(ب) – بيِّنْ جمالَ الإِيجاز فيما يأتي و اذكر من أيِّ نوعٍ هو :
(1) – كتب طاهرُ بن الحسين إلى المأمون وكان واليَهُ على عُمَاله بعد هزمه عسْكر علي بن عيسى بن ماهان [من كبار القادة في عصر الرشيد و الأمين] و قتله إِياه : كتابي إِلى أَمير المؤمنين، ورأْسُ علي بن عيسى بن ماهان بين يدَي، وخَاتمُهُ في يدي، و عسكَرُه مُصرَّف تحت أمري والسلام .
(2) – وخطب زياد فقال : أيها الناس لا يَمْنعكم سوءُ ما تَعْلمون منَّا أن تنَنْتفعوا بأحْسَنِ ما تسمعون منّا.
(جـ) – بين ما في التوقيعات الآتية من جمالِ الإيجاز :
(1) – وقَّع أبو جعفر المنصور في شكوى قوم من عاملهم : كما تكونوا يؤمَّر عليكم .
(2) – وكتب إليه صاحبُ مِصْر بنُقْصان النيل فوقع : طهِّرْ عسكركَ من الفسادِ يعطِكَ النيلُ القيادْ .
(3) – ووقع على كتاب لعامله على حِمص و قد كثُر فيه الخطأ : استبدِل بكاتبك، وإلا أستُبْدِل بك .
(4) – وكتب إِليه صاحب الهند أنَّ جُنْدًا شغبوا عليه و كَسروا أقْفالَ بيتِ المال ، فَوقَّع : لو عدلْت لَمْ يشْغبُوا ولو وفَيْت لَمْ ينتهِبُوا .
(5) – ووقع هارون الرشيد إلى صاحب خراسان : داوِ جُرْحكَ لا يتسعْ .
(6) – ووقع في قصة البرامكة : أنبتتهم الطاعة ، و حصدتْهُم المعصية .
(7) – وكتب إِبراهيم بن المهْدي في كلام للمأمون : إن عفوت فبفضلك، وإن أَخذتَ فبحقك. فوقَع المأمون: القُدْرة تُذهبُ الحفيظَة .
(8) – ووقع زِياد بنُ أبيه في قصة مُتظلم : كُفِيتَ.
(9) – ووقَّع جعفر بن يحيى [من قادة البرامكة] لعامل كَثُرَتِ الشكوى منه: كثُر شاكوك ، و قلَّ شاكرُوك ، فإما عدلْت ، وإِمَّا اعْتَزَلْت .
(10) – ووقع في قصة محبوس: الجناية حسبهُ ، والتوبةُ تطلقه .
(د) – اقرأ الحكاية الآتية وبين وجه الإيجاز و نوعه فيما يعرض فيها من أمثال :
كَان لرجل من الأعراب اسمه ضَبَّةُ ابنان . يقال لأحدهما سعْد و للآخر سُعيْد ، فنَفَرتْ إبل لضبة فتفرق ابناه في طلبها ، فوجدها سعد فردها ، فمضى سُعيْد في طلبها ، فلقيه الحارث بن كعب ، وكان على الغلام بُرْدان ؛ فسأله الحارث إياهما فأبى عليه فقتله وأخذ برديه ، فكان ضبة إذا أمسى ورأى تحت الليل سوادًا قال : أسعد أَمْ سُعيْد ؟ فذهب قوله مثلا يُضرب في النجاح والخيبة ، ثم مكث ضبة بعد ذلك ما شاء الله أَن يمكث ، ثم إنه حج فوافى عُكاظ فلقي بها الحارث بن كعب ، ورأى عليه بُرْدي ابنه سُعيْد ، فعرفهما ، فقال له : هل أَنت مخبري ما هذان البردان اللذان عليك ؟ قال لقيت غلاماً يوماً وهما عليه فسألته إياهما فآبى عليَّ فقتلته فأخذتهما ، فقال ضبة : بسيفك هذا ؟ قال : نعم ، قال : أرنيه فإِني أظنه صارماً ؟ فأعطاه الحارث سيفه ، فلما أخذه هزَّه و قال : الحديثُ ذو شُجُون ثم ضربه به فقتل ! ، فقيل له يا ضَبة: أفي الشهر الحرام ؟ فقال : سبقَ السيفُ العذل [اللوم] فهو أول من سارت عنه هذه الأمثال الثلاثة .
ورقة عمل في درس الايجاز والاطناب
أرجو أن ينال الاعجاب
تحياتي
مثل :
ô قال تعالى: " أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ " العبارة توضح معاني كثيرة تتعلق بالخالق و عظمته و قدرته و وحدانيته …. إلخ .
ô" ولكم في القصاص حياة " العبارة توضح معاني كثيرة من تخويف للقاتل و حقن للدماء و شعور بالأمن والأمان …إلخ .
ô قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – : إذا لم تستح فاصنع ما شئت !! رواه البخاري.
وفي قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ، الكثير من المعاني التي يحملها ذلك الأمر التهديدي ، ومعناه أنه إذا انتزع الحياء من نفس الإنسان فقد يعمد إلى عمل الفواحش والمنكرات بأنواعها ، سراً وجهراً ، قولاً وعملاً ، ولكن العاقل يدرك أن وراء هذا القول ما وراءه من تهديد ووعيد ، فمن يقدم على ذلك ، فالحساب أمامه والعقاب ينتظره .
ôجاء في رسالة الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى كسرى : أسلم تَسْلَمْ رواه البخاري.
وفي قول الرسول ( أسلم تسلم) غاية الإيجاز ، ومنتهى الاختصار ، فمعنى هاتين الكلمتين : اعرف الإسلام ، وادخل فيه ، وسلِّم أمرك للَّه ، بالانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك ، فإن تحقق ذلك سلمت نفسك من العذاب وسلطانك من الانهيار
هام جداً :
الفرق بين نوعي الإيجاز ، هو أن إيجاز القصر يُقدَّر فيه معان كثيرة ، أما إيجاز الحذف فغايته هي اختصار الكلام وقلة ألفاظه.
سر جمال الإيجاز :
إثارة العقل وتحريك الذهن ، وإمتاع النفس .2 – الإطناب :
ôهو أداء المعنى بأكثر من عبارة سواء أكانت الزيادة كلمة أم جملة بشرط أن تكون لها فائدة (كالرغبة في الحديث مع المحبوب – أو التعليل ، أو الاحتراس ، أو الدعاء – أو التذييل – أو الترادف – أو ذكر الخاص بعد العام – أو التفصيل بعد الإجمال) فإذا خلت الزيادة من الفائدة فلا يسمى الكلام معها إطنابا ، بل تطويلا أو حشوا لا داعي له ، وهو مذموم .
ôمن صـــور الإطناب :
1 – إطناب عن طريق ذكر الخاص بعد العام : للتنبيه على فضل الخاص
ô (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر:4) .
فقد خص الله – سبحانه وتعالى – الروح بالذكر ، وهو جبريل مع أنه داخل في عموم الملائكة تكريماً و تشريفاً له .
2 – إطناب عن طريق ذكر العام بعد الخاص ؛ لإفادة العموم مع العناية بشأن الخاص .
ô (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (إبراهيم:41).
3 – إطناب عن طريق الاعتراض بالشكر والدعاء :
ôوصل أبي – و الحمد لله – من السفر سالماً .
ôابني – حفظه الله – الأول على مدرسته .
4 – إطناب عن طريق الاعتراض بالاحتراس :
ôكقول الرسول : (المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ) : فقول الرسول (وفي كُلٍّ خَيْرٌ) احتراس جميل حتى لا يتوهم القارئ أن المؤمن الضعيف لا خير فيه
ô و كقوله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون:1) .
فقوله تعالى { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ }إطناب جيء به للاحتراس .
5 – إطناب للرغبة في إطالة الحديث مع المحبوب :
ô كقوله تعالى: ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) (طه 17 :18 ) .
في المثال السابق بسط سيدنا موسى الكلام تلذُّذاً بالحديث مع الله ، فهو يكلم رب العزة ويسعد أعظم سعادة بهذه المنزلة لذلك أطال مع أنه كان يكفيه أن يقول (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ).
6 – إطناب عن طريق التعليل :
ô كقوله تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان: من الآية17) .
7 – إطناب عن طريق التفصيل بعد الإجمال :
ô كقول الرسول : { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , وَإِقَامُ الصَّلَاةِ , وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ , وَحَجُّ الْبَيْتِ , وَصَوْمُ رَمَضَانَ } .
8 – إطناب عن طريق الترادف :
ôمثل : القومية العربية ليست طريقاً مبهماً غامضاً .
9 – إطناب عن طريق التكرار :
ô كقوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح 5: 6) .
10 – إطناب عن طريق التذييل : و يأتي بعد تمام المعنى
ôمثل : ( حكم على المتهم بالبراءة ، والعدل أساس الملك ).
والعيش خير في الــظلا ل النوك ممّـن عـاش كدّاً
أراد: أن العيش الرغد حال الحمق، أفضل من العيش النكد في ظلال العقل، وهذا إخلال.
