التصنيفات
الصف الثامن

تفسير سورة الاحزاب الصف الثامن

سورة الأحزاب

التسميَـــة
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله واتباع الوحي والتوكل على الله
إبطال الظهار الجاهلي والتبني
شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته، والميراث بقرابة الرحم
غزوة الأحزاب
تخيير زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة
خصائص أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
مساواة الرجال والنساء في الجزاء والثواب
إبطال التبني وقصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش
الحث على ذكر الله وتسبيحه صباحاً ومساءً ورحمته تعالى بعبادته
أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم الطلاق قبل المساس
النساء اللاتي أحلّ الله لنبيّه الزواج بهنّ
آداب الدخول لبيت النبي صلى الله عليه وسلم وحجاب نسائه
الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجزاء من يؤذيه ويؤذي المؤمنين
نزول آية الحجاب
تهديد المنافقين وجزاؤهم
قرب الساعة وبيان أهوالها
تحذير المؤمنين من إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم كما آذى اليهود موسى عليه السلام، والأمر بتقوى الله
التكاليف الشرعية التي كلف الله بها البشرية وأثرها في الجزاء

بَين يَدَي السُّورَة

* سورة الأحزاب من السور المدنية، التي تتناول الجانب التشريعي لحياة الأمة الإِسلامية، شأن سائر السور المدنية، وقد تناولت حياة المسلمين الخاصة والعامة، وبالأخص أمر الأسرة فشرعت الأحكام بما يكفل للمجتمع السعادة والهناء، وأبطلت بعض التقاليد والعادات الموروثة مثل: "التبني، والظهار، واعتقاد وجود قلبين لإِنسان" وطهرت من رواسب المجتمع الجاهلي، ومن تلك الخرافات والأساطير الموهومة التي كانت متفشية في ذلك الزمان.

* ويمكن أن نلخص المواضيع الكبرى لهذه السورة الكريمة في نقاط ثلاث:
أولاً: التوجيهات والآداب الإِسلامية.
ثانياً: الأحكام والتشريعات الإِلهية.
ثالثاً: الحديث عن غزوتي "الأحزاب، وبني قريظة".

* أما الأولى: فقد جاء الحديث عن بعض الآداب الاجتماعية كآداب الوليمة، وآداب الستر والحجاب وعدم التبرج، وآداب معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم واحترامه إلى آخر ما هنالك من آداب اجتماعية.

* وأما الثانية: فقد جاء الحديث عنها في بعض الأحكام التشريعية مثل حكم الظهار والتبني، والإِرث، وزواج مطلقة الابن من التبني، وتعدد زوجات الرسول الطاهرات والحكمة منه، وحكم الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم الحجاب الشرعي، والأحكام المتعلقة بأمور الدعوة إلى الوليمة إلى غير ما هنالك من أحكام تشريعية.

* وأما الثالثة: فقد تحدثت السورة بالتفصيل عن غزوة الخندق التي تسمى "غزوة الأحزاب" وصوَّرتها تصويراً دقيقاً بتآلب قوى البغي والشر على المؤمنين، وكشفت عن خفايا المنافقين، وحذرت من طرقهم في الكيد والتخذيل والتثبيط، وأطالت الحديث عنهم في بدء السورة وفي ختمها، حتى لم تُبق لهم ستراً، ولم تخف لهم مكراً، وذكرت المؤمنين بنعمة الله العظمى عليهم في ردّ كيد أعدائهم بإرسال الملائكة والريح، كما تحدثت عن غزوة بني قريظة ونقض اليهود عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

التسميَة:
سميت سورة الأحزاب لأن المشركين تحزبوا على المسلمين من كل جهة، فاجتمع كفار مكة مع غطفان وبني قريظة وأوباش العرب على حرب المسلمين، ولكن الله ردَّهم مدحورين وكفى المؤمنين القتال بتلك المعجزة الباهرة.

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله واتباع الوحي والتوكل على الله

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(1)وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(2)وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا(3)}.

سبب النزول:
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أهل مكة، ومنهم الوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة دَعُوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن قوله، على أن يعطوه شطر أموالهم، وخوّفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه، فنزلت الآيات.
وذكر الواحدي في أسباب النزول: أن الآيات نزلت في أبي سفيان وعِكْرمة بن أبي جهل وأبي الأعور السُّلَمي قَدِموا المدينة بعد قتال أُحُد، فنزلوا على عبد الله بن أُبَيّ (زعيم المنافقين) وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطُعْمة بن أُبَيرق، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، وعنده عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعُزّى ومناة، وقل: إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها وندعك وربَّك، فشقّ على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم، فقال: "إني قد أعطيتهم الأمان" فقال عمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجهم من المدينة، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} النداء على سبيل التشريف والتكرمة لأن لفظ النبوة مشعر بالتعظيم والتكريم أي اثبتْ على تقوى الله ودُمْ عليها، قال أبو السعود: في ندائه صلى الله عليه وسلم بعنوان النبوة تنويهٌ بشأنه، وتنبيهٌ على سمو مكانه، والمراد بالتقوى المأمور به الثباتُ عليه والازديادُ منه، فإِنَّ له باباً واسعاً ومكاناً عريضاً لا يُنال مداه {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} أي ولا تطع أهل الكفر والنفاق فيما يدعونك إليه من اللين والتساهل، وعدم التعرض لآلهتهم بسوء، ولا تقبل أقوالهم وإِن أظهروا أنها نصيحة، قال المفسرون: دعا المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفض ذكر آلهتهم بسوء، وأن يقول إن لها شفاعة فكره صلى الله عليه وسلم ذلك ونزلت الآية { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} أي إنه تعالى عالم بأعمال العباد وما يضمرونه في نفوسهم، حكيم في تدبير شئونهم {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} أي واعمل بما يوحيه إليك ربك من الشرع القويم، والدين الحكيم، واستمسك بالقرآن المنزل عليك {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} أي خبيرٌ بأعمالكم لا تخفى عليه خافية من شئونكم، وهو مجازيكم عليها {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي اعتمد عليه، والجأ في جميع أمورك إليه {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} أي وحسبك أن يكون الله حافظاً وناصراً لك ولأصحابك.

إبطال الظهار الجاهلي والتبني

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ(4)ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا ءاباءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(5)}.

سبب النزول:
نزول الآية (4):
{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ}: أخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يصلي، فخطر خطرة، فقال المنافقون الذي يصلون معه: ألا ترى أن له قلبين، قلباً معكم وقلباً معه، فأنزل الله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}.

{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ}: أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، حتى نزلت في القرآن: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت زيد بن حارثة بن شَرَاحيل.

ثم ردَّ تعالى مزاعم الجاهليين ببيان الحق الساطع فقال {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} أي ما خلق الله لأحدٍ من الناس أياً كان قلبين في صدره، قال مجاهد: نزلت في رجلٍ من قريش كان يُدعى "ذا القلبين" من دهائه، وكان يقول: إنَّ في جوفي قلبين أعقل بكلِ واحدٍ منهما أفضل من عقل محمد {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} أي وما جعل زوجاتكم اللواتي تظاهرون منهنَّ أمهاتكم، قال ابن الجوزي: أعلمَ تعالى أن الزوجة لا تكونُ أُماً، وكانت الجاهلية تُطلّق بهذا الكلام وهو أن يقول لها: أنتِ عليَّ كظهر أمي {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ } أي وما جعل الأبناء من التبني الذين ليسوا من أصلابكم أبناءً لكم حقيقةً {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } أي دعاؤهم أبناء مجرد قول بالفم لا حقيقة له من الواقع {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} أي والله تعالى يقول الحقَّ الموافق للواقع، والمطابق له من كل الوجوه { وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} أي يرشد إلى الصراط المستقيم، والغرضُ من الآية التنبيهُ على بطلان مزاعم الجاهلية، فكما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، فكذلك لا يمكن أن تصبح الزوجة المظاهر منها أماً، ولا الولد المتبنَّى ابناً، لأن الأم الحقيقية هي التي ولدته، والابن الحقيقي هو الذي وُلد من صلب الرجل، فكيف يجعلون الزوجات المظاهر منهن أمهات؟ وكيف يجعلون أبناء الآخرين أبناءً لهم مع أنهم ليسوامن أصلابهم؟ثم أمر تعالى بردّ نسب هؤلاءإلى ءابائهم فقال {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أي انسبوا هؤلاء الذين جعلتموهم لكم أبناء لآبائهم الأصلاء {هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أي هو أعدلُ وأقسط في حكم الله وشرعه، قال ابن جرير: أي دعاؤكم إياهم لآبائهم هو أعدل عند الله وأصدقُ وأصوب من دعائكم إياهم لغير ءابائهم {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا ءاباءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} أي فإِن لم تعرفوا ءاباءهم الأصلاء فتنسبوهم إليهم فهم إخوانكم في الإِسلام {وَمَوَالِيكُمْ} أي أولياؤكم في الدين، فليقل أحدكم: يا أخي ويا مولاي يقصد أخوَّة الدين وولايته، قال ابن كثير: أمر تعالى بردّ أنساب الأدعياء إلى ءابائهم إن عُرفوا، فإِن لم يُعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم، عوضاً عما فاتهم من النسب، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: "أنت أخونا ومولانا" وقال ابن عمر: ما كنا ندعو "زيد بن حارثة" إلا زيد بن محمد حتى نزلت {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} أي وليس عليكم أيها المؤمنون ذنبٌ أو إثم فيمن نسبتموهم إلى غير ءابائهم خطأً {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} أي ولكنَّ الإِثم فيما تقصدتم وتعمدتم نسبته إلى غير أبيه {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي واسع المغفرة عظيم الرحمة، يعفو عن المخطئ ويرحم المؤمن التائب.

شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته، والميراث بقرابة الرحم

{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا(6)وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا(7)لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا(8)}.

ثم بيَّن تعالى شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته ونصحه لهم فقال {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي هو عليه السلام أرأف بهم وأعطف عليهم، وأحقُّ بهم من أنفسهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ وطاعته أوجب {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي وزوجاتُه الطاهرات أمهات للمؤمنين في وجوب تعظيمهن واحترامهن، وتحريم نكاحهنَّ، قال أبو السعود: أي منزّلات منزلة الأمهات، في التحريم واستحقاق التعظيم، وأما فيما عدا ذلك فهنَّ كالأجنبيات {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ} أي أهل القرابات {بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} أي أحقُّ بالإِرث من المهاجرين والأنصار في شرع الله ودينه {إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} أي إلاّ أن تحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين والمهاجرين في حياتكم، أو توصوا إِليهم عند الموت فإِن ذلك جائز، وبسط اليد بالمعروف مما حثَّ الله عباده عليه، قال المفسرون: وهذا نسخٌ لما كان في صدر الإِسلام من توارث المسلمين من بعضهم بالأخوة الإِيمانية وبالهجرة ونحوها {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} أي كان حكم التوارث بين ذوي الأرحام مكتوباً مسطراً في الكتاب العزيز لا يبدل ولا يُغير، قال قتادة: أي مكتوباً عند الله عز وجل ألا يرث كافر مسلماً {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} أي اذكر وقت أخذنا من النبيين عهدهم المؤكد باليمين، أن يفوا بما التزموا، وأن يصدِّق بعضهم بعضاً، وأن يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالاتهم {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} أي وأخذنا منك يا محمد الميثاق ومن نوح وإِبراهيم وموسى وعيسى، وهؤلاء هم أولو العزم ومشاهير الرسل، وإِنما قدَّمه صلى الله عليه وسلم في الذكر لبيان مزيد شرفه وتعظيمه، قال البيضاوي: خصَّهم بالذكر لأنهم مشاهير أرباب الشرائع، وقدَّم نبينا عليه الصلاة والسلام تعظيماً له وتكريماً لشأنه، وقال ابن كثير: بدأ بالخاتم لشرفه صلوات الله عليه، وبياناً لعظم مكانته، ثم رتبهم بحسب وجودهم في الزمان {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} أي وأخذنا من الأنبياء عهداً وثيقاً عظيماً على الوفاء بما التزموا به من تبليغ الرسالة {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ } أي ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الصادقين عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، قال الصاوي: والحكمة في سؤال الرسل مع علمه تعالى بصدقهم هو التقبيح على الكفار يوم القيامة وتبكيتهم، وقال القرطبي: وفي الآية تنبيه على أن الأنبياء إذا كانوا يُسألون يوم القيامة فيكف بمن سواهم؟ وفائدة سؤالهم توبيخ الكفار كما قال تعالى لعيسى {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ} {وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيماً} أي وقد هيَّا الله تعالى يوم القيامة للمشركين الجاحدين عذاباً مؤلماً موجعاً، بسبب كفرهم وإِعراضهم عن قبول الحق.

غزوة الأحزاب

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا(9)إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا(10)هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا(11)وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا(12)وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا(13)وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا(14)وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا(15)قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا(16)قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا(17)قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا(18)أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا(19)يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا(20)لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا(21)وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا(22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا(23)لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(24)وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا(25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرَضهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً(27)}.

سبب النزول:
نزول الآية (9):
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ }: أخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة قال: لقد رأيتنا ليلة الأحزاب، ونحن صافون قعوداً، وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة أسفل منا، نخاف على ذرارينا، وما أتت قط علينا ليلة أشد ظلمة، ولا أشد ريحاً منها، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم إن بيوتنا عورة، وما هي بعورة، فما يستأذن أحد منهم إلا أّذن له، فيتسللون، إذ استقبلنا النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً رجلاً حتى أتى علي، فقال: ائتني بخبر القوم، فجئت، فإذا الريح في عسكرهم، ما تجاوز عسكرهم شبراً، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفُرُشهم، الريح تضربهم، وهم يقولون: الرحيل الرحيل، فجئت، فأخبرته خبر القوم، وأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} الآية.

نزول الآية (12):
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ }: أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عمرو المزني قال: خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب، فأخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول، فضربها ضربة، صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتي المدينة، فكبَّر، وكبَّر المسلمون، ثم ضربها الثانية، فصدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، فكبَّر وكبر المسلمون، ثم ضربها الثالثة، فكسرها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، فكبَّر، وكبَّر المسلمون، فسئل عن ذلك، فقال: ضربت الأولى، فأضاءت لي قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم، ثم ضربت الثانية، فأضاءت لي قصور الحمر من أرض الروم، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثالثة، فأضاءت لي قصور صنعاء، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فقال المنافقون: ألا تعجبون؟ ويحدّثكم، يُمنِّيكم ويَعدُكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفَرَق، لا تستطيعون أن تَبْرُزوا، فنزل القرآن: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا}.

نزول الآية (23):
{مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ }: أخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن بدر، فكبُر عليه، فقال: أول مشهد قد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غِبتُ عنه، لئن أراني الله مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريَنَّ الله ما أصنعُ، فشهد يوم أحد، فقاتل حتى قُتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، ونزلت هذه الآية: {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الآية.

ثم شرع تعالى في ذكر "غزوة الأحزاب" وما فيها من نِعَمٍ فائضة، و ءايات باهرة للمؤمنين فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي اذكروا فضله وإِنعامه عليكم {إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ} أي وقت مجيء جنود الأحزاب وتألبهم عليكم، قال أبو السعود: والمراد بالجنود الأحزاب وهم قريش، وغطفان، ويهود قريظة وبني النضير، وكانوا زهاء اثني عشر ألفاً، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإِقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإِشارة "سلمان الفارسي" ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب معسكره والخندقُ بينه وبين المشركين، واشتد الخوف وظنَّ المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق في المنافقين حتى قال "معتب بن قشير" يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر ولا نقدر أن نذهب إلى الغائط {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} أي فأرسلنا على الأحزاب ريحاً شديدة وجنوداً من الملائكة لم تروهم وكانوا قرابة ألف، قال المفسرون: بعث الله عليهم ريحاً عاصفاً وهي ريح الصبا في ليلة شديدة البرد والظلمة، فقلعت بيوتهم، وكفأت قدورهم، وصارت تلقي الرجل على الأرض، وأرسل الله الملائكة فزلزلتهم -ولم تقاتل- بل ألقت في قلوبهم الرعب {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} أي وهو تعالى مطلع على ما تعملون من حفر الخندق، والثبات على معاونة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} أي حين جاءتكم الأحزاب من فوق الوادي يعني أدناه قبل المغرب، ومنه جاءت أسد وغطفان {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ } أي ومن أسفل الوادي يعني أدناه قبل الغرب، ومنه جاءت قريش وكنانة وأوباش العرب، والغرضُ أن المشركين جاءوهم من جهة المشرق والمغرب، وأحاطوا بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم، وأعانهم يهود بني قريظة فنقضوا العهد مع الرسول وانضموا إلى المشركين، فاشتد الخوف، وعظُم البلاء ولهذا قال تعالى {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} أي وحين مالت الأبصار عن سننها ومستوى نظرها حيرةً وشخوصاً لشدة الهول والرعب {وَبَلَغتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} أي زالت عن أماكنها من الصدور حتى كادت تبلغ الحناجر، وهذا تمثيلٌ لشدة الرعب والفزع الذي دهاهم، حتى كأن أحدهم قد وصل قلبه إلى حنجرته من شدة ما يلاقي من الهول {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} أي وكنتم في تلك الحالة الشديدة تظنون الظنون المختلفة، قال الحسن البصري: ظن المنافقون أن المسلمين يُستأصلون، وظنَّ المؤمنون أنهم يُنصرون، فالمؤمنون ظنوا خيراً، والمنافقون ظنوا شراً، وقال ابن عطية: كاد المؤمنون يضطربون ويقولون: ما هذا الخُلف للوعد؟ وهذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين لا يمكن للبشر دفعها، وأما المنافقون فتعجلوا ونطقوا وقالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} أي في ذلك الزمان والمكان امتحن المؤمنون واختبروا، ليتميز المخلص الصادق من المنافق، قال القرطبي: وكان هذا الابتلاءُ بالخوف والقتال، والجوع والحصر والنزال {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} أي وحرّكوا تحريكاً عنيفاً من شدة ما دهاهم، حتى لكأن الأرض تتزلزل بهم وتضطرب تحت أقدامهم، قال ابن جزي: وأصل الزلزلة شدةُ التحريك وهو هنا عبارة عن اضطراب القلوب وتزعزعها {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي واذكر حين يقول المنافقون، والذين في قلوبهم مرض النفاق، لأن الإِيمان لم يخالط قلوبهم {مَا وَعدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} أي ما وعدنا الله ورسوله إلا باطلاً وخداعاً، قال الصاوي: والقائل هو "معتب بن قشير" الذي قال: يعدنا محمدٌ بفتح فارس والروم، وأحدُنا لا يقدر أن يتبرز فرقاً، ما هذا إلا وعد غرور، يغرنا به محمد {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} أي واذكر حين قالت جماعة من المنافقين وهم: أوس بن قيظي وأتباعه، وأُبيُّ بن سلول وأشياعه {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ} أي يا أهل المدينة لا قرار لكم ههنا ولا إقامة {فَارْجِعُوا} أي فارجعوا إلى منازلكم واتركوا محمداً وأصحابه {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ} ويستأذن جماعة من المنافقين النبي صلى الله عليه وسلم في الانصراف متعللين بعلل واهية {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي غير حصينة فنخاف عليها العدوَّ والسُّراق {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} تكذيب من الله تعالى لهم أي ليس الأمر كما يزعمون {إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا} أي ما يريدون بما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الهرب من القتال، والفرار من الجهاد، والتعبيرُ بالمضارع {وَيَسْتَأْذِنُ} لاستحضار الصورة في النفس، فكأن السامع يبصرهم الآن وهم يستأذنون، ثم فضحهم تعالى وبيَّن كذبهم ونفاقهم فقال {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} أي ولو دخل الأعداء على هؤلاء المنافقين من جميع نواحي المدينة وجوانبها {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا} أي ثم طلب إليهم أن يكفروا وأن يقاتلوا المسلمين لأعطوها من أنفسهم {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا} أي لفعلوا ذلك مسرعين، ولم يتأخروا عنه لشدة فسادهم، وذهاب الحق من نفوسهم، فهم لا يحافظون على الإِيمان ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع، وهذا ذمٌ لهم في غاية الذم {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ} أي ولقد كان هؤلاء المنافقون أعطوا ربهم العهود والمواثيق من قبل غزوة الخندق وبعد بدر ألا يفروا من القتال {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا} أي وكان هذا العهد منهم جديراً بالوفاء لأنهم سيسألون عنه، وفيه تهديدٌ ووعيد، قال قتادة: لما غاب المنافقون عن بدر، ورأوا ما أعطى الله أهل بدرٍ من الكرامة والنصر، قالوا لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ} أي قل يا أيها النبي لهؤلاء المنافقين، الذين يفرون من القتال طمعاً في البقاء وحرصاً على الحياة، إن فراركم لن يطوّل أعماركم ولن يؤخر آجالكم، ولن يدفع الموت عنكم أبداً {وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا} أي ولئن هربتم وفررتم فإِذاً لا تمتعون بعده إلا زمناً يسيراً، لأن الموت مآل كل حي، ومن لم يمت بالسيفِ مات بغيره {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ} أي من يستطيع أن يمنعكم منه تعالى {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} أي إن قدَّر هلاككم ودماركم، أو قدَّر بقاءكم ونصركم؟ {وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} أي وليس لهم من دون الله مجير ولا مغيث، فلا قريب ينفعهم ولا ناصر ينصرهم {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} أي لقد علم الله تعالى ما كان من أمر أولئك المنافقين، المثبطين للعزائم، الذين يعوّقون الناس عن الجهاد، ويصدونهم عن القتال {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} أي والذين يقولون لإِخوانهم في الكفر والنفاق: تعالوا إلينا واتركوا محمداً وصحبه يهلكوا ولا تقاتلوا معهم، قال تعالى {وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا} أي ولا يحضرون القتال إلا قليلاً منهم رياءً وسمعة، قال الصاوي: لأن شأن من يثبّط غيره عن الحرب ألاّ يفعله إلا قليلاً لغرضٍ خبيث، وقال في البحر: المعنى: لا يأتون القتال إلا إتياناً قليلاً، يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنهم معهم، ولا تراهم يقاتلون إلا شيئاً قليلاً إذا اضطروا إليه، فقتالهُم رياء ليس بحقيقة {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} أي بخلاء عليكم بالمودة والشفقة والنصح لأنهم لا يريدون لكم الخير {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أي فإِذا حضر القتال رأيت أولئك المنافقين في شدة رعب لا مثيل لها، حتى إنهم لتدور أعينهم في أحداقهم كحال المغشي عليه من معالجة سكرات الموت حَذراً وخَوراً، قال القرطبي: وصفهم بالجبن، وكذا سبيل الجبان ينظر يميناً وشمالاً محدّداً بصره، وربما غُشي عليه من شدة الخوف {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} أي فإِذا ذهب الخوف عنهم وانجلت المعركة آذوكم بالكلام بألسنة سليطة، وبالغوا فيكم طعناً وذماً، قال قتادة: إذا كان وقت قسمة الغنيمة بسطوا ألسنتهم فيكم، يقولون: أعطونا أعطونا فإِنا قد شهدنا معكم، ولستم أحقَّ بها منا، فأما عند البأس فأجبن قومٍ وأخذلهم للحق، وأمّا عند الغنيمة فأشح قوم وأبسطهم لساناً {أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} أي خاطبوكم بما خاطبوكم به حال كونهم أشحة أي بخلاء على المال والغنيمة { أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا} أي أولئك الموصوفون بما ذكر من صفات السوء، لم يؤمنوا حقيقةً بقلوبهم وإِن أسلموا ظاهراً {فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} أي أبطلها بسبب كفرهم ونفاقهم، لأن الإِيمان شرط في قبول الأعمال {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} أي وكان ذلك الإِحباط سهلاً هيناً على الله، ثم أخبر تعالى عنهم بما يدل على جبنهم فقال {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} أي يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجبنهم أن الأحزاب -وهم كفار قريش ومن تحزب معهم- بعد انهزامهم لم ينصرفوا عن المدينة وهم قد انصرفوا {وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ } أي وإِن يرجع إليهم الكفار كرة ثانية للقتال يتمنوا لشدة جزعهم أن يكونوا في البادية مع الأعراب -لا في المدينة معكم- حذراً من القتل وتربصاً للدوائر {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} أي يسألون عن أخباركم وما وقع لكم فيقولون: أهلك المؤمنون؟ أغلب أبو سفيان؟ ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة {وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا} أي ولو أنهم كانوا بينكم وقت القتال واحتدام المعركة ما قاتلوا معكم إلا قتالاً قليلاً لجبنهم وذلتهم وحرصهم على الحياة.

{لَقدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي لقد كان لكم أيها المؤمنون في هذا الرسول العظيم قدوةٌ حسنة، تقتدون به صلى الله عليه وسلم في إخلاصه، وجهاده، وصبره، فهو المثل الأعلى الذي يجب أن يُقتدى به، في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، لأنه لا ينطق ولا يفعل عن هوى، بل عن وحيٍ وتنزيل، فلذلك وجب عليكم تتبع نهجه، وسلوك طريقه {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} أي لمن كان مؤمناً مخلصاً يرجو ثواب الله، ويخاف عقابه {وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} أي وأكثر من ذكر ربه، بلسانه وقلبه، قال ابن كثير: أمر تبارك وتعالى الناسَ بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في صبره ومصابرته، ومجاهدته ومرابطته، ولهذا قال للذين تضجروا وتزلزلوا، واضطربوا يوم الأحزاب {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} والمعنى: هلاّ اقتديتم به وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم ‍‍‍‍ ثم حكى تعالى موقف المؤمنين الصادقين في غزوة الأحزاب أثناء رؤيتهم جنود قريش ومن تحزب معهم، وما صدر عن المؤمنين من إخلاصٍ ويقين، تُظهر بوضوح روح الإِيمان والتضحية فقال {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} أي ولَّما رأى المؤمنون الكفار قادمين نحوهم، وقد أحاطوا بهم من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم، قالوا: هذا ما وعدنا به الله ورسولُه، من المحنة والابتلاء، ثم النصر على الأعداء {وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} أي صدق الله في وعده، ورسولُه فيما بشرنا به، قال المفسرون: لما كان المسلمون يحفرون الخندق اعترضتهم صخرة عظيمة عجزوا عن تكسيرها، فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بها فجاء وأخذ المعول وضربها ثلاث ضربات أضاءت له منها مدائن كسرى، وقصور الروم، فقال: أبشروا بالنصر، فلما أقبلت جموع المشركين ورأوهم قالوا {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} {وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} أي وما زادهم ما رأوه من كثرة جند الأحزاب، ومن شدة الضيق والحصار، إلا إيماناً قوياً عميقاً بالله، واستسلاماً وانقياداً لأوامره {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} أي ولقد كان من أولئك المؤمنين رجالٌ صادقون، نذروا أنهم إذا أدركوا حرباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أي فمنهم من وفىّ بنذره وعهده حتى استشهد في سبيل الله كأنس بن النضر وحمزة {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} أي ومنهم من ينتظر الشهادة في سبيل الله { وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} أي وما غيَّروا عهدهم الذي عاهدوا عليه ربهم أبداً {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} أي ليجزي الله الصادقين بسبب صدقهم وحسن صنيعهم أحسن الجزاء في الآخرة {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أي ويعذّب المنافقين الناقضين للعهود بأن يميتهم على النفاق فيعذبهم، أو يتوب عليهم فيرحمهم {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} أي واسع المغفرة رحيماً بالعباد، قال ابن كثير: ولما كانت رحمته ورأفته تبارك وتعالى هي الغالبة لغضبه ختم بها الآية الكريمة {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} أي وردَّ الله الأحزاب الذين تألبوا على غزو المدينة خائبين خاسرين، مغيظين محنقين، لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا {لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} أي حال كونهم لم ينالوا أيَّ خير لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل قد اكتسبوا الآثام في مبارزة الرسول عليه السلام وهمّهم بقتله {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} أي كفاهم شرَّ أعدائهم بأن أرسل عليهم الريح والملائكة حتى ولّوا الأدبار منهزمين {وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} أي قادراً على الانتقام من أعدائه، عزيزاً غالباً لا يُقهر، ولهذا كان عليه السلام يقول: (لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده) {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ } أي وأنزل اليهود -وهم بنو قريظة- الذين أعانوا المشركين ونقضوا عهدهم وانقلبوا على النبي وأصحابه، أنزلهم من حصونهم وقلاعهم التي كانوا يتحصنون فيها {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ} أي ألقى الله في قلوبهم الخوف الشديد حتى فتحوا الحصون واستسلموا، قال ابن جزي: نزلت الآية في يهود "بني قريظة" وذلك أنهم كانوا معاهدين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضوا عهده وصاروا مع قريش، فلما انهزم المشركون وانصرفت قريش عن المدينة حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة حتى نزلوا على حكم "سعد بن معاذ" فحكم بأن يُقتل رجالهم، وتُسبى نساؤهم وذريتهم فذلك قوله تعالى {فَرِيقًا تَقْتُلُونَ} يعني الرجال وقد قتل منهم يومئذٍ ما بين الثمانمائة والتسعمائة {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} يعني النساء والذرية {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} أي وأورثكم يا معشر المؤمنين أرض بني قريظة وعقارهم وخيلهم ومنازلهم وأموالهم التي تركوها {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} أي وأرضاً أخرى لم تطؤوها بعدُ بأقدامكم، وهي خيبر لأنها أخذت بعد قريظة، وكل أرض فتحها المسلمون بعد ذلك {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} أي قادراً على كل ما أراد، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، قال أبو حيان: ختم تعالى هذه الآية ببيان قدرته على كل شيء، وكأن في ذلك إشارة إلى فتحه على المسلمين الفتوح الكثيرة، فكما ملَّكهم هذه الأراضي فكذلك هو قادر على أن يملّكهم غيرها من البلاد.

تخيير زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا(28)وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا(29)يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا(30)}.

سبب النزول:
نزول الآية (28):
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ}: روى أحمد ومسلم والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال: "أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر، فاستأذن، فلم يؤذن له، ثم أذن لهما، فدخلا، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، وحوله نساؤه، وهو ساكت، فقال عمر: لأُكلمنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول الله، لو رأيت ابنة زيد -امرأة عمر- سألتني النفقة آنفاً، فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه، وقال: هن حولي يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصة، كلاهما يقول: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده، وأنزل الله الخيار، فبدأ بعائشة،فقال: إني ذاكر لك أمراً ما أحب أن تعجلي فيه، حتى تستأمري أبويك، قالت: ما هو؟ فتلا عليها: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} الآية. قالت: أفيك أستأمر أبوي؟ بل أختار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأسألك ألا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترتُ، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى لم يبعثني مُعَنِّفاً، ولكن بعثني مُعَلِّماً ميسراً، لا تسألني امرأة منهن عما اخترتِ إلا أخبرتها".

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} أي قل لزوجاتك اللاتي تأذيتَ منهن بسبب سؤالهن إياك الزيادة في النفقة {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} أي إن رغبتُنَّ في سعة الدنيا ونعيمها، وبهرجها الزائل {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} أي فتعالينَ حتى أدفع لكنَّ متعة الطلاق {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} أي وأطلقكُنَّ طلاقاً من غير ضرار {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ} أي وإِن كنتُنَّ ترغبن في رضوان الله ورسوله، والفوز بالنعيم الوافر في الدار الآخرة {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} جواب الشرط أي فإِن الله تعالى قد هيأ للمحسنات منكنَّ بمقابلة إحسانهن ثواباً كبيراً لا يوصف، وهو الجنة التي فهيا ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال في البحر: لما نصر الله نبيه، وفرَّق عنه الأحزاب، وفتح عليه قريظة والنضير، ظنَّ أزواجه أنه اختصَّ بنفائس اليهود وذخائرهم، فقعدن حوله وقلن يا رسول الله: بناتُ كسرى وقيصر في الحُليّ والحُلَل، ونحن علىما تراه من الفاقة والضيق!! وآلمن قلبه بمطالبتهن له بتوسعة الحال، وأن يعاملهنَّ بما يعامل به الملوك والأكابر أزواجهم، فأمره الله أن يتلو عليهن ما نزل في أمرهنَّ، وأزواجه إذ ذاك تسع زوجات {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} أي من تفعل منكن كبيرةً من الكبائر، أو ذنباً تجاوز الحدَّ في القبح، قال ابن عباس: يعني النشوز وسوء الخلق {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} أي يكون جزاؤها ضعف جزاء غيرها من النساء، لأن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} أي كان ذلك العقاب سهلاً يسيراً على الله، لا يمنعه منه كونهنَّ أزواج ونساء النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الآية تلوينٌ للخطاب، فبعد أن كانت المخاطبة لهن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجَّه الخطاب إليهنَّ هنا مباشرةً لإِظهار الاعتناء بأمرهن ونصحهن، قال الصَّاوي: وهذه الآيات خطاب من الله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم إظهاراً لفضلهن، وعظم قدرهن عند الله تعالى، لأن العتاب والتشديد في الخطاب مشعر برفعة رتبتهن، لشدة قربهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنهن أزواجه في الجنة، فبقدر القرب من رسول الله يكون القرب من الله.

خصائص أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم

{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا(31)يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا(32)وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءاياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا(34)}.

{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} أي ومن تواظب منكنَّ على طاعة الله وطاعة رسوله {وَتَعْمَلْ صَالِحًا} أي وتتقرب إلى الله بفعل الخير وعمل الصالحات { نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} أي نعطها الثواب مضاعفاً ونثيبها مرتين: مرة على الطاعة والتقوى، وأخرى على طلبهنَّ رضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقناعة وحسن المعاشرة {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} أي وهيأنا لها في الجنة -زيادة على ما لها من أجر- رزقاً حسناً مرضياً لا ينقطع، ثم أظهر فضيلتهنَّ على النساء فقال {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} أي أنتن تختلفن عن سائر النساء من جهة أنكنَّ أفضل وأشرف من غيركن، لكونكن زوجات خاتم الرسل، وأفضل الخلق محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، فليست الواحدة منكنَّ كالواحدة من آحاد النساء {إِنْ اتَّقَيْتُنَّ} شرطٌ حذف جوابه لدلالة ما قبله أي إن اتقيتنَّ اللهَ فأنتُنَّ بأعلى المراتب، قال القرطبي: بيَّن تعالى أن الفضيلة إنما تتم لهن بشرط التقوى، لما منحهنَّ الله من صحبة رسوله سيد الأولين والآخرين، وقال ابن عباس: يريد في هذه الآية: ليس قدركنَّ عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتُنَّ أكرمُ عليَّ وثوابكنَّ أعظم إن اتقيتُن، فشرط عليهن التقوى بياناً أن فضيلتهن إنما تكون بالتقوى، لا بنفس اتصالهن برسول الله صلى الله عليه وسلم {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} أي فلا ترققن الكلام عند مخاطبة الرجال {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي فيطمع من كان في قلبه فجور وريبة، وحبٌ لمحادثة النساء {وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} أي وقلن قولاً حسناً عفيفاً لا ريبة فيه، ولا لين ولا تكسر عند مخاطبتكنَّ للرجال، قال ابن كثير: ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلامٍ ليس فيه ترخيم، ولا تخاطب الأجنبيَّ كما تخاطب زوجها {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أي الزَمْنَ بيوتكنَّ ولا تخرجن لغير حاجة، ولا تفعلن كما تفعل الغافلات، المتسكعات في الطرقات لغير ضرورة {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} أي لا تظهرن زينتكن ومحاسنكنَّ للأجانب مثل ما كان نساء الجاهلية يفعلن، حيث كانت تخرج المرأة إلى الأسواق مظهرةً لمحاسنها، كاشفة ما لا يليق كشفه من بدنها، قال قتادة: كانت لهن مشية فيها تكسُّرٌ وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ} أي حافظن على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، قال ابن كثير: نهاهنَّ أولاً عن الشر، ثم أمرهن بالخير، من إقامة الصلاة وهي عبادة الله وحده، وإيتاء الزكاة وهي الإِحسان إلى المخلوقين {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي أطعن الله ورسوله في جميع الأوامر والنواهي لتنلن مرتبة المتقيات { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ} أي إنما يريد الله أن يخلصكنَّ من دنس المعاصي، ويطهركنَّ من الآثام، التي يتدنس بها عرض الإِنسان كما يتلوث بدنه بالنجاسات {أَهْلَ الْبَيْتِ} أي يا أهل بيت النبوة {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} أي ويطهركم من أوضار الذنوب والمعاصي تطهيراً بليغاً {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءاياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} أي واقرأن ءايات القرآن، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، فإِن فيهما الفلاح والنجاح، قال الزمخشري: ذكّرهن أن بيوتهن مهابط الوحي، وأمرهنَّ ألا ينسين ما يُتلى فيها من الكتاب الجامع بين أمرين: آيات بينات تدل على صدق النبوة، وحكمة وعلوم وشرائع سماوية {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} أي عالماً بما يصلح لأمر العباد، خبيراً بمصالحهم ولذلك شرع للناس ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم.

مساواة الرجال والنساء في الجزاء والثواب

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا(35)}.

ثم أخبر تعالى أن المرأة والرجل في الجزاء والثواب سواء فقال {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} هم المتمسكون بأوامر الإِسلام المتخلقون بأخلاقه رجالاً ونساءً {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي المصدِّقين بالله وآياته، وما أنزل على رسله وأنبيائه {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} أي العابدين الطائعين، المداومين على الطاعة {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} أي الصادقين في إيمانهم، ونياتهم، وأقوالهم، وأعمالهم {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} أي الصابرين على الطاعات وعن الشهوات في المكره والمنشط {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ} أي الخاضعين الخائفين من الله جل وعلا، المتواضعين له بقلوبهم وجوارحهم { وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} أي المتصدقين بأموالهم على الفقراء، بالإِحسان وأداء الزكوات {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} أي الصائمين لوجه الله شهر رمضان وغيره من الأيام، فالصوم زكاة البدن يزكيه ويطهّره {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} أي عن المحارم والآثام، وعما لا يحل من الزنى وكشف العورات {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} أي المديمين ذكر الله بألسنتهم وقلوبهم في كل الأوقات والأمكنة {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} أي أعدَّ لهؤلاء المتقين الأبرار، المتصفين بالصفات الجليلة أعظم الأجر والثواب وهو الجنة، مع تكفير الذنوب بسبب ما فعلوه من الأعمال الحسنة، وهذا تمام المساواة في الثواب يوم القيامة.

إبطال التبني وقصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا(36)وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا(37)مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا(38)الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا(39)مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(40) }.

نزول الآية (37):
{وَإِذْ تَقُولُ}: أخرج البخاري عن أنس أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش وزيد بن حارثة. وأخرج الحاكم عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك أهلك، فنزلت: {وَتُخْفِي في نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}.

نزول الآية (40):
{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ..}: أخرج الترمذي عن عائشة قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : تزوج حليلة ابنه، فأنزل الله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} الآية.

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} أي لا ينبغي ولا يصح ولا يليق بأي واحدٍ من المؤمنين والمؤمنات {إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} أي إذا أمر الله عز وجل وأمر رسوله بشيءٍ من الأشياء، قال الصاوي: ذكرُ اسم الله للتعظيم وللإِشارة إلى أن قضاء رسول الله هو قضاء الله لكونه لا ينطق عن الهوى {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} أي أن يكون لهم رأيٌ أو اختيار، بل عليهم الانقياد والتسليم، قال ابن كثير: وهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسولُه بشيءٍ فليس لأحدٍ مخالفته، ولا اختيار لأحدٍ ولا رأي ولا قول، ولهذا شدَّد النكير فقال {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} أي ومن يخالف أمر الله وأمر رسوله فقد حاد عن الطريق السوي، وأخطأ طريق الصواب، وضلَّ ضلالاً بيناً واضحاً {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} أي اذكر أيها الرسول وقت قولك للذي أنعم الله عليه بالهداية للإِسلام {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالتحرير من العبودية والإِعتاق، قال المفسرون: هو "زيد بن حارثة" كان من سبي الجاهلية اشترته "خديجة" ووهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان مملوكاً عنده ثم أعتقه وتبنَّاه، وزوَّجه ابنة عمته "زينب بنت جحش" رضي الله عنها {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} أي أمسك زوجتك زينب في عصمتك ولا تطلقها واتّقِ الله في أمرها {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} أي وتضمر يا محمد في نفسك ما سيظهره الله وهو إرادة الزواج بها(1)، قال في التسهيل: الذي أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر جائزٌ مباح لا إثم فيه ولا عتب، ولكنه خاف أن يقول الناس تزوج امرأة ابنه إذ كان قد تبناه، فأخفاه حياءً وحشمة وصيانة لعرضه من ألسنتهم، فالذي أخفاه صلى الله عليه وسلم هو إرادة تزوجها ليبطل حكم التبني فأبدى الله ذلك بأن قضى له بتزوجها {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} أي تهاب أن يقول الناسُ تزوج محمد حليلة ابنه، واللهُ أحقُّ أن تخشاه وحده، وأن تجهر بما أوحاه إليك من أنك ستتزوج بها بعد أن يطلقها زيدُ، قال ابن عباس: خشي أن يقول المنافقون: تزوج محمد امرأة ابنه {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} أي فلما قضى زيدٌ حاجته من نكاحها وطلَّقها زوجناك إياها يا محمد، وهذا نصٌ قاطع صريح على أن الذي أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو إرادة الزواج بها بعد تطليق زيدٍ لها تنفيذاً لأمر الوحي، لا حبُّه لها كما زعم الأفَّاكون، ومعنى {زَوَّجْنَاكَهَا} جعلناها زوجةً لك، قال المفسرون: إنَّ الذي تولّى تزويجها هو الله جل وعلا، فلما انقضت عدتها دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا إذنٍ ولا عقدٍ ولا مهرٍ ولا شهود، وكان ذلك خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم، روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كانت زينبُ تفخَر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوَّجكُنَّ أهاليكُنَّ، وزوَّجني ربي من فوقِ سبع سماوات" ثم ذكر تعالى الحكمة من هذا الزواج فقال {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} أي لئلا يكون في تشريع الله على المؤمنين ضيق ومشقة وتأثم في حق تزوج مطلقات الأبناء من التبني، إذا لم يبق لأزواجهن حاجة فيهن، قال ابن الجوزي: المعنى زوجناك زينب -وهي امرأة زيد الذي تبنَّيته- لكيلا يُظنَّ أن امرأة المتبنَّى لا يحل نكاحها {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا} أي وكان أمر الله لك، ووحيه إليك بتزوج زينب مقدَّراً محتماً كائناً لا محالة، ولما نفى الحرج عن المؤمنين، نفى الحرج عن سيد المرسلين بخصوصه على سبيل التكريم والتشريف فقال {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} أي لا حرج ولا إثم ولا عتاب على النبي فيما أباح الله له وقسم من الزوجات، قال الضحاك: كان اليهود عابوه بكثرة النكاح، فردَّ الله عليهم بقوله {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أي هذه سنة الله في جميع الأنبياء السابقين حيث وسَّع عليهم فيما أباح لهم، قال القرطبي: أي سنَّ لمحمد صلى الله عليه وسلم في التوسعة عليه في النكاح، سنة الأنبياء الماضية كداود وسليمان، فكان لداود مائة امرأة ولسليمان ثلاثمائة امرأة، عدا السُّريات {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} أي قضاءً مقضياً، وحكماً مقطوعاً به من الأزل، لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، ثم أثنى تعالى على جميع الأنبياء والمرسلين بقوله:{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ} أي هؤلاء الذين أخبرتك عنهم يا محمد، وجعلتُ لك قدوة بهم، هم الذين يبلّغون رسالات الله إلى من أُرسلوا إليه {وَيَخْشَوْنهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ} أي يخافون الله وحده ولا يخافون أحداً سواه، فاقتد يا محمد بهم {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} أي يكفي أن يكون الله محاسباً على جميع الأعمال والأفعال، فينبغي أن لا يُخْشى غيره، ثم أبطل تعالى حكم التبني الذي كان شائعاً في الجاهلية فقال {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} قال المفسرون: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب قال الناس: إن محمداً قد تزوج امرأة ابنه فنزلت هذه الآية، قال الزمخشري: أي لم يكن أبا رجلٍ منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} أي ولكنّه عليه السلام آخر الأنبياء والمرسلين، ختم الله به الرسالات السماوية، فلا نبيَّ بعده، قال ابن عباس: يريد: لو لم أختم به النبيّين لجعلتُ له ولداً يكون بعده نبياً {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} أي هو العالم بأقوالكم وأفعالكم، لا تخفى عليه خافية من أحوالكم.
(1) يتثبّت بعض أعداء الإِسلام بروايات ضعيفة واهية، للطعن في الرسول الكريم والنيل من مقامه العظيم، وجدت في بعض كتب التفسير!! من هذه الروايات الباطلة التي تلقفها "المستشرقون" وخبّوا فيها وأوضعوا، أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى "زينب" وهي متزوجة بزيد بن حارثة فأحبَّها ووقعت في قلبه، فقال "سبحان مقلب القلوب" فسمعتها زينب فأخبرت بها زيداً، فأراد أن يطلقها فقال له الرسول {أمسكْ عليك زوجك} حتى نزل القرآن يعاتبه على إخفائه ذلك .. الخ وهذه رواياتٌ باطلة لم يصح فيها شيء كما قال العلامة "أبو بكر بن العربي" رحمه الله، والآية صريحة في الردِّ على هذا البهتان، فإِن الله سبحانه أخبر بأنه سيظهر ما أخفاه الرسول {وتخفي في نفسك ما الله مُبديه} فماذا أظهر الله تعالى ؟ هل أظهر حب الرسول وعشقه لزينب، أم أن الذي أظهره هو أمره عليه السلام بالزواج بها لحكمة عظيمة جليلة هي إبطال "حكم التبني" الذي كان شائعاً في الجاهلية ولهذا صرح تعالى بذلك وأبداه علناً وجهاراً {فلما قضى زيدٌ منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم} يا قوم اعقلوا وفكروا، وتفهموا الحق لوجه الحق بلا تلبيس ولا تشويش وتبصروا فيما تقولون فمن غير المعقول أن يعاتب الشخص لأنه لم يجاهر بحبه لزوجة جاره ؟ وحاشا الرسول الطاهر الكريم أن يتعلق قلبه، بامرأةٍ هي في عصمة رجل، وأن يخفي هذا الحب حتى ينزل القرآن يعاتبه على إخفائه، فإن مثل هذا لا يليق بأي رجل عادي، فضلاً عن أشرف الخلق عليه أفضل الصلاة والتسليم، وغاية ما في الأمر -كما نقل أبو حيّان- عن علي بن الحسين أنه قال : "أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد يشكوها إليه وقال له : اتق الله وأمسك عليك زوجك، عاتبه الله وقال له : أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما اللهُ مبديه"!!! انظر رد الفرية في كتابنا النبوة والأنبياء ص99.

الحث على ذكر الله وتسبيحه صباحاً ومساءً ورحمته تعالى بعبادته

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا(42)هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا(43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا(44)}.

سبب النزول:
نزول الآية (43):
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي..}: أخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: لما نزلت: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، ما أنزل عليك خيراً إلا أشركنا فيه، فنزلت: {هُوَ الذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} أي اذكروا الله بالتهليل والتحميد، والتمجيد والتقديس ذكراً كثيراً، بالليل والنهار، والسفر والحضر {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي وسبحوا ربكم في الصباح والمساء، قال العلماء: خصهما بالذكر لأنهما أفضل الأوقات بسب تنزل الملائكة فيهما {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} أي هو جل وعلا يرحمكم على الدوام، ويعتني بأمركم، وبكل ما فيه صلاحكم وفلاحكم {وَمَلائِكَتُهُ} أي وملائكتُه يصلون عليكم أيضاً بالدعاء والاستغفار وطلب الرحمة، قال ابن كثير: والصلاةُ من الله سبحانه ثناؤه على العبد عند الملائكة، وقيل: الصلاة من الله الرحمةُ، ومن الملائكة: الدعاءُ والاستغفار { لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي لينقذكم من الضلالة إلى الهدى، ومن ظلمات العصيان إلى نور الطاعة والإِيمان {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} أي واسع الرحمة بالمؤمنين، حيث يقبل القليل من أعمالهم، ويعفو عن الكثير من ذنوبهم، لإِخلاصهم في إيمانهم {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} أي تحية هؤلاء المؤمنين يوم يلقون ربهم السلامُ والإِكرام في الجنة من الملك العلاّم كقوله تعالى {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}{وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} أي وهيأ لهم ثواباً حسناً وهو الجنة وما فيها من النعيم المقيم، قال ابن كثير: والمراد بالأجر الكريم الجنةُ وما فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والملاذّ والمناظر، مما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر.

أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم الطلاق قبل المساس

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(45)وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا(46)وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا(47)وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا(48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا(49)}.

سبب النزول:
نزول الآية (47):
{وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ}: أخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا: لما نزل {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] قال رجال من المؤمنين: هنيئاً لك يا رسول الله، قد علمنا بما يُفعل بك، فماذا يُفعل بنا، فأنزل الله {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} الآية [الفتح:5]. وأنزل في سورة الأحزاب {وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا}.

ثم لما بيَّن تعالى أنه أخرج المؤمنين من ظلمات الكفر والضلال إلى أنوار الهداية والإِيمان، عقَّبه بذكر أوصاف السراج المنير الذي أضاء الله به الأكوان فقال {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} أي شاهداً على أمتك وعلى جميع الأمم بأن أنبياءهم قد بلغوهم رسالة ربهم {وَمُبَشِّرًا} أي مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم {وَنَذِيرًا} أي ومنذراً للكافرين من عذاب الجحيم {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} أي وداعياً للخلق إلى توحيد الله وطاعته وعبادته، بأمره جل وعلا لا من تلقاء نفسك {وَسِرَاجًا مُنِيرًا} أي وأنت يا محمد كالسراج الوهَّاج المضيء للناس، يُهْتدى بك في الدهماء، كما يُهْتدى بالشهاب في الظلماء، قال ابن كثير: أي أنت يا محمد كالشمس في إشراقها وإضاءتها لا يجحدها إلا معاند، وقال الزمخشري: شبَّهه بالسراج المنير لأن الله جلى به ظلمات الشركِ، واهتدى به الضالون، كما يُجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويُهْتدى به، فقد وصفه تعالى بخمسة أوصاف كلُّها كمالٌ وجمال، وثناءٌ وجلال، وختمها بأنه صلوات الله عليه هو السراج الوضاء الذي بدَّد الله به ظلمات الضلال، فصلواتُ ربي وسلامه عليه في كل حين وآن {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا} أي وبشر يا محمد المؤمنين خاصة بأنَّ لهم من الله العطاء الواسع الكبير في جنات النعيم {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} أي لا تطعهم فيما يطلبونه منك من المساهلة والملاينة في أمر الدين، بل اثبت على ما أُوحي إليك {وَدَعْ أَذَاهُمْ} أي ولا تكترث بإِذايتهم لك، وصدّهم الناسَ عنك {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي واعتمد في جميع أمورك وأحوالك على الله {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} أي إن الله يكفي من توكل عليه في أمور الدنيا والآخرة، قال الصاوي: وفي الآية إشارة إلى أن التوكل أمره عظيم، فمن توكل على الله كفاه ما أهمَّه من أمور الدنيا والدين، ولما كان الحديث عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم وقصة زيد وتطليقه لزينب، جاء الحديث عن نساء المؤمنين والطريقة المثلى في تطليقهن فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} أي يا أيها المؤمنون الذين صدَّقوا بالله ورسوله إذا عقدتم عقد الزواج على المؤمنات وتزوجتموهن { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} أي ثم طلقتموهنَّ من قبل أن تجامعوهنَّ، وإِنما خصَّ المؤمنات بالذكر مع أن الكتابيات يدخلن في الحكم، للتنبيه على أن الأليق بالمسلم أن يتخيَّر لنطفته، وألاّ ينكح إلا مؤمنة عفيفة {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} أي فليس لكم عليهم حق في العدة تستوفون عددها عليهن، لأنكم لم تعاشروهن فليس هناك احتمال للحمل حتى تحتبسوا المرأة من أجل صيانة نسبكم {فَمَتِّعُوهُنَّ} أي فالواجب عليكم إكرامهن بدفع المتعة بما تطيب نفوسكم به من مالٍ أو كسوةٍ، تطييباً لخاطرهن، وتخفيفاً لشدة وقع الطلاق عليهن {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} أي وخلّوا سبيلهنَّ تخليةً بالمعروف، من غير إضرار ولا إيذاء، ولا هضمٍ لحقوقهن، قال أبو حيان: والسراحُ الجميلُ هو كلمة طيبة دون أذى ولا منع واجب.

النساء اللاتي أحلَّ الله لنبيه الزواج بهنّ

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(50)تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا(51)لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا(52)}.

سبب النزول:
نزول الآية (50):
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ}: أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتذرت إليه، فعذَرني، فأنزل الله: { إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} إلى قوله: {اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} فلم أكن أحل له، لأني لم أهاجر.

وأخرج ابن أبي حاتم عن أم هانئ قالت: نزلت فيّ هذه الآية: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ}. أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، فنُهي عني، إذ لم أهاجر.

وقوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً}: أخرج ابن سعد عن عكرمة في قوله: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} الآية قال: نزلت في أم شريك الدوسية. وأخرج ابن سعد عن منير بن عبد الله الدؤلي أن أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت جميلة، فقبلها، فقالت عائشة: ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير، قالت أم شريك: فأنا تلك، فسماها الله مؤمنة، فقال: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} فلما نزلت هذه الآية، قالت عائشة: إن الله يسارع لك في هواك.

نزول الآية (51):
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ}: أخرج الشيخان عن عائشة: أنها كانت تقول: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها ‍‍‍ فأنزل الله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} الآية، فقالت عائشة: أرى ربك يسارع لك في هواك.

نزول الآية (52):
{لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ}: أخرج ابن سعد عن عكرمة قال: لما خيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه اخترن الله ورسوله، فأنزل الله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}.

ثم ذكر تعالى ما يتعلق بأحوال زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فقال{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي إنا قد أبحنا لك يا محمد عدداً من النساء، توسعة عليك وتيسيراً لك في تبليغ الدعوة، فمن ذلك أننا أبحنا لك زوجاتك اللاتي تزوجتهن بصداقٍ مُسمَّى، وهُنَّ في عصمتك{وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} أي وأبحنا لك أيضاً النساء اللاتي يملكن في الحرب بطريق الانتصار على الكفار، وإنما قيَّدهن بطريق الغنائم لأنهن أفضلُ من اللائي يُمْلكهن بالشراء، فقد بدل في إحرازهنَّ جهدٌ ومشقة لم يكن في الصنف الثاني{وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} أي وأبحنا لك قريباتك من بنات الأعمام والعمات، والأخوال والخالات بشرط الهجرة معك{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} أي وأحللنا لك النساء المؤمناتِ الصالحات اللواتي وهبن أنفسهن لك، حباً في الله ورسوله وتقرباً لك{إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا} أي إن أردت يا محمد أن تتزوج من شئت منهن بدون مهر{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أيخاصة لك يا محمد دون سائر المؤمنين، فإنه لا يحل لهم التزوج بدون مهر، ولا تصح الهبة، بل يجب مهر المثل{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي قد علمنا ما أوجبنا على المؤمنين من نفقةٍ، ومهر، وشهود في العقد، وعدم تجاوز أربع من النساء، وما أبحنا لهم من ملك اليمين عدا الحرائر، وأما أنت فقد خصصناك بخصائص تيسيراً لك{لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} أي لئلا يكون عليك مشقة أو ضيق{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي عظيم المغفرة واسع الرحمة{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} أي ولك-أيها النبي-الخيار في أن تطلق من تشاء من زوجاتك، وتمسك من تشاء منهن{وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} أي وإذا أحببتَ أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتَ من القسمة فلا إثم عليك ولا عتب{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْينُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} أي ذلك التخيير الذي خيرناك في أمرهنَّ أقرب أن ترتاح قلوبهن فلا يحزنَّ، ويرضين بصنيعك، لأنهن إذا علمن أن هذا أمرٌ من الله، كان أطيب لأنفسهن فلا يشعرن بالحزن والألم{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } خطابٌ للنبي على جهة التعظيم أي يعلم ما في قلبك يا محمد وما في قلب كل إنسان، من عدل أوميل، ومن حب أو كراهية، وإنما خيرناك فيهن تيسيراً عليك فيما أردت{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} أي واسع العلم يعلم جميع ما تظهرون وما تخفون، حليماً يضع الأمور في نصابها ولا يعالج بالعقوبة، بل يُؤخر ويمهل لكنه لا يُهْمل، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كنتُ أغار من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، وأقول: أتهبُ المرأة نفسها؟ فلما نزلت {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} قلت: ما أرى ربك إلاّ يسارع في هواك"، ثم قال تعالى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} أي لا يحل لك أيها النبي النساء من بعد هؤلاء التسع اللاتي في عصمتك {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} أي ولا يحلّ لك أن تطلّق واحدة منهن وتنكح مكانها أُخرى {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} أي ولو أعجبك جمال غيرهن من النساء {إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} أي إلا ما كان من الجواري والإِماء فلا بأس في ذلك لأنهن لسن زوجات {وَكَانَ اللَّهُ عَلَىكُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} أي مطلعاً على أعمالكم شاهداً عليها، وفيه تحذير من مجاوزة حدوده، وتخطي حلاله وحرامه. قال المفسرون: أباح الله لرسوله أصنافاً أربعة "الممهورات، المملوكات، المهاجرات، الواهبات أنفسهن" توسعة عليه صلى الله عليه وسلم وتيسيراً له في نشر الرسالة وتبليغ الدعوة، ولما نزلت آية التخيير {قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا..} الآية وخيَّرهن عليه السلام، واخترن الله ورسوله والدار الآخرة، أكرمهن الله تعالى بأن قصره عليهن، وحرَّم عليه أن يتزوج بغيرهن.

آداب الدخول لبيت النبي صلى الله عليه وسلم وحجاب نسائه

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْييِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْييِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا(53)إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(54)لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي ءابائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا(55)}.

سبب النزول:
نزول الآية (53):
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا}: أخرج أحمد والشيخان وابن جرير والبيهقي وابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جَحْش، دعا القوم، فطَعِمُوا، ثم جلسوا يتحدثون، فإذا كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام وقام من القوم من قام، وقعد ثلاثة، ثم انطلقوا، فجئت، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم انطلقوا، فجاء حتى دخل، وذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} إلى قوله: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} الإِضافة للتشريف والتكريم، والآية توجيه للمؤمنين لهذا الأدب السامي العظيم، والمعنى لا تدخلوا بيوت النبي في حالٍ من الأحوال إلا في حال الإِذن لكم منه عليه السلام، مراعاةً لحقوق نسائه، وحرصاً على عدم إيذائه والإِثقال عليه { إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي إلاّ حين يدعوكم إلى طعام غير منتظرين نُضْجه {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} أي ولكنْ إذا دُعيتم وأُذن لكم في الدخول فادخلوا {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} أي فإِذا انتهيتم من الطعام فتفرقوا إلى دوركم ولا تمكثوا {وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} معطوف على "غير ناظرين" أي لا تدخلوا بيوته منتظرين للطعام، ولا مستأنسين لحديث بعضكم بعضاً، قال أبو حيان: نهُوا أن يطيلوا الجلوسَ يستأنس بعضهم ببعض لحديثٍ يحدثه به {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} أي إن صنيعكم هذا يؤذي الرسول، ويضايقه ويثقل عليه، ويمنعه من قضاءِ كثيرٍ من مصالحه وأموره {فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ} أي فيستحيي من إخراجكم، ويمنعه حياؤه أن يأمركم بالانصراف، لخُلقه الرفيع، وقلبه الرحيم {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ} أي واللهُ جل وعلا لا يترك بيان الحق، ولا يمنعه مانع من إظهار الحق وتبيانه لكم، قال القرطبي: هذا أدبٌ أدَّب الله به الثقلاء، وفي كتاب الثعلبي: حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} أي وإِذا أردتم حاجةً من أزواجه الطاهرات فاطلبوه من وراء حاجزٍ وحجاب {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أي سؤالكم إياهنَّ المتاع من وراء حجاب أزكى لقلوبكم وقلوبهن وأطهر، وأنفى للريبة وسوء الظن {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} أي وما ينبغي لكم ولا يليق بكم أن تؤذوا رسولكم الذي هداكم الله به في حياته {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} أي ولا أن تتزوجوا زوجاته من بعد وفاته أبداً، لأنهن كالأمهات لكم، وهو كالوالد فهل يليق بكم أن تؤذوه في نفسه أو أهله؟ { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} أي إن إيذاءه ونكاح أزواجه من بعده أمر عظيم، وذنب كبير لا يغفره الله لكم، قال أبو السعود: وفيه من تعظيمه تعالى لشأن رسوله صلى الله عليه وسلم وإِيجاب حرمته حياً وميتاً ما لا يخفى ثم قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} أي إن تظهروا أمراً من الأمور أو تخفوه في صدوركم {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} أي فإِن الله عالم به وسيجازيكم عليه، قال البيضاوي: وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود مزيد تهويلٍ ومبالغة في الوعيد، ثم لما أنزل تعالى الحجاب استثنى المحارم فقال {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي ءابائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} أي لا حرج ولا إثم على النساء في ترك الحجاب أمام المحارم من الرجال، قال القرطبي: لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحنُ أيضاً نكلمهنَّ من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية، والمراد بـ {نِسَائِهِنَّ} نساءُ المؤمنين قال ابن عباس، لأن نساء اليهود والنصارى يصفن لأزواجهن النساء المسلمات، فلا يحل للمسلمة أن تُبدي شيئاً منها لئلا تصفها لزوجها الكافر {وَاتَّقِينَ اللَّهَ} أي اتَّقين يا معشر النساء اللهَ، واخشينه في الخلوة والعلانية {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} أي لا تخفى عليه خافية من أموركن، يعلم خطرات القلوب كما يعلم حركات الجوارح، قال الرازي: وهذا في غاية الحسن في هذا الموضع، لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم، فختمها بأن الله شاهد عند اختلاء بعضهم ببعض، فالخلوة عنده مثل الجلوة فعليهم أن يتقوا الله.

الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجزاء من يؤذيه ويؤذي المؤمنين

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(56)إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا(57)وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا(58)}.

سبب النزول:
نزول الآية (57):
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ}: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية قال:نزلت في الذين طعنوا النبي صلى الله عليه وسلم حين اتخذ صفية بنت حُييّ زوجة له.

نزول الآية (58):
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ} قال ابن عباس: أنزلت في عبد الله بن أبي وناس ومَنْ معه قذفوا عائشة رضي الله عنها، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "من يَعْذِرني من رجل يؤذيني، ويجمع في بيته من يؤذيني".

ثم بيَّن تعالى قدر الرسول العظيم فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} أي إن الله جل وعلا يرحم نبيَّه، ويعظّم شأنه، ويرفع مقامه، وملائكتُه الأبرار يدعون للنبي ويستغفرون له، ويطلبون من الله أن يمجّد عبده ورسوله ويُنيله أعلى المراتب، قال القرطبي: والصلاةُ من الله رحمتُه ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاءُ والتعظيمُ لأمره، وقال الصاوي: وهذه الآية فيها أعظم الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم مهبط الرحمات، وأفضل الأولين والآخرين على الإِطلاق، إذ الصلاة من الله على نبيه رحمتُه المقرونة بالتعظيم، ومن اللهِ على غير النبي مطلقُ الرحمة كقوله {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} فانظر الفرق بين الصلاتين، والفضل بين المقامين، وبذلك صار منبع الرحمات، ومنبعَ التجليات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي فأنتم أيها المؤمنون أكثروا من الصلاة عليه والتسليم، فحقه عليكم عظيم، فقد كان المنقذ لكم من الضلالة إلى الهدى، والمخرج لكم من الظلمات إلى النور، فقولوا كلما ذُكر اسمه الشريف "اللهم صلّ على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً"، عن كعب بن عُجرة قلنا: يا رسول الله: قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال: "قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم.." الحديث، قال الصاوي: وحكمةُ صلاةِ الملائكةِ والمؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم تشريفُهم بذلك، حيث اقتدوا بالله جل وعلا في الصلاة عليه وتعظيمه، ومكافأةٌ لبعض حقوقه على الخلق، لأنه الواسطة العظمى في كل نعمةٍ وصلت لهم، وحقٌ على من وصل له نعمة من شخص أن يكافئه، ولما كان الخلق عاجزين عن مكافأته صلى الله عليه وسلم طلبوا من القادر الملك أن يكافئه، وهذا هو السر في قولهم "اللهم صلى علىمحمد" {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي يؤذون الله بالكفر ونسبة الصاحبة والولد له، ووصفه بما لا يليق به جل وعلا كقول اليهود {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} وقول النصارى "المسيحُ بنُ الله" ويؤذون الرسول بالتكذيب برسالته، والطعن في شريعته، والاستهزاء بدعوته، قال ابن عباس: نزلت في الذين طعنوا على الرسول صلى الله عليه وسلم حين اتخذ صفية بنت حُيي {لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} أي طردهم من رحمته، وأحل عليهم سخطه وغضبه في الدنيا بالهوان والصغار، وفي الآخرة بالخلود في عذاب النار {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} أي هيأ لهم عذاباً شديداً، بالغَ الغاية في الإِهانة والتحقير {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} أي يؤذون أهل الإِيمان بغير ما فعلوه، وبغير جنايةٍ واستحقاقٍ للأذى {فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} أي فقد حمَّلوا أنفسهم البهتان والكذب، والزور، والذنب الواضح الجلي، قال القرطبي: أطلق إيذاء الله ورسوله، وقيَّد إيذاء المؤمنين والمؤمنات، لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون إلا بغير حق أبداً، وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه ومنه.

نزول آية الحجاب

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(59)}.

سبب النزول:
نزول الآية (59):
أخرج البخاري عن عائشة قالت: خرجت سَوْدة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر، فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين، قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى، وفي يده عِرْق، فدخلت، فقالت: يا رسول الله، إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه، وإن العِرْق في يده ما وضعه، فقال: إنه قد أُذن لكن أن تخرجن لحاجتكن.

ولما حرَّم تعالى الإِيذاء، أمر نبيه الكريم أن يوجه النداء إلى الأمة جمعاء، للتمسك بالإِسلام وتعاليمه الرشيدة، وبالأخص في أمرٍ اجتماعي خطير وهو "الحجاب" الذي يصون للمرأة كرامتها، ويحفظ عليها عفافها، ويحميها من النظرات الجارحة، والكلمات اللاذعة، والنوايا الخبيثة لئلا تتعرض لأذى الفساق فقال {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} أي قل يا محمد لزوجاتك الطاهرات -أمهات المؤمنين- وبناتك الفضليات الكريمات، وسائر نساء المؤمنين، قل لهنَّ يلبسن الجلباب الواسع، الذي يستر محاسنهن وزينتهن، ويدفع عنهن ألسنة السوء، ويميزهن عن صفاتِ نساء الجاهلية، روى الطبري: عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: أمر اللهُ نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة، وروى ابن كثير عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} فغطّى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} أي ذلك التستر أقرب بأن يُعْرفن بالعفة والتستر والصيانة، فلا يطمع فيهن أهل السوء والفساد، وقيل: أقرب بأن يُعرفن أنهن حرائر، ويتميزن عن الإِماء، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي إنه تعالى غفور لما سلف منهن من تفريط، رحيم بالعباد حيث راعى مصالحهم وشئونهم تلك الجزئيات.

تهديد المنافقين وجزاؤهم

{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا(60)مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا(61)سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا(62)}.

ثم هدَّد المولى جل وعلا كل المؤذين من جميع الأصناف بأنواع العقاب فقال {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي لئن لم يترك هؤلاء المنافقون – الذين يُظهرون الإِيمان ويبطنون الكفر – نفاقهم، والزناةُ – الذين في قلوبهم مرض – فجورهم {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} أي الذين ينشرون الأراجيف والأكاذيب لبلبلة الأفكار، وخلخلة الصفوف، ونشر أخبار السوء {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي لنسلطنك عليهم يا محمد {ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا} أي ثم يخرجون من المدينة فلا يعودون إلى مجاورتك فيها إلا زمناً قليلاً، ريثما يتأهبوا للخروج، قال الرازي: وعد الله نبيه أن يخرج أعداءه من المدينة وينفيهم على يده، إظهاراً لشوكته {مَلْعُونِينَ} أي مبعدين عن رحمته تعالى {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا} أي أينما وجدوا وأُدركوا أُخذوا على وجه الغلبة والقهر ثم قُتِّلوا لكفرهم بالله تقتيلاً {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أي هذه سنة الله في المنافقين وعادتُه فيمن سبق منهم أن يُفعل بهم ذلك، قال القرطبي: أي سنَّ الله عز وجل فيمن أرجف بالأنبياء وأظهر نفاقه أن يُؤخذ ويُقتل {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} أي ولن تتغير أو تتبدل سنة الله، لكونها بُنيت على أساسٍ متين، قال الصاوي: وفي الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي فلا تحزن على وجود المنافقين يا محمد، فإِن ذلك سنة قديمة لم يخل منهم زمن من الأزمان.

قرب الساعة وبيان أهوالها

{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا(63)إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا(64)خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا(65)يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا(66)وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا(67)رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا(68)}.

ثم ذكر تعالى الساعة وأهوالها فقال {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} أي يسألك يا محمد المشركون على سبيل الاستهزاء والسخرية عن وقت قيام الساعة {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} أي قل لهم: لست أعرف وقتها وإنما يعلم ذلك علاّم الغيوب، فإِن الله أخفاها لحكمة ولم يُطلع عليها مَلكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} أي وما يُعلمك أن الساعة تكون في وقت قريب؟ قال أبو السعود: وفيه تهديدٌ للمستعجلين، وتبكيتٌ للمتعنّتين، والإِظهارُ في موضع الإِضمار للتهويل وزيادة التقرير {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ } أي طرد الكافرين وأبعدهم عن رحمته {وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} أي وهيأ لهم ناراً شديدة مستعرة {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أي مقيمين في السعير أبد الآبدين {لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} أي لا يجدون لهم من ينجيهم وينقذهم من عذاب الله {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} أي يوم تتقلب وجوههم من جهة إلى جهة كاللحم يُشوى بالنار {يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} أي يقولون متحسرين على ما فاتهم: يا ليتنا أطعنا الله ورسوله حتى لا نبتلى بهذا العذاب المهين {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} أي أطعنا القادة والأشراف فينا فأضلونا طريق الهدى والإِيمان {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ} أي اجعل عذابهم ضعفي عذابنا، لأنهم كانوا سبب ضلالنا {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} أي والعنهم أشد أنواع اللعن وأعظمه.

تحذير المؤمنين من إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم كما آذى اليهود موسى عليه السلام، والأمر بتقوى الله تعالى

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا(69)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)}.

ثم حذر تعالى من إيذاء الرسول كما آذى اليهود نبيهم فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} أي لا تكونوا أمثال بني إسرائيل الذين آذوا نبيهم موسى واتهموه ببرصٍ في جسمه أو أُدْرةٍ لفرط تستره وحيائه، فأظهر الله براءته وأكذبهم فيما اتهموه به روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ موسى كان رجلاً حيياً ستِّيراً، لا يُرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يتستر هذا التستر إلا من عيبٍ بجلده، إمّا برص وإِما أُدرة – انتفاخ الخصية – وإِما آفة، وإِن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وإِن الحجَر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى مرَّ على ملأٍ من بني إسرائيل فرأوه أحسنَ ما خلق الله عرياناً، وأبرأه مما يقولون) الحديث {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} أي وكان موسى ذا وجاهة ورفعة ومكانة عند ربه، قال ابن كثير: أي له وجاهة وجاه عند ربه، لم يسأل شيئاً إلا أعطاه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} أي راقبوا الله في جميع أقوالكم وأفعالكم، وقولوا قولاً مستقيماً مرضياً لله، قال الطبري: أي قولاً قاصداً غير جائر، حقاً غير باطل {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي يوفقكم لصالح الأعمال ويتقبلها منكم، قال ابن عباس: يتقبل حسناتكم {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أي يمحو عنكم الذنوب والأوزار {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أي ومن أطاع الله والرسول فقد نال غاية مطلوبه.

التكاليف الشرعية التي كلف الله بها البشرية وأثرها في الجزاء
{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا(72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(73)}.

ثم لما أرشدهم إلى مكارم الأخلاق، نبّههم على قدر التكاليف الشرعية التي كلّف الله بها البشرية فقال {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} أي عرضنا الفرائض والتكاليف الشرعية على السماواتِ والأرض والجبال الراسيات فأعرضن عن حملها وخفن من ثقلها وشدتها، والغرض تصوير عظم الأمانة وثقل حملها، قال أبو السعود: والمعنى أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام – التي هي مثل في القوة والشدة – وكانت ذا شعور وإِدراك على مراعاتها لأبين قبولها وأشفقن منها، وقال ابن جزي: الأمانةُ هي التكاليف الشرعية من التزام الطاعات، وترك المعاصي، وقيل: هي الأمانةُ في الأموال، والصحيحُ العموم في التكاليف، وعرضُها يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون اللهُ خلق لها إدراكاً فعرضت عليها الأمانة حقيقةً فأشفقت منها وامتنعت من حملها، والثاني: أن يكون المراد تعظيم شأن الأمانة وأنها من الثقل بحيث لو عُرضت على السماوات والأرضِ والجبال، لأبين حملها وأشفقن منها، فهذا ضربٌ من المجاز كقولك: عرضتُ الحمل العظيم على الدابة فأبتْ أن تحمله، والمراد أنها لا تقدر على حمله {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} أي وتحمَّلها الإِنسان إنه كان شديد الظلم لنفسه، مبالغاً في الجهل بعواقب الأمور، قال ابن الجوزي: لم يرد بقوله {أَبَيْنَ} المخالفة، وإِنما أبين للخشية والمخافة، لأن العَرض كان تخييراً لا إلزاماً { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} قال ابن كثير: أي إنما حمَّل بني آدم الأمانة وهي التكاليف ليعذب الله المنافقين الذين يظهرون الإِيمان ويبطنون الكفر، والمشركين الذين ظاهرهم وباطنهم على الكفر {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي ويرحم أهل الإِيمان، ويعود عليهم بالتوبة والمغفرة والرضوان {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي واسع المغفرة للمؤمنين حيث عفا عما سلف منهم، رحيماً بهم حيث أثابهم وأكرمهم بأنواع الكرامات.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

الاحزاب 1 للصف الحادي عشر

أريد حل أسئلة الاحزاب 1 وجزاكم الله خير

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

أريد حل لدرس ادب الحوار والاحزاب 3 -للتعليم الاماراتي

أريد حل لدرس ادب الحوار والاحزاب 3

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

طلب صغنوون : . حل + بوربوينت سوره الاحزاب 2 . . الصف الحادي عشر

مرحبا السسساع . .

اعلومكم شو مسوييين

اللي عنده اجوبه درس سوره الاحزاب 2 ف كتاب الدين اليديد يحطه هنيه

محتاجتنه ضرووووري مع التقويم . . واللي عنده بوربوينت عن هالدرس يحطلي اياه بعد

وانشاالله ماكون مثقله عليكم ..

