السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زراعة الأعضاء
زراعة الأعضاء هي عبارة عن نقل عضو من جسم إلى آخر، أو نقل جزء من جسد المريض إلى الجزء المصاب في الجسد نفسه، بهدف استبدال العضو التالف أو الغائب تمامًا في جسد المتلقي. ويسمح مجال طب التجديد الناشئ للعلماء ومتخصصي الهندسة الوراثية بمحاولة إعادة تكوين أعضاء من الخلايا الخاصة بالمريض نفسه (الخلايا الجذعية، أو الخلايا المستخرجة من الأعضاء المصابة بقصور.) ويُطلق على الأعضاء و/أو الأنسجة التي تُزرع داخل جسم الشخص نفسه مسمى الطعم الذاتي. وتُسمى عمليات زراعة الأعضاء التي تُجرى بين كائنين من الجنس نفسه عمليات الطعم المغاير. ويمكن إجراء عمليات الطعم المغاير إما من مصدر حي أو من أشخاص متوفين دماغيًا.
وتتمثل الأعضاء التي يمكن زراعتها في القلب والكلى والكبد والرئتين والبنكرياس والأمعاء والغدة الزعترية. وتشمل الأنسجة كلاً من العظام والأوتار (وكلاهما يُشار إليه بعمليات ترقيع العضلات والعظام) والقرنية والجلد وصمامات القلب والأوردة. تعد زراعة الكلى هي أكثر عمليات زراعة الأعضاء شيوعًا على مستوى العالم، بينما تفوقها عمليات زراعة العضلات والعظام عددًا بأكثر من عشرة أضعاف.
د يكون المتبرعون بالأعضاء أحياء أو متوفين دماغيًا. ويمكن الحصول على أنسجة المتبرعين المتوفين بأزمات قلبية وذلك في غضون 24 ساعة من توقف ضربات القلب. على عكس الأعضاء، يمكن حفظ معظم الأنسجة (باستثناء القرنية) وتخزينها لفترة تصل إلى 5 سنوات، وهذا يعني أنها يمكن أن تُخزن في "بنوك". يثير موضوع زراعة الأعضاء العديد من القضايا الأخلاقية الحيوية، بما في ذلك تعريف الوفاة، وتوقيت وكيفية التصريح بزراعة أحد الأعضاء، إضافة إلى فكرة دفع مقابل مالي للأعضاء المزروعة. ومن أمثلة القضايا الأخلاقية الأخرى موضوع السياحة القائمة على عمليات زراعة الأعضاء، وتشمل القضايا الأخلاقية الأوسع نطاقًا السياق الاجتماعي-الاقتصادي الذي ستُجرى في إطاره عمليات نقل أو زراعة الأعضاء. وهناك مشكلة محددة وهي تجارة الأعضاء
في الولايات المتحدة، تقوم إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA) بتنظيم عمليات زراعة الأنسجة، حيث تضع لوائح صارمة لتأمين هذه العمليات، وهي تهدف في المقام الأول إلى الوقاية من انتشار الأمراض المعدية. وتشمل اللوائح المعايير اللازمة لفحص واختبار المتبرع، فضلاً عن اللوائح الصارمة الخاصة بتجهيز وتوزيع طعوم الأنسجة. غير أن إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية لا تنظم عمليات زراعة الأعضاء..
يعد طب زراعة الأعضاء واحدًا من أكثر مجالات الطب الحديث صعوبةً وتعقيدًا. وتتمثل بعض أبرز جوانب الإدارة الطبية لعمليات زراعة الأعضاء في مشكلات رفض الجسم للعضو المزروع، وفيها يكون لدى الجسم استجابة مناعية مضادة للعضو المزروع، مما قد يؤدي إلى فشل عملية زراعته في الجسم، ومن ثم ضرورة إزالة العضو المزروع من جسد المتلقي على الفور. وفي هذا الشأن، يجب تخفيض عدد حالات الرفض قدر الإمكان وذلك من خلال الاختبارات المتعلقة بمقاومة الأمصال لتحديد المتلقي الأمثل لكل متبرع، بالإضافة إلى إلى استخدام الأدوية المثبطة للمناعة.
هذا وتعاني معظم الدول من عجز في عدد الأعضاء المتوفرة التي يمكن استخدامها في عمليات زراعة الأعضاء. غالبًا ما تتمتع الدول بوجود هيئات رسمية تتمثل مهمتها في إدارة عملية تحديد الشروط الواجب توافرها في المتبرعين، إلى جانب ترتيب أولوية المتلقين للأعضاء المتوفرة.
تاريخ زراعة الأعضاء : –
داعبت فكرة نقل الأعضاء خيال البشر منذ فترة طويلة نسبيًا؛ ونجحت تلك الفكرة في ظل توفر مهارات جراحية ظهرت قبل فترة طويلة من إدراك مفهوم معدلات البقاء على قيد الحياة بعد الجراحة. وكانت المشكلات الرئيسية وثيقة الصلة بهذا الموضوع، وما زالت، وربما ستظل هي فكرة رفض الجسم للعضو المزروع، فضلاً عن الآثار الجانبية لمحاولة تفادي هذا الرفض (وخاصة مشكلتي العدوى واعتلال الكلى).
جدير بالذكر أن هناك عدة تقارير مشكوك في صحتها تشير إلى عمليات زراعة أعضاء أجريت قبل عصر الإنجازات والتطورات العلمية اللازمة لإجراء مثل هذه العمليات على أرض الواقع. وتشير هذه التقارير إلى أن الطبيب الصيني بيان شياو قد أجرى عملية تبادل قلبين بين رجل يتمتع بشخصية قوية ولكنه ضعيف الإرادة ورجل ذي شخصية ضعيفة ولكنه قوى الشكيمة، وذلك في محاولة منه لتحقيق التوازن عند كل رجل
وقد أجريت أول عملية ناجحة لزراعة قرنية في عام 1837 في نموذج لغزال؛ بينما أجرى إدوارد زيرم أول عملية ناجحة لزراعة قرنية عين لإنسان، والتي يُطلق عليها عملية ترقيع القرنية، في مدينة أولوموك في جمهورية التشيك في عام 1905. وكان لكل من الجراح الفرنسي أليكسيس كاريل وتشارلز جوثري الريادة في ابتكار التقنية الجراحية لزراعة الأعضاء من خلال عمليات زراعة الشرايين أو الأوردة وذلك في بدايات القرن العشرين. أدت عمليات توصيل الأوعية الدموية الناجحة، إلى جانب تقنيات الخياطة الجراحية الحديثة، إلى تمهيد الطريق لجراحات زراعة الأعضاء التي أجريت لاحقًا وأسهم ذلك في حصول كاريل في عام 1912 على جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب. وبدءًا من عام 1902، شرع كاريل في إجراء عمليات تجريبية لزراعة الأعضاء على الكلاب. ومع نجاحه في عمليات نقل الكلى والقلب والطحال جراحيًا، كان كاريل من أوائل من تنبهوا إلى مشكلة رفض الجسم للعضو المزروع، والتي لا تزال مستعصية على الحل منذ عقود.
وقد أجريت أول محاولة لزراعة أعضاء من أحد المتبرعين المتوفين على يد الجراح الأوكراني يو يو فورونوي في ثلاثينيات القرن العشرين، ولكن رفض جسد المتلقي للعضو المنقول أدى إلى فشل العملية برمتها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أول عملية ناجحة لزراعة عضو قد أجراها كل من الجراحين جوزيف موراي وجي هارتويل هاريسون الحاصل على درجة الدكتوراة في الطب، والتي تم فيها إجراء عملية زراعة كلى بين توأمين متماثلين، في عام 1954، ويرجع نجاح هذه العملية إلى عدم الحاجة إلى تثبيط المناعة في حالات التوائم المتطابقة وراثيا.
أنواع زراعة الأعضاء
الطعم الذاتي (Autograft)
الطعم المماثل (Isograft)
الطعم الأجنبي (Xenograft) وزراعة الأعضاء باستخدام الطعوم الأجنبية
زراعة الأعضاء بالتقسيم (Split transplants)
الأعضاء والأنسجة الأساسية في عمليات زراعة الأعضاء
الأعضاء الصدرية
القلب (من متبرع متوفى فقط)
الرئة (من متبرع حي ومن متبرع متوفى)
القلب/الرئة (من متبرع متوفى وبطريقة الشراكة القلبية)
أعضاء البطن
الكلية (من متبرع حي ومن متبرع متوفى)
الكبد (من متبرع حي ومن متبرع متوفى)
البنكرياس (من متبرع متوفى فقط)
الأمعاء (من متبرع حي ومن متبرع متوفى)
المعدة (من متبرع متوفى فقط)
الخصية
الأنسجة والخلايا والسوائل
اليد (من متبرع متوفى فقط)
القرنية (من متبرع متوفى فقط)
الجلد بما في ذلك إعادة زراعة الوجه (بأسلوب الطعم الذاتي) وزراعة الوجه (وهي نادرة جدًا)
جزر لانجرهانز (وهي عبارة عن خلايا بنكرياس جزيرية) (من متبرع حي ومن متبرع متوفى)
نخاع العظم/الخلايا الجذعية للبالغين (من متبرع حي وبأسلوب الطعم الذاتي)
نقل الدم/نقل مشتقات الدم (من متبرع حي وبأسلوب الطعم الذاتي)
الأوعية الدموية (بأسلوب الطعم الذاتي ومن متبرع متوفى)
صمام القلب (من متبرع متوفى ومن متبرع حي، وباستخدام طعم أجنبي [من خنزير/من بقرة])
العظام (من متبرع حي ومن متبرع متوفى)
أنواع المتبرعين
المتبرعون الأحياء
في حالة "تبرع الشخص الحي"، يبقى المتبرع على قيد الحياة ويتبرع بأنسجة أو خلايا أو سوائل متجددة (على سبيل المثال الدم والجلد)، أو يتبرع بعضو أو بجزء منه بحيث يمكن للجزء المتبقي من العضو أن يتجدد من تلقاء نفسه أو يضطلع بمهمة العضو الكامل (مثل التبرع بكلية واحدة والتبرع بجزء من الكبد والتبرع بجزء من الأمعاء الدقيقة). قد يوفر طب التجديد يومًا ما الأعضاء المجهزة في المعامل، وذلك باستخدام خلايا المريض نفسه (الخلايا الجذعية أو الخلايا السليمة المستخرجة من الأعضاء المصابة
المتبرعون المتوفون
يتمثل المتبرعون المتوفون في المتبرعين الذين كان قد أعلن مسبقًا أنهم متوفون دماغيًا والذين يمكن الاحتفاظ بأعضائهم في حالة قابلة للاستعمال من خلال أجهزة تنفس اصطناعي أو من خلال أية وسائل ميكانيكية أخرى إلى أن يتم استئصال هذه الأعضاء لإجراء عملية الزراعة. وبصرف النظر عن المتبرعين المصابين بموت جذع المخ، الذين مثلوا غالبية المتبرعين المتوفين خلال السنوات العشرين الماضية، لا تزال هناك حاجة متزايدة للتبرع بعد أن أدى المتبرعون المتوفون نتيجة أزمات قلبية (الذين كان يُطلق عليهم سابقًا متبرعين ذوي قلوب غير نابضة) إلى تزايد العدد المحتمل للمتبرعين مع استمرار تزايد الطلب على إجراء عمليات زراعة الأعضاء. وقد أسفرت هذه الأعضاء عن نتائج أدنى من الأعضاء المزروعة من متبرع متوفى دماغيًا؛ لكن نظرًا لندرة الأعضاء المناسبة ووفاة الأشخاص المنتظرين على اللائحة، يجب أن يؤخذ أي عضو من المحتمل أن يكون مناسبًا بعين الاعتبار
قوانين زراعة الأعضاء
قامت كل من الدول النامية والمتقدمة بصياغة العديد من السياسات سعيًا لتوفير عنصر الأمان وإتاحة عمليات زراعة الأعضاء لمواطنيها. وقررت كل من البرازيل وفرنسا وإيطاليا وبولندا وأسبانيا اعتبار جميع البالغين بمثابة متبرعين مرتقبين في حالة وفاتهم، إلا إذا قرروا الانسحاب بمحض إرادتهم واستخرجوا بطاقات تفيد ذلك
وبدايةً من شهر يوليو 2022، حظرت الصين بيع الأعضاء وهي تدَّعي أن كافة المسجونين الذين تبرعوا بأعضائهم قد وافقوا على التبرع بأعضائهم بمحض إرادتهم. ومع ذلك، قام أطباء في بلدان أخرى، مثل المملكة المتحدة، باتهام الصين بانتهاك عقوبة الإعدام التي تتميز بارتفاع معدلاتها هناك. وعلى الرغم من هذه الجهود، إلا أن الإتجار غير المشروع في الأعضاء البشرية لا يهدأ، ويمكن أن يُعزَى إلى الفساد المستشري في مؤسسات الرعاية الصحية، والذي يقدر أن ارتفاع معدلاته يجاري ارتفاع معدلات الفساد بين الأطباء في الصين وأوكرانيا والهند، كما أن غض الطرف عن هذه الصفقات المشبوهة أثر بالسلب على الحكومات من الناحية الاقتصادية، فضلاً عن أن مؤسسات الرعاية الصحية ينبغي أن تلجأ أحيانًا إلى تجارة الأعضاء. ويجري شحن بعض الأعضاء أيضًا إلى أوغندا وهولندا. وكان هذا من ضمن المنتجات الرئيسية في التجارة ثلاثية الأطراف في عام 1934 والتي تمثلت أطرافها في أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة.
بدايةً من 1 مايو 2022، بدأ الأطباء المشاركون في تجارة الأعضاء يواجهون غرامات وإيقاف عن العمل في الصين. ومن المنتظر أن يُسمح فقط لعدد قليل من المستشفيات المعتمدة بإجراء عمليات زراعة الأعضاء للحد من العمليات غير القانونية. كما أن استئصال أي عضو دون الحصول على موافقة المتبرع يعد جريمة أيضًا
مخاوف أخلاقية
تُثار العديد من المخاوف الأخلاقية عند الحديث عن الإجراءات التنظيمية لعمليات زراعة الأعضاء في الدول النامية، إضافةً إلى كيفية توزيع هذه الإجراءات في هذه الدول، وذلك على الرغم من جانبها الإيجابي الذي يعود بالنفع على من يجرون هذه العمليات في معظم الأحوال. يُعنى الجانب الأخلاقي للموضوع أساسًا بكل من جهة الحصول على العضو وطريقة الحصول عليه لإجراء عملية زراعة الأعضاء، فضلاً عن مفهوم العدالة التوزيعية. تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن عمليات زراعة الأعضاء تؤدي إلى الارتقاء بالمستوى الصحي بوجه عام، ولكن مفهوم "سياحة زراعة الأعضاء" قد يؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان أو استغلال الفقراء، وحدوث تداعيات صحية غير محسوبة العواقب، فضلاً عن عدم تكافؤ فرص الحصول على خدمات زراعة الأعضاء، مما قد يسبب أضرارًا في نهاية الأمر. بغض النظر عن أن عمليات زراعة الأعضاء تعد بمثابة "قبلة الحياة"، بالنسبة للمواطنين القاطنين في الدول النامية، إلا أنها قد تتم بشكل قسري. ويمكن أن يعتبر الإكراه تصرفًا استغلاليًا للمواطنين الفقراء، مما يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية وفقًا للمادتين الثالثة والرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهناك أيضًا وجهة نظر منطقية تناقض ما سبق تمامًا، وهي أن تجارة الأعضاء البشرية، إذا ما تم تنظيمها بشكل مناسب وفعال بحيث يتم ضمان إبلاغ البائع تفصيلاً بكل التداعيات الناجمة عن التبرع، ستحقق مصلحةً مشتركةً للطرفين البالغين بالتراضي، وأن حظر هذه العمليات يعد في حد ذاته انتهاكًا للمادتين الثالثة والرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وهناك تخوف في الدول المتقدمة كذلك من أن تؤدي حمى زيادة المعروض من الأعضاء البشرية إلى التغاضي عن احترام الحق في الحياة. وقد تتعقد المسألة أكثر إذا ما تأملنا حقيقة أنه لا يمكن تحديد معيار ثابت لتعريف الموت القانوني، بل إنه قد يتغير بسهولة في ظل التطورات التكنولوجية المتلاحقة
موفقين