ومثال التطويل، قول ابن مالك:
كذا إذا عاد عليه مضمر ممـــا به عنه مبيناً يخبر
أقسام الإيجاز
ثم انّ الايجاز على قسمين:
1 ـ ايجاز القصر، ويسمّى ايجاز البلاغة، وذلك بأن يتضمن الكلام المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة من غير حذف، كقوله تعالى: (وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً)(4) فإنّ مقتضى الكرامة في كل مقام شيء، ففي مقام الإعراض: الإعراض، وفي مقام النهي: النهي، وفي مقام النصح: النصح، وهكذا.. وهكذا..
2 ـ ايجاز الحذف، وذلك بأن يحذف شيء من العبارة، لايخل بالفهم، مع وجود قرينة.
وقد حصروا الحذف في اثني عشر شيئاً:
1 ـ الحرف، قال تعالى: (ولم أك بغيّاً)(5) أي: ولم أكن.
2 ـ الإسم المضاف، قال تعالى: (وجاهدوا في الله حقّ جهاده)(6) أي: في سبيل الله.
3 ـ الاسم المضاف إليه، قال تعالى: (وأتممناها بعشر)(7) أي: بعشر ليال.
4 ـ الاسم الموصوف، قال تعالى: (ومن تاب وعمل صالحاً)(8) أي: عملاً صالحاً.
5 ـ الإسم الصفة، قال تعالى: (فزادتهم رجساً إلى رجسهم)(9) أي: مضافاً إلى رجسهم.
6 ـ الشرط، قال تعالى: (فاتَّبعوني يُحبِبكم الله)(10) أي: فإن اتَّبعتموني يحببكم.
7 ـ جواب الشرط، قال تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النار)(11) أي: لرأيت أمراً عظيماً.
8 ـ المسند، قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولنّ الله )(12) أي: خلقهنّ الله.
9 ـ المسند اليه، كقوله: (قال لي كيف أنت؟ قلت: عليل) أي: أنا عليل.
10 ـ المتعلّق، قال تعالى: (لايُسئل عمّا يفعل وهم يُسئلون)(13) أي عمّا يفعلون.
11 ـ الجملة، قال تعالى: (كان الناس اُمَّة واحدةً فبعث الله النبييّن)(14) أي: فاختلفوا.
12 ـ الجمل، قال تعالى: (فأرسلون، يوسف أيّها الصدّيق)(15) أي فأرسلوني الى يوسف لأ قصّ عليه الرؤيا وأستعبره عنها، فأتاه، وقال: (يوسف…).
دواعي الإيجاز
ثمّ أنّ دواعي الإيجاز كثيرة نشير الى بعضها:
1 ـ الإختصار.
2 ـ تحصيل المعنى باللّفظ اليسير.
3 ـ تقريب الفهم.
4 ـ تسهيل الحفظ
5 ـ ضيق المقام.
6 ـ الضجر والسآمة.
7 ـ إخفاء الامر على غير السامع، وغير ذلك.
مواقع الايجاز
ثمّ انّ مواقع الإيجاز الّتي يستحسن فيها كثيرة نذكر بعضاً منها:
1 ـ الشكر على النعم.
2 ـ الإعتذار.
3 ـ الوعد.
4 ـ الوعيد
5 ـ العتاب.
6 ـ التوبيخ.
7 ـ التعزية.
8 ـ شكوى الحال.
9 ـ الاستعطاف.
10 ـ أوامر الملوك ونواهيهم.
أقسام الزيادة
ينقسم الزائد على أصل المراد إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الإطناب، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر منه لغرض مّا، كما تقدَّم.
2 ـ التطويل، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة في الكلام غير متعيّنة نحو قول العبادي:
وقدّدت الأديم لراهِشيه وألفى قولها كذباً ومَينا
فإن (الكذب) و(المين) يمعنى واحد، ولا يتعيّن الزائد منها، لصلاحية كل منهما لذلك.
3 – الحشو، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة متعيّنة في الكلام غير مفسدة للمعنى نحو قول الشاعر:
واعلم علم الــيوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غدٍ عمي
فإنّ كلمة (قبله) زائدة لوضوح ان الامس قبل اليوم.
أقسام الإطناب
وللإطناب أقسام كثيرة:
1 ـ ذكر الخاص بعد العام، قال تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى)(16).
2 ـ ذكر العام بعد الخاص، قال تعالى: (ربَّ اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات)(17).
3 ـ توضيح الكلام المبهم بما يفسِّره، قال تعالى: (وقضينا اليه ذلك الأمر انّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين)(18).
4 ـ التوشيع، وهو أن يؤتى بمثنى يفسّره مفردان، كقوله (عليه السلام): العلم علمان: (علم الاديان وعلم الابدان)(19).
5 ـ التكرير وهو ذكر الجملة أو الكلمة مرّتين أو ثلاث مرّات فصاعداً، لاغراض:
أ – للتأكيد، كقوله تعالى: (كلاّ سوف تعلمون ثمّ كلاّ سوف تعلمون)(20).
ب – لتناسق الـــكلام، فـــلا يضره طــــول الفصل، قـــال تعالى: (إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)(21) بتكرير (رأيت) لئلا يضرّه طول الفصل.
ج – للإستيعاب، كقوله: (ألا فادخلوا رجلاً رجلاً…).
د – لزيادة الترغيب في شيء، كالعفو في قوله تعالى: (إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وأن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم)(22).
هـ – لاستمالة المخاطب في قبول العظة، كقوله تعالى: (وقال الذي آمن يا قوم اتّبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم انما هذه الحياة الدنيا متاع وانّ الآخرة هي دار القرار)(23) بتكرير (يا قوم).
و – للتنويه بشأن المخاطب، كقوله: (علي رجل رجل رجل…).
ز – للترديد حثاً على شيء، كالسخاء في قوله:
قريب مـن الله السخيّ وأنـه قريب من الخير الكثير قريبّ
ح – للتلذّذ بذكره مكرّراً، كقوله:
علــي وصــي علــيّ رضــي علــــيّ تقــــــي علــيّ نقـــيّ
ط – للحث على الاجتناب، كقوله: (الحية الحية أهل الدار…).
ي – لإثارة الحزن في نفسه أو المخاطب، كقوله: (أيا مقتول ماذا كان جرمك أيا مقتول…).
ك – للإرشاد إلى الخير، كقوله تعالى: (أولى لك فأولى ثمَّ أولى لك فأولى)(24).
ل – للتهويل بالتكرير، كقوله تعالى: (الحاقّة ما الحاقّة وما أدراك ما الحاقة)(25).
6 – الاعتراض، بأن يؤتى في أثناء الكلام بجملة لبيان غرض من الاغراض، منها:
أ ـ الدعاء، كقوله:
ان الثمــــــــانين ـ وبُلّغتهــــــا ـ قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
ب – النداء، كقوله:
كـــان بــــرذون أبــا عصــــام ـ زيـــــد حمــــــار دق بـاللجــــام
ج – التنبيه على شيء، كفضيلة العلم، في قوله:
واعلم ـ فعلم المرء ينفعه ـ ان سوف يأتي كل ما قُدرا
د – التنزيه، قال تعالى: (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون)(26).
هـ ـ المبالغة في التأكيد، قال تعالى: (ووصَيّنا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلىَّ المصير)(27).
و – الإستعطاف، كقوله:
ووجيب قلب لو رأيت لهيبه ياجـــنّتي لرأيت فيه جهنّما
ز – التهويل، قال تعالى: (وانّه لقسم لو تعلمون عظيم)(28).
7 – الايغال، بأن يختم الكلام بما يفيد نكتة يتم بدونها المعنى، قال تعالى: (ولله يرزق من يشاء بغير حساب)(29).
8 ـ التذييل، وهو أن يأتي بعد الجملة الاولى بجملة اُخرى تشتمل على معناها وذلك لأحد أمرين:
الأول: التأكيد، وهو إما تأكيد المنطوق، قال تعالى: (وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً)(30) وإما تأكيد المفهوم، كقوله:
ولست بمستبق أخـاً لاتلمـــــّه على شعث أيّ الرجال المهذب؟
فقد دلت الجملة الاولى بعدم وجود الرجل الكامل فأكّدها بالجملة الثانية: أي الرجال المهذّب؟
الثاني: التذييل، وهو إما يستقل بمعناه لجريانه مجرى المثل، كقوله:
كـــــلّكم أروغ مـــن ثــــــعلب مـــا أشبه الليلة بــالبارحـــــة
أو لا يستقل، لعدم جريانه مجرى المثل، كقوله:
لم يبق جودك لي شيئاً اُؤمّله تركتَني أصحب الدينا بــلا أمل
9- الإحتراس، وهو أن يأتي بكلام يوهم خلاف المقصود فيأتي بما يدفع الوهم، وهو على نحوين:
أ: انه قد يأتي به وسط الكلام، كقوله:
فسقى دياركِ غير مفسده صوبُ الربيع وديمة تهمي
فقد قال: (غيرمفسده) دفعاً لتوهّم الدعاء للمطر عامة حتى المفسد منه.