فمان الله

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

تفسير سورة الاحزاب (36-48) للصف الحادي عشر

السلام عليكم..
تفسيرسورة الاحزاااب من ((36-48))

الدرس الأول:36
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). .
روي أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش – رضي الله عنها – حينما أراد النبي [ ص ] أن يحطم الفوارق الطبقية الموروثة في الجماعة المسلمة ; فيرد الناس سواسية كأسنان المشط . لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى . وكان الموالي – وهم الرقيق المحرر – طبقة أدنى من طبقة السادة . ومن هؤلاء كان زيد بن حارثة مولى رسول الله [ ص ] الذي تبناه . فأراد رسول الله [ ص ] أن يحقق المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم , قريبته [ ص ] زينب بنت جحش ; ليسقط تلك الفوارق الطبقية بنفسه , في أسرته . وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطمها إلا فعل واقعي من رسول الله [ ص ] تتخذ منه الجماعة المسلمة اسوة , وتسير البشرية كلها على هداه في هذا الطريق .
روى ابن كثير في التفسير قال:قال العوفي عن ابن عباس – رضي الله عنهما -:قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة). الآية . وذلك أن رسول الله [ ص ] انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة – رضي الله عنه – فدخل على زينب بنت جحش الأسدية – رضي الله عنها – فخطبها , فقالت:لست بناكحته ! فقال رسول الله [ ص ]:" بلى فانكحيه " . قالت:يا رسول الله . أؤامر في نفسي ? فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله [ ص ] (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا). . الآية . قالت:قد رضيته لي يا رسول الله منكحا ? قال رسول الله [ ص ]:" نعم " ! قالت:إذن لا أعصي رسول الله [ ص ] قد أنكحته نفسي !
وقال ابن لهيعة عن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:خطب رسول الله [ ص ] زينب بنت جحش لزيد بن حارثة – رضي الله عنه – فاستنكفت منه , وقالت:أنا خير منه حسبا – وكانت امرأة فيها حدة – فأنزل الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة . . .)الآية كلها .
وهكذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان أنها نزلت في زينب بنت جحش – رضي الله عنها – حين خطبها رسول الله [ ص ] على مولاه زيد بن حارثة – رضي الله عنه – فامتنعت ثم أجابت .
وروى ابن كثير في التفسير كذلك رواية أخرى قال:وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط – رضي الله عنها – وكانت أول من هاجر من النساء – يعني بعد صلح الحديبية – فوهبت نفسها للنبي [ ص ] فقال:" قد قبلت " . فزوجها زيد بن حارثة – رضي الله عنه – [ يعني والله أعلم بعد فراقه زينب ] فسخطت هي وأخوها , وقال:إنما أردنا رسول الله [ ص ]فزوجنا عبده ! قال:فنزل القرآن: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا)إلى آخر الآية . قال:وجاء أمر أجمع من هذا: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)قال:فذاك خاص وهذا أجمع .
وفي رواية ثالثة:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر , عن ثابت البناني , عن أنس – رضي الله عنه – قال:خطب النبي [ ص ] على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها . فقال:حتى أستأمر أمها . فقال النبي [ ص ]:" فنعم إذن " . قال:فانطلق الرجل إلى امرأته , فذكر ذلك لها , فقالت:لاها الله ! إذن ما وجد رسول الله [ ص ] إلا جليبيبا , وقد منعناها من فلان وفلان ? قال:والجارية في سترها تسمع . قال:فانطلق الرجل يريد أن يخبر رسول الله [ ص ] بذلك . فقالت الجارية:أتريدون أن تردوا على رسول الله [ ص ] أمره ? إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه . قال:فكأنها جلت عن أبويها . وقالا:صدقت . فذهب أبوها إلى رسول الله [ ص ] فقال:إن كنت قد رضيته فقد رضيناه . قال [ ص ] " فإني قد رضيته " . قال:فزوجها . . ثم فزع أهل المدينة , فركب جليبيب , فوجدوه قد قتل , وحوله ناس من المشركين قد قتلهم . قال أنس – رضي الله عنه – فلقد رأيتها وإنها لمن أنفق بيت بالمدينة . .
فهذه الروايات – إن صحت – تعلق هذه الآية بحادث زواج زينب من زيد – رضي الله عنهما – أو زواجه من أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط .
وقد أثبتنا الرواية الثالثة عن جليبيب لأنها تدل على منطق البيئة الذي توكل الإسلام بتحطيمه , وتولى رسول الله [ ص ] تغييره بفعله وسنته . وهو جزء من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة على أساس منطق الإسلام الجديد , وتصوره للقيم في هذه الأرض , وانطلاق النزعة التحررية القائمة على منهج الإسلام , المستمدة من روحه العظيم .
ولكن نص الآية أعم من أي حادث خاص . وقد تكون له علاقة كذلك بإبطال آثار التبني , وإحلال مطلقات الأدعياء , وحادث زواج رسول الله [ ص ] من زينب – رضي الله عنها – بعد طلاقها من زيد . الأمر الذي كانت له ضجة عظيمة في حينه . والذي ما يزال يتخذه بعض أعداء الإسلام تكأة للطعن على رسول الله [ ص ] حتى اليوم , ويلفقون حوله الأساطير !
وسواء كان سبب نزول الآية ما جاء في تلك الروايات , أو كانت بصدد زواج الرسول [ ص ] من زينب – رضي الله عنها – فإن القاعدة التي تقررها الآية أعم وأشمل , وأعمق جدا في نفوس المسلمين وحياتهم وتصورهم الأصيل .
فهذا المقوم من مقومات العقيدة هو الذي استقر في قلوب تلك الجماعة الأولى من المسلمين استقرارا حقيقيا ; واستيقنته أنفسهم , وتكيفت به مشاعرهم . . هذا المقوم يتلخص في أنه ليس لهم في أنفسهم شيء ; وليس لهم من أمرهم شيء . إنما هم وما ملكت أيديهم لله . يصرفهم كيف يشاء , ويختار لهم ما يريد . وإن هم إلا بعض هذا الوجود الذي يسير وفق الناموس العام . وخالق هذا الوجود ومدبره يحركهم مع حركة الوجود العام ; ويقسم لهم دورهم في رواية الوجود الكبيرة ; ويقرر حركاتهم على مسرح الوجود العظيم . وليس لهم أن يختاروا الدور الذي يقومون به , لأنهم لا يعرفون الرواية كاملة ; وليس لهم أن يختاروا الحركة التي يحبونها لأن ما يحبونه قد لا يستقيم مع الدور الذي خصص لهم ! وهم ليسوا أصحاب الرواية ولا المسرح ; وإن هم إلا أجراء ,لهم أجرهم على العمل , وليس لهم ولا عليهم في النتيجة !
عندئذ أسلموا أنفسهم حقيقة لله . أسلموها بكل ما فيها ; فلم يعد لهم منها شيء . وعندئذ استقامت نفوسهم مع فطرة الكون كله ; واستقامت حركاتهم مع دورته العامة ; وساروا في فلكهم كما تسير تلك الكواكب والنجوم في أفلاكها , لا تحاول أن تخرج عنها , ولا أن تسرع أو تبطئ في دورتها المتناسقة مع حركة الوجود كله .
وعندئذ رضيت نفوسهم بكل ما يأتي به قدر الله , لشعورهم الباطن الواصل بأن قدر الله هوالذي يصرف كل شيء , وكل أحد , وكل حادث , وكل حالة . واستقبلوا قدر الله فيهم بالمعرفة المدركة المريحة الواثقة المطمئنة .
وشيئا فشيئا لم يعودوا يحسون بالمفاجأة لقدر الله حين يصيبهم , ولا بالجزع الذي يعالج بالتجمل ; أو بالألم الذي يعالج بالصبر . إنما عادوا يستقبلون قدر الله استقبال العارف المنتظر المرتقب لأمر مألوف في حسه , معروف في ضميره , ولا يثير مفاجأة ولا رجفة ولا غرابة !
ومن ثم لم يعودوا يستعجلون دورة الفلك ليقضوا أمرا هم يريدون قضاءه , ولم يعودوا يستبطئون الأحداث لأن لهم أربا يستعجلون تحقيقه , ولو كان هذا الأرب هو نصر دعوتهم وتمكينها ! إنما ساروا في طريقهم مع قدر الله , ينتهي بهم إلى حيث ينتهي , وهم راضون مستروحون , يبذلون ما يملكون من أرواح وجهود وأموال في غير عجلة ولا ضيق , وفي غير من ولا غرور , وفي غير حسرة ولا أسف . وهم على يقين أنهم يفعلون ما قدر الله لهم أن يفعلوه ; وأن ما يريده الله هو الذي يكون , وأن كل أمر مرهون بوقته وأجله المرسوم .
إنه الاستسلام المطلق ليد الله تقود خطاهم , وتصرف حركاتهم ; وهم مطمئنون لليد التي تقودهم , شاعرون معها بالأمن والثقة واليقين , سائرون معها في بساطة ويسر ولين .
وهم – مع هذا – يعملون ما يقدرون عليه , ويبذلون ما يملكون كله , ولا يضيعون وقتا ولاجهدا , ولا يتركون حيلة ولا وسيلة . ثم لا يتكلفون ما لايطيقون , ولا يحاولون الخروج عن بشريتهم وما فيها من خصائص , ومن ضعف وقوة ; ولا يدعون ما لا يجدونه في أنفسهم من مشاعر وطاقات , ولا يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا , ولا أن يقولوا غير ما يفعلون .
وهذا التوازن بين الاستسلام المطلق لقدر الله , والعمل الجاهد بكل ما في الطاقة , والوقوف المطمئن عند ما يستطيعون . . هذا التوازن هو السمة التي طبعت حياة تلك المجموعة الأولى وميزتها ; وهي التي أهلتها لحمل أمانة هذه العقيدة الضخمة التي تنوء بها الجبال !
واستقرار ذلك المقوم الأول في أعماق الضمائر هو الذي كفل لتلك الجماعة الأولى تحقيق تلك الخوارق التي حققتها في حياتها الخاصة , وفي حياة المجتمع الإنساني إذ ذاك . وهو الذي جعل خطواتها وحركاتها تتناسق مع دورة الأفلاك , وخطوات الزمان , ولا تحتك بها أو تصطدم , فتتعوق أو تبطىء نتيجة الاحتكاك والاصطدام . وهو الذي بارك تلك الجهود , فإذا هي تثمر ذلك الثمر الحلو الكثير العظيم في فترة قصيرة من الزمان .
ولقد كان ذلك التحول في نفوسهم بحيث تستقيم حركتها مع حركة الوجود , وفق قدر الله المصرف لهذا الوجود . . كان هذا التحول في تلك النفوس هو المعجزة الكبرى التي لا يقدر عليها بشر ; إنما تتم بإرادة الله المباشرة التي أنشأت الأرض والسماوات , والكواكب والأفلاك ; ونسقت بين خطاها ودوراتها ذلك التنسيق الإلهي الخاص .
وإلى هذه الحقيقة تشير هذه الآيات الكثيرة في القرآن . . حيث يقول الله تبارك وتعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء). . أو يقول: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء). . أو يقول: (إن الهدى هدى الله). . فذلك هوالهدى بحقيقته الكبيرة ومعناه الواسع . هدى الإنسان إلى مكانه في هيكل هذا الوجود ; وتنسيق خطاه مع حركة هذا الوجود .
ولن يؤتي الجهد كامل ثماره إلا حين يستقيم القلب على هدى الله بمعناه ; وتستقيم حركة الفرد مع دورة الوجود ; ويطمئن الضمير إلى قدر الله الشامل الذي لا يكون في الوجود أمر إلا وفق مقتضاه .
ومن هذا البيان ينجلي أن هذا النص القرآني: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). . أشمل وأوسع وأبعد مدى من أي حادث خاص يكون قد نزل فيه . وأنه يقرر كلية أساسية , أو الكلية الأساسية , في منهج الإسلام !
الدرس الثاني:37 إبطال التبني وزواج النبي بزينب زوجة زيد
ثم يجيء الحديث عن حادث زواج النبي [ ص ] من زينب بنت جحش , وما سبقه وما تلاه من أحكام وتوجيهات:
وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه:أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه ; وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه . فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا . وكان أمر الله مفعولا . ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له . سنة الله في الذين خلوا من قبل . وكان أمر الله قدرا مقدورا . الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله . وكفى بالله حسيبا . ما كان محمد أبا أحد من رجالكم , ولكن رسول الله وخاتم النبيين , وكان الله بكل شيء عليما . .
مضى في أول السورة إبطال تقليد التبني ; ورد الأدعياء إلى آبائهم , وإقامة العلاقات العائلية على أساسها الطبيعي: وما جعل أدعياءكم أبناءكم . ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل . ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله . فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم . وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم , وكان الله غفورا رحيما . . . .
ولكن نظام التبني كانت له آثار واقعية في حياة الجماعة العربية ; ولم يكن إبطال هذه الآثار الواقعية في حياة المجتمع ليمضي بالسهولة التي يمضي بها إبطال تقليد التبني ذاته . فالتقاليد الاجتماعية أعمق أثرا في النفوس . ولا بد من سوابق عملية مضادة . ولا بد أن تستقبل هذه السوابق أول أمرها بالاستنكار ; وأن تكون شديدة الوقع على الكثيرين .
وقد مضى أن رسول الله [ ص ] زوج زيد بن حارثة – الذي كان متبناه , وكان يدعى زيد ابن محمد ثم دعى إلى أبيه – من زينب بنت جحش , ابنة عمة رسول الله [ ص ] ليحطم بهذا الزواج فوارق الطبقات الموروثة , ويحقق معنى قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)ويقرر هذه القيمة الإسلامية الجديدة بفعل عملي واقعي .
ثم شاء الله أن يحمل نبيه بعد ذلك – فيما يحمل من أعباء الرسالة – مؤنة إزالة آثار نظام التبني ; فيتزوج من مطلقة متبناه زيد بن حارثة . ويواجه المجتمع بهذا العمل , الذي لا يستطيع أحد أن يواجه المجتمع به , على الرغم من إبطال عادة التبني في ذاتها !

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37)
وألهم الله نبيه [ ص ] أن زيدا سيطلق زينب ; وأنه هو سيتزوجها , للحكمة التي قضى الله بها . وكانت العلاقات بين زيد وزينب قد اضطربت , وعادت توحي بأن حياتهما لن تستقيم طويلا .
وجاء زيد مرة بعد مرة يشكو إلى رسول الله [ ص ] اضطراب حياته مع زينب ; وعدم استطاعته المضي معها . والرسول – صلوات الله وسلامه عليه – على شجاعته في مواجهة قومه في أمر العقيدة دون لجلجة ولا خشية – يحس ثقل التبعة فيما ألهمه الله من أمر زينب ; ويتردد في مواجهة القوم بتحطيم ذلك التقليد العميق ; فيقول لزيد [ الذي أنعم الله عليه بالإسلام وبالقرب من رسوله وبحب الرسول له , ذلك الحب الذي يتقدم به في قلبه على كل أحد بلا استثناء . والذي أنعم عليه الرسول بالعتق والتربية والحب ] . . يقول له: (أمسك عليك زوجك واتق الله). . ويؤخر بهذا مواجهة الأمر العظيم الذي يتردد في الخروج به على الناس . كما قال الله تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه !). . وهذا الذي أخفاه النبي [ ص ] في نفسه , وهو يعلم أن الله مبديه , هو ما ألهمه الله أن سيفعله . ولم يكن أمرا صريحا من الله . وإلا ما تردد فيه ولا أخره ولا حاول تأجيله . ولجهر به في حينه مهما كانت العواقب التي يتوقعها من إعلانه . ولكنه [ ص ] كان أمام إلهام يجده في نفسه , ويتوجس في الوقت ذاته من مواجهته , ومواجهة الناس به . حتى أذن الله بكونه . فطلق زيد زوجه في النهاية . وهو لا يفكر لا هو ولا زينب , فيما سيكون بعد . لأن العرف السائد كان يعد زينب مطلقة ابن لمحمد لا تحل له . حتى بعد إبطال عادة التبني في ذاتها . ولم يكن قد نزل بعد إحلال مطلقات الأدعياء . إنما كان حادث زواج النبي بها فيما بعد هو الذي قرر هذه القاعدة . بعدما قوبل هذا القرار بالدهشة والمفاجأة والاستنكار .
وفي هذا ما يهدم كل الروايات التي رويت عن هذا الحادث ; والتي تشبث بها أعداء الإسلام قديما وحديثا , وصاغوا حولها الأساطير والمفتريات !
إنما كان الأمر كما قال الله تعالى: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها , لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا). . وكانت هذه إحدى ضرائب الرسالة الباهظة حملها رسول الله [ ص ] فيما حمل ; وواجه بها المجتمع الكاره لها كل الكراهية . حتى ليتردد في مواجهته بها وهو الذي لم يتردد في مواجهته بعقيدة التوحيد , وذم الآلهة والشركاء ; وتخطئة الآباء والأجداد !
(وكان أمر الله مفعولا). . لا مرد له , ولا مفر منه . واقعا محققا لا سبيل إلى تخلفه ولا إلى الحيدة عنه . وكان زواجه [ ص ] من زينب – رضي الله عنها – بعد انقضاء عدتها . أرسل إليها زيدا زوجها السابق . وأحب خلق الله إليه . أرسله إليها ليخطبها عليه .
عن أنس – رضي الله عنه – قال:لما انقضت عدة زينب – رضي الله عنها – قال رسول الله [ ص ] لزيد بن حارثة . " اذهب فاذكرها علي " فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها . قال:فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها , وأقول:إن رسول الله [ ص ] ذكرها ! فوليتها ظهري , ونكصت على عقبي , وقلت:يا زينب . أبشري . أرسلني رسول الله [ ص ] بذكرك . قالت:ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي عز وجل . فقامت إلى مسجدها . ونزل القرآن . وجاء رسول الله [ ص ] فدخل عليها بغير إذن . . .

مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40)
وقد روى البخاري – رحمه الله – عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال:إن زينب بنت جحش – رضي الله عنها – كانت تفخر على أزواج النبي [ ص ] فتقول:زوجكن أهاليكن , وزوجني الله – تعالى – من فوق سبع سماوات .
ولم تمر المسألة سهلة , فلقد فوجئ بها المجتمع الإسلامي كله ; كما انطلقت ألسنة المنافقين تقول:تزوج حليلة ابنه !
ولما كانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد فقد مضى القرآن يوكدها ; ويزيل عنصر الغرابة فيها , ويردها إلى أصولها البسيطة المنطقية التاريخية:
(ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له). .
فقد فرض له أن يتزوج زينب , وأن يبطل عادة العرب في تحريم أزواج الأدعياء . وإذن فلا حرج في هذا الأمر , وليس النبي [ ص ] فيه بدعا من الرسل .

(سنة الله في الذين خلوا من قبل). .
فهو أمر يمضي وفق سنة الله التي لا تتبدل . والتي تتعلق بحقائق الأشياء , لا بما يحوطها من تصورات وتقاليد مصطنعة لا تقوم على أساس .
(وكان أمر الله قدرا مقدورا). .
فهو نافذ مفعول , لا يقف في وجهه شيء ولا أحد . وهو مقدر بحكمة وخبرة ووزن , منظور فيه إلى الغاية التي يريدها الله منه . و يعلم ضرورتها وقدرها وزمانها ومكانها . وقد أمر الله رسوله أن يبطل تلك العادة ويمحو آثارها عمليا , ويقرر بنفسه السابقة الواقعية . ولم يكن بد من نفاذ أمر الله .
وسنة الله هذه قد مضت في الذين خلوا من قبل من الرسل:
(الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله). .
فلا يحسبون للخلق حسابا فيما يكلفهم الله به من أمور الرسالة , ولا يخشون أحدا إلا الله الذي أرسلهم للتبليغ والعمل والتنفيذ .
(وكفى بالله حسيبا). .
فهو وحده الذي يحاسبهم , وليس للناس عليهم من حساب .
(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم)فزينب ليست حليلة ابنه , وزيد ليس ابن محمد . إنما هو ابن حارثة . ولا حرج إذن في الأمر حين ينظر إليه بعين الحقيقة الواقعة .
والعلاقة بين محمد [ ص ] وبين جميع المسلمين – ومنهم زيد بن حارثة – هي علاقة النبي بقومه , وليس هو أبا لأحد منهم:
(ولكن رسول الله وخاتم النبيين). .
ومن ثم فهو يشرع الشرائع الباقية , لتسير عليها البشرية ; وفق آخر رسالة السماء إلى الأرض , التي لا تبديل فيها بعد ذلك ولا تغيير .
(وكان الله بكل شيء عليما). .
فهو الذي يعلم ما يصلح لهذه البشرية , وما يصلحها ; وهو الذي فرض على النبي ما فرض , واختار له

وبالتوفيق=)

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

حل درس سورة الاحزاب (63-73) -تعليم اماراتي

السلام عليكم

ص126 : # – حرام. – حرام. – يجوز. – حرام.

ص128 : أوضح: المؤمن يسأل عنها شوقاً لما وعد الله تعالى وللقاء الأحبة محمداً وصحبه.
: أتدبر وأجيب: # أنّ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة.
# جعل تعالى الجواب عن الساعة مبهماً دون تحديد موعدها ليكون تحذيراً وتخويفاً لهم من قربها لكنه تعالى أخبرهم أنهم ملعونون وأعدّ لهم فيها عذاباً مهيناً.

ص129 : # يتمنون لو أنهم أطاعوا الله ورسوله.
# الإتباع والتقليد الأعمى.
: أصف : ضعفاء أذلاء ما لهم منْ نصير نادمون بينما تُقلّب وجوههم في النار.
: أقرأ وأستنتج : # لأنه ذو وجاهة ومعرفة عند الله كما أخبر تعالى " وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا " وأيّده تعالى بنصره على فرعون وجنوده وقطع حجَج الكفار بما ادّعوه عليه منْ عيب جسدي أو قول فحش .
# يطمئن الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأنّ مَنْ آذوه في القول والإشاعات سيلعنهم الله تعالى ويعذبهم في الدنيا والآخرة كما انتقم لنبيه موسى عليه السلام منْ قومه الذين آذوه.

ص130 : أتدبّر وأجيب: # أنْ يوفقهم للأعمال الصالحة ويغفر لهم ذنوبهم.
# إنْ كانت موافقة للشرع وبنيّة ٍ خالصة لله.
# نيل الكرامة والمكانة العليا عند الله والنجاة من النار, ويتحقق ذلك بالإيمان الصادق والعمل الخالص لله والقول السديد.
: أبحث وأقارن : الأمانة التي عُرضت على السماوات والأرض هي الطاعة والفرائض , وأما الأمانة في سورة البقرة " فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ " فهي المدْيون أو الدَّين المؤتمن.

ص131: أبيّن : لأنّ نعْم ما وعظكمْ الله به أداء الأمانة والعدل في الحكم ,واقترنا لأنّ حكم ولاة الأمر منَ الأمانة والعدل بين الناس أداء لهذه الأمانة.
: أتأمل وأجيب: – أيّ بترك فرائض الله ومعصيته وترك سنة رسوله.
– الثقة والطاعة.
: أتدبّر وأحدّد : – النفاق. – – الشرك. – الإيمان.

ص132: # إنه صلى الله عليه وسلم غاية الأدب والتقوى وخطاب الله له بالتزام التقوى وطاعته بما يوحيه إليه ما هو إلا تحذير له صلى الله عليه وسلم منْ أنْ تدفعه رقة قلبه ورحمته بالعباد وحرصه على الهداية أنْ يتساهل أو يلين أمام الكفار والمنافقين وأما سلوكه مع أزواجه فلأنهم قدوة معلمون لكل المؤمنين فقد حدّد له تعالى مهمته ووظيفته مع عامة الخلق.
# – أي شهادة على أمتك بإبلاغ الرسالة وشهادة على الناس أجمع وأعمالهم وأنّ رسلهم أبلغوهم رسالاتهم.

ص133: # بما أنكم أيها المؤمنون أحباء الله فحافظوا على صلتكم بربكم بقلوبكم وحواسكم وشعوركم فالذكر يحيي القلوب وأما عن الأسرة فبيّن تعالى بعض أحكام الطلاق والعشرة الزوجية بما يُرضي الله ثمّ بيّن لنا تعالى الأدب الواجب التزامه مع نبيّنا عليه الصلاة والسلام كوجوب الإستئذان قبل الدخول عليه لمكانته والمسؤولية الملقاة على عاتقه ووجوب تكريمه ومعرفة حقه علينا وبيننا فألزمنا دوام الصلاة والسلام عليه بذكرنا تكريماً لنا ورفعاً لدرجاتنا عنده تعالى.

ص134: أنشطة الطالب

السؤال الأول:
1- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا".9 – وجوب شكر الله على نعمه.
2- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ".41 دوام ذكر الله.
3- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ".49 -الإلتزام بأحكام الشرع.
4- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ ".53 – معرفة خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم .
5- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ".56 – وجوب الصلاة والسلام على النبيّ صلى الله عليه وسلم .
6- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ ".69 – لا أكون طرفاً في الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم .
7- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ".70 – التزام طاعة الله ومراقبته وقول الحق.

السؤال الثاني :
مطرودون من رحمة الله تنتظرهم نار مستعرة تشوي وجوههم وأجسامهم كلما نضجت جهة منها قُلبت إلى الأخرى فيأخذهم الذلّ والندم والحسرة على ما قدمته أنفسهم.

ص135:السؤال الثالث:
– مداومة الإتصال بالله تعالى قلباً ولساناً.
– احترام خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب الصلاة والسلام عليه.
– مراعاة حقّ المرأة وحسن عشرتها كزوجة وابنة.

السؤال الرابع:
التقليد الأعمى هو منْ قاد هؤلاء إلى طاعة كبرائهم وأشرافهم دون تفكير لأنهم عطلوا عقولهم.

السؤال الخامس:
بعد أنْ ذكرت الآيات الأولى قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب طليقة زيد ابنه بالتبني قبل تحريم التبنّي وكانت الجاهلية
ترفضه كثر الكلام واللغط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت هذه الآيات في الآخر تلزم المؤمنين التقوى والطاعة لأمر الله وقول الحق بما يُرضي الله .

السؤال السادس :
ليس له أصل في كتب الحديث

وبالتوفيق=)

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

سورة الاحزاب المقررة كلها في ورقة ونص للصف الحادي عشر

ارجو التثبيت

الملفات المرفقة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

اوراق عمل , درس الزواج , سورة الاحزاب 2 للصف الحادي عشر

هذي أوراق عمل جديدة لدرس الزواج وسورة الأحزاب 2

والسموحه منكم ( أستـــــــــــــــــــاذ محمد)

في المرفقات

الملفات المرفقة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

بوربوينت لدرس (الامام الشافعي + سورة الاحزاب 5) تربية الاسلامية -حادي عشر – فصل2 للصف الحادي عشر

اولا

بوربوينت لدرس الامام الشافعي

ثانيا بوربوينت لدرس سورة الاحزاب 5

منقول من عدة مدونة تعليمية

دعواتكم لاصحاب العمل و لمن ساهم بنشهر

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

سوره الاحزاب حل للصف الحادي عشر

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

لو سمحتوا بغيت حل الاسئلة درس سورة الاحزاب ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم )

36 , 48

يزاكم الله خير

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده