التصنيفات
الارشيف الدراسي

تقرير شامل عن مفهوم الجهاد وأحكامه من خلال سورة الأنفال للصف التاسع

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

مفهوم الجهاد وأحكامه من خلال سورة الأنفال

إعداد : أحمد محمد بوقرين – قسم أصول الدين بالجامعة الأمريكية المفتوحة
مقدمة البحث
إن الحمد لله نحمده و نشكره و نستهديه و نستغفره و نعود بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له , و أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله , اللهم أنا نبرأ من الثقة إلا بك و من الأمل إلا فيك و من التسليم إلا لك
و من التفويض إلا إليك و من التوكل إلا عليك و من الرضا إلا عنك و من الطلب إلا منك و من
الذل إلا في طاعتك و من الصبر إلا على بابك و من الرجاء إلا في يديك الكريمتين و من الرهبة
إلا بجلالك العظيم , اللهم تتابع برك و اتصل خير وعمت فواضلك و تمت نوافلك و بر قسمك و صدق وعدك و حق على أعدائك وعيدك و لم يبقى لنا حاجه هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا يسرتها و أعنتنا على قضائها يا رب العالمين …

وبعد :
فإني سأحاول بإذن الله تعالى في هذا البحث أن أتناول موضوع " مفهوم الجهاد و أحكامه من خلال سورة الأنفال " و قد بدأت بحثي هذا بمقدمة عن مفهوم الجهاد في سبيل الله عز و جل و أربعة أبواب و خاتمة و قد تناولت في الباب الأول من هذا البحث الجهاد لغة ً و شرعاً و قد استطرت في المفهوم الشرعي للجهاد , وفي الباب الثاني تناولت حُكم الجهاد و الحكمة من مشروعيته و في الباب الثالث تحدثت فضل الجهاد في سبيل الله و في الباب الرابع تناولت أحكام الجهاد من خلال سورة الأنفال و بعض أحكام الجهاد الأخرى المستخلصة من بعض سور القرآن الكريم و سيرة المصطفى صلى الله عليه و سلم ثم ختمت البحث ببعض النتائج و الفوائد المستخلصة من هذا البحث .
الباب الأول :الجهاد لغة ًو اصطلاحا ً
الجهاد في اللغة :
هو بذل الجهد والوسع والطاقة، من الْجُهْد بمعنى الوُسع، أو من الْجَهْد بمعنى المشقة.

أما الجهاد في اصطلاح القرآن والسنة :
يأتي بمعنى أعم وأشمل، يشمل الدِّين كله؛ وحينئذ تتسع مساحته فتشمل الحياة كلها بسائر مجالاتها و نواحيها وله كذلك معنى خاص هو القتال لإعلاء كلمة الله عز و جل .

استطراد في المفهوم الشرعي :

إن مفهوم " الجهاد " في الكتاب والسنة جاء بمعنى القتال و كذلك جاء بمعنى أعم و أشمل من القتال :
قال تعالى: ( فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ) (1) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( وجاهدهم به ) أي القرآن تفسير ابن كثير (2)
فالجهاد الكبير هنا ليس هو القتال، إنما هو الدعوة والبيان بالحجة والبرهان وأعظم حجة وبيان هو هذا القرآن، إنه حجة الله على خلقه، ومعه تفسيره وبيانه الذي هو السنة.
وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ . . ) (3)
وفي هذه الآية ليس المراد بجهاد المنافقين القتال، لأن المنافقين يظهرون الإسلام يتخذونه جُنَّةً، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتلهم بل عاملهم بظواهرهم وحتى من انكشف كفره منهم كعبدالله بن أبي بن سلول لم يقتله صلى الله عليه وسلم وقال:( لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ) ولكن جهاد المنافقين يكون بالوسائل الأخرى، مثل كشف أسرارهم ودواخلهم وأهدافهم الخبيثة، وتحذير المجتمع منهم، كما جاء في القرآن .
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَ إِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ ) (4)

وتفسير هذه الآية : ( الذين جاهدوا فينا ) أي جاهدوا في ذات الله أنفسَهم وشهواتِهِم وأهواءَهم وجاهدوا العراقيلَ والعوائقَ، وجاهدوا الشياطين، وجاهدوا العدو من الكفار المحاربين، فالمقصود الجهادُ في معترك الحياة كلِّها .
وقد بين المصطفى صلى الله عليه وسلم أنواع الجهاد بمفهومه الشامل فقال: ( ما من نبي بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه تَخْلُفُ من بعدهم خُلُوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤْمَرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن؛ وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) (5).
والمراد بجهاد القلب في هذا الحديث هو بغضهم وبغض حالهم، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم فعلَ القلب هذا جهاداً، كما سمَّى فعل اللسان جهاداً، وكما سمى فعل اليد من باب أولى جهاداً .

وأيضا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أجاهد ؟ قال:(ألك أبوان ؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد) (6) . فسمَّى النبي صلى الله عليه و سلم بِرَّ الوالدين ورعايتَهُمَا جهاداً في هذا الموقف، فكلٌّ جهادُهُ بحَسَبِِه.

وأمثلة هذا من السنة كثيرة يسمي فيها بعض العمال الصالحة جهاداً أو يجعلها بمنزلة الجهاد؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله)(7) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (الحج جهاد والعمرة تطوع) . وقوله صلى الله عليه وسلم في النساء: (جهادكن الحج) (9) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (المجاهد من جاهد نفسه) (10) .

وهذا كله يوضح مدى اتساع دائرة الجهاد، وأنها ليست محصورة في القتال، بل هي مرتبطة بمجالات الحياة كلها وبعضنا ربما نظر إلى الجهاد نظرة ضيقة فحصره في جانب القتال، وهذا قصور في فهم نصوص الكتاب والسنة.

الباب الثاني :حُكم الجهاد و الحِكمة من مشروعيته
حُكم الجهاد في سبيل الله تعالى :

الجهاد فرض كفاية، إذا قام به من يكفي من المسلمين؛ سقط الإثم عن الباقين [انظر:المغني لابن قدامة]. قال تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ[122]}(11)

ويكون الجهاد فرض عين في ثلاث حالات (12):

1ـ إذا حضر المسلم القتال والتقى الزحفان وتقابل الصفان، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ . وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (13). وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن التولي يوم الزحف من السبع الموبقات (14).

2ـ إذا حضر العدو بلدًا من بلدان المسلمين تعين على أهل البلاد قتاله وطرده منها، ويلزم المسلمين أن ينصروا ذلك البلد إذا عجز أهله عن إخراج العدو، ويبدأ الوجوب بالأقرب فالأقرب، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ[123]}(15)

3ـ إذا استنفر إمام المسلمين الناس وطلب منهم ذلك.

وجنس الجهاد فرض عين :

وجنس الجهاد فرض عين إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد. فيجب على المسلم أن يجاهد في سبيل الله بنوع من هذه الأنواع حسب الحاجة والقدرة. والأمر بالجهاد بالنفس والمال كثير في القرآن والسنة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ] (16)

الحكمة من مشروعية الجهاد :

بيّنه سبحانه فقال:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[39]} (17). وقال عز وجل:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ[193]} (18). فعلى هذا يكون الهدف والحكمة من الجهاد الأمور التالية:
أولاً: إعلاء كلمة الله تعالى :
لحديث أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: [مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (19)

ثانيًا: نصر المظلومين :
قال تعالى:{ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا[75]} (20)
ثالثًا: ردّ العدوان وحفظ الإسلام :
قال الله تعالى: { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ[194]}(21). وقال سبحانه:{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[40]} (22)

الباب الثالث :فضل الجهاد في سبيل الله
درجات المجاهدين في سبيل الله :
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ] (23)

الجهاد لا يعدله شيء :
عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ: [لَا أَجِدُهُ] قَالَ: [هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ] قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ . (24)

ضيافة الشهداء عند ربهم :
عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْد ِيكَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يَغْفِرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ وَيُزَوَّجُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ] (25). وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصف الحور العين: […وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا] (26)

الجهاد في سبيل الله تجارة رابحة :
قال تعالى في تجارة المجاهدين الرابحة:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[10]تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[11]يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[12]وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[13]} (27)
وقال سبحانه: { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[74]}.(28)

فضل الرباط في سبيل الله تعالى :
الرباط على الثغور التي يمكن أن تكون منافذ ينطلق منها العدو إلى دار الإسلام له فضل عظيم، فعَنْ سَلْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ](29)

فضل الحراسة في سبيل الله :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (30)

فضل الغدوة أو الروحة في سبيل الله :
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا](31) .

فضل من اغبرَّت قدماه في سبيل الله :
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ] (32)

دم الشهيد يوم القيامة :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَإِيمَانًا بِي وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ].(33)

ما يجد الشهيد من ألم القتل :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [الشَّهِيدُ لَا يَجِدُ مَسَّ الْقَتْلِ إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ الْقَرْصَةَ يُقْرَصُهَا](34)

فضل النفقة في سبيل الله :
قال تعالى:{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[261]} (35). وعَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ] (36)
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُ مِائَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ](37)

الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون :
قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ[169] فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ[170] يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ[171]} (38)

الجهاد باب من أبواب الجنة :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُنَجِّي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْهَمِّ وَالْغَمِّ](39)

ما يُبلِّغ منازل الشهداء :
ويحصل هذا الخير العظيم لمن سأل الله الشهادة بصدق، فعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ] (40)

الباب الرابع :أحكام الجهاد من خلال سورة الأنفال
بين يدي سورة الأنفال :
سورة الأنفال إحدى السور المدنية التي عُنيت بجانب التشريع , و بخاصة فيما يعلق بأمر الجهاد في سبيل الله عز و جل , فقد عالجت هذه السورة بعض النواحي الحربية التي ظهرت عقب بعض الغزوات و تضمنت كثيرا من التشريعات و الأحكام الحربية و الإرشادات الإلهية التي يجب على المؤمنين اتباعها في قتالهم الأعداء و تناولت أيضا جانب السلم و الحرب و أحكام الأسر و الغنائم (41)

فمن الأحكام التي نستخلصها من سورة الأنفال ما يلي :
1. الإعداد للجهاد :
لا يُمكن أن يُقاتَل العدو بغير إعداد ولا عدّة ، ولذا قال الله سبحانه في سورة الأنفال : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل ِتُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ )
ومن قاتَل العدو بغير إعداد فإنه قد خالِف ما أُمِرَ به ، ورام النصر من غير بابه .ولذا كانوا يُعوّدون الخيل على الكرّ والفرّ حتى في حال السِّلم حتى تألف ذلك عند القتال .
جاء في سيرة نور الدين زنكي :
أنه كان يُكثر اللعب بالكرة ، فأُنكِرَ عليه فكتب نور الدين لمن أنكر عليه :
والله ما أقصد اللعب ، وإنما نحن في ثغر ، فربما وقع الصوت فتكون الخيل قد أدمنت على الانعطاف والكر والفرّ .
وأول الإعداد في سبيل الله هو الإعداد الإيماني فبالإيمان تقوى صلة المرء بربه، ويستمد منه العون، ويأتيه الفرج بعد الكرب، قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}(42) , والإيمان يعتبر أيضا أساس لازم لجميع التكاليف الشاقة كالجهاد ونحوه، فإذا أتم المرء هذا الإعداد صار مؤهلا لأداء هذه الفريضة وصار أهلاً للتأييد والتثبيت الإلهي، ولذا فقد خاطب الله نبيه: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً} إلى قوله {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} (43) , والإيمان هو المحور الذي تقوم عليه الجماعة المسلمة، ويرتكز عليه أي كيان يريد القيام بفريضة الجهاد في سبيل الله، ويتأتى ذلك بتطبيق الأخلاق الإيمانية من المودة والأخوة والإيثار والتراحم ونحو ذلك داخل الصف المسلم ليكون كما أراد الله "بنياناً مرصوصاً". ,
وبالإيمان يجبر النقص والضعف في العدد والعدة لدى المسلمين أمام أعدائهم، قال تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} (44)، فإن اتصاف هذه الفئة القليلة بالصبر وتحليها به عوضها النقص العددي لديها فنصرها الله تعالى .

2. قتل أسرى بدر أفضل من استعبادهم :
استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بشأن أسرى بدر ، وهم سبعون . فأشار الصديق أن يؤخذ منهم فدية تكون لهم قوة . ويطلقهم لعل الله يهديهم للإسلام . فقال عمر لا والله ما أرى ذلك . ولكني أرى أن تمكننا ، فنضرب أعناقهم . فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديد الشرك فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر . فقال " إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة . وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال: (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم )وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، إذ قال : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) الآية . وإن مثلك يا عمر كمثل موسى ،إذ قال : ( ربنا اطمس على أموالهم و أشدد على قلوبهم ) . وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ثم قال أنتم اليوم عالة . فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق . فأنزل الله تعالى قوله : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) قال عمر فلما كان من الغد غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد – هو وأبو بكر – يبكيان . فقلت : يا رسول الله أخبرني ما يبكيك ؟ وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما.
فقال أبكي للذي عرض علي أصحابك من الغد من أخذهم الفداء . فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة – لشجرة قريبة منه – وقال لو نزل عذاب ما سلم منه إلا عمر ).
فكان بنزول آية ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) البيان الشافي للنبي صلى الله عليه و سلم و للمسلمين في أن قتل الأسرى في غزوة بدر كان أفضل من استعبادهم .
ولقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أسرى الحرب على قسمين :
الأول: النساء والصبيان والشيوخ غير القادرين على القتال، والذين لا رأي لهم في الحرب.
الثاني: الرجال البالغون المقاتلون.
وقد جعل الإسلام للحاكم فعل الأصلح بين أمور ثلاثة في أسرى الرجال البالغين المقاتلين المنُّ أو الفداء أو القتل.
والمن : إطلاق سراحهم دون مقابل.
والفداء : قد يكون بالمال، وقد يكون بأسرى من المسلمين، ففي غزوة بدر كان الفداء بالمال، وروى أحمد والترمذي عنه عليه الصلاة والسلام أنه فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل.
قال تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) . (45)
وروى مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق سراح الذين أخذهم أسرى، وكان عددهم ثمانين، وكانوا قد هبطوا عليه وعلى أصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم.
والقتل : كما أنه يجوز له قتل الأسير إذا كانت المصلحة تقتضي قتله، كما ثبت أنه قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط يوم بدر، وقتل أبا عزة الجمحي يوم أحد

3. الغنائم :
لقد أختلف الصحابة رضوان الله عليهم في أمر الغنائم فقال من جمعها : هي لنا . وقال من هزم العدو لولانا ما أصبتموها ، وقال الذين يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأحق بها منا . قال عبادة بن الصامت : فنزعها الله من أيدينا . فجعلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين على السواء فكان في ذلك تقوى الله , و طاعة رسوله , و إصلاح ذات البين وأنزل الله تعالى قوله : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) وفي قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل إن كنتم أمنتم بالله و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان و الله على كل شئ قدير ) أي أعلموا أيها المؤمنون أنما غنمتم من أموال المشركين في الحرب سواء قليلا أو كثيرا ( فإن لله خمسه ) قال المفسرون : تقسم الغنيمة خمسة أقسام , فيعطى الخمس لمن ذكر الله تعالى في هذه الآية , و الباقي يوزع على الغانمين " للرسول " أي سهم من الخمس يعطى للرسول صلى الله عليه و سلم , " ولذي القربى " أي قرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهم بنو هاشم و بنو عبد المطلب , " و اليتامى و المساكين وابن السبيل " أي و لهؤلاء الأصناف من اليتامى الذين مات آباؤهم , و الفقراء من ذوي الحاجة , و المنقطع في سفره من المسلمين .

4 . مهادنة العدو :
من أحكام الجهاد الواردة في سورة الأنفال إمكانية مهادنة العدو كما قال الله تعالى في سورة الأنفال : ( و إن جنحوا للسلم فأجنح لها و توكل على الله ) فهذه الآية الكريمة تبين أن العدو إذا مال للصلح و المهادنة فيمكن الميل إليه و إجابتهم إلى ما طلبوا إن كان في ذلك مصلحة للمسلمين .

5 . الثبات للعدو و ترك الفرار من الزحف :
من أحكام الجهاد التي نستخلصها من سورة الأنفال الثبات و ترك الفرار من الزحف و ذلك لقوله تعالى : ) إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) "الأنفال آية 45" وقوله تعالى : (يا أيها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) , ولحديث عبد الله بن أبِى أوفى رضِىَ الله عنهما فِي صحيح البخارِي " لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " .

بعض أحكام الجهاد الأخرى من الكتاب و السنة :

إخلاص النية و تجريدها لله عز و جل :
إخلاص النية شرط في قبول العبادات ومن لم يُخلص في جهاده لم يكن لـه من نصيب فيه ، ولم يكن لـه إلا ما نوى إذا نوى أمراً دنيوياً ، أما إذا أظهر للناس أنه يُجاهد في سبيل الله ولم يكن كذلك فهذا أول من تسعر به النار ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء ، فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار … الحديث . (46)
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : التقى النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا فمال كل قوم إلى عسكرهم وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها فضربها بسيفه ، فقيل : يا رسول الله ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان . فقال : إنه من أهل النار . فقالوا : أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار ؟ فقال رجل من القوم : لأتبعنه فإذا أسرع و أبطأ كنت معه حتى جرح ، فاستعجل الموت ، فوضع نصاب سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أنك رسول الله . فقال : وما ذاك فأخبره ، فقال : إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .

أما إذا غزا وهو يُريد غرضا دنيوياً ، فليس له إلا ما نوى ، وإن ذهبت نفسه .
قال عليه الصلاة والسلام : من غزا ولا ينوي في غزاته إلا عقالا فله ما نوى . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .
ضرورة وجود إمام أو أمير :
لا يقوم الجهاد إلا بإمام أو أمير ، يُرجع إليه عند الحاجة ، ويُردّ إليه عند الاختلاف ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيّر سرية أو بعث بعثا أو أنفذ جيشاً دون أن يؤمّر عليه أميرا ، وقد أمّـر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الصحابة على جيش مؤتة ، وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحه رضي الله عنهم .
وضوح الهدف و بيان القصد :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه . فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . (47)
فيُقاتِل المسلم من أجل هدف سام ، وغاية عظيمة ، وهي إعلاء كلمة الله وهو يربأ بنفسه أن يُقاتِل حمية أو عصبية أو لغرض دنيوي زائل قال عليه الصلاة والسلام : من قُتِل تحت راية عُمِّيَّةٍ ، يدعو عصبية أو ينصر عصبية ، فَقِتْلَةٌ جاهلية . رواه مسلم . وفي الحديث الآخر : ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية .(48)
فلا بُد أن يكون المسلم على بيّنة في قتاله وما الهدف من هذا القتال ؟ فإذا كان لإقامة شرع الله فهذا هو المقصد ، أما إذا كان غير ذلك فبئس القصد وبئست النيّة .
استئذان الوالدين :
ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد . (49)
قال جمهور العلماء : يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما ، بشرط أن يكونا مسلمين ، لأن برّهما فرض عين عليه ، والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا إذْن .
قال الإمام الصنعاني :
وذهب الجماهير من العلماء إلى أنه يحرم الجهاد على الولد إذا منعه الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين ؛ لأن برّهما فرض عين والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا . فإن قيل : بـرّ الوالدين فرض عين أيضا ، والجهاد عند تعينه فرض عين ، فهما مستويان . ما وجه تقديم الجهاد ؟ قلت : لأن مصلحته أعمّ ، إذ هي لحفظ الدين والدفاع عن المسلمين ، فمصلحته عامة مقدمة على غيرها من المصالح الخاصة .وهذا هو القول الصواب لدى جمهور الفقهاء ، جمعاً بين الأدلة ، ويُستثنى من ذلك ما إذا كان لـه أبوان شيخان كبيران وليس لهما عائل سواه ، فحينئذٍ يجوز له التخلف عن الجهاد .
استئذان المدين من غريمه :
روى الإمام مسلم عن أبي قتادة أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال . فقام رجل فقال : يا رسول الله ! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله : كيف قلت ؟ قال : أرأيت إن قتلت في سبيل الله ، أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر . إلا الدَّين . فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك .
قال ابن قدامة في المغني :
ومن عليه دين حال أو مؤجل لم يجز لـه الخروج إلى الغزو إلا بأذن غريمه إلا أن يترك وفاء أو يقيم به كفيلا أو يوثقه برهن ، وبهذا قال الشافعي ، ورخص مالك في الغزو لمن لا يقدر على قضاء دينه ؛ لأنه لا تتوجه المطالبة به ولا حبسه من أجله فلم يمنع من الغزو كما لو لم يكن عليه دين . ولنا إن الجهاد تقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس فيفوت الحق بفواتها وقد جاء أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا تكفر عني خطاياي ؟ قال : نعم ، إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك . رواه مسلم . وأما إذا تعين عليه الجهاد فلا إذن لغريمه ؛ لأنه تعلق بعينه ، فكان مقدما على ما في ذمته كسائر فروض الأعيان ، ولكن يستحب له أن لا يتعرض لمظان القتل .
خاتمة البحث
وبعد أن استعرضنا في الباب الرابع من هذا البحث مفهوم الجهاد و أحكامه من خلال سورة الأنفال نسجل أهم النتائج و الفوائد التي تم التوصل إليها :

1. إن مفهوم الجهاد واسع كبير و ما القتال بالسيف إلا نوع من أنواع الجهاد الكثيرة و المتعددة .
2. سورة الأنفال هي إحدى السور المدنية التي عُنيت بجانب التشريع , و بخاصة فيما يعلق بأمر الجهاد في سبيل الله عز و جل , فقد عالجت هذه السورة بعض النواحي الحربية التي ظهرت عقب بعض الغزوات و تضمنت كثيرا من التشريعات و الأحكام الحربية و الإرشادات الإلهية التي يجب على المؤمنين اتباعها في قتالهم الأعداء و تناولت أيضا جانب السلم و الحرب و أحكام الأسر و الغنائم.
3. يمكن أن نستخلص بعض أحكام الجهاد الأخرى من بعض سور القرآن عدا سورة الأنفال مثل سورة آل عمران و التوبة و محمد و الفتح و الحشر وغيرها من سور القرآن الكريم و كذلك يمكن أن نستخلص بعض أحكام الجهاد من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
4. إن فضائل الجهاد في سبيل الله كثيرة جدا كما تبين ذلك من خلال استعراض الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة .
5. إن الحكمة من مشروعية الجهاد في سبيل الله هو إعلاء كلمة الله عز و جل و نصر المظلومين و رد العدوان و حفظ السلام .
6. من أحكام الجهاد الهامة و التي لم ترد في سورة الأنفال : ضرورة إخلاص النية لله تبارك و تعالى و ضرورة وضوح الهدف و بيان القصد وضرورة وجود الإمام أو الأمير .
و أخيرا الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و أسأله سبحانه أن يوفقنا لما يحب و يرضى و ما كان من توفيق في هذا البحث فمن الله وحده و ما كان من خطأ فمن نفسي و من الشيطان و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين …

فهرس البحث
أولا : فهرس الآيات :
(1) الآية 52 من سورة الفرقان .
(3) الآية 73 من سورة التوبة .
(4) الآية 69 من سورة العنكبوت .
(11) سورة التوبة .
(13) سورة الأنفال .
(15) سورة التوبة .
(17)سورة الأنفال .
(18) سورة البقرة .
(20) سورة النساء .
(21) سورة البقرة .
(22) سورة الحج .
(27) سورة الصف .
(28) سورة النساء .
(35) سورة البقرة .
(38) سورة آل عمران .
(42) الآية 2 من سورة الطلاق .
(43) الآية من 1- 5 من سورة المزمل .
(44) الآية 249 من سورة البقرة .
(45) الآية 4 من سورة محمد .

ثانيا : فهرس الأحاديث :
(5)رواه مسلم [في الإيمان/ص70] .
(6)متفق عليه: البخاري [ 10 / 403] ومسلم [ 4 / 1975 ] .
(7)البخاري في النفقات [ 7 / 80 / الحلبي بمصر ].
(8)ابن ماجة [ 2 / ص995 ] وانظر النسائي [ 5 / ص 113-115 ] .
(9)البخاري في الجهاد [ 4 / 93 / الحلبي ].
(10)الترمذي في فضائل الجهاد [ 4 / 165 / الحلبي ].
(14)[رواه البخاري ومسلم] .
(16)رواه أبوداود والنسائي وأحمد .
(19)رواه البخاري ومسلم .
(23)رواه البخاري .
(24)رواه البخاري ومسلم .
(25)رواه ابن ماجة والترمذي وأحمد .
(26)رواه البخاري .
(29)رواه مسلم .
(30)رواه الترمذي .
(31)رواه البخاري، ومسلم-مختصرا .
(32)رواه البخاري .
(33)رواه البخاري .
(34) رواه النسائي والترمذي وابن ماجة والدارمي وأحمد .
(36)رواه النسائي .
(37)رواه مسلم .
(39)رواه أحمد .
(40)رواه مسلم .
(46)رواه مسلم .
(47)متفق عليه .
(48)رواه أبو داود .
(49)متفق عليه .

ثالثا : فهرس المراجع :
(2) تفسير ابن كثير [ 3/337 ] .
(12)[انظر:المغني لابن قدامة] .
(41)( صفوة التفاسير للصابوني ) .

أحمد محمد بوقرين

م/ن

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الثامن

بحث عن احكام الجهاد للصف الثامن

ابي بحث عن احكام الجهاد ضروري باجر اخر يوم لتسليم الانشطة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف العاشر

بحث عن أحكام الجهاد في الاسلام

سلام عليكم

بحث عن أحكام الجهاد في الاسلام

*
تقسيم الجهاد :
من حيث تقسيم الجهاد ، فالعلماء قسموا جهاد الكفّار إلى قسمين :
جهاد دفع ، وجهاد طلب . ويُتسامح في الأول لدفع العدو الصائل ما لا يُتسامح في الثاني .
فجهاد الدفع يتعيّن على أهل ذلك البلد الذي دهمه العدو ، ولو بغير إمام كما سيأتي .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلهم ، وعلى غير المقصودين لإعانتهم – إلى أن قال –
كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد ، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج . بل ذم الذين يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ( يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً) (الأحزاب: من الآية13) فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس ، وهو قتال اضطرار . وذلك قتال اختيار للزيادة في الدين وإعلائه ولإرهاب العدو كغزاة تبوك ونحوها . اهـ

وقال المرداوي في الإنصاف :
تنبيه : مفهوم قوله أو حضر العدو بلده . أنه لا يلزم البعيد ، وهو الصحيح إلا أن تدعو حاجة إلى حضوره . كعدم كفاية الحاضرين للعدو ، فيتعّين أيضا على البعيد . اهـ .
أما جهاد الطلب ، فامتثالا لقوله تعالى : ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) .
وغيرها من الآيات ، والأحاديث الدالة على وجوب الجهاد ومُضيِّه مع كل برّ وفاجر إلى يوم القيامة .

حُـكـم الجهـاد :
من حيث حُكم الجهاد ، فقد جرى فيه الخلاف ، فجمهور العلماء على أنه فرض كفاية ، وذهب بعض العلماء أنه فرض عين . منهم سعيد بن المسيب .
والصحيح أنه فرض كفاية على الأمة ، للأدلة التي سوف أذكرها فيما بعد .
ولا يعني كونه فرض كفاية التقليل من أهميته ، إذ أن الجهاد من أفضل القربات وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل ؟ فقال : رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه . متفق عليه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه .
ولما سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : نرى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد ؟ قال : لا ، لكن أفضل الجهاد حـج مبرور . رواه البخاري ، وفي رواية لـه قال : جهادكن الحج .

ولذا قرر غير واحد من أهل العلم أن الحج في حق النساء أفضل من الجهاد ، فلا يجب الجهاد على النساء بلا نزاع . يُنظر الإنصاف ومجموع الفتاوى .
وفي المسألة خلاف .

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهاراً ، أفضل من الجهاد الذي لم تذهب فيه نفسه وماله . اهـ .

يُشير بذلك إلى حديث البخاري عنه عليه الصلاة والسلام : ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه . قالوا : ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد ؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ، فلم يرجع بشيء .
والأحاديث في فضل الجهاد كثيرة معلومة .

قال الإمام أحمد – رحمه الله – : لا أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد .
ولما ذُكِر له الجهاد جعل يبكي ويقول : ما من أعمال البر أفضل منه .

كما أنه لا يعني القول بالفرضية الكفائية أنه لا يجب على الأمة ، بل الفروض الكفائية إذا لم يَقم بها من يكفي أثم الجميع . كما هو مقرر عند أهل العلم .

قال المرداوي في الإنصاف : فرض الكفاية واجب على الجميع . نص عليه في الجهاد . وإذا قام به من يكفي ، سقط الوجوب عن الباقين ، لكن يكون سُنّة في حقهم . اهـ .

ولو قيل بفرضية الجهاد على الأعيان لتعطلت الفروض الأخرى ، ولم يكن ثمة من يقوم بها .
ولو كان الجهاد فرض عين على جميع أفراد الأمة لما مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسواق ، ولما وضع الصحابة سيوفهم عن عواتقهم ، ولما قال عمر رضي الله عنه : ألهاني الصفق في الأسواق ، ولما قال ابن عوف رضي الله عنه : دلوني على السوق ، ولما أذِن النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان في تخلّفه لتمريض زوجته ، ولما بقي في المدينة من تدعو الحاجة إلى بقائه ، ونحو ذلك .

ولما قال عليه الصلاة والسلام : لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية ، ولكن لا أجد حمولة ، ولا أجد ما أحملهم عليه ، ويشق علي أن يتخلفوا عني . متفق عليه .

وقد نص العلماء على : يُشترط لمن أراد الجهاد وجود زاد ونفقة عياله مدة غيبته
ويُنظر لذلك – على سبيل المثال – المقنع والشرح الكبير والإنصاف .

ولو كان يجب على كل أحد ما عُذِر من كان على مثل هذه الحال .
كما أنه لا يجب على النساء كما تقدّم ، ولا يجب على العبيد في أصح قولي العلماء ، ولا يجب على أولي الضرر ، ولا على أهل الأعذار .
ولو كان يجب وجوبا عينيا على كل أحد لما عُذر هؤلاء .
قال سبحانه : ( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ )
فهؤلاء الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يجدون ما يُنفقون ولا يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه من الدواب قد عذرهم الله في محكم كتابه .
وقال سبحانه : ( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) .

ولو كان الجهاد فرض عين على الدوام لما كان هناك مجال مقارنة بين المجاهدين والقاعدين ، ولما وعد الله الجميع بالحسنى .
كما أن الأعمى إذا شارك في رأي أو مكيدة ، أو شارك الأعرج ونحوه ، كما شارك في القتال عمرو بن الجموح الأنصاري رضي الله عنه ، فإن ذلك عزيمة عزموا بها على أنفسهم لا أنه فرض عليهم .

وقد نص العلماء على أن الجهاد لا يتعين إلا في ثلاث حالات :
1 – إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان . لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ )
2 – إذا نزل الكفار ببلد ، تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم . لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً )
3 – إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير . لقوله صلى الله عليه وسلم : وإذا استنفرتم فانفروا . متفق عليه

ومن أحكام الجهاد :

أولاً : ضرورة وجود إمام أو أمير .
لا يقوم الجهاد إلا بإمام أو أمير ، يُرجع إليه عند الحاجة ، ويُردّ إليه عند الاختلاف .
ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيّر سرية أو بعث بعثا أو أنفذ جيشاً دون أن يؤمّر عليه أميرا ، وقد أمّـر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الصحابة على جيش مؤتة ، وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم .

قال في الشرح الكبير : وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك
– إلى أن قال –
فإن عُدِمَ الإمام لم يؤخّر الجهاد ؛ لأن مصلحته تفوت بتأخيره . اهـ .

وهذا لا يكون إلا في حالات نادرة ، أو في حالات جهاد دفع العدو الصائل .
إذ
لا يصلح الناس فوضى لا سُراة لهم ولا سُـراة إذا جهالهم سـادوا

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : الغزو غزوان : فأما من ابتغى وجه الله ، وأطاع الإمام ، وأنفق الكريمة ، وياسَرَ الشريك ، واجتنب الفساد ؛ فإن نومه ونبهه أجرٌ كله وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة ، وعصى الإمام ، وأفسد في الأرض ؛ فإنه لم يرجع بالكفاف . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم ، وهو حديث صحيح

وقال عمر رضي الله عنه : إنه لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة . رواه عنه الدارمي .

وقد عقد الإمام البخاري – رحمه الله – بابا ، فقال : باب الجهاد ماض مع البر والفاجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة . ثم ساق بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم .

أما لماذا الجهاد مع البر والفاجر ؟
فإنه بالنظر إلى مقاصد الشريعة ، وبالنظر إلى عواقب الأمور وما تؤول إليه عند ترك الجهاد مع الفاجر مِنْ تمكن العدو وتسلطه على رقاب المسلمين وعلى ديارهم وأموالهم ، فتحقيق هذه المصالح أعظم ، وترك الجهاد مع الفاجر يُفوّت تحقيق هذه المصالح بل وينتج عنه مفاسد لا يعلمها إلا الله .

قال الإمام أحمد : أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا عن الجهاد كما قعدتم ، من كان يغزو ؟ أليس كان قد ذهب الإسلام ؟

ثانياً : الإعداد للجهاد
لا يُمكن أن يُقاتَل العدو بغير إعداد ولا عدّة ، ولذا قال الله سبحانه وتعالى : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل ِتُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ )
أما من قاتَل العدو بغير إعداد فإنه قد خالِف ما أُمِرَ به ، ورام النصر من غير بابه .
ولذا كانوا يُعوّدون الخيل على الكرّ والفرّ حتى في حال السِّلم حتى تألف ذلك عند القتال .
جاء في سيرة نور الدين زنكي :
أنه كان يُكثر اللعب بالكرة ، فأُنكِرَ عليه فكتب نور الدين لمن أنكر عليه :
والله ما أقصد اللعب ، وإنما نحن في ثغر ، فربما وقع الصوت فتكون الخيل قد أدمنت على الانعطاف والكر والفرّ .

ثالثاً : إخلاص النية
إخلاص النية شرط في قبول العبادات
ومن لم يُخلص في جهاده لم يكن لـه من نصيب فيه ، ولم يكن لـه إلا ما نوى إذا نوى أمراً دنيوياً ، أما إذا أظهر للناس أنه يُجاهد في سبيل الله ولم يكن كذلك فهذا أول من تسعر به النار ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء ، فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار … الحديث . رواه مسلم
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : التقى النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا فمال كل قوم إلى عسكرهم وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها فضربها بسيفه ، فقيل : يا رسول الله ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان . فقال : إنه من أهل النار . فقالوا : أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار ؟ فقال رجل من القوم : لأتبعنه فإذا أسرع و أبطأ كنت معه حتى جرح ، فاستعجل الموت ، فوضع نصاب سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أنك رسول الله . فقال : وما ذاك فأخبره ، فقال : إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .

أما إذا غزا وهو يُريد غرضا دنيوياً ، فليس له إلا ما نوى ، وإن ذهبت نفسه .
قال عليه الصلاة والسلام : من غزا ولا ينوي في غزاته إلا عقالا فله ما نوى . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .

رابعاً : وضوح الهدف ، وبيان القصد .
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه . فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . متفق عليه

فيُقاتِل المسلم من أجل هدف سام ، وغاية عظيمة ، وهي إعلاء كلمة الله
والمسلم يربأ بنفسه أن يُقاتِل حمية أو عصبية أو لغرض دنيوي زائل
قال عليه الصلاة والسلام : من قُتِل تحت راية عُمِّيَّةٍ ، يدعو عصبية أو ينصر عصبية ، فَقِتْلَةٌ جاهلية . رواه مسلم .
وفي الحديث الآخر : ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية . رواه أبو داود .
فلا بُد أن يكون المسلم على بيّنة في قتاله .
وما الهدف من هذا القتال ؟
إذا كان لإقامة شرع الله فهذا هو المقصد ، أما إذا كان لتحصيل أرض أو وطن ثم تُحكم بحكم الجاهلية فبئس القصد وبئست النيّة .
إذاً لا بُـدّ من وضوح الهدف ، والقتال تحت راية واضحة وضوح الشمس .
لا أن يكون الحال كما قيل :
وهل أنا إلا من غُزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشـد

وقبل الختام أود تحرير القول في مسألة جرى فيها الخلاف ، ألا وهي :
مسألة الاستئذان
وتتضمن :
1 – استئذان الإمام
2 – استئذان الوالدين
3 – استئذان الدائن
4 – استئذان العبد
5 – استئذان المرأة

أولاً : استئذان الإمام
ذكر بعض العلماء أنه لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام .
قال ابن قدامة في المغني : مسألة ؛ قال : ( وإذا غزا الأمير بالناس لم يَجز لأحد أن يتعلف ولا يحتطب ولا يبارز علجا ولا يخرج من العسكر ولا يحدث حدثا إلا بإذنه ) يعني لا يخرج من العسكر لتعلف وهو تحصيل العلف للدواب ولا الاحتطاب ولا غيره إلا بإذن الأمير . اهـ .
كما ذكروا أيضا أن المبارزة لا تكون إلا بإذن الإمام

وليس هذا على إطلاقه .
قال في العمدة : ولا يجوز الجهاد إلا بإذن الأمير إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلَبه ، أو تعرض فرصة يخافون فوتها . اهـ .
ومعنى ( كَلَبَه ) أي شرّه وأذاه .
وهذا القول – أعني – لا يجوز الجهاد إلا بإذن الإمام ، لـه حظ من النظر في ابتداء الغزو وتسيير السرايا وبعث الجيوش ، لا أن الحكم ينسحب على الأفراد .
فلم يُنقل عن سرية أنها سارت أو جيش أن انطلق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه .
وهذا يُشبه حال الجيوش النظامية اليوم فإنه لا يمكن أن تسير إلا بأمر الحاكم ولو أن كل من أراد القتال جمع جيشا وسار بسرية لأصبح المسألة فوضى ، ولا تنضبط الأمور بذلك .

أما دفع العدو الصائل فلا يُشترط له ذلك – كما تقدّم – .
أما ما يُستدل به من مجيء ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في القصة المعروفة – وستأتي – فليس فيه دليل على عموم الاستئذان ، ثم إنه لا يقوى على تخصيص الآية في قوله سبحانه وتعالى :
( لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ) .
قال القرطبي – رحمه الله – في التفسير : أي في القعود ولا في الخروج ، بل إذا أمرت بشيء ابتدروه ، فكان الاستئذان في ذلك الوقت من علامات النفاق لغير عذر.اهـ .

وقال الشوكاني بعد أن ذكر الأوجه في الآية :
وأما على ما يقتضيه ظاهر اللفظ فالمعنى لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أن يبادروا إليه من غير توقف ولا ارتقاب منهم لوقوع الإذن منك فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف . اهـ .

ثم إن قصة الرجل الذي جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد واقعة عين لا عموم لها ، بدليل أنه لم يُحفظ عن الصحابة رضي الله عنهم الاستئذان لكل من أراد الجهاد .

وقصة الرجل الذي جاء يستأذن رواها البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد .

ومثله قصة جاهمة السلمي رضي الله عنه حيث قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيّـة أمك ؟ قلت : نعم . قال : ارجع فبرّها ، قال : ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيه أمك ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : فارجع إليها فبرها ثم أتيته من أمامه فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيه أمك ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : ويحك الزم رجلها فثم الجنة . رواه ابن ماجه ثم قال :
قال أبو عبد الله بن ماجة : هذا جاهمة بن عباس بن مرداس السلمي الذي عاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين .

وهذا يدلّ على أمرين :
الأول : أن الاستئذان وقائع أعيان لا عموم لها .
والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بما يعلم أنه الأصلح لهم .
بدليل اختلاف الوصية من رجل لآخر .
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال أوصني . قال : عليك بالجهاد .
وجاءه آخر فقال أوصني . قال : لا تغضب .
وقال لثالث : عليك بالصوم فإنه لا عدل له .
وأوصى رجلاً فقال : لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله .
وهكذا . تختلف الوصية باختلاف أحوال الناس .
والذي يظهر أن هذا الرجل الذي ردّده النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان ذلك بسبب معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بحاله وأنه لا صبر له – كما أشار إليه ابن ماجه – .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : قد يكون الشخص يَصلح دينه على العمل المفضول دون الأفضل ، فيكون أفضل في حقه ، كما أن الحج في حق النساء أفضل من الجهاد . اهـ .

ثم إنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك – أي خلاف الاستئذان – .
فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة . قال : ثم مه ؟ قال : الصلاة قال : ثم مـه ؟ قال : الصلاة ثلاث مرات . قال : ثم مـه ؟ قال : الجهاد في سبيل الله . قال : فإن لي والدين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمرك بوالديك خيرا ، فقال : والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنت أعلم . رواه الإمام أحمد وابن حبان ، وإسناد ابن حبان حسن .
فقول هذا الصحابي رضي الله عنه : " فإن لي والدين " يُشعر أنه سمع بترديد النبي صلى الله عليه وسلم لمن أتاه قبله .

كما أن حمل الرجل بنفسه على العدو مُخالِف لاشتراط الاستئذان
وقد وقع هذا بمرأى ومسمع من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُنكروه بل أقروه .

حدّث أبو عمران التجيبي قال : كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم ، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر ، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر رضي الله عنه ، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد رضي الله عنه فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس ، وقالوا : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقام أبو أيوب رضي الله عنه فقال : يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل ، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار . لما أعز الله الإسلام ، وكثر ناصروه ، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعز الإسلام ، وكثر ناصروه ، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يردّ علينا ما قلنا : ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو ، فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم . رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح .

ولما أغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فصادفهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه خارجا من المدينة تبعهم وطاردهم وقاتلهم بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم . كما في الصحيحين .

ثم إن الخلاف قد وقع بين العلماء في الغزو بإذن الإمام .
وفي الرجل يدخل دار الحرب وحده مغيرا بغير إذن الإمام .

قال أبن قدامة في المغني : إذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام فغنموا ؛ فعن أحمد فيه ثلاث روايات : إحداهن أن غنيمتهم كغنيمة غيرهم يخمسه الإمام ويقسم باقيه بينهم ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم الشافعي . لعموم قوله سبحانه : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَه ُ) الآية ، والقياس على ما إذا دخلوا بإذن الإمام – ثم ذكر بقية الأقوال – ورجه هذا القول .

وقال في معرض سياق الأقوال : فإن الجهاد إنما يكون بإذن الإمام ، أو من طائفة لهم مَنَعَـة وقـوّة . اهـ

ونسب هذا القول الإمام النووي إلى الجمهور .
فلو كان الجهاد لا يجوز بغير إذن الإمام على إطلاقه لما جاز أن يُعطى هؤلاء نكالاً لهم .
وكذلك القول في المبارزة بغير إذن الإمام .
قال ابن المنذر : المبارزة بإذن الإمام حسن ، وليس على من بارز بغير إذن الإمام حرج ، وليس ذلك بمكروه ؛ لأني لا أعلم خبرا يمنع منه . اهـ .

الثاني : استئذان الوالدين
ثبت في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد . متفق عليه .

قال جمهور العلماء : يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما ، بشرط أن يكونا مسلمين ، لأن برّهما فرض عين عليه ، والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا إذْن .

قال الإمام الصنعاني :
وذهب الجماهير من العلماء إلى أنه يحرم الجهاد على الولد إذا منعه الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين ؛ لأن برّهما فرض عين والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا . فإن قيل : بـرّ الوالدين فرض عين أيضا ، والجهاد عند تعينه فرض عين ، فهما مستويان . ما وجه تقديم الجهاد ؟ قلت : لأن مصلحته أعمّ ، إذ هي لحفظ الدين والدفاع عن المسلمين ، فمصلحته عامة مقدمة على غيرها . اهـ .
وهذا هو القول الصواب ، جمعاً بين الأدلة ، ويُستثنى من ذلك ما إذا كان لـه أبوان شيخان كبيران وليس لهما عائل سواه ، فحينئذٍ يجوز له التخلف عن الجهاد .
وتقدمت الأدلة في استئذان الأبوين وعدمه .

قال في المغني :
وإن أذن لـه والداه في الغزو وشرطا عليه أن لا يُقاتل ، فحضر القتال تعيّن عليه وسقط شرطهما . كذلك قال الأوزاعي وابن المنذر ؛ لأنه صار واجبا عليه فلم يبق لهما في تركه طاعة .

استئذان المدين من غريمه
روى الإمام مسلم عن أبي قتادة أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال . فقام رجل فقال : يا رسول الله ! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله : كيف قلت ؟ قال : أرأيت إن قتلت في سبيل الله ، أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر . إلا الدَّين . فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك .
قال ابن قدامة في المغني :
ومن عليه دين حال أو مؤجل لم يجز لـه الخروج إلى الغزو إلا بأذن غريمه إلا أن يترك وفاء أو يقيم به كفيلا أو يوثقه برهن ، وبهذا قال الشافعي ، ورخص مالك في الغزو لمن لا يقدر على قضاء دينه ؛ لأنه لا تتوجه المطالبة به ولا حبسه من أجله فلم يمنع من الغزو كما لو لم يكن عليه دين . ولنا إن الجهاد تقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس فيفوت الحق بفواتها وقد جاء أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا تكفر عني خطاياي ؟ قال : نعم ، إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك . رواه مسلم . وأما إذا تعين عليه الجهاد فلا إذن لغريمه ؛ لأنه تعلق بعينه ، فكان مقدما على ما في ذمته كسائر فروض الأعيان ، ولكن يستحب له أن لا يتعرض لمظان القتل . اهـ

استئذان العبد
مما اشترط العلماء لوجوب الجهاد : الحرية
فلا يجب على العبد ، كالحج .
وهذا مما يُضعف القول بفرضية الجهاد على الأعيان .

استئذان المرأة
لا تخرج المرأة للجهاد ؛ لأن جهاد النساء جهاد لا شوكة فيه : الحج . كما تقدم .
ولأن المرأة ضعيفة ، ولا يؤمن ظفر العدو بها .
قال في الإنصاف :
ظاهر قوله : ويمنع النساء إلا طاعنة في السن ؛ لسقي الماء ، ومعالجة الجرحى . منع غير ذلك من النساء وهو صحيح ، وهو ظاهر كلام الأصحاب .
ثم قال تنبيه :
ظاهر كلام المصنف أن المنع من ذلك على سبيل التحريم ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب . اهـ .

وإنما ذكرت هذه المسألة لأني سمعت من النساء من تقول : إنه يجوز للمرأة أن تخرج بغير إذن زوجها إذا تعيّن الجهاد .
والقاعدة الشرعية تنص على أن :
درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح .
وقد سُئل الإمام أحمد رحمه الله : فتخاف على المنتقل بعياله إلى الثغر الإثم ؟ قال : كيف لا أخاف الإثم ، وهو يعرض ذريته للمشركين .
قيل : فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها . قال : هذا للواحدة . ليس الذرية . اهـ .

أقول : وهذا محمول على الثغور المخوفة .

وختاماً أرجو أن أكون قد وُفّقت في تناول هذا الموضوع ، والإفادة فيه .

والله أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
*
الرياض – 1443 هـ
*

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الارشيف الدراسي

بوربوينت سيرة الرسول في الجهاد والاعداد.. -تعليم الامارات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في المرفق..

بوربوينت سيرة الرسول في الجهاد والاعداد..

منقول..موفقين يارب..

الملفات المرفقة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الثامن

حل درس الجهاد في سبيل الله (1) -للتعليم الاماراتي

ص183
– جهاد النفس والهوى.
– طاعة ومخافة الله تعالى ومجاهدة النفس والهوى .
– لأن الإنسان لا يستطيع اقتلاع الهوى منه.
– ونهى النفس عن الهوى.
أقيم"

أ. أن يتوضأ ويذهب إلى صلاة المغرب في المسجد .
ص184
ب- عدم أخذ هذه اللعبة وتتذكر مخافة الله تعالى .
ج- تغلة البنت الهاتف وتخبر الشرطة .
كيف تجاهد………:
أتذكر أن الله تعالى وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهو عن ذلك .
بم ……..؟
بأنه قوي الإيمان .
أستنتج:
– جهاد النفس والهوى هو: مقاومة الهوى والبعد عن كل ما يغضب الله تعالى .
ص185
1- وسيلة الوسوسة.
2- يغويه ثم يتبرئ منه.
3- غواية الناس أجمعين إلا المخلصين منهم.
4- المخلصين.
5- البعد عن وسوسته والانتباه له .
ص186
أن يمنعه بالتصدق لوجه الله.
سرقة اصحابه.
أن يدخل عليه أحد المدرسين أو زملائه.
أن أستعين بالله من الشيطان الرجيم ولا أفعل الشر.
ص187
1- الاستعاذة
2-
3- الوضوء الصلاة الدعاء
ص188
منافق
غير منافق
منافق
أذكر:
التحذير من شدهم ومجادلتهم وإظهار الحق أمامهم ورغم خطرهم لا يجوز قتالهم لأن الله لم يأمر بذلك .
ص189
1- عدم الاستماع للقرآن .
2- عمر بن الخطاب .
:
:
:
:
1- قوة تأثير القرآن على الكافرين.
2- أن القرآن يهدئ النفوي.
3- أن القرآن الكريم كلام الله .
ص190
بالجهاد الكبير لأنه يقوم على أساس قوي ( حجة القرآن )
:
:
:

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف العاشر

بوربوينت الجهاد في سبيل الله.. الصف العاشر

السلام عليكم ورحمته الله وبراكاته
اريد بوربويت عن الالجهاد في سبيل الله
ضروووري

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده