بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
ما العلم والمعارف العلمية
قيل الكثير في طلب العلم , والكل يقولون العلم هو الهدف الأول .
ولكن ما هو العلم المطلوب ؟ وما هي خصائصه ؟ وما هو منهجه ؟
وكيف يتم إنتاج المعرفة العلمية وانطلاقاً من ماذا ؟
وما هو مفهوم الواقع كما يتعامل معه العلم , وكما يشتغل عليه ؟
وما هي طبيعة النظريات العلمية ؟
وما هي وسائل إثباتها واختبارها ؟
وكيف تتطور العلوم , وما هي القوانين المتحكمة في نموها وتطورها ؟
وما هي ميزات العلم الأساسية , وما هي تأثيراته على بقية المعارف ؟
طبعاً لن نبحث في كل هذا , بل نلقي نظرة سريعة ونلخص أهم صفات وخصائص المعارف العلمية .
لقد كان رأي غاليليه و فرنسيس بيكون , أن تحسين ظروف الحياة لا يتم إلا عن طريق العلم , فالهدف هو معرفة الأسباب ومعرفة الحركات الخفية للأشياء , والعمل على إطلاق القدرات البشرية إلى أقصى الحدود .
ويقول بوبر:
" إن إحدى المهام الأساسية للعقل البشري هي أن يجعل الكون الذي نحيا فيه مفهوماً وتلك هي مهمة العلم . وإن إيجابيات المنهج العلمي هي : المحاولة والخطأ , وطرح الفروض الجريئة وتعريضها لأعنف نقد ممكن , ومحاولة حل المشكلات والحل الأقدر والرأي الأرجح يفوز .
وإن النظريات مهمة ولا غناء عنها لأننا من دونها لن نستطيع أن نيمم جهودنا شطر العالم , لن نستطيع أن نعيش . وحتى ملاحظاتنا يتم تأويلها بمعونة النظريات . فالنظريات والقوانين ليست شيئاً غير سلاسل من القواعد تربط سلسلة من الظواهر القابلة للملاحظة بأخرى .
إن احتياجنا للنظريات ملح , وأن قوة النظريات هائلة ولكن لا ينبغي أن تستغرقنا أي نظرية . ولابد أن تكون رؤيتنا للعالم في أي لحظة ملقحة بنظرية ما , ولكن هذا يجب أن لا يحول بيننا وبين التقدم نحو نظرية أفضل .
فتأثير المعرفة العلمية المتنامية على حياتنا يتعاظم بصورة مباشرة عن طريق التطبيقات التكنولوجية , وهذا التأثير لم يتضح إلا في غضون المائتي عام الأخيرة , ويؤثر العلم الآن على حياة الناس أجمعين تأثيراً عميقاً.
والنظريات العلمية لا تقتصر على مجرد وصف الواقع , بل أنها تكشف المجهول بقدرتها على التنبؤ.
فالمعارف العلمية تقدم لنا صورة عن الواقع المتغير باستمرار , فلا يوجد ما هو مستقر , ما هو دائم , في تأكيدات العلم , فالمعارف العلمية دوماً قابلة للتطور والتجديد نحو الأدق والأصح . "
فمهمة العلم هي صياغة النظريات والقوانين صياغة رياضية منظمة تسهل علينا التعامل مع الواقع , وتمكننا من التنبؤ المستقبلي للحوادث , وذلك بوضع الفرضيات واختبارها واستبعاد الفرضيات التي لا يمكن اختبارها , واستقراء الواقع وبناء التعميمات التي هي نظريات وقوانين .
ويقول آلان شالمرز :
". . . فالقوانين والنظريات بوصفها أجهزة تنبؤية وتفسيرية , وإحدى سمات العلم الكبرى هي قدرته على التفسير والتنبؤ , فالعلم لا يهتم بمعرفة جوهر أو ماهية الأشياء بل بكيفية تكون الأشياء وكيفية حدوث الوقائع وصياغة النظريات و القوانين لها .
فهدف العلم هو إنتاج نظريات وقوانين تكون أجهزة أو أدوات صالحة وميسرة للربط بين سلسلة من الوضعيات القابلة للملاحظة بسلسلة أخرى مماثلة , من أجل وصف العالم بصورة دقيقة وقابلة للفهم . "
من أين تأتي دقة المعارف العلمية
إن كافة معارفنا يتم بناؤها بالاعتماد على الاستقراء والتعميم . فالاستنتاج والتنبؤ انطلاقاً من عدد من الحالات التي تم رصدها أو مشاهدتها يكون نتيجة الاستقراء للواقع .
والميزة الأساسية للمعارف العلمية هي أنها تعتمد استقراء واسع جداً في بناء التعميم . وهذا التعميم يكون على شكل قوانين أو نظريات . فالاستقراءات التي يعتمدها العلم تشمل ملايين أو مليارات من الحالات التي يتم رصدها وبناء الاستقراء بالاعتماد عليها . وهذا لا يحدث في باقي المعارف , فأغلب المعارف غير العلمية تعتمد كمرجع بضعة حالات في تعميماتها , وبعضها يطلق التعميم بالاعتماد على استقراء حادثة واحدة أحياناً , أو من قصة مروية , ويبنى التعميم عليها , فيكون هذا التعميم ضعيف الدقة .
هناك تساؤلات عما إذا كانت الاستدلالات الاستقرائية مبررة أو يمكن تبريرها وفق أية شروط , أي ما يعرف بمشكلة الاستقراء . ويمكن صياغة المشكلة في السؤال القائل :
كيف يمكن تأسيس صدق القضايا الكلية المستندة إلى الخبرة كالفروض والأنساق النظرية للعلوم الامبريقية , وهل هناك استدلالات استقرائية يمكن تبريرها منطقياً , وكيف نبرر تعميمنا المعتمد على رصد عدد من الحالات مهما كان هذا كبيراً
في الواقع لا يمكن أن يكون تعميمنا مطلق الصحة , وليس ضرورياً تبرير الاستقراء منطقياً , فيكفي أن نصل إلى معارف ذات نتائج عملية نسبة دقتها عالية جداً.
وكان هيوم يرى أنه لا يمكن تبرير الاستقراء بالمنطق أو التجربة , وأن العلم لا يقبل التبرير العقلي دون الاعتماد على الواقع والتجربة .
ويقول رشنباخ :
" لقد وصفنا مبدأ الاستقراء بأنه الوسيلة التي يمكن بها للعلم أن يقرر الصدق , ولتوخي الدقة أكثر ينبغي القول أن هذا المبدأ يخدمنا في تقرير الاحتمال , لأنه ليس من مهام العلم أن يصل للصدق أو الكذب . . . ولكن القضايا العلمية وحدها هي ما يمكن أن يصل لدرجات من الاحتمال والتي تصبح في حدودها العليا والدنيا هي الصدق أو الكذب , فالاستدلال الاستقرائي يمكن أن يصل لدرجة عالية من الموثوقية أو الاحتمال وهذا ما نحن بحاجة إليه في حياتنا العملية ."
إن المعارف العلمية تتميز عن باقي المعارف بقابليتها للتكذيب والصمود أمام كافة التكذيبات . فنحن نستطيع أن نختبر أي قانون أو نظرية علمية , وإذا كذبه اختبار واحد , عندها سوف نسعى لتغييره أو تعديله . والنظريات العلمية ذات المحتوى الإخباري الكبير وذات التأملات الأكثر جرأة مفضلة شرط أن تكون قابلة للتكذيب وتصمد أمامه .
وكذلك إذا تناقض قانون في مجال معين مع قانون آخر , عندها نسعى لإزالة هذا التناقض , إما بإلغاء أحدهم أو كلاهم , أو تعديل أحدهم أوكلاهم . يجب أن لا تتناقض القوانين والنظريات العلمية مع بعضها . ويجب إلغاء النظريات التي لا تستطيع مواجهة اختبارات الملاحظة أو التجربة , وتعويضها بنظريات أخرى أدق منها .
ولن نسمح لأنفسنا بالقول بأن نظرية ما صحيحة , بل سننحو إلى التأكيد بأنها أفضل ما هو متوفر وأنها تتجاوز كل النظريات التي جاءت قبلها , أي ليس هناك معارف علمية مقدسة معصومة من التعديل أو التطوير .
إن الوسائل المختلفة التي نستخدمها لإنتاج النظريات حول العالم , تجرنا وتقودنا إلى عملية اكتشاف لا تنقطع , ولا نستطيع أن نعرف قبلياً ما ستكون عليه هذه العملية في المستقبل , وليس في إمكان أي محاجة فلسفية أن تمكننا من ذلك . لقد اكتشف غاليلي أن من الممكن إدراك بعض مظاهر العالم الفيزيائي بواسطة نظرية رياضية للحركة , ثم ابتعدت نظريات نيوتن عن هذه الفكرة في بعض النقاط الجوهرية , والميكانيكا الكوانطية تدرك العالم بطرق تختلف اختلافاً جوهرياً وأساسياً عن طرق ومسلك الفيزياء الكلاسيكية , ومن يدري ما سوف تشبه النظريات الآتية .
العلم في مفهومه الحالي يتمثٌل بالمعارف العالية الدقة , والمتوضعة في الكتب والوثائق وغيرها . فالعلم هو كمية هائلة من المعارف المترابطة في سلاسل وأنساق , ومنتظمة في بنية واحدة تقريباً . وهذه المعارف عالية الدقة وتنطبق بدرجة عالية على الواقع الذي نعيشه , وهي خاضعة للاختبار والتأكد من دقتها دوماٌ .
والذي يميز المعارف العلمية عن باقي المعارف , مثل المعارف العادية , كالأمثال والمعارف الشعبية والعقائدية والفنية والفلسفية وغيرها هو :
أولاً : المعارف العلمية تعتمد النظريات والقوانين الدقيقة التي تبنى بالقياس الكمي الدقيق , والرياضيات هي أداتها
ثانياً : درجة دقة تنبؤاتها العالية وانطباقها على الواقع بشكل كبير . فقد تم اعتمادها بعد اختبار وتجريب واسع جداً .
ثالثاً : تترابط هذه المعارف مع بعضها في سلاسل وأنساق , فهي مترابطة بشكل كبير في بنية واحدة متماسكة ولا يوجد تناقض بينها .
رابعاً: اعتمادها من قبل أغلبيةً كبيرة أي عموميتها وتوحيدها , وهذا يجعل تداولها بين الشعوب المختلفة سهلاً . هذا إذا لم تصطدم وتتعارض مع المعارف العقائدية أو المقدسات المعتمدة . وهي بعكس المعارف الشعبية والعقائدية وباقي المعارف التي يصعب تداولها بين الجماعات التي تتبنى كل واحدة منها معارف خاصة بها , فالمعارف غير العلمية هائلة جداً وهي في كل المجالات ولقد تنوعت وتعددت مصادرها وأصولها , وهذا ما جعلها متواضعة الدقة وغير منسقة ومتناقضة مع بعضها في أغلب الأحيان .
خامساً: المعارف العلمية لا تحمل قيمة إلا مقدار درجة دقة انطباقها على الواقع , فهذا الذي يعطيها قيمتها , مثال " كل المعادن تتمدد بالحرارة " هذه معلومة علمية , وليس المهم أن يكون هناك فائدة أو ضرراً لهذا التمدد , فالمهم هو أن كافة المعادن تتمدد بالحرارة باحتمال شبه مطلق . فقيمة المعارف العلمية تأتي من دقة تنبؤها العالية وانطباقها على الواقع .
سادساً: هذه المعارف متسلسلة في درجة دقتها , فالمعارف الرياضية الهندسة والحساب والجبر والتفاضل.. تأتي في القمة ودقتها تامة أي مطلقة . تليها المعارف الفيزيائية ودرجة دقتها تتجاوز 10 قوة 12 . تليها المعارف الكيميائية , ثم المعارف البيولوجية , ثم المعارف الاجتماعية . . . , والمعارف العلمية تنمو وتتوسع وتزداد دقة باستمرار .
يقولون أن الفلسفة أم العلوم , وهم لا يذكرون كيف نشأت هذه الأم , كيف ولدت , وكيف نمت , وكيف تطورت . كان من الأنسب أن يقولوا " أن الفيزياء هي أم العلوم " , فغالبية المعارف والأفكار تشكلت وتم بناؤها نتيجة المعارف المادية أو الفيزيائية . فغالبية الأفكار الفلسفية بنيت أو انطلقت من المعارف المادية أو الفيزيائية , فكافة الفلسفات انطلقت من أفكار قليلة مادية أو فيزيائية الماء والتراب والهواء والنار . فالواقع المادي هو دوماً منطلق تفكيرنا . وقد قسم الأقدمون هذا الواقع إلى عالمين مختلفين , عالم الأشياء أو البنيات المادية الملموسة التي لها حجم ووزن وخصائص أخرى أي العالم الفيزيائي , وعالم غير مادي وهو مؤلف من البنيات غير المادية , طاقة , أو قوة , أو نار , والبنيات النفسية , والروحية , والفكرية . ولم يستطيعوا أن يوفقوا بين العالمين , فهم كانوا لا يملكون المعارف الدقيقة اللازمة لذلك .
لكن الآن استطاع المنهج العلمي المعتمد على المعارف الفيزيائية , والرياضيات – فهو لا يكتفي بالمنطق – , والاختبار والتجريب , كأساس في بناء كافة المعارف . وقد حقق بذلك الوصول للكثير من المعارف الموضوعية والدقيقة جداً .
فالفيزياء الآن بعد أن أرجعت الطاقة والقوى والمجالات إلى المادة وجعلتهم شيء واحد , صار بالإمكان تفسير أية ظاهرة أو أي شيء بالانطلاق من العلوم الفيزيائية , بما فيها الظواهر الفكرية والنفسية والشعورية والبيولوجية والاجتماعية والاقتصادية " نظرية كل شيء "
لقد استطاع هذا المنهج تحقيق فهم دقيق للكثير من الأشياء والأحداث المادية وغير المادية التي نصادفها . وتم بناء منظومة واحدة من العلوم المترابطة والواسعة جداً , والتي تشمل الكثير من مناحي حياتنا , والمعارف في هذه المنظومة تستمد دقتها وقوتها من ثبات البنيات التي تتعامل معها , فعمر البروتون عشرة قوة 34 سنة فهو يبقى ثابت طوال هذه المدة , و شحنة الإلكترون ثابتة بشكل كبير جداً وكذلك كتلته السكونية , وسرعة الضوء ثابتة , وكذلك ثابتة بالانك وبقية الثوابت الفيزيائية . ومن عدم تناقضها مع بعضها . وبانطباقها الكبير على الواقع . وهذه العلوم سمحت لنا بالتعامل المجدي والفعال مع الواقع المادي ( الصناعة والزراعة والعمران . . ) , من أجل تحقيق أهدافنا وغاياتنا .
فقد اعتمد العلماء في تشكيل المعارف العلمية على التجريب والاختبار والاستقراء الواسع وقاموا بوضع النظريات والقوانين , وكانت العلوم الفيزيائية والكيميائية هي المجال المناسب لتطبيق منهجهم والوصول لمعارف عالية الدقة بشكل كبير . واعتمدت العلوم الفيزيائية كأساس تبنى عليه باقي العلوم , فيتم تشكيل القوانين والنظريات والمعارف الكيميائية الدقيقة بالانطلاق من القوانين والنظريات الفيزيائية , ثم تبنى العلوم الفزيولوجية والبيولوجية وباقي العلوم .
صحيح أن المنهج العلمي الآن يواجه صعوبات كثيرة للوصول للمعارف الدقيقة في كافة المجالات , نتيجة اتساع هذه المجالات التي نتعامل معها , بالإضافة لتعقيدها الكبير , وخاصة المجال النفسي والاجتماعي والاقتصادي . ولكن يظل الكثيرون يؤمنون أن اعتماد المنهج العلمي والمعارف الفيزيائية الدقيقة التي تم التوصل لها , هو الأفضل للوصول إلى معارف عالية الدقة في تلك المجالات .
يقول " جون بروكمان " في مقال عن " الإنسانيين الجدد " :
تتمثل المستحدثات في ظهور بيولوجيا جديدة عن العقل وتحقيق تطورات مهمة تعتبر بمنزلة طفرة واسعة في ميادين البيولوجيا العصبية والذكاء الصناعي والشبكات العصبية وغيرها من الإنجازات العلمية التي تؤلف تحدياً للافتراضات القديمة عن الطبيعة البشرية وعن معنى الإنسانية .
لقد أصبح مركز الفعل العقلي – حسب تعبيره – في أيدي العلماء والمفكرين ذوي الميول العلمية , وهؤلاء هم الذين يؤلفون ( الإنسانيين الجدد ).
" فالعلم الطبيعي الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا … "هو إذاً مركز الثقل في الثقافة الجديدة على عكس ما كان عليه الوضع في الماضي غير البعيد , فلم تعد معرفة الشخص لآراء مفكرين كبار من أمثال فرويد وماركس أو الإحاطة باتجاهات الحداثة مؤهلاً أو مسوغاً كافياً لاعتبار ذلك الشخص مثقفاً لأن هذه الثقافة (لا أمبيريقية) تغفل العلم , بل إنها على أفضل الأحوال مجرد شروح على شروح أو تعليقات على تعليقات سابقة , ولا تأخذ في اعتبارها عالم الواقع بشكل دقيق , فهي ثقافة تعتمد معلومات متواضعة الدقة .
ما هي العلوم الفيزيائية ؟ وإلى أين وصلت الآن؟
هذه نظرة سريعة : أن كافة الذرات تتألف من جسيمات ذرية صغيرة مستقرة , وهي الإلكترونات كتلة كل منها صغيرة نسبياً ولها شحنة سالبة , والبروتونات وهي ذات كتلة كبيرة نسبياً كتلة كل منها أكبر ب (1836) مرة من كتلة الإلكترون ولها شحنة موجبة مقدارها يعادل شحنة الإلكترون , والنيترونات كتلة كل منها تساوي تقريباً كتلة البروتون وليس لها شحنة . و كافة العناصر والمركبات والمواد مؤلفة من ذرات , والاختلاف بينها يكون بعدد الإلكترونات والبروتونات والنيترونات فقط . والجسيمات الذرية المستقرة قليلة أهمها الإلكترون والبروتون والنيترون و الفوتون , وبقية الجسيمات تتفكك فور تكونها فعمرها بأجزاء من ألف أومن مليون من الثانية أو أقل .
وإن كل جسيم ذري مؤلف من بنيات (أو أجزاء) صغيرة جداً , وهو غالباً على شكل غيمة أو غمامة تأخذ حيز معين , وهو غالباً متحرك حركة سريعة جداً , تقاس بالنسبة لسرعة الضوء , . و لكل جسم ذري مهما كان دوران أو لف "اسبين" , وله موجة مرفقة له أو يمكن أن يظهر على شكل موجة . وأن هناك أكثر من مائتان من الجسيمات الذرية غير المستقرة , والجسيمات المستقرة قليلة أهمها الإلكترون والبروتون والنيترون و الفوتون , والبقية الجسيمات تتفكك فور تكونها فعمرها بأجزاء من ألف أومن مليون من الثانية أو أقل .
إن كافة الجسيمات مصنوعة في جوهرها من طبيعة (أو هيولي) واحدة وهي كمات من الطاقة . ويمكن أن تتحول كافة هذه الجسيمات إلى كمات من الطاقة أو العكس تتحول الطاقة إلى أحد هذه الجسيمات .
وهناك الأمواج ومنها الأمواج أو الأشعة الكهرطيسية التي لها خصائصها , والضوء أحد أشكالها , والضوء ثنائي الوجه فهو مرة بوجه أو بشكل بنية فوتون ومرة بشكل موجة كهرطيسية لها تردد معين حسب لونه وحسب طبيعته . وهناك الأمواج أو الأشعة النووية , والأشعة الكونية . وكافة الأمواج الكهرطيسية والنووية تسير بسرعة هائلة هي سرعة الضوء .
إن الذي ينشئ البنيات الفيزيائية هو القوى التي تتعرض لها عناصرها , فكافة أنواع الذرات تتكون نتيجة القوى الكهرطيسية والنووية . أما كافة أنواع المجرات والنجوم والكواكب والأقمار فهي تتكون نتيجة القوى الثقالية أو الجاذبية النيوتونية , ولولا وجود هذه القوّة لما تشكلت المجرات والنجوم أو الشموس والكواكب والأقمار .
وتعرض نظرية ’النموذج المعياري‘ Standard Model توصيفاً كاملاً لمكونات الكون.
فهي تعتبر أن كل شيء يتكون حصرياً من 12 جسيم أساسي: ستة ’كواركات‘ QUARKS وستة ’لبتونات‘ LEPTONS. وجسيم ضد لكل جسيم من هذه الجسيمات. المجموع: 24 جسيماً دون ذري. هذه الجسيمات كافية تماماً لتشكيل كل شيء , فهي تشكل كافة الجسيمات الذرية . هذا النموذج يعد الأساسي والمنطلق للفيزياء الحديثة؛ رغم الهجمات المستمرة عليه ، والتي يبدو أنها ما تزال تزيده قوة.
وكانت نظرية الكم تحاول أن تفسر كافة البنيات والظواهر الفيزيائية بناءً على أنها حركة وتفاعل " لكمات الصغيرة " .
ومفهوم الكم استعمل في الفيزياء للدلالة على أن الطاقة ليست كميات متصلة , أي لا يمكن تقسيم أجزاء الطاقة إلى ما لا نهاية . والطاقة تنتقل على شكل وحدات متناهية الصغر وهي محددة وثابتة الكمية , وكذلك سرعتها ثابتة وهي سرعة الضوء , وأسموها " كمات " فهي مقداره من الطاقة تساوي 6,6256* 10 مرفوعة الأس -34 , أي هو مقدار متناهي في الصغر , فإذا جمع ألف مليون مليون مليون مليون مليون " كم " لبلغوا جزء صغير من الطاقة هو حوالي جول ثانية فقط .
لا يوجد أي شيء في الوجود إن كان مادة أو طاقة إلا وهو مؤلف من كمات , والكم لا نستطيع تحليله إلى بنيات أصغر منه , ومن هذه الكمات تتكوٌن الكواركات و اللبتونات , ومن الكواركات واللبتونات تتكون الجسيمات الذرية وهي أكثر من مائتين منها الفوتونات والإلكترونات والبروتونات والنيترونات . وأنه يمكن حساب نتائج هذه التفاعلات باستعمال الرياضيات المتطورة .
وقد نجحت هذه النظرية في تفسير غالبية الظواهر الفيزيائية . فمن حركة البنيات الذرية الأولية تتكون المجالات والسيالات وبالتالي القوى الأساسية الثلاثة , الجاذبية أو الثقالة , والقوى الكهراطيسية مع القوى النووية الضعيف , والقوى النووية القوية . وكذلك تتكون الكتلة والشحنة والاسبين من تفاعل الكمات مع بعضها بطرق معقدة لم تتضح بعد .
فمن تفاعل البنيات الفيزيائية الأساسية , الإلكترون والبروتون والنيترون نتيجة القوى الكهرطيسية والنووية , تكونت ذرات كافة العناصر الكيميائية , ومن ذرات العناصر تكونت كافة المركبات الكيميائية بكافة أشكالها العضوية وغير العضوية , ومن هذه المركبات الكيميائية تكونت البنيات الحية البسيطة جداً ثم وحيدات الخلية البسيطة وهي نباتية وحيوانية , ثم الكائنات الحية كثيرة الخلايا ثم الفقريات وغيرها ثم الثدييات ثم الرأسيات ثم البشر .
وقد شكل البشر بعد أن ملكوا الكثير من القدرات الجسمية المناسبة بالإضافة إلى عقل متطور استخدم اللغة المحكية , البنيات الاجتماعية والبنيات التكنولوجية البسيطة مثل السكين والفأس والرمح والمحراث . . , وكذلك كونوا البنيات الثقافية المتطورة بعد أن تشكلت اللغة المكتوبة , وتكونت الحضارات والبنيات السياسية والاقتصادية , ثم البنيات التكنولوجية المتطورة , القطارات والطائرة والمصانع والآلات . . . , ثم تكونت البنيات الإلكترونية التي تطورت وكونت العقول الإلكترونية .
لكن هناك سؤال : هل كل شيء يمكن إرجاعه إلى أسس فيزيائية , والقوانين الفيزيائية تنطبق عليه ؟
في الواقع نحن نعيش في ثلاث عوالم مختلفة , وهي العالم المادي أو الفيزيائي , وعالم الكائنات الحية , وعالم الأفكار . ولهذا العوالم عناصرها وقوانينها الخاصة بها , صحيح أن هناك تشابه بينها في بعض القوانين , وأن هناك تسلسل في نشوء هذه العوالم وهي مترابطة زمنياً و سببياً .
فمن العالم الفيزيائي تشكل عالم الكائنات الحية , وهو يختلف في أمور عدة عن العالم الفيزيائي . ولكنه يبقى خاضعاً للقوانين الفيزيائية ولا يخرقها .
وكذلك تشكلت الأفكار في أدمغة الكائنات الحية ثم بعد ذلك استطاعت هذه الأفكار أن تخرج وتتوضع خارج العقول . وعالم الأفكار هو أيضاً يبقى خاضعاً للقوانين الفيزيائية ولا يخرقها , ولكنه يختلف في خصائصه وبعض قوانينه عن عالم الكائنات الحية وعن العالم الفيزيائي , مع أنه تشكل منهما .
لذلك يجب مراعاة خصائص كل من هذه العوالم الثلاثة .
فنحن نعيش في العوالم الثلاثة ونخضع لقوانينها وتأثيراتها , فالبنيات الفيزيائية تؤثر فينا كما تؤثر علينا البنيات الفزيولوجية ( المكونة لجسمنا ) والبنيات الحية الأخرى إن كانت حيوانات أو حشرات أو جراثيم , وتؤثر علينا البنيات الاجتماعية إن كانت ثقافية وعقائدية أو فكرية و سياسية و اقتصادية و تكنولوجية . . . .
ولكن يظهر أن التأثير الأكبر علينا هو من عالم الفكر ( الثقافة والعقائد والمعارف ) فهو يتحكم ويوجه أغلب تصرفاتنا , وهو يساهم بشكل أساسي بتشكيل أهدافنا وغاياتنا ودوافعنا .
وفي النهاية نذكر أهم خصائص كافة المعارف
1- المعرفة هي تنبؤ ( والاستقراء, والاستنتاج, والاستنباط, والاستدلال, و التركيب, والتحليل, والتفسير, والسببية ) يتضمنون التنبؤ, والحكم هو تنبؤ معتمد . و لها درجة صحة أو درجة دقة ولا توجد معارف مطلقة الصحة . والمعرفة هي بمثابة مفاتيح تسمح لنا بفتح الزمن واستباق الواقع , ومعرفة مراكز التوازن أو الاستقرار لدارات تفاعل البنيات ونتائج صيرورتها, وبالتالي تسمح لنا بتحقيق الأهداف بأسرع وأسهل طريقة , دون استعمال التصحيح بالتغذية العكسية أو التجربة والخطأ, لأنها تسمح لنا بتحديد المطلوب الصحيح فوراً. فهي بمثابة المفاتيح التي تفتح الأقفال أو الأبواب المطلوبة من المرة الأولى .
2- نسبية المعرفة وتبعيتها للعارف وارتباطها به , لذلك لا توجد معارف مطلقة
3- ارتباط المعرفة وتبعيتها لخصائص وقدرات الحواس البشرية . أشكال تأثرها بالوجود و خصائصها , وقدرات وخصائص العقل البشري . لذا فإن المعرفة البشرية مختصرة ولا تشمل إلا جزءاً ضئيلاً من وقائع الواقع اللا متناهية . وترتبط المعرفة بزمان ومكان وقدرات وخصائص الإنسان العارف الذي هو مرجع هذه المعارف, لذلك تختلف المعارف باختلاف الأشخاص واختلاف الأزمان
4- المعارف يجب أن تكون عامة و توحيدها لا بد منه , عند تعامل الناس بها.
5- هي نتيجة التواصل الفكري بين البشر
م/ن