بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أثر المياه الجارية على سطح الأرض
تقدر كيفية المياه على سطح الكرة الأرضية بحوالى 1.36بليون كيلومتر مكعب ، تستأثر المحيطات وحدها بالجزء الأكبر من حصة هذه الكمية إذ وصل نصيب المحيطات حوالى 97.5% من مجموع كمية المياه . بينما يبلغ نصيب الجليد حوالى 2.5% أما النسبة الباقية والتى تصل حوالى 0.65% فتمثل كمية لمياه الموجودة فى البحيرات والأنهار والمياه الجوفية بالإضافة إلى بخار الماء الموجود فى الغلاف الجوى ، وعلى الرغم من ضآلة هذه الكمية إلا أنها ذات أثر كبير للغاية فى تشكيل سطح القشرة الأرضية ولاسيما الأنهار .
نشأة الأنهار :
عندما تسقط الأمطار أو يذوب الجليد فى منطقة ما من المناطق المرتفعة فإن المياه تنحدر مكونة ما يعرف بالمسيلات وهى مجارى مائية صغيرة غير محدودة الجوانب يأخذ الإتجاه العام لها اتجاه انحدار سطح المنطقة . وتتلاقى المسيلات بعضها البعض متجمعة فى مجارى مائية محدودة الجوانب ثم تتلاقى هذه المجارى فى مجارى مائية أكبر تعرف بالروافد Tributaries التى تصب فى نهاية المطاف فى المجرى الرئيسى وهو النهر .
وبنظرة عكسية أى إذا تتبعنا مجرى النهرى من المصب إلى المنبع سوف نجد أن وادى النهر تتصل به أودية أخرى أقل منه حجما وقوة ، تمده بالمياه والرواسب بعد سقوط الأمطار وتسمى هذه الأودية روافد . والوادى فى هذه الحالة أقرب ما يكون إلى جذع شجرة وفروعها حيث يمثل الجذع الوادى الرئيسى وتمثل الفروع الروافد التى تتصل به من جوانبه المختلفة . وكل رافد من الروافد تتصل به أيضا مجموعة من الروافد الأقل طولا وحجما وقوة . مهمتها تغذيته بالمياه والرواسب . ويستمر هذا الوضع حتى نصل إلى أصغر الروافد والذى قد لا يتعدى طوله عدة أمتار وقد يكون عمقه بسيطا لا يزيد عن عشرات السنتيمترات.
ويطلق على الوادى وروافده المختلفة فى الأطوال والإحجام أسم شبكة التصريف Drainage Network حيث أن كل الروافد تصرف مياهها فى اتجاه الوادى الرئيسى وهو المجرى الأكبر الذى تتجمع فيه المياه التى تنقلها الروافد حيث ينقلها فى اتجاه النصب الذى غالبا ما يكون فى نهاية المطاف فى البحار .
التعرية النهرية :
تلعب المياه الجارية ممثلة فى الأنهار بارزا فى تشكيل معالم سطح الأرض وذلك فيما يعرف بالتعرية النهرية . ويشمل مصطلح التعرية ثلاث عمليات متداخلة مع بعضها البعض هى على التوالى النحت والنقل والترسيب .
أولاً : النحت Erosion :
عندما تسقط الأمطار على المنحدرات الجبلية فإنها تجرف أمامها الفتات الصخرى الناتج من عمليات التجوية المختلفة مكونة الروافد التى تصب فى المجرى الرئيسى وهو النهر . وتقوم المياه الحاملة لهذا الفتات بعملية نحت لكل من جانبى وقاع النهر وذلك حسب طبيعة الفتات الصخرى وضغط المياه على قاع وجوانب المجرى المائى بطرق ثلاث :
1- التحات Abrasion :
ويقصد به تآكل الصخر ميكانيكيا بتأثير الاحتكاك بصخر آخر وفى هذه العملية يتم نحت وتآكل الصخور بفعل ما تحمله المياه من حصى وفتات صخرى ، حيث تعمل هذه المواد أثناء انتقالها عن طريق المياه كمعاول هدم ، عندما تقوم بالاحتكاك بقاع وجوانب المجرى وبالتالى تتفتت أجزاء منها يتم نقلها عن طريق مياه النهر . وتتوالى هذه العملية طالما تسمح بذلك سرعة التيار .
كذلك فإنه مع زيادة السرعة يحدث ما يسمى بالدوامة eddy والتى تدور فيها فى شكل حركة مغزلية ، ومع دخول بعض مكونات الفتات الصخرى دائرة هذه الدوامة وتكوين حفر عميقة يطلق عليها أسم الحفر الوعائية كما سبق ذكره ومع انتشار هذه الحفر وتوالى الحركة وتوسيعها لها ، يمكن أن تتصل ببعضها مما يعنى تآكل أجزاء واسعة من قاع المجرى .
2- الفعل الهيدروليكى Hydraulic action :
ويقصد بها حركة مكونات التربة والصخر وتآكلها عن طريق قوة اندفاع المياه فى المجرى . ويزيد تأثير الفعل الهيدروليكى مع زيادة سرعة التيار ، كما قد تحدث الدوامات edies مع السرعات العالية .
3- الإذابة Solution :
وهى العملية التى تؤدى إلى ذوبان الصخور القابلة للذوبان . وكثيرا ما يحدث هذا على قاع وجوانب المجارى التى تتكون من صخور لديها القابلية للتفاعل مع المياه ومن تلