التصنيفات
الصف الثاني عشر

تقرير عن رفاعة الطهطاوي -مناهج الامارات

رفاعة الطهطاوي

إن تجربة الالتقاء الحضاري الشامل بين المجتمع العربي الإسلامي والحضارة الأوروبية في بداية القرن التاسع عشر الميلادي الموافق القرن الثالث عشر الهجري، وما خلفته من آثار ما زالت الأمة تتجرع مرارتها حتى الآن ـ لجديرة بالتأمل والتدبر وإمعان التفكير، ذلك لأنه قد صبغت وجهة العالم الإسلامي وحددت مساره النفسي والفكري والقيمي لفترة طويلة، وأفرزت عند الأمة هذا المسخ العقلاني القبيح المسمى بالعلمانية التي تسللت لحياة المسلمين واحتلت جانبًا كبيرًا من عقولهم وقلوبهم من حيث لا يعلمون، ولولا رحمة الله عز وجل لهذه الأمة ثم الدعوة والصحوة الراشدة التي صححت مسار الأمة بعدما كانت على شفا هلاك وغرق حتمي في مستنقع العلمانية النتن.
والجدير بالذكر أن كافة الانحرافات التي تتصدى لها الصحوة اجتماعيًا وأخلاقيًا وثقافيًا وإعلاميًا جاءت عند حدوث الصدمة الحضارية التي وقعت لبعض المسلمين عندما التقوا مع الحضارة الغربية، وهذه الصدمة أدت للانبهار والهزيمة النفسية والوعي المنقوص، والرغبة في رقي المسلمين كما ارتقى الغربيون، فوقع الخلل، وانحرف المسار، وتشوه التفكير، وانحرفت الأمة إلى طريق التبعية والتقليد الأعمى للغرب، فصارت حضارة المسلمين مثل حضارة القرود تقلد ما تراه ولا تعلم معناه، ونحن على هذه الصفحة نقلب دفاتر أول رائد للتغريب، وأول من تلقى الصدمة الحضارية، لنعلم مدى الأثر البالغ التي خلفته تلك الصدمة المشئومة.

في أتون المواجهات العسكرية العنيفة بين الشعب المصري المسلم في صعيد البلاد وبين قوات الحملة الفرنسية النابليونية وبالتحديد سنة 1216 هـ ولد رفاعة رافع بمدينة (طهطا) من أعمال مديرية (جرجا) بمحافظة المنيا، بعائلة تؤكد شرف انتسابها لآل البيت من الفرع الحسيني، وهذه الدعوة منتشرة بأرض مصر خصوصًا.

نشأ رفاعة كعادة أبناء جيله على حفظ القرآن الكريم حتى أتمه، وحفظ بعض المتون الشرعية المتداولة حتى توفي أبوه وهو صغير السن، فانتقل للدراسة بالجامع الأزهر، ولم تمر عليه بضع سنين حتى ظهرت نجابته وقوة فهمه وتحصيله العلمي حتى فاق أقرانه، وانتقل إلى طبقة المدرسين وهو في العشرين من عمره، ولكن ضيق ذات اليد كانت تكدر عليه صفو حياته وتعطل مسيرته العلمية وتفرغه للتدريس.

الشيخ المجهول:
ونعني به الشيخ (حسن العطار)، وكان من كبار علماء الأزهر، حتى إنه قد تولى مشيخة الأزهر في مرحلة من حياته، وكان هذا الشيخ أستاذ رفاعة في الأزهر، وكان له الأثر البالغ في حياة وتفكير رفاعة الطهطاوي رغم جهل الكثيرين بهذا الرجل، ويعتبر حسن العطار أول مشايخ الأزهر افتتانًا بالحضارة الغربية، أو بعبارة أدق أول مصدوم بها، وذلك عندما جاءت الحملة الفرنسية على مصر، واتصل حسن العطار برجالها وتأثر بما عندهم من علوم وتقدم، واشتغل بتعليمهم اللغة العربية، واندمج إلى حد كبير معهم وأنشد في رقيهم و أعيادهم الأشعار، وتوثقت العلاقة بين محمد علي وحسن العطار بعد رحيل الحملة الفرنسية، وأصبح محط ثقته وأحد الركائز التي يعتمد عليها محمد علي في مشروعة الحضاري الجديد القائم في الأصل على الحضارة الغربية.

كان حسن العطار يبث في عقول تلاميذه ـ ومنهم رفاعة الطهطاوي ـ ضرورة التغيير في أوضاع الأمة المسلمة ونقل الحضارة الغربية، ثم جاءت الفرصة عندما طلب محمد علي من حسن العطار أن يرشح له (إماما) يؤم البعثة المصرية العلمية المتوجهة إلى فرنسا في الصلاة والفتوى، فرشح العطارُ الطهطاوي لتلك المهمة، فتوجه الطهطاوي إلى فرنسا سنة 1241هـ / 1825م، وقد طلب حسن العطار من رفاعة طلبًا خاصًا ألا وهو: تدوين كل ما يراه ويسمعه أثناء هذه الرحلة التي استمرت ست سنوات.

الصدمة الأولى:
الرحلة التي قام بها رفاعة الطهطاوي كانت تمثل اللقاء الأول بين الفكر الإسلامي الأصيل التقليدي والحضارة الغربية في أوج عنفوانها وقوتها عقب الثورة الفرنسية الشهيرة، فوقعت الصدمة الأولى عند هذا الرجل صاحب الثقافة الإسلامية والحضارة التي نبذت لتوها الدين وتخلصت من سلطان الكنيسة بعد الثورة المعروفة، وكانت الحسرة تملأ قلب رفاعة عندما يرى التمدن والحضارة الجديدة قوية راقية مرتفعة ويرى أن المسلمين أولى بتلك القوة من بلاد الكفر، وأن المسلمين أولى من هؤلاء الكفرة بالأخذ بأسباب الحضارة. وهذه كانت بداية الصدمة؛ لأن المسار انحرف بعد ذلك.
مكث رفاعة الطهطاوي ست سنوات يسجل كل ما يراه ويكتبه ويعلق عليه وذلك في كتابه الشهير (تخليص الأبريز في تلخيص باريس) ووصل بعد هذه الرحلة ـ أو الصدمة الحضارية ــ لعدة قَناعات حددت بعد ذلك مسار حياته عندما رجع إلى مصر.

قَناعات الطهطاوي:
ضرورة التقريب بين الأحوال الإسلامية والأحوال الغربية خاصة فيما يتعلق بفكرة التشريع. فيقول في كتابه: (ومن زاول علم أصول الفقه، وفَقِهَ ما اشتمل عليه من الضوابط والقواعد جزم بأن جميع الاستنباطات العقلية التي وصلت عقول أهالي باقي الأمم المتمدنة ـ يقصد أوروبا ـ إليها وجعلوها أساسًا لوضع قوانين تمدنهم وأحكامهم قلَّ أن تخرج عن تلك الأصول التي بنيت عليها الفروع الفقهية).

وهو بذلك يجعل الشرع الحنيف على قدم سواء مع تشريعات أوروبا الوضعية، فيعتبر بذلك أول من مهد لدخول هذه التشريعات لبلاد المسلمين، وقد ظهر ذلك واقعيًا وعمليًا عندما عاد إلى مصر وقام بترجمة قوانين أوربا الوضعية ونقلها للعربية بناءً على أوامر محمد علي، وما أدى بعد ذلك لاستبدال الشريعة بهذه القوانين الوضعية.

تقديم مفهوم الوطنية من وجهة النظر الأوروبية للعالم الإسلامي لأول مرة بديار الإسلام، فقال في كتابه: (وما يتمسك به أهل الإسلام من محبة الدين والولوع بحمايته مما يفضلون به عن سائر الأمم في القوة والمنعة يسمونه ـ أي الأوروبيون ـ محبة الوطن).
وهو بذلك يروج للوطنية على المسلمين السذج مما يمهد السبيل لقطع علائق المسلمين بعضهم ببعض بدعوى ابتعاد أوطانهم واختلافها.

نقل الحرية بالمعنى والمفهوم الفرنسي إلى بلاد المسلمين، بسبب حالة القهر والظلم التي مارسها الطاغية محمد علي على البلاد، مما جعل هذا الشيخ الوافد ينبهر بالحرية التي عليها الناس في أوروبا، فنراه يثني ويدافع عن مراقصة الرجال للنساء ويصفه بأنه نوع من الرياضة والأناقة والفتوة، ويقول عن الاختلاط بين الجنسين: ‘ليس داعيًا إلى الفساد !!!!).
ضرورة تحرير المرأة الشرقية والمسلمة. ويكون بذلك أول من أثار هذه القضية بديار المسلمين، فسن بذلك أسوأ السنن حيث حمل بعده رجال راية (تحرير المرأة) على النمط الغربي، فخُلع الحجاب، وعم الفساد، وانتشر الاختلاط، وضاعت الأنساب.

الحيرة والتخبط:
إن أزمة رفاعة الطهطاوي حقًا تتلخص في الصدمة الحضارية الشديدة التي تلقاها عندما سافر إلى فرنسا، فهو لم ينحرف أو يضل أو يترك شيئًا من عقائده وصلواته، فهو قد ابتعد إيمانيًا عن فرنسا النصرانية، ولكنه اصطدم حضاريًا إلى حد التبعية والتقليد لحضارة فرنسا، ففشل في الجمع بينهما كما فعل الأوائل عندما فهموا ما عند الغير من العلوم وهضموها جيدًا ووظفوها وطوروها بما يخدم أمة الإسلام دون تقليد أو انبهار. ونلمس هذه الحيرة والتخبط في تفكير رفاعة الطهطاوي وأشعاره فمنها:

أيوجد مثل باريس ديـــار شموس العلم فيها لا تغيب
وليل الكفر ليس له صباح أما هذا وحـقكـــم عجيـــب

لقد كان رفاعة الطهطاوي أول من وضع الأفكار النظرية موضع التنفيذ وأنتج أعمالا فكرية تمهد لخطة اجتماعية عملية في التشريع، وفي التعليم، وفي السلوكيات، وكان موضع ثقة محمد علي وأولاده من بعده في تطبيق فكرة التغريب والتحديث الأوروبي في كل الميادين، حتى إن الخديوي ‘إسماعيل’ طلب منه أن يقنع علماء الأزهر وشيوخه بقبول التشريع الأوروبي الوضعي ودار بينهما هذا الحوار:
قال الخديوي إسماعيل: إنك منهم ونشأت معهم، وأنت أقدر على إقناعهم، أخبرهم أن أوروبا تضطرب إذا هم لم يستجيبوا إلى الحكم بشريعة نابليون.
قال رفاعة: إنني يا مولاي قد شخت، ولم يطعن أحد في ديني فلا تعرضني لتكفير مشايخ الأزهر إياي في آخر حياتي، وأقلني من هذا الأمر. فوافق إسماعيل.

انزوى رفاعة الطهطاوي في آخر حياته عن الساحة وترك مكان الصدارة الذي ظل يشغله طيلة خمسين سنة يترجم علوم وأفكار أوروبا والقوانين الوضعية ويرأس تحرير جريدة (الوقائع المصرية)، ويكتب المقالات، ويؤلف الكتب ويقنن الأفكار، حتى وافته المنية في 1 ربيع الآخر سنة 1289هـ/1873م.

رفاعة الطهطاوي هو المؤسس الأول لنهضة مصر الفكرية في القرن الماضي.
مولده ونسبه وحياته: ينتهي نسب رفاعة الطهطاوي، من أبيه إلى سيدنا الحسين، ومن أمه إلى الخزرج
وقد مكث رفاعة في فرنسا خمسة سنوات استقى فيها الكثير من العلوم والمعارف، وعاد إلى مصر وهو مملوء بالمعاني الجديدة فبدأ في إنشاء المدارس وترجمة الكتب وتبسيط العلوم والمعارف، ونشر الكتب، وتحرير المقالات الصحفية. وقد اكتسبت الصحافة على يديه تقدما في فن المقالة الصحفية، وتخرج على يديه جيل المترجمين الأوائل الذين أثروا الحياة الثقافية في مجالي الفكر والعمل.

أعماله :
إنشاء مدرسة الألسن وتأسيسها عام 1835م.
تحرير جريدة الوقائع المصرية.
تحرير مجلة روضة المدارس.
دعوته إلى التجديد والإيمان بقيم إنسانية جديدة في الفكر والعمل.
تخليص المرأة من ربقة الأوهام والمخاوف والتقاليد الجائرة. ودفعها إلى الحياة للمشاركة في بنائها.
من مؤلفاته:
 تخليص الإبريز في تلخيص باريز.
 مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية.
 المرشد الأمين للبنات والبنين.
 أنوار توفيق الجليل، في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل.
 نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز.
هذا بالإضافة إلى ما ترجمه من كتب لعل من أهمها:
مواقع الأفلاك في وقائع تليماك، الذي ترجمه عن كتاب فيلنون
telemaque de aventures Les

قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر، الذي ترجمه عن كتاب ديبنج
Apercu historique sur les moeurs et usages des nations
لماذا يُعد رفاعة علما من أعلام رواد النثر الحديث؟
 أغنى النثر بالمصطلحات ، وأطل به على حضارة العصر ومكتسباته العقلية والمادية.
 إغناء الفكر العربي الحديث والإشراف به على آفاق الحياة المعاصرة.
 تيسير اللغة وتطويعها وإغناء معجمها بمصطلحات الحضارة الحديثة.
 تبسيط التعبير والبعد عن التكلف والقيود.
 إدخال أسلوب العرض المباشر التقريري الواضح.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الثاني عشر

بحث عن الطهطاوي للصف الثاني عشر

السسلام عليكم ورحمه الله وبركاته

رفاعة رافع الطهطاوي
أمير النهضة

المقدمة:

النجاح شيء جميل – ولكن الأجمل أن يتفوق الإنسان. أما الشيء الذي لاتحده الأوصاف فهو أن يصبح الإنسان (رقم واحد) أي يتبوأ مكانته (الألفة) ويتقدم الصفوف في أي إنجاز يخدم البشرية ويضيف جديدا إلى معارفها، فكل العلماء والمصلحين والمكتشفين يعيشون (لذة الكشف) التي تسمو على أية لذة أخرى.. ويسكنهم (شبق) غريب يدفعهم إلى مواصلة الكشف والبناء وتقدم الصفوف. وهكذا عاش شيخ مشايخ المعارف المصرية رفاعة رافع الطهطاوي يتقدم الصفوف ويقود أمته – ليس في مجال واحد – ولكن في كثيرة جاهد فيها بعقله النهم الذي لا يعرف الشبع من كل المعارف – حتى لانت له واستكانت بين يديه واجتمعت لتقيل أمة العرب من عثرتها وتصنع نهضتها الفكرية والثقافية وتدفعها إلى التحليق في فضاء المعارف والثقافة بعد أن عاشت مكبلة بقيود الجهل والاستبداد في سجن الدولة العثمانية التي علمت طويلا على تجريف العقل العربي بالسطو على علمائه وفنانيه وحرفييه.

وسنتطـرق في هـذا التقرير إلى :

1. سيرته ومولـده :
2. فضل الطهطاوي على الصحافة العربية :
3. انجازاته في الأدب :
4. مؤلفاته:

وسنعرف المزيد من التفاصيل فيا يلي :

الموضوع :
ورغم أن البدايات لم تكن تنبئ أبدا بأن يسير الشيخ في الطرق التي سار فيها أو يحقق الإنجازات التي حققها إلا أن الطهطاوي قد استثمر مواهبه وقدراته – وفى مقدمتها الإصرار – أفضل استثمار كما وضعته أقداره في معادلة مثلثة الأضلاع تتكون من فرنسا ومحمد على باشا ورفاعة نفسه الذي ارتبط منذ مولده بحبل سري غريب مع كل من فرنسا ومحمد على فقد ولد رفاعة لأسرة متوسطة الحال في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج ورغم رقة حال الأسرة إلا أنها (منسبة) حيث يتصل نسب رفاعة من جهة الأب بالحسين عليه السلام ومن جهة الأم بالخزرج أنصار رسول الله..

سيرته ومولـده :
هو رفاعة رافع بن بدوي الطهطاوي ولد في 5 أكتوبر 1801 وهو العام الذي جاء فيه محمد على إلى مصر على رأس ألف جندي عثماني للمشاركة في مقاومة الحملة الفرنسية على مصر – كما تصادف أن يولد رفاعة في يوم رحيل جنود الحملة الفرنسية عن مصر.. وهكذا ومنذ البداية ارتبط هذا المثلث الذي ستدور بين أضلاعه قصة الطهطاوي وتنطلق من خلاله نهضة الأمة.
وتعلم في طهطا ( مسقط رأسه ) مبادئ القراءة و الكتابة وظهرت عليه منذ صغره علامات النبوغ .وحضر إلى القاهر سنة1807 وهو بعد طفل صغير ومكث فيها خمس سنوات فالتحق بالجامع الأزهر وهو في الحادية والعشرين من عمره. وفى القاهرة تلقفه أخواله طلاب الأزهر (فراج ومحمد وأبو الحسن الأنصاري) وفى الأزهر تتلمذ على يد مجموعة من الشيوخ الأجلاء (الفضالي – القويسني – البخاري – البنا – الدمنهوري – حبيش – البيجوري – الدمهوجي ) وكان أبرز أساتذته الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر الذي تولى الفتى بالرعاية والتهذيب كما حبب إليه الأدب والقراءة في مختلف الفنون والآداب وحدثه كثيرا عن شئون الوطن فأخرجه من شرنقة التقليد إلى رحابة التجديد، ولم يتوقف دور الشيخ العطار عند حدود تعليم الفتى ولكنه عمل على أن يؤمن له سبل العيش الكريم فأوجد له العديد من الفرص لإعطاء دروس في اللغة والفقه لبعض الأثرياء. وقد سبق للشيخ العطار نفسه أن قام بتدريس اللغة العربية لبعض علماء الحملة الفرنسية.
وبعد ست سنوات من الدراسة في الأزهر تخرج الطهطاوي عام 1822 ليعمل مدرسا لمدة عامين ثم استطاع شيخه العطار أن يقنع محمد على بتعيينه إماما في الجيش ذلك الجيش الذي سعى محمد إلى تقويته خاصة بعد أن قويت شوكته من خلال مذبحة القلعة عام 1811 التي قضى فيها على كل المماليك المناوئين له ولكي يحصل الوالي على هذا الجيش القوى فقد عمد إلى تطوير وتحديث كل مجالات الحياة في مصر فاستقدم الخبراء من فرنسا وايطاليا وأرسل أيضا البعثات إلى هاتين الدولتين. فأرسل أولا بعثة إلى إيطاليا عام 1813 لدراسة فنون الطباعة بعد أن عرفت مصر المطبعة لأول مرة مع الحملة الفرنسية. ثم أرسل في عام 1818 بعثة إلى فرنسا لدراسة الفنون البحرية والحربية، وفى عام 1826 قرر محمد على أن يرسل بعثة كبيرة قوامها 40 دارسا إلى فرنسا لدراسة مختلف العلوم والفنون واستطاع الشيخ العطار أن يقنع الوالي بإرسال رفاعة الطهطاوي ليعمل واعظـًا دينيـًا وإمامـًا لأفراد البعثة، أي أنه لم يكن عضوًا أساسياً في البعثة ومع ذلك فسوف يطفئ أسمه على كل الأسماء فيها ومن حسن الحظ أنه سافر إلى فرنسا عن طريق ميناء الإسكندرية حيث كانت (عروس البحر) بروفة رائعة للتعرف على أجواء أوروبا وذلك بما تحتويه من جاليات أجنبية وسواحل ومعمار يشبه كثيرا الموجود في أوروبا ولذلك لم يصدم الطهطاوي عندما رست به السفينة في ميناء مارسيليا الفرنسي ولكنه تذكر نصيحة شيخه العطار بأن يسجل كل ما يراه أو يقرأه وعلى الفور بدأ تنفيذ النصيحة وبدأ أيضا في تعلم اللغة الفرنسية، وفى باريس تحول الطهطاوي إلى عين صقر وذاكرة فوتوغرافية وعقل نهم لا يشبع من تحصيل المعارف فراح يقرأ وينظر فيما حوله حتى تعرف على كل مجالات الحياة في باريس وقد كان أسرع أعضاء البعثة إجادة للغة الفرنسية وقد أهداه أحد أساتذته كتاب (رحلة إنسيس في بلاد اليونان) مكافأة على حسن تحصيله وعندما رأى الأساتذة على البعثة مدى نهم الطهطاوي لتحصيل كل المعارف أرسلوا إلى مصر لضمه بشكل رسمي إلى البعثة وقد تم ذلك وتخصص في الترجمة من الفرنسية إلى العربية و قد كان من حظ هذه البعثة أن المشرفين عليها من كبار العلماء الفرنسيين ومنهم (جومار- سلفستر دى ساس – كوسان دى برسفال – الخ) وخاصة العلامة جومار الذي كان أحد علماء الحملة الفرنسية على مصر والمسئول الأول عن إصدار الكتاب الموسوعة وصف مصر.

وإذا توقفنا بداية عند الطهطاوي كرائد للفكر الاجتماعي فإنه.. يأتي الطهطاوي في مقدمة ثلاث قمم أثروا القرن التاسع عشر حيث كان معه عبد الرحمن الكواكبي وخير الدين التونسي.. ويتسم الطهطاوي بثلاث سمات هي شمولية النظرة والإحاطة بالظواهر الاجتماعية والسياسية من مختلف جوانبها. ثم الجمع ما بين النظر والعمل والفكر والخبرة الواقعية مما جعل فكره شديد الارتباط بالواقع ثم المزج ما بين أرضية التراث الإسلامي والتعرف على العلوم العصرية الحديثة.. وقد انطلق الطهطاوي في تفكيره الاجتماعي والسياسي من احترام العقل كأداة لحل كل مشاكل المجتمع وذلك بالكشف عن أسبابها وبواعثها.

فضل الطهطاوي على الصحافة العربية :

أما عن فضل الطهطاوي على الصحافة في مصر والعالم العربي فكبير وعميق جدا خاصة وأنه لم يعرف ماهى الصحافة قبل أن يرحل إلى فرنسا وذلك لأن مصر كلها لم تكن تعرف الصحافة برغم أن نابليون بونابرت قد أتى بالمطبعة إلى مصر عندما جاء على رأس الحملة الفرنسية إلا أنه لم يصدر إلا صحيفتين باللغة الفرنسية وكان توزيعهما محدوداً ومقصورا على جنود الحملة – وقد فشل مشروع الجنرال مينو لإصدار صحيفة (التنبيه) برئاسة تحرير إسماعيل الخشاب،ظهرت الوقائع المصرية لأول مرة في عام 1828 أثناء وجود الطهطاوي في باريس وكانت تصدر باللغة التركية مع ترجمة ركيكة بالعربية، ولذلك انبهر الطهطاوي عندما رأى وطالع الصحف في باريس فعكف علي قراءتها ولاحظ أنها تتمتع بحرية كاملة في كل ما تكتبه ,ولقد دفعته هذه الصحف إلى أن يقف أمام مصادر القوة ومظاهرها في هذا المجتمع ولم يكن مبهورا بكل ما يراه ولكنه يقارن ما بين فوائد وأضرار كل شيء كما شجعته هذه الصحف على أن يقرأ في كل شيء حتى تعبت عينه اليسرى وطالب المشرفون على البعثة زيادة راتبه لعلاج عينه ومنعوه من القراءة ليلاً إلا أنه لم يستمع لنصائحهم وواصل قراءاته وإعجابه بتلك (الكازطات) أي الصحف التي تكتب في أي شيء وكل شيء.

وعندما عاد إلى مصر عام 1831 أحس بمدى أهمية الصحافة ولكنه كان يفتقد الوسيلة التي تدفعه إلى إحداث النهضة الصحفية حيث أن الجريدة الوحيدة وهى الوقائع المصرية تقع تحت يد مجموعة من الأتراك متحجري العقول وعندما واتته الفرصة أحدث ثورة حقيقية وذلك بعد تعيينه رئيسا لتحرير الوقائع المصرية عام 1842 فبث فيها الروح الصحفية الحقيقية وعمد على بلورة رأي عام مثقف ومناهض وذلك بعد أن أصدر الوقائع باللغة العربية وبعد أن خلص كتاباتها من المحسنات البديعية والسجع والجناس وجعل لغتها سهلة بسيطة لتخاطب أكبر عدد من القراء وقد نبعت كل تطويراته في الوقائع من إعجابه الشديد بالصحافة الفرنسية وقد أثارت هذه التطويرات مجموعة الأتراك فقاموا بثورة مضادة أقالت الطهطاوي وأعادت الوقائع كما كانت,وكان على الشيخ أن ينتظر طويلا حتى رأس تحرير مجلة (روضة المدارس) والتي صدر عددها الأول في 17 أبريل 1870 وكانت نصف شهرية.. وقد اهتم في هذه المجلة بشئون المرأة، ودعا القراء إلى المشاركة في تحريرها وبذلك يصبح الطهطاوي (أبو الصحافة) الإعلامية والثقافية.

انجازاته في الأدب :

أما عن الدور الكبير الذي قام به الطهطاوي في تطوير الأدب العربي مؤثر إلى أبعد حد حيث أخرج اللغة العربية من عزلتها الثقافية المزمنة وأوصلها بتيار الفكر الغربي من خلال ترجمة ما يقرب من ألفى كتاب نقل فيها هو وتلاميذه خلاصة المعارف والعلوم الحديثة فأصبح للغة قدرتها على التعبير عن مقتضيات حياة العصر وقاد رفاعة من خلال الترجمة ثورة حقيقية في تطوير النثر العربي حيث بدأ عهد البساطة والسلاسة والتحرر من قيود المحسنات البديعية.
ورغم أن الطهطاوي كان يكتب الشعر إلا أنه كان ذواقا للشعر أكثر منه منشداً حيث كان شاعراً أقل من المتوسط، ومع ذلك فقد كان له دور كبير في تطوير الشعر العربي ويتضح ذلك من بعض أشعاره وترجماته، حيث كان يتعلم الفرنسية على يد شاب مصري مهاجر يكتب الشعر اسمه يوسف أجوب فترجم له رفاعة إحدى منظوماته بعنوان (نظم العقود في كسر العود) وفيها تخلص من الالتزام بوحدة البحر والقافية وعمد إلى تنويع البحور والقوافي على طريقة الموشحات الأندلسية وكان ذلك بعد اطلاعه على الشعر الرومانتيكى في فرنسا.

أما في مجال القصة فمن السهل أن نلمح تأثير الطهطاوي على كثير من الأدباء مثل يحيى حقي في (قنديل أم هاشم) وعند الحكيم في (عصفور من الشرق) وعند طه حسين في (أديب) بل إننا نلمح تجربة الطهطاوي في الجزء الثاني من كتاب المويلحي (حديث عيسى بن هشام) فكل هذه الكتب تنويعات على اللحن الأصلي لرحلة الطهطاوي إلى باريس وتجربته الفذة في (تخليص الإبريز في تلخيص باريز).
أما في عالم المسرح فقد ترجم الطهطاوي ثلاث مسرحيات للكاتب الفرنسي (راسين) تحت عنوان (الروايات المفيدة في علم التراجيدة) وهذه المسرحيات هي (إستير – الإسكندر الأكبر – أفغانية) كما ترجم أربعا من كوميديات موليير ونشرها في مجموعة (الأربع روايات من نخب التياترات)

أما في عالم المسرح فقد ترجم الطهطاوي ثلاث مسرحيات للكاتب الفرنسي (راسين) تحت عنوان (الروايات المفيدة في علم التراجيدة) وهذه المسرحيات هي (إستير – الإسكندر الأكبر – أفغانية) كما ترجم أربعا من كوميديات موليير ونشرها في مجموعة (الأربع روايات من نخب التياترات)
وهناك جانب مهم قد لا يعرفه الكثيرون عن الطهطاوي وهو ابتكاره لفن الأناشيد الوطنية بعد أن أعجب في فرنسا بنشيد (المارسيليز) وترجمه إلى العربية وقد سار على نفس الدرب وكتب العديد من الأناشيد أطلق عليها اسم (الوطنيات) وكانت لونا جديدا في النظم العربي وكان الطهطاوي أول من ابتكر هذه المنظومات في الأدب العربي ومن منظوماته (يا صاح حب الوطن.. حلية كل فطن) و (ننظم جندنا نظما.. عجيبا يعجز ألفهما).. وقد سار تلميذه صالح مجدي على دربه فألف 15 نشيدا قدمها للوالي سعيد وتم تلحينها على الموسيقات العسكرية ومن خلال هذه الأناشيد كان الطهطاوي رائدا في ميدان البعث الوطني القومى بما أبدع من هذه الأناشيد وبما نظم من قصائد سجلت انتصارات الجيش الوطنى ضد الأتراك والأوروبيين.

مؤلفاته:

كتب رفاعة بنفسه وصفا لرحلته إلى فرنسا وما شاهده فيها وذلك في كتابه " تخليص الابريز في تلخيص باريز " , وكتب كذلك قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل و الأواخر " ثم " مباهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية " و "المعادن النافعة" و مبادئ الهندسة " وغيرها الكثير.

الخاتمة :
ويتبين لنا مما عرفناه عن رفاعة الطهطاوي أن العلم والنبوغ يبدأ عند بعضهـم من الصغر ويختلف باختلاف الأشخاص فمنهم من ينميه مثل الطهطاوي ومنهم من لا يلقي له بالا ً ويتبين أن العلم من الصغر كالنقش على الحجر فنرى الطهطاوي أكبر مثال حيث أنه تعلم منذ صغره ع يد أخواله وشيوخ أفاضل في جامعة الأزهر وتلقى على أيديهم العلوم المختلفة مما نمى فيه حب الإطلاع والمعرفة فسافر الى فرنسا وتعلم من هناك الكثير ودمجه مع علمه السابق متمسكا بأصالة مندمجة مع المعاصرة التي يتطلبها الزمان والمكان من أجل التطور والنهضة والرقي .
وفى النهاية نؤكد على أن الطهطاوي سوف يظل الرائد الأعظم في حركة النهضة العربية الفكرية والثقافية خلال العصر الحديث ويكفى أنه أول من زاوج ما بين (الأصالة والمعاصرة) من خلال إحياء كتب التراث وترجمة كتب الغرب.

ومن النتائج و أهم الدروس التي نتعلمها من سيرة الطهطاوي فتكمن في أن استنارة المثقف والأديب لا يمكن أن تزدهر إلا في ظل (حاكم مستنير).وكم أتمنى أن يقتدي الشباب بمثل هؤلاء العلماء العظماء ويعلموا منهم الإصرار والحماس وحب العلم.

موفقين

=)

الملفات المرفقة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده