التصنيفات
الصف الحادي عشر

تقرير عن القناعة للصف الحادي عشر


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

فمن الصفات المحمودة التي حثَّ الله ورسوله عليها: صفة القناعة.

قال الرَّاغبُ: "القناعة: هي الاجتزاء باليسير من الأغراض المُحتاج إليها"[1].

قال تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32]، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

قال عليٌّ – رضي الله عنه -: "الحياة الطيبة هي القناعة"[2].

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ليس الغِنَى عن كَثْرَة العَرَض، ولكنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْس))[3].

والعَرَضُ: هو متاع الدنيا، ومعنى الحديث: الغِنَى المحمودُ هو غنى النَّفْس وشبعها، وقلَّة حرصها، لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة؛ لأن مَنْ كان طالبًا للزيادة، لم يَسْتَغْنِ بما عنده؛ فليس له غِنًى.

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما -: أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((قد أفلح مَنْ أسلم ورُزِقَ كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه))[4].

وعن عبيدالله بن محصن الخَطَمِيُّ – رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَنْ أصبح منكم آمِنًا في سِرْبِه، معافًى في جسده، عنده قوتُ يومه؛ فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا))[5].

وأرشد النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – المؤمنَ إلى أن ينظر إلى مَنْ هو أسفل منه؛ حتى يشعر بكثرة نِعَم الله عليه؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((انظروا إلى مَنْ أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَنْ هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمةَ الله))[6].

قال ابنُ جريرٍ وغيره: "هذا حديثٌ جامعٌ لأنواعٍ من الخير؛ لأنَّ الإنسان إذا رأى من فُضِّلَ عليه في الدنيا، طَلَبَتْ نفسُه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله، وحَرَص على الازدياد؛ ليلحق بذلك أو يقاربه؛ هذا هو الموجود في غالب الناس، وأمَّا إذا نَظَرَ في أمور الدنيا إلى مَنْ هو دونه فيها، ظهرت له نعمةَ الله – تعالى – عليه، فشكرها، وتواضع، وفعل فيه الخير". اهـ[7].

وكان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – من أكثر الناس قناعةً وزهدًا في الدنيا؛ فعن عائشة – رضي الله عنها -: أنها قالت لعُرْوَة ابن أختها: "إن كنَّا لننظر إلى الهلال، ثلاثة أهلَّة في شهريْن، وما أُوقِدَ في أبيات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نارٌ، فقلتُ: ما كان يعيشكم؟! قالت: الأسودان: التمر والماء؛ إلا أنه قد كان لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – جيرانٌ من الأنصار، كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أبياتهم فيَسْقِينَاهُ))[8].

وكان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يسأل ربَّه أن يجعل رزقه كفافًا؛ أي: مقدار حاجته؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: ((اللهم اجعل رزقَ آل محمَّدٍ قوتًا))[9].

وكان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يوصي أصحابه بالقناعة وعيشة الكَفاف؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يا أبا هريرة، كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ الناس، وكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ الناس))[10].

وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يأخذون بهذا التوجيه النبويِّ الكريم؛ فعن أنس بن مالك قال: "اشتكى سلمان، فعاده سعد، فرآه يبكي، فقال له سعد: ما يبكيكَ؟ أليس قد صَحِبْتَ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم؟ أليس؟ أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدةً من اثنتين: ما أبكي حبًّا للدنيا، ولا كراهيةً للآخِرة، ولكنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عَهِدَ إلينا، فما أراني إلا قد تعدَّيْتُ، قال: وما عَهِدَ إليكَ؟ قال: عَهِدَ إليَّ أنه يكفي أحدكم مثل زاد الرَّاكِب، قال ثابت: فأحصَوْا ما تركه سلمان، فإذا هو بضعةٌ وعشرون درهمًا!!"[11].

وقال عمر – رضي الله عنه -: "إنَّ الطَّمَعَ فقرٌ، وإن اليأس غِنًى، إنه مَنْ ييأس عمَّا في أيدي الناس استغنى عنهم"[12].

والقناعة كنزٌ عظيم، وعلامةٌ من علامات التقوى، كما قيل: (القناعة كنزٌ لا يَفنى).

وقال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: "التقوى: الخوف من الجليل، والعمل بالتَّنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرَّحيل".

وكتب بعضُ بني أميَّة إلى أبي حازم، يعزم عليه إلاَّ رفع إليه حوائجه؛ فكتب إليه: "قد رفعتُ حوائجي إلى مولاي، فما أعطاني منها قَبِلْتُ، وما أَمْسَكَ عنِّي قَنَعْتُ"[13].

وقيل لبعض الحكماء: ما الغِنى؟ قال: "قلَّةُ تَمَنِّيكَ، ورضاكَ بما يكفيكَ".

قال الشاعر:

خُذِ القَنَاعَةَ مِنْ دُنْيَاكَ وَارْضَ بِهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلاَّ رَاحَةُ البَدَنِ
وانْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا هَلْ رَاحَ مِنْهَا بِغَيْرِ القُطْنِ وَالكَفَنِ

وقال آخر:

والنَّفْسُ رَاغِبَةٌ إِذَا رَغَّبْتَهَا وَإِذَا تُرَدُّ إِلَى قَلِيلٍ تَقْنَعُ

قال الغزالي – رحمه الله -: "كان محمد بن واسع يَبِلُّ الخبزَ اليابس بالماء ويأكل، ويقول: مَنْ قنع بهذا، لم يَحْتَجْ إلى أحدٍ"[14].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبالتوفيق=$

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *