التصنيفات
الصف الحادي عشر

بحث تقرير عن الفاشيه للصف الحادي عشر

المقدمة :

ترجع كلمة فاشية -كمصطلح أو مفهوم سياسي- إلى نهاية القرن التاسع عشر على الأقل وذلك حين ظهرت في صقلية جماعات تعرف بفاشيي إيطاليا وكان هدفها مناهضة النظام الإقطاعي، وعلى الرغم من أن الكثيرين منا يعتقدون أنه قد انتهى كمفهوم سياسي معمول به في نظم بعض الدول وذلك بنهاية الزعيم والأب الروحي للفاشية بينتو موسوليني 1883-1945 بعد سقوطه في الحرب العالمية الثانية، إلا أن هذا المصطلح قد عاد مرة أخرى يجوب في الأوساط السياسية عندما سمعنا البعض يتهم حكومات الشرق الأوسط بأنها حكومات فاشية ويجب القضاء عليها وتحرير شعبها من القمع الذي تعاني منه!!! لذا كان لزاما علينا أن نتحدث عن الفاشية كمفهوم وحركة سياسية.

الموضوع :

الفاشية: المعنى والأصل:
ترتبط كلمة فاشية Fascismo في المصطلح السياسي المعاصر بكل نظام شمولي رجعي يقوم على العنف، وسيطرة نظام الدولة القمعي، ولكن العجيب أن الأصل التاريخي أو الحقيقي لكلمة الفاشية غير معناها الذي اكتسبته الآن تماما، فقد اشتقت كلمة فاشية وفاشي من كلمة Fascio باللغة الإيطالية -وتعني حزمة الأغصان أو الأفرع- وعادة ما تقترن في تعريفها الأصلي بكلمة (Littorio) وهي العلامة أو الشارة ذات الأصل الأتروسكي غالبا "وهي شعوب جنوب ووسط إيطاليا في القرن السابع قبل الميلاد" وكانت عبارة عن حزمة من الأغصان أو الأفرع مربوطة مع فأس قتال بحزام ويحملها ضباط أو موظفون كانت مهمتهم هي مرافقة مواكب القضاة في روما القديمة ويدعون (Littori) وكانت هذه الشارة ترمز إلى السلطة المطلقة وهي السلطة الممنوحة لديكتاتور روما في فترة الجمهورية حيث يتم تعطيل سلطة السناتو "مجلس الشيوخ" وذلك عند تعرض البلاد لخطر خارجي داهم، وتنتهي هذه السلطة بزوال الخطر الداهم.
وكما نرى فإن كلمة فاشي أو فاشية وإن عبرت عن سلطة مطلقة قهرية تمنح لفرد واحد إلا أنها اقترنت بفترة زمنية محددة لم تتجاوز العامين -وتلك هي فترة حكم أي ديكتاتور في روما القديمة في أغلب الأحوال- كما أنها خلت من أية مضامين أو مفاهيم سياسية أو أيديولوجية.
ولكن بعد ذلك ارتبطت كلمة فاشية –تاريخيا- بالدولة الشــمــولية الـتي قامت في إيطاليا -مهد الفاشية في العالم- واقترن اسمها بشكل خاص بزعيم الحركة ومؤسسها ورئيس وزراء إيطاليا لعشرين عاما متواصلة موسوليني.
الزعيم الفاشي:
مادمنا سنتحدث عن الفاشية فلابد لنا من الحديث عن "موسوليني"، فمن خلال استعراض قصة "موسوليني" نستطيع أن نتتبع خطوات صعود الفاشية إلى السلطة لتصبح موجها لسياسة دولة استعمارية كبرى بأكملها.
ولد "موسوليني" في بلدة بريدابيو بالقرب من فورلي عام 1883 وبتأثير من والده -الذي كان يعمل حدادا بسيطا- اقترب في صباه من الاشتراكية، وفي عام 1902 نزح إلى سويسرا هربا من أداء الخدمة العسكرية وظل هناك حتى عام 1904 حيث تشكل وعيه السياسي كاشتراكي، عاد بعدها إلى إيطاليا ليمارس مهنة التدريس قبل انخراطه في السلك الصحفي وأدار جريدة أسبوعية اسمها "مستقبل العامل". ومن العجيب أنه عام 1911 قد شارك في العديد من المظاهرات التي قامت ضد الاحتلال الإيطالي لليبيا آنذاك، مما أدى إلى الحكم عليه بالحبس لمدة خمسة أشهر، بعدها بدأ اسم "موسوليني" يلمع كأحد الاشتراكيين البارزين حتى أصبح مديرا لجريدة أفانتي (Avanti) ولكن تم فصله بعد ذلك منها كنتيجة لتأييده دخول إيطاليا للحرب العالمية الأولى على الرغم من موقف اليسار الرافض للحرب. ولكنه بعد ذلك أسس جريدة مستقلة بعنوان "الشعب الإيطالي" وتطوع في الجيش برتبة عريف وحصل على وسام الشجاعة بعد إصابته في إحدى العمليات.
