" سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم "
مجد اللهتعالى،ونزهه عن كل ما لا يليق به كل ما في
السموات والأرض، وهو العزيز الذيلا يغالب، الحكيم
في قدره وتدبيره وصنعه وتشريعه، يضع الأمور في مواضعها .
" هو الذيأخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول
الحشر ما ظننتم أن يخرجواوظنوا أنهم مانعتهم حصونهم
من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فيقلوبهم
الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي
الأبصار "
هو- سبحانه- الذي أخرج الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله
عليه وسلم، من أهل الكتاب، وهم يهود بني النضير من مساكنهم التي جاوروا بهاالمسلمين
حول " المدينة " ،وذلك أول إخراج لهم من " جزيرة العرب " إلىالشام، ما ظننتم- أيها المسلمون
–
أن يخرجوا من ديارهم بهذا الذل والهوان؛لشدة بأسهم وقوة منعتهم، وظن اليهود أن حصونهمتدفع عنهم بأس الله ولا يقدرعليها أحد، فأتاهم الله من حيث لم يخطر لهم ببال، وألقى في
قلوبهم الخوفوالفزع الشديد، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فاتعظوا يا أصحاب البصائر
السليمة والعقول الراجحة بما جرىلهم.
" ولولاأن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في
الآخرة عذاب النار "
ولولا أنكتب الله عليهم الخروج من ديارهم وقضاه،لعذبهم في
الدنيا بالقتل والسبي،ولهم في الآخرة عذاب النار.
" ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإنالله شديد
العقاب "
ذلك- الذي أصاب اليهود في الدنيا وما ينتظرهم فيالآخرة–
لأنهم خالفوا أمر الله وأمر رسوله أشد المخالفة،وحاربوهما وسعوا فيمعصيتهما، ومن يخالف الله
ورسوله فإن الله شديد العقاب له.
" ما قطعتممن لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله
وليخزي الفاسقين "
ما قطعتم أيهاالمؤمنون من نخلة أو تركتموها قائمة على
ساقها، من غير أن تتعرضوا لها،فبإذن الله وأمره وليذل بذلك الخارجين عن طاعته المخالفين ونهيه ،
أمره حيثسلطكم على قطع نخيلهم وتحريقها.
" وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه منخيل ولا
ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير "
وما أفاءهالله على رسوله من أموال يهود بني النضير، فلم
تركبوا لتحصيله خيلا ولاإبلا، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء من أعدائه، فيستسلمون لهم
بلا قتال،والفيء ما أخذ من أموال الكفار بحق من غير قتال والله على كل شيء قدير لا يعجزه
شيء .
" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربىواليتامى والمساكين وابن
السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول
فخذوهوما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب "
ماأفاءه الله على رسوله من أموال مشركي أهل القرى من
غير ركوب خيل ولا إبلفالله ورسوله، يصرف في مصالح المسلمين العامة،ولذي قرابة رسول الله
صلى اللهعليه وسلم، واليتامى، وهم الأطفال الفقراء الذين مات آباؤهم، والمساكين،وهم
أهل الحاجة والفقر، وابن السبيل، وهو الغريب المسافر الذي نفدت نفقتهوانقطع عنه ماله.
وذلك حتى لا يكون المال ملكا متداولا بين الأغنياء وحدهم،ويحرم منه الفقراء والمساكين .
وما أعطاكم الرسول من مال، أو شرعه لكم منشرع، فخذوه، وما نهاكم عن أخذه، أو فعله فانتهوا
عنه، واتقوا الله بامتثالأوامره وترك نواهيه، إن الله شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره ونهيه.
والآية أصل في وجوب العمل بالسنة: قولا أو فعلا أو تقريرا.
" للفقراء المهاجرينالذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون
فضلا من الله ورضوانا وينصرون اللهورسوله أولئك هم الصادقون "
وكذلك يعطى من المال الذي أفاءه الله على رسولهالفقراء
المهاجرون، الذين اضطرهم كفار " مكة " إلى الخروج من ديارهموأموالهم يطلبون من الله أن يتفضل
عليهم بالرزق في الدنيا والرضوان فيالآخرة، وينصرون دين الله ورسوله بالجهاد في سبيل الله،
أولئك هم الصادقونالذين صدقوا قولهم بفعلهم.
" والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهميحبون
من هاجر إليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علىأنفسهم
ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون "
والذيناستوطنوا " المدينة " ،وآمنوا من قبل هجرة المهاجرين –
هم الأنصار- يحبونالمهاجرين،ويواسونهم بأموالهم، ولا يجدون في أنفسهم حسدا لهم مما أعطوا
منمال الفيء وغيره،ويقدمونالمهاجرين وذوي الحاجة على أنفسهم ، ولو كان بهم حاجة
وفقر، ومن سلم من البخل ومنع الفضل من المال فأولئك هم الفائزون الذينفازوا بمطلوبهم .
" والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين
سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم "
والذينجاؤوا من المؤمنين من بعد الأنصار والمهاجرين الأولين
يقولون: ربنا اغفرلنا ذنوبنا، واغفر لإخواننا في الدين الذين سبقونا بالإيمان،ولا تجعل في قلوبنا
حسدا وحقدا لأحد من أهل الإيمان، ربنا إنك رؤرف بعبادك، رحيم بهم .
وفي الآية دلالة على أنه ينبغي للمسلم أن يذكر سلفه بخير،ويدعو لهم، وأنيحب صحابة رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، ويذكرهم بخير، ويترضى عنهم .
" ألم تر إلىالذين نافقوا يقولون لإخوانهم
الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجنمعكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا
وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون "
ألم ننظر إلى المنافقين، يقولون لإخوانهم في الكفر من يهود
بنيالنضير: لئن أخرجكم محمد ومن معه من منازلكم لنخرجن معكم، ولا نطيع فيكم أحداأبدا
سألنا خذلانكم أو ترك الخروج معكم،ولئن قاتلوكم لنعاوننكم عليهم؟ واللهيشهد إن المنافقين
لكاذبون فيما وعدوا به يهود بني النضير.
" لئنأخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن
نصروهم ليولن الأدبارثم لا ينصرون "
لئن أخرج اليهود من " المدينة " لا يخرج المنافقون معهم، ولئن
قاتلوا لا يقاتلون معهم كما وعدوا، ولئن قاتلوا معهم ليولون الأدبار فرارامنهزمين، ثم لا ينصرهم الله،
بل يخذلهم، ويذلهم .
" لأنتم أشد رهبة فيصدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا
يفقهون "
لخوفالمنافقين وخشيتهم إياكم- أيها المؤمنون أعظم
وأشد في صدورهم من خوفهموخشيتهممن الله، وذلك بسبب أنهم قوم لا يفقهون عظمة
الله والإيمان به، ولايرهبون عقابه.
" لايقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم
بينهم شديد تحسبهمجميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون "
لا يواجهكم اليهود بقتال مجتمعين إلا في قرىمحصنة
بالأسوار والخنادق، أو من خلف الحيطان، عداوتهم فيما بينهم شديدة،تظن أنهم مجتمعون على
كلمة واحدة، ولكن قلوبهم متفرقة . وذلك بسبب أنهم فوملا يعقلون أمر الله ولا يتدبرون آياته.
" كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهمعذاب أليم "
مثلهؤلاء اليهود فيما حل بهم من عقوبة الله كمثل كفار
قريش يوم " بدر "، ويهودبني فينقاع،حيث ذاقوا سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى
الله عليهوسلم في الدنيا،ولهم في الآخرة عذاب أليم موجع.
" كمثلالشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك
إني أخاف الله ربالعالمين "
ومثلهؤلاء المنافقين في إغراء اليهود على القتال ووعدهم
بالنصر على رسول اللهصلى الله عليه وسلم، كمثل الشيطان حين زين للإنسان الكفر ودعاه
إليه، فلماكفر قال: إني بريء منك، إني أخاف الله رب الخلق أجمعين .
" فكان عاقبتهماأنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين "
فكان عاقبة أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعهفكفر، أنهما
في النار، ماكثين فيها أبدا،وذلك جزاء
المعتدينالمجتمعين حدود الله.
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله
إن الله خبير بما تعملون "
يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بهديه،خافوا الله،
واحذروا عقابه بفعل ما أمركم به يترك ما
نهاكم عنه،ولتتدبر كل نفس ما قدمت من الأعمال ليوم القيامه،وخافوا الله في كل ما تأتونوما
تذرون، إن الله سبحانه خبير بما تعملون, لا يخفى عليه شيء من أعمالكم, وهو مجازيكم عليها.
" ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم
الفاسقون "
ولا تكونوا– أيها المؤمنون- كالذين تركوا أداء حق الله الذي أوجبه
عليهم، فأنساهم بسببذلك حظوظ أنفسهم من الخيرات التي تنجيهم من عذاب يوم القيامة،
أولئك همالموصوفون بالفسق، الخارجون عن طاعة الله طاعة ورسوله.
" لا يستويأصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم
الفائزون "
لا يستوي أصحابالنار المعذبون،وأصحاب الجنة المنعمون،
أصحاب الجنة هم الظافرون بكل مطلوب، الناجون من كل مكروه .
" لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعامن خشية
الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون "
لو أنزلناهذا القرآن على جبل من الجبال، ففهم ما فيه من وعد ووعيد، لأبصرته على قوته وشدةصلابته وضخامته؟ خاضعا متشققا من خشية الله تعالى.
وتلك الأمثال نضربها،ونوضحها للناس، لعلهم يتفكرون في قدرة الله وعظمته، وفي الآية حث على
تدبرالقرآن، وتفهم معانيه، والعمل به
" هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هوالرحمن الرحيم "
هو الله سبحانه وتعالى المعبود بحق الذي لا إله سواه،
عالم السروالعلن، يعلم ما غاب وما حضر،هو الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، الرحيم
بأهلالإيمان به.
" هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن
المهيمنالعزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "
هو اللهالمعبود بحق، الذي لا إله إلا هو، الملك لجميع الأشياء،
المتصرف فيها بلاممانعه ولا مدافعة، المنزه عن كل نقص, الذي سلم من كل عيب،المصدق
رسلهوأنبياءه بما ترسلهم به من الآيات البينات، الرقيب على كل خلقه فى أعمالهم،العزيز
الذي لا يغالب، الجبار الذي قهر جميع العباد، وأذعن له سائر الخلق, المتكبر الذي له الكبرياء
والعظمة، تنزه الله تعالى عن كل ما يشركونه به فيعبادته.
" هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما
في السماواتوالأرض وهو العزيز الحكيم "
هو الله سبحانه وتعالى الخالق البارئ للخلق علىمقتضى
حكمته، المصور خلقه كيف يشاء، له سبحانه الأسماء الحسنى والصفاتالعلى، يسبح له جميع
ما في السموات والأرض، وهو العزيز شديد الانتقام منأعدائه، الحكيم في تدبيره أمور خلقه .
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.docx (22.8 كيلوبايت, 134 مشاهدات)