ب: وقد يأتي به آخر الكلام، كقوله:
حــليم إذا مــا الحكم زيّن أهله مع الحلم فــي عين العدو مَهيبُ
10 ـ التتميم، وهو زيادة مفعول أو حال أو نحوهما، ليزيد حسن الكلام، كقوله:
دعونا عليهم مــكرهين وإنـما دعاء الفتى المختار للحق أقرب
فـ (مكرهين) يزيد حسن الكلام كما لا يخفى.
11 – تقريب الشيء المستبعد وتأكيده لدى السامع نحو قوله: (رأيته بعيني يفعل كذا) و(سمعته بأذني يقول كذا).
12 – الدلالة على الشمول والإحاطة، قال تعالى: (فخرّ عليهم السقف من فوقهم)(31) فإنّ السقف لا يخرّ إلاّ من فوق، لكن بذكره (من فوقهم) دلّ على الشمول والإحاطة.
موارد الإطناب
وهناك موارد يستحسن فيها الإطناب، منها:
1 ـ الصلح بين الأفراد، أو الجماعات، أو العشائر.
2 ـ التهنئة بالشيء.
3 ـ المدح والثناء على أحد.
4 ـ الذمّ والهجاء لاحد.
5 ـ الوعظ والإرشاد.
6 ـ الخطابة في أمر من الامور العامّة.
7 ـ رسائل الولاة إلى الرؤساء والملوك.
8 ـ منشورات الرؤساء إلى الشعب.
أقسام المساواة
(المساواة) هي الأصل في تأدية المعنى المراد، فلا تحتاج إلى علّة، واللازم الإتيان بها حيث لا توجد دواعي الايجاز والإطناب، وهي على قسمين:
1 ـ المساواة مع رعاية الاختصار، وذلك بتأدية المراد في ألفاظ قليلة الاحرف كثيرة المعنى، نحو قوله تعالى: (هل جزاء الاحسان إلا الإحسان)(32).
2 ـ المساواة من دون اختصار، وذلك بتأدية المعنى المراد بلا رعاية الإختصار، نحو قوله تعالى: (كلّ امرىء بما كسب رهين)(33) وقوله سبحانه: (وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)(34) ونحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (انّما الاعمال بالنيّات ولكلّ امرىء ما نوى)(35) فإن الكلام في هذه الامثلة لا يستغنى عن لفظ منه، ولو حذفنا منه ولو لفظاً واحداً لاختلّ معناه، وذلك لأنّ اللّفظ فيه على قدر المعنى لا ينقص عنه ولا يزيد عليه.
خاتمة المعاني
لا يخفى أنّ كلاً من الإيجاز والإطناب والمساواة يحتاج إليها في محلّه بحيث لا يسدّ أحدها مكان الآخر، وكذا بقيّة المباحث، والمرجّح في الجميع هو الذوق السليم.
وليكن هذا آخر ما أردنا كتابته في علم المعاني، والله المستعان.
سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
كربلاء المقدّسة
محمّد بن المهدي الحسيني الشيرازي
1379هـ
1 ـ الاعراف: 199.
2 ـ طه: 4.
3 ـ الإسرار: 13.
4 ـ الفرقان: 72.
5 ـ مريم: 20.
6 ـ الحج: 78.
7 ـ الاعراف: 142.
8 ـ الفرقان: 71.
9 ـ التوبة: 125.
10 ـ آل عمران: 31.
11 ـ انعام: 27.
12 ـ لقمان: 25. زمر: 38.
13 ـ الانبياء: 23.
14 ـ البقرة: 213.
15 ـ يوسف: 45 ـ 46.
16 ـ البقرة: 238.
17 ـ نوح: 28.
18 ـ الحجر: 66.
19 ـ بحار الأنوار: 1/220 ب6ح52.
20 ـ التكاثر: 3-4.
21 ـ يوسف: 4.
22 التغابن: 14.
23 غافر: 38-39.
24 القيامة: 34-35.
25 الحاقة: 1-3.
26 النحل:57.
27 لقمان: 14.
28 الواقعة: 76.
29 النور: 38.
30 الاسراء: 81.
31 النحل: 26.
32 الرحمن: 60.
33 الطور: 21.
34 البقرة: 110.
35 مستدرك الوسائل: 1/90ب5ح57.
الإطناب : أقسامه وأغراضه
الإطناب في اللغة والبلاغة حدوده ـــ أقسامه وأغراضه
* منقول للأمانة والفائدة *
1-تعريفه:
أ-في اللغة: جاء في لسان العرب أن الإطناب هو: البلاغة في المنطق والوصف، مدحاً كان أو ذمّاً. وأطنب في الكلام: بالغ فيه. والإطناب: المبالغة في مدح أو ذم والإكثار فيه.
وقال ابن الأنباري: أطنب في الوصف، إذا بالغ واجتهد. وأطنبت الريح: إذا اشتدت في غبار(1).
وأصل الإطناب (بالكسر) من: الطُّنْب والطُّنُب، وهما معاً: حبل الخباء والسرادق ونحوهما. والجمع: أطناب (بالفتح).
وقال ابن سيده: الطنب: حبل طويل يشد به البيت والسرادق. وطنبه: مده بأطنابه وشده(2).
ب-في الاصطلاح البلاغي: الإطناب زيادة اللفظ على المعنى لفائدة(3). هذا هو التعريف البلاغي المختصر. ولو شئنا التوسع قليلاً لقلنا: إن الإطناب باب بلاغي قديم قدم الإيجاز، ارتبط به ارتباط العضو بالعضو يتتامان ليؤلفا هيئة أدبية سوية البنية والملامح… فقد وصفه الجاحظ، ولم يسمه، في ذكره فضائل الصمت والكلام الموزون، يقال في موضعه(4).
ثم ذكره صراحة عندما عرض لحاجات الكلام ومنطقه، رافضاً الفضول والتكلف فقال: هناك أبواب توجب الإطالة وتحوج إلى الإطناب. وليس بإطناب ما لم يجاوز مقدار الحاجة، ووقف عند منتهى البغية(5).
ووصفه أبو العباس المبرِّد (ت 286هـ/ 899م) بالكلام المفَخِّم، في مقابل: الاختصار المفهم، والإيماء البيِّن، واللمحة الدالة(6).
"وقيل لعمرو بن العلاء (ت 154هـ/ 770م) هل كانت العرب تطيل؟ قال: نعم؛ كانت تطيل ليسمع منها، وتوجز ليحفظ عنها"(7).
ج-الربط بين التعريفين اللغوي والبلاغي:
لو قارنا تعريف اللسان، بتعريف البلاغيين القائل: (الإطناب زيادة اللفظ على المعنى لفائدة) لما وجدنا خلافاً. لأن القولين يرميان، من وراء الزيادة اللفظية إلى الفائدة.
و (المبالغة في المدح أو الذم)، من شروط التصوير الفني الأدبي، لأنه لا يصح في الأدب، أن يوصف الممدوح أو المهجو بما فيهما من معالم التمييز الإيجابي أو السلبي، من دون زيادة أو نقصان. إذاً لانتفى دور الأدب وجماله وتأثيره في النفوس. حتى قول المعجم عن (إطناب الريح واشتدادها في غبار)، يصب في هذه الغاية الجمالية التي ينتهي إليها الإطناب. لأن "الغبار" في النهاية هو الدليل الحسي على اشتداد الريح وقسوتها.
والذي يزيد في توضيح صورة الإطناب، تفريق البلاغيين بينه وبين التطويل الذي عدوه زيادة لفظية، من غير فائدة. فقال أبو هلال العسكري (ت 395هـ/ 1004م):
الإطناب بلاغة؛ والتطويل عِيٌّ. لأن التطويل بمنزلة سلوك ما يبعد جهلاً بما يقرب. والإطناب بمنزلة السلوك طريق بعيد نزه يحتوي على زيادة فائدة(8).
"ومن أوفى الشواهد دلالة على فائدة الإطناب، وحسنه، تكرار آية: [فبأيِّ آلاءِ ربِّكُما تُكَذِّبان] من سورة الرحمن، إحدى وثلاثين مرة، لأنه سبحانه وتعالى، عدَّد فيها نعماءه وأذكَر عباده آلاءه، ونبههم على قدرها، وقدرته عليها، ولطفه فيها؛ وجعلها فاصلة بين كل نعمة وأخرى ليعرف موضع ما أسداه إليهم منها"(9).
2-أقسامه أو أنواعه:
أ-الإطناب في الجملة الواحدة:
وهو في معظمه لا يتعدى إطاري الحقيقة والمجاز.
1-إطناب الحقيقة:
وهو ما يزاد الكلام فيه لشرح ما هو معروف فيظن السامع أنه زيادة لا حاجة إليه، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك، لأن ما زيد في هذا الصدد يقال في كل شيء يعظم مناله، ويعز الوصول إليه، فيؤكد الأمر فيه على هذا الوجه، دلالة على نيله والحصول عليه(10).
مثل قولهم: رأيته بعيني، وبأم عيني، وقبضته بيدي وذقته بفمي. فالمعروف أن الرؤية لا تكون إلا بالعين، والقبض لا يكون إلا باليد.. وهكذا. ولكن عظم الأمر يستدعي مزيداً من التأكيد والاطمئنان، فيُعمد إلى هذه الإضافات التي ليست أكثر من معان أضيفت إلى نفسها، ليتم الوصول إلى قلب المعنى العزيز الجانب. كقوله تعالى لمن افترى عليه بالقول [ذلكمْ قولُكُمْ بأفواهكمْ].
2-إطناب المجاز:
قرَّظه ابن الأثير وعظَّمه فقال:
"وهذا موضع من علم البيان كثيرة محاسنه، وافرة لطائفه. والمجاز فيه أحسن من الحقيقة، لمكان زيادة التصوير في إثبات وصف الحقيقي للمجازي، ونفيه عن الحقيقي"(12).
كقوله تعالى: )فإنَّها لا تَعْمَى الأبصارُ ولكن تَعْمَى القلوبُ التي في الصدور((13) "ففائدة ذكر الصدور" ههنا أنه قد تُعُورف وعُلم أن المعنى على الحقيقة مكانه البصر، وهو أن تُصاب الحدقة بما يَطمس نورها، واستعمالها في القلب تشبيه ومثل. فلما أريد إثبات ما هو خلاف المتعارف من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة، ونفيه عن الأبصار، احتاج هذا الأمر إلى زيادة تصوير وتعريف، ليتقرر أن مكان العمى إنما هو القلوب، لا الأبصار"(14).
ب-القسم الثاني، الإطناب في الجمل المتعددة:
ويتضمن أربعة أشكال، فصَّلها ابن الأثير وشرحها بعناية..
1-ذكر الشيء والإتيان به بمعان مختلفة:
إلا أن كل معنى يختص بشيء ليس للآخر وقد استعمله أبو تمام في مواضع كثيرة، كقوله من قصيدة في رثاء القاسم بن طوق(15):
زكيٌّ سجاياهُ تضيف ضيوفُهُ
ويُرجى مرجِّيه ويسأل سائلُهْ
فالفكرة العامة تدور على عظمة الممدوح وقوة عطائه. ولكن الشاعر نَفَذ إلى ما وراء ذلك، عارضاً لصور ومعان أخرى، يتوهمها السامع أنها مكررة، وهي في الحقيقة لازمة لفائدتها في تجميل الصورة العامة وتعميق الفكرة الرئيسة.
ومعنى البيت بصورة تفصيلية: أن ضيفه يستصحب معه ضيفاً طمعاً في كرم مُضيفه؛ ويعطي السائل عطاء كثيراً يصير به معطياً. ومعنى "يرجَّى مُرجِّيه": إذا تعلق به رجاء راج فقد أيقن بالفلاح والنجاح حتى يصبح هذا الأخير موضع رجاء الآخرين، لمكان رجائه الممدوح. وهذا أبلغ الأوصاف الثلاثة(16).
2-النفي والإثبات:
وهو أن يذكر الشيء على سبيل النفي، ثم يذكر على سبيل الإثبات، أو بالعكس.
شرط أن يكون في أحدهما زيادة ليست في الآخر، وإلا عُدَّ تكراراً. كقول الحق المبارك: [لا يَسْتأذنُكَ الذين يؤمنون بالله واليوم الآخرِ أن يُجاهِدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليمٌ بالمتَّقين* إنما يَسْتأذِنُكَ الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارْتابَتْ قلوبُهُم فهم في ريبهم يتردَّدون](17).
فقد ذكر الشيء منفياً، ثم ذكره مثبتاً، لوجود الفائدة في الذكر الثاني، وهي تأكيد المعنى الأول المنفي، فقد نفى ربُّ العزة استئذان المؤمنين للنبي بالجهاد وأثبت ذلك بالنسبة للملحدين المُشكِّكين.
"والمعنى في ذلك سواء. إلا أنه زاد في الآية الثانية قوله: )وارْتابَتْ قلوبهم فهم في ريبهم يترددون( ولولا هذه الزيادة لكان حكم هاتين الآيتين، حكم التكرير"(18).
3-ذكر المعنى الواحد تاماً، ثم يضربُ له مثال من التشبيه:
قال عنه ابن الأثير "هذا الضرب من أحسن ما يجيء في باب الإطناب"(19) كقول أبي عبادة البحتري متغزلاً:
ذات حسن لو استزادت من الحسـ
ـن إليه لما أصابت مزيدا
فهي كالشمس بهجة، والقضيب اللَّـ
ـدْنِ قدَّاً، والريم طرْفاً وجيدا(20)
البيت الأول كاف لبلوغ الغاية في الحسن؛ ومع ذلك فقد جاء الشاعر، في البيت الثاني، بتشبيهات ليزيد السامع تصويراً وتخيلاً.
ومثل ذلك قول البحتري أيضاً- من قصيدة يمدح فيها الفتح بن خاقان:
تنقَّل في خُلقي سؤدد
سماحاً مرجَّى وبأساً مَهيبا
فكالسيف إن جئتَهُ صارخاً
وكالبحر إن جئته مستثيبا(21)
فالبيت الأول تضمن معنيين رئيسيين بارزين هما الكرم والقوة. فجاء البيت الثاني ليصور ذلك تصويراً جمالياً كان التشبيه حليته وزينته، بعد أن كان المعنى عارياً تماماً في البيت السابق.. وفي ذلك وجه آخر من وجوه الحسن في الإطناب.
4-استيفاء معاني الغرض المقصود من الكلام:
كقول الشاعر المخضرم حميد بن ثور الهلالي (ت 30هـ/ 650م) واصفاً ذئباً:
يَنامُ بإحدى مُقلتَيه ويتَّقي
بأخرى، المنايا، فهو يقظان هاجعُ(22)
فالبيت مكتمل المعنى والسياق في صدره ونصف عجزه. لكن الشاعر أراد استيفاء المعنى في خاطره وخاطر السامع، فقال، مضيفاً ومطنباً: فهو يقظان هاجع". وهذه الإضافة مفيدة على الصعيدين الفكري والبلاغي، إذ لخصت الكلام كله، والصورة كلها بهاتين الكلمتين الجامعتين: (اليقظة، والهجوع).
قال ابن الأثير عن هذا الضرب: إنه أصعب الضروب الأربعة طريقاً وأضيقها باباً لأنه يتفرع إلى أساليب كثيرة من المعاني..(23) وضرب لنا مثلاً آخر آية قرآنية غاية في الإيجاز، وهي في وصف بستان، [فيهِ منْ كُلِّ فاكِهَةٍ زوجان] شرحها ابن الأثير شرحاً إطنابياً فقال: جنَّة علت أرضها أن تُمسك ماءً وغنيت بينبوعها أن يستجدي سماء، وهي ذات ثمار مختلفة الغرابة، وتربة منجبة، وما كل تربة توصف بالنجابة… ففيها المَّشمش الذي يسبق غيره بقدومه… وفيها التفاح الذي رقَّ جلده وتورَّد خدُّه… وفيها العنب الذي هو أكرم الثمار طينة… وفيها الرمان الذي هو طعام وشراب… وفيها التين الذي أقسم الله به تنويهاً بذكره.. وفيها من ثمرات النخيل ما يُزهى بلونه وشكله.. الخ(24).
ج-القسم الثالث: الإطناب وفقاً لتقسيمات القزويني:
كان للقزويني (ت 739هـ) دور هام في وضع القواعد شبه النهائية لعلوم البلاغة ومصطلحاتها، فأسهم في الإضافة والتفريع والترسيخ الأمر الذي جعل البلاغيين المحدثين يعتمدون تقسيماته وتعريفاته التي كانت هي حصيلة التطور النظري للبلاغة العربية خلال العصور السابقة.
وهكذا وجدنا الدارسين المعاصرين يتناولون الإطناب وفقاً لتقسيمات القزويني، على شيء من الاختلاف، لجهة التنويع، فكان له ولهم الأنواع الآتية:
1-الإطناب بالإيضاح بعد الإبهام:
ليُرى المعنى في صورتين مختلفتين؛ أو ليتمكن في النفس أفضل تمكن، ويكون شعورها به أتم(25). كقوله تعالى: )وإنَّ لكُمْ في الأنْعام لَعِبْرةً نَسْقيكُمْ مما في بطونه من بين فَرْثٍ ودَم لَبَنَا خالصاً سائغاً للشاربين((26).
فقد ذكر المعنى العام وهو (العبرة)، غير الواضح، ثم أعقبه بشرح وتوضيح لا لبس فيه ولا غموض. كان التوضيح على مرحلتين: الأولى هي (سُقيا البطون) والثانية: (اللبن السائغ) الذي يخرج من موضع دقيق لا يكاد يعرفه إلا الطبيب الجراح المختص، تماماً كخلق الإنسان، في قوله تعالى: )من ماءٍ دافقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبْ((27). فتأمل فائدة هذا الإطناب التوضيحي، وأهميته في شرح جوامع الكَلِمَ.
يتبع …