بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
المقدمة :
لم يقصر علماء البلاغة في بيان منزلة التشبيه ،وما له من أثر في رفع شأن الكلام ،وخلع أشعة البهاء عليه ،وإلباسه روع الإعحاب ،وتمهيد طريق معبد له في ثنايا النفوس ،وفتح باب القول أمامه في أطواء الصدور ،فإنه أشبه شيء بوسائل الإيضاح ونماذج الدروس التي تسيق الشرح أو يعقب بها عليه ،فتذلل ما عسى أن يكون من عسر في الفهم ،وتثبت معانيها في الذهن ،هذا إلى خلابة البيان التي تنبعث منه انبعاث أشعة السحر والفتون من العيون النجل ،فتفعل فعلها العجيب بالقلوب ،فتصرفها كما تشاء بسطا وقبضا ،ورغبة ورهبة ،ومحبة وبغضة ،وتقودها الى ما نهي بزمام سلس وعنان لين .
التشبيه البلاغي :
يقول قدامه : واما التشبيه فهو من أشرف كلام العرب ،وفيه تكون الفطنة والبراعة عندهم ،وكلما كان التشبيه ((بالكسر ))منهم في تشبيه ألطف كان بالشعر أعرف،وكلما كان أسبق كان بالحذق أليق
ويقول العسكري:عن القدماء أهل الجاهلية من كل جيل :ما يستدل به على شرفه وفضله وموقعه من البلاغة بكل لسان
ويقول بن قتييبة :وليس كل شعر يختار ويحفظ علي جودة اللفظ والمعنى ،ولكنه قد يختار ويحفظ علي أسباب منها الإصابة في التشبيه،كقول القائل :
بدأن بنا وابن الليالي كأنه حسام جلت عنه القيون صقيل (4 )
فما زلت أفني كل يوم شبابه إلى أن أتته العيس وهو ضئيل
وكقول الآخر في مغن:
كأن أبا الشموس إذا تغنى يحاكي عاطسا في عين شمس
يلوك بلحية طورا وطورا كأن بلحية ضربان ضرس
أقاويل في البلاغة :
ويقول الباقلاني :والتشبيه تعرف به البلاغة .
ويقول البطين :أجمع العلماء بالشعر على أن الشعر وضع على أربعة أركان :مدح رافع ،أو هجاء واضح ،أو تشبيه مصيب ،أو فخر سامق (2)
ويقول عبد القاهر :وهل تشك في أنه يعمل عمل السحر في تأليف المتباينين حتي يختصر ما بين المشرق والمغرب ،ويجمع ما بين المشئم والمعرق وهو يريك المعاني الممثلة بالأوهام شبها في الأشخاص المائلة ،والأشباح القائمة ،وينطق لك الأخرس ،ويعطيك البيان من الأعجم ،ويريك الحياة في الجماد ،ويريك التئام عين الاضداد،فيأتيك بالموت والحياة مجموعين ،والماء والنار مجتمعين
ويقول السكاكي:فهو الذي إذا مهرت فيه ملكت زمام التدرب في فنون السحر البياني .
ويقول الخطيب :انه مما اتفق العقلاء :علي شرف قدره وفخامة امره في البلاغة،وان تعقيب المعاني به لا سيما قسم التمثيل منه ،يضاعف قواها في تحريك النفوس إلي المقصود بها مدح كانت أو زما أو افتخارا أو غير ذلك .
ومن رأي الدكتور شوقي ضيف :أن التشبيه لا يحتاج بعدا في الخيال ولا عمقا في التصوير وأنه لون مفرد بل هو صبغ من أصباغ لون مفرد هو لون التصوير
ولا أحسب الزميل يريد بهذا أن يهون من قدر التشبيه ،أو يصوره في صورة الشيء السهل ، المسلك القريب التناول .
وإنما لعله أراد أنه دون الاستعارة في يسر بنائه وصياغته ،وانه أقل منها شأنا في إبراز المعاني وصبا في قوالب المحسوسات ،وإن كان هو أساسها وعمادها وألا فليس التشبيه سهل الانتزاع ،ولا هو على طرف الثمامة من كل متناول ،فابن الأثير يقول :انه من بين علم البيان مستو عر المذهب ،وهو مقتل من مقاتل البلاغة ،وسبب ذلك أن حمل الشيء على ا لشيء بالمماثلة إما صورة وإما معنى ،يعز صوابه ،وتعمر الإجادة فيه ،وقلما أكثر من أحد إلا عثر كما فعل ابن المعتز من أدباء العراق وابن وكيع من أدباء مصر ،فإنما أكثر من ذلك لا سيما في وصف الرياض والأشجار والأزهار والثمار ،لا جرم أنهما أتيا بالغث البارد .
واين رشيق –وهو من النقاد الشعراء –يصرح بأن أشد ما تكفله الشاعر صعوبة التشبيه ،لما يحتاج إليه من شاهد العقل ،واقتضاء العيان .
ونحن لا ننكر أن التشبيه أقل أهمية من الاستعارة في النثر الأدبي وفي الموضوعات الشعرية لميزتها الواضحة في التجسيم ،وفي المبالغة والتهويل .
وبخاصة الشعر ،لأن لها فيه قيمة بالغة بحيث يكاد يستحيل أن يكون شعرا بغيرها
او كما يقول أرسطو :إن الصورة في التشبيه تجري في النثر كما تجري في الشعر ،ولكنها بالشعر ألصق ولكن هذه الفنون الأدبية لا تستغني مطلقا عن التشبيه ،وقد مر قريبا :أن العلماء اجمعوا علي عد التشبيه المصيب من أركان الشعر .
ثم هو يمتاز عن الاستعارة بأنه اكثر دورانا في النثر العلمي ،وفي الموضوعات التي تخاطب العقول ،لانه يراد منها أن تكون واضحة دقيقة محدودة ،سهلة الإدراك ،بعبدة عن وثبات الخيال ،وطفرا ت التصوير،وترف الألفاظ،واناقة الصياغة .
فان أريد بالتشبيه ما يدل علي كمال المشبه وادعاء اتجاه التشبيه به ،ولم يكن هناك مناص من الترقي الي مرتبة الاستعارة وعدم القناعة بالتشبيه .
ففرق أن يقول الشاعر :فأمطرت لؤلؤا من نرجس ،وبين ان يقول :فأمطرت دمعا كاللؤلؤ من عين كالنرجس ،فالتشبيه كما تري اقرب الى تصوير الواقع ،واما الاستعارة فأمعن في الخيال ،لأنها تطمس الاشياء طمسا ،وتستبدل بها اشباهها .
فالفتاة الباكية في ،(فأمطرت لؤلؤ ا) لم تسفح من عينيها دمعا كاللؤلؤ وانما سفحت لؤلؤا ،لهذا كان التشبيه اكثر شيوعا من الاستعارة في العصور الاتباعية التي يكون فيها الشعراء اقل حدة في الخيال ،واكثر انصياغا لأحكام العقل والمنطق ،وكانت الاستعارة أكثر شيوعا من التشبيه في العصور الإبداعية التي يشطح فيها الخيال ويجمح فلا يكون عليه ضابط .
ولا خلاف ان الشبيه يختلف حظ القائل من البلاغة وقسمة من البيان .فكل يصف الشيء بمقدار ما في نفسه من ضعف أو قوة أو عجز أو قدرة. وصفة الإنسان ما رأي ،تكون –لاشك -أصوب من صفته ما لم ير ،وتشبهه ما عاين بما عاين أفضل من تشبيه ما أبصر بما لم يبصر .
أليست هذه حالنا تماما حينما ترفع الستارة عن أم كلثوم ،ونميها بأبصارنا متخشعين ،ونرهف أليها أسماعنا متلهفين مستطيلين هذه ألينه التي تناهب فيها للتغريد بها الصوت الشاجي المسكر .وكقول ابي عبد الله بن مرزوق الأندلسي في علة الكتابة السواد في البياض:
ولما أن منكم ديار وحال البعد بينكم وبيني
بعثت لكم سوادا في بياض لأنظركم بشيء مثل عيني
ألست تري أن هذا الشاعر قد استطاع أن يخدعنا بهذا التعليل البديع المخترع.
ثم ألست تحس نغمة الحزن والكمد التي تسود الشعر وتنضح بلوعة الشاعر وتفجعه وتوجعه .
في التطبيق والاستعارة
وأما التطبيق والاستعارة وسائر أقسام أقسام الديع فلا شبة ان الحسن والقبح لا يعترض الكلام بهما الا من جهة المعاني خاصة من غير ان يكون للألفاظ فى ذلك نصيب أو يكون لها في التحسين أو خلاف التحسين تصعيد وتصويب .
اما الاستعارة فهي ضرب من التشبية ونمط من التمثيل والتشبيه قياس والقياس يجرى فيما تعيه القلوب وتدركة العقول وتستفتى فيه الأفهام والاذهان لا الاسماع والاذان .
وأما التطبيق فأمره ابين وكونه معنويا أجلى وأظهر فهو مقابلة السىء بضده والتضاد بين الألفاظ المركبة محال وليس لأحكام المقابلة ثم مجال .
فخذ اليك الآن بيت الفرزدق الذى يضرب به المثل فى تعسف اللفظ :
وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمة حى أبوه يقاربه
فانظر : اتتصور ان يكون ذلك للفظه من حيث انك أنكرت شيئاً من حروفه أوصادفت وحشيا غريبا أو سوقيا ضعيفا ؟ أم ليس الا لأنه لم يرتب الالفاظ في ذكر على موجب ترتيب المعاني فى الفكر ؟ فكد وكدر ومنع السامع ان يفهم الغرض الا بان يقدم ويؤخر ثم اسراف في ابطال النظام وابعاد المراد وصار كمن رمى بأجزاء تتألف منها صورة ولكن بعد ان يراجع فيها باباً من الهندسة لفرط ما عادى بين أشكالها وشدة ما خالف بين أوضاعها .
واذا وجدت ذلك أمراً يناً لا يعارضك فيه شك ولا يمكن معه امتراء فانظر الى الاشعار التى أثنوا عليها من جهة الألفاظ ووصفوها بالسلام ونسبوها الى الدماثة وقالوا : كانها الماء جرياناوالهواء لطفا والرياض حسناً وكانها الرحيق مزاجها التسنيم وكانها الديباج الخسروانني في مرامى الأبصار وشى اليمن منشوراً على اذرع التجاركقوله .
27- ولما قضينامن منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح وشدت على دهم المهارى رحلنا ولم ينظر الغادى الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الاحاديث بيننا وسالت باعنف المطى الأرباطح
ثم راجع فكرتك واشحذ بصيرتك وأحسن التامل وأحسن التامل ودع عنك التجوز في الرأى ثم انظر هل تجد لا ستحسانهم وحمدهم وثنائهم ومدحهم منصرف إلا الى استعارة وقعت موقعها واصابت غرضها أو حسن ترتيب تكامل معه البيان حتى وصل المعني الى القلب مع وصل اللفظ الي المع واستقر في الفهم مع وقوع العبارة في الاذان والا الي سلامة الكلام من الحشو غير المفيد والفضل الذى هو كالزيادة في التحديد وشىء داخل المعني المقصودة مداخله الطيفلى الذي يستثقل مكانه والأجنبى الذى يكره حضوره وسلامته من التقصير الذى يفتقر معه السامع الى تطلب زيادة بقيت في النفس المتكلم فلم يدل عليها بلفظها الخاص بها واعتمد دليل حال غير مفصح أو نيابة مذكور ليس لتلك النيابه بمستصلح وذلك ان أول ما يتلقاك من محاسن هذا الشعر أنه قال :
ولما قضينا من منى كل حاجة
فعبر عن قضاء المناسك باجمعها والخروج من فروضها وسننها من طريق امكنه ان يقصر معه اللفظ وهو طريقة العموم . ثم نبه بقوله :
ومسح بالأركان من هو ماسح
على طواف الوداع الذى هو آخر الأمر ودليل المسير الذى هو مقصوده من الشعر ثم قال :
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
فوصل بذكر مسح الأركان ماوليه من زم الركاب ولركوب الركبان ثم دل بلفظة الأطراف على الصفة التى يختص بها الرفاق في السفر من التصرف في الفنون القول وشجون الحديث أو ما هو عادة المتطرفين من الاشارة والتلويح والزمز والايماء وانبأ بذلك عن طيب النفوس وقوة النشاط وفضل الاغتباط كما توجبه الفة الاصحاب وأنسة الأحباب وكما يليق بحال من وفق لقضاء العباة الشريفة ورجاء حسن الاياب وتنسم روائح الأحبة والأوطان واستماع التهاني والتحيامن الخلان والاخوان .
ثم زان ذلك كلة باستعارة لطيفة طبق فيها مفصل التشبيه وافاد كثيراً من الفوائد بلطف الوحىوالتنبيه فصرح أولا بما أوماً اليه في الخذ بأطراف الأحاديث من أنهم تنازعوا احاديثهم على ظهور الرواحل وفي حال التوجيه الى المنازل وأخبر بعد بسرعة السير ووطاءة الظهر اذ جعل سلاسة سيرها بهم كالماء تسيل به الأبطح وكان في ذلك ما يؤكد ماقبلة ؛ لأن الظهور اذا كانت وطيئة وكان سيرها السير السهل السريع زاد ذلك في نشاط الركبان ومع ازدياد النشاط يزداد الحديث طيباً .
ثم قال بأعناق المطى ولم يقل بالمطى لأن السرعة والبطء يظهر ان غالباً في اعناقها ويبين أمرهما من هواديها وصدورها وسائر اجزائها تستند اليها في الحركة . وتتبعها في الثقل والخفة . ويعبر عن المرح والنشاط إذا كانا في أنفسها بأفاعيل لها خاصة في العنق والراس . ويدل عليهما بشمائل مخصوصة في المقاديم .
فقل الان هل : بقيت عليك حسنه تحليل فيها على لفظة من الفاظها حتي ان فضل الحسنه يبقي لتلك اللفظة ولو ذكرت على الانفراد وأزيلت عن موقعها من نظم الشاعر ونسجه وتأليفة وترصيفه وحتي تكون في ذلك كالجوهرة التي هي – وان ازدادت حسنا بمصاحبة اخواتها واكتست رونقا بمضامة أترابها – فانها اذا جليت للعين فردة وتركت في الخيط فذة لم تعدم الفضيلة الذاتية والبهجة التي في ذاتها مطوية والشذرة من الذهب ترابها بصحة الجواهرلها في الاقلادة واكتنافها لها في عنق الغادة وصلتها بريق حمرتها والتهاب جوهرها بانوار تلك الدرر التي تجاورها ولألاءاللالىء التي تناظرها تزداد جمالا في العين ولطف موقع من الحقيقة الزين ثم هي ان حرمت صحبة تلك العقائل وفرق الدهر الخئون بينها بينها وبين هاتين النفائس لم تعر من بهجتها الأصلية ولم تذهب عنها فضيلة الذهبية .
كلا ليس هذا بقياس الشعر الموصوف بحسن اللفظ وان كان لا يبعد ان يتخيله من ينغم النظر ولا يتم التدبر بل حق هذا المثل ان يوضح في نصرة بعض المعني الحكمية والتشبهية بعضاً وازدياد الحسن منها بأن يجامع شكل منها شكلا منها شكلا وان يصل الذكر بين متدانيات في ولادة العقول إياها ومتجاورات في تنزيل الإفهام لها .
واعلم هذه الفصول التي تقدمها وان كانت قضايا لا يكاذ يخالف فيها من به طرق فإنه قد يذكر المر المتفق علية المختلف فيه هذا ورب وفاق قد بقيت عليه زيادات أغفل النظر فيها وضرب من التخليص والتهذيب لم يبحث عن أوائلها وثوانها وطريقة في العبارة عن المغزي في تلك الموافقة لم يهدها ودقيقة في الكشف عن الحجة على مخالف – لو عرض من المتكلفين – لم يجدها حتي تراه يطلق في عرض كلامه ما برز منه وفاقا في معرض خلاف ويعطيك انكاراص وقد هم باعتراف ورب صديق والاك قلبه وعاداك فعله فتركك مكدوداً لا تشتفي من دائك بعلاج وتبقي منه في سوء مزاج .
الفرق بين التشبيه والاستعارة
ان الاسم اذا قصد اجزاؤه على غير ما هو لمشابة بينهما كان ذلك على ما مضى من الوجهين :
أحدهما : ان يسقط ذكر المشبه من البين حتى لايعلم من ظاهر الحال انك أردته وذلك ان تقول (عنت لنا ظبية ) وانت تريد امرأة (ووردنا بحر) وانت تريد الممدوح لفأنت في هذا النحو من الكلام انما تعرف ان المتكلم لم يرد مااسم موضوع له في أصل اللغة بدليل الحال أوفصاح المقال بعد السؤال أو بفحوى الكلام وما يتلوه من الاوصاف مثال ذلك انك اذا سمعت قول :
ترنخ الشرب واغتالت حلومهم شمس ترجل فيهم ثم ترتحل
استدللت بذكر الشرب واغتيال الحلوم والارتحال انه اراد قنينة ولو قال ترجلت شمس ولم يذكر شيئا غيره من أحوال الآدميين لم يعقل قط انه اراد أمرة الاباخبار مستانف أو شاهد آخر من الشواهد .
وذلك تجد الشيء يلتبس منه حتي على أهل المعرفة كما روى ان عدى ابن حاتم اشتبه عليه المراد بلفظ الخيط في قوله تعالى ( حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود ) وحمله على ظاهره فقد روى انه قال لما نزلت الايه أخذت عقالا ابيض فوضعتهما تحت وسادتي فنظرت فلم اتبين فذكرت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( ان وسادك لطويل عريض انما هو الليل والنهار .
وثانيهما : ان يذكر كل واحد من الشبه والمشبه به فتقول : زيد أسد وهند بدر وهذا الرجل الذي تراه سيف صارم على اعدائك : وقد كنت ذكرت فيما نقدم ان في اطلاق الاستعارة على هذا الضرب الثاني بعض الشبهة ووعدتك بكلام يجىء فى ذلك وهذا موضعه .
اعلم ان الوجه الذى يقتضيه القياس وعليه يدل كلام القاضي في الوساطة الا تطلق الاستعارة على النحو قولنا ( زيد أسد وهند بدر ) ولكن تقول هو تشبيه فاذا قال هو اسد لم تقل استعار له اسم الأسد ولكن تقول شبه بالأسد لم تقل في الأول انه استعاره لا تتوقف فيه ولا تتحاشى للبتة وإن قلت في القسم الأول انه تشبيه كنت مصيباً من حيث تخبر عما في نفس المتكلم وعن أصل الغرض وإن اردت تمام البيان قلت : أراد أن يشبه المراة بالظبية فاستعار لها اسمها مبالغة .
فان قلت فكذلك فقل في قولك (( زيد أسد )) إنه اراد تشبيه بالأسد فأجرى اسمة عليه الأ ترى أنك ذكرته بلفظ التنكير فقلت : زيد أسد كما تقول زيد واحد من الاسود فما الفرق بين الحالتين وقد جرى الاسم في كل واحد منهما على المشبه ظ
فالجواب أن الفرق بين وهو أنك عزلت في القسم الأول الاسم الأصلى عنه واطرحته كأن ليس باسم له وجعلت الثاني هو الواقع عليه والمتناول له له فصار قصدك التشبيه أمراً مطوياً في نفسك مكنوناً في ضميرك .
وصار في ظاهر الحال وصورة الكلام وقضيته كأنه الشىْ الذي وضع له الاسم في اللغة وتصور أن تعلقة الوهم كذلك وليس كذلك القسم الثاني لأنك قد صرحت فيه بالمشبه وذكرك له تصريحاً يأبي أن تتوهم كونه من جنس المشبه به واذا سمع السامع قولك زيد أسد وهذا الرجل سيف صارم على الأعداء استحال أن يظن – وقد صرحت له بذكر زيد – انك قصدت أسداً وسيفاً واكثر ما يمكن أن يدعى تخليه في هذا ان يقع في نفسه من قولك : زيد أسد حال الأسد في جراءته وإقدامه وبطشه فما أن يقع في وهمه أنه رجل وأسد معاً بالصورة والشخص فمحال .
الخاتمة :
ولما كان من هذا النحو بيناً لائحا وكاننا من مقتضي الكلام وواجببا من حيث الموضوع حتي ان لم يحمل عليه كان محالا فالشىء الواحد لا يكون رجلا وأسدا وانما يكون رجلا وبصفة الأسد فيما يرجع الى غرائز النفوس والأخلاق أو الخصوص في الهيئة كالكراهة في الواجه وليس كذلك الأول لأنه يحتمل الحمل على الظاهر على الصحة فلست بممنوع من أن تقول : عنت لنا ظبية وانت تريد الحيوان وطلعت شمس وأنت تريد الشمس كقولك طلعت اليوم شمس حارة وكذلك تقول هززت على الأعداء سيفاً وأنت تريد السيف كما تقوله وانت تريد رجلا باسلا استعنت به او رايا مضياً وفقت فيه وأصبت به من العدو فأرهبته وأثرت فيه .
و إذا كان الامر كذلك واجب أن يفضل بين القسمين فيسمي الأول استعارة على الاطلاق ويقال في الثاني انه تشبيه .
في نهاية هذا العمل المتواضع اتمنى أن اكون قد اظهرت بعض الفروق بين الاستعارة والتشبيه والذي هو في معناه نوع من البلاغة لاظهار الحسن حسن والسيئ سيئ ، وهذا ما نتحاج أن نتعامل به في حياتنا اليومية مع جميع الاشياء من حولنا فالبلاغة لا تحتاج ألى انسان مثقف أو غير ذلك وانما تحتاج إلى حس والتعبير عن هذا الحس بألفاظ معبرة إلى حد ما .
المراجع :
1- أسرار البلاغة- الامام عبدالقاهر الجرجاني . الجزء الثاني . مكتبة القاهرة.
2- أسرار البلاغة- الطبعة الأولى 1972 . الامام عبدالقاهر الجرجاني .مكتبة القاهرة .
3- فن التشبيه . بلاغة.أدب.نقد (الجزء الأول . على الجندي .الطبعة الثانية .مكتبة الانجلو المصرية.
م/ن