أصحاب القمصان السود:
تأسس الحزب الفاشي الاشتراكي على يد "موسوليني" عام 1919 في مدينة ميلان. وكان قوام الحزب الفاشي عبارة عن عدد من الاشتراكيين المنشقين وكان البرنامج السياسي للحركة "قومي/معادي لليبرالية/اشتراكي"، وقد طالبت الحركة بوضع حد أدنى للأجور وتحديد ساعات العمل 8 ساعات يوميا "وهو الأمر المعمول به في مختلف الدول الغربية"، ومع تزايد الخطر الأحمر الشيوعي واحتمالات وصوله للسلطة وخاصة بعد نجاح ثورة أكتوبر الشيوعية في روسيا. ومع انتشار حالة من الفوضى السياسية في إيطاليا أخذت الحركة الفاشية تكسب أرضا وأنصارا جددا، وكان ممن جندتهم الفاشية أيضا أبناء الطبقة المتوسطة الذين نظروا بعداء شديد تجاه النظام البرلماني القائم الفاسد.
وعلى الرغم من وجود قاعدة شعبية للفاشية ساعد عليها توجس الحكومة والملكية في إيطاليا "فيكتور عمانويل الثالث" من سيطرة اليسار والشيوعيين على السلطة إلا أنها لم تحرز نصرا في انتخابات 1919-1920 والتي سيطرت عليها الحركات اليسارية والاشتراكية بمختلف اتجاهاتها، إلا أن هذا لم يمنع "موسوليني" من الوصول إلى مقعد البرلمان كنائب عام 1921.
ونتيجة لذلك ظهرت فرق خاصة تعرف باسم (squadre) والتي مارست العنف على نطاق واسع ضد أعداء الحركة الفاشية والشيوعيين بشكل خاص، وفي ظل تلك الصورة القاتمة من تهاون السلطة البرلمانية في الرد على عنف الفاشية وانقسام الاشتراكيين على أنفسهم والخوف من تكرار ثورة أكتوبر الشيوعية، قفز "موسوليني" إلى السلطة عام 1922 إذ قام بالزحف بفرق الفاشية المسلحة -التي اتخذت من القميص الأسود رداء لها (Le Camice nere) أو أصحاب القمصان السوداء- في 28 أكتوبر 1922 نحو روما وقامت بإسقاط الحكومة القائمة، وتسلم "موسوليني" أمرا لتشكيل الحكومة الجديدة من الملك "فيكتور عمانويل الثالث".
هكذا صعدت الفاشية إلى السلطة في إيطاليا لتفتح صفحة جديدة في الحكم وأساليبه، ليس فقط في إيطاليا، بل في أوروبا كلها.
موسوليني دائما على حق:
اعتمد الحكم الفاشي على الاستبدادية المطلقة في إدارة شئون السياسة الداخلية، وخلال أقل من عامين تخلص "موسوليني" كرئيس الوزراء من كل منافسيه ومعارضيه في البرلمان، على طريقة المافيا فمارس الخطف والقتل، وعمد إلى ما يشبه تحويل المجتمع الإيطالي إلى حزب فاشي كبير؛ فألغى كافة التجمعات النقابية أو على الأقل صار عليها أن تعبر عن نفسها من خلال قنوات شرعية "فاشية بالطبع!!!!"، وامتلأت الشوارع بالشعارات الفاشية، أشهرها كان "موسوليني دائما على حق" وبذلك استطاع "موسوليني" أن يلعب -ليس فقط على الجانب السياسي، ولكن أيضا- على الجانب النفسي الذي استطاع أن يستغله أحسن استغلال.
حتى الأغاني كانت تعبر عن الحماس
"هلموا للسلاح يا رفاق الفاشية
نحن أعضاء الفاشية…
قضيتنا سنساندها حتى الموت
وسوف نناضل… من أجل عدالة قضيتنا….
هؤلاء البلاشفة… أعداؤنا اللدودون
موقنون من خسارتهم…
وإنهم ليرتجفون لمجرد سماع صرخاتنا."

ونظرا لولع "موسوليني" باستلهام الرموز القديمة التاريخية، ولا سيما المرتبط منها بمجد الإمبراطورية الغابرة، فانتحل لقب دوتشيه (Duce) المأخوذ عن كلمة دوكس الرومانية اللاتينية والتي تعني الزعيم أو القائد، وهو لقب يقترن عادة باسم "موسوليني" عند كل من كتب عنه، بل وأصبحت تلك العادة مقترنة بأي ديكتاتور أراد أن يحذو حذو "موسوليني" ومن أقربهم عهدا له كان هتلر حين اتخذ لقب "الفوهرر" أو الزعيم بالألمانية لدى وصوله للسلطة في ألمانيا عام 1933 وكان شديد الإعجاب بـ"موسوليني".
بعد ذلك بدأ "موسوليني" -وقد رأينا كيف أن "موسوليني" الاشتراكي عارض العدوان الإيطالي على ليبيا- بالتوسع في الرقعة التي سيطر عليها الفاشيون في ليبيا من خلال القمع الوحشي لحركات المقاومة الوطنية، والتي خمدت بالإيقاع بالزعيم الليبي "عمر المختار"، فكان عام 1936 هو عام إعلان الإمبراطورية الإيطالية رسميا بالغزو الفاشي لإثيوبيا!!.
والذي يقول فيه:
"أيها الرفاق… أخيرا صار لإيطاليا إمبراطورية
ومن الآن فصاعدا، سأضيف لألقاب ملك إيطاليا
لقب إمبراطور ليتوارثه أبناؤه من بعده
وسوف يدافع الشعب الإيطالي عن إمبراطوريته بأسلحته وأسنانه

بداية النهاية:
مع نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939 أعلن الزعيم الداهية حياد إيطاليا -على الرغم من التحالف المعقود قبل ذلك بسنوات بين إيطاليا وألمانيا- إلا أن ضغوط "هتلر" المتزايدة ونجاح القوات الألمانية المذهل في غزو معظم أوروبا في وقت قياسي؛ دفعا "موسوليني" لدخول الحرب مع ألمانيا.
كانت تلك هي بداية النهاية التي ربما شعر بها "موسوليني"، وفي أقل من عامين منيت الفاشية بعدة هزائم أفقدتها مستعمراتها في إفريقيا الشرقية.
في يوليو 1943 حطت القوات البريطانية والأمريكية على ساحل صقلية لتبدأ زحفها على إيطاليا من جهة الجنوب وهو نفس الشهر الذي شهد تجريد "موسوليني" من سلطاته على يد أعضاء الحزب الفاشي نفسه والتحفظ عليه، بعدها بشهرين أعلنت إيطاليا في 8 سبتمبر من نفس العام انتقالها من معسكر المحور إلى معسكر الحلفاء.

الخاتمة :

نجح هتلر -المبهور بموسوليني- في إنقاذه من سجنه بعملية عسكرية ليضعه على رأس جمهورية في شمال إيطاليا عرفت باسم الجمهورية الإيطالية الاشتراكية، إلا أن إعادة وضع "موسوليني" في السلطة كانت أشبه بعملية تنفس صناعي لجسد فارقته الحياة، إذ فقد بريقه و"كاريزمته" التي ميزته طوال عشرين عاما هي مدة حكمه للنظام الفاشي، و كأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد دخلت البلاد على مدى عامين في حرب أهلية بين معسكر مناوئ للفاشية والنازية وآخر مؤيد لها. ومن ثم فقد لقي "موسوليني" مصرعه في 8 أبريل 1945 على يد رجال المقاومة الإيطالية مع عدد صغير من أنصاره أثناء محاولته الهرب إلى سويسرا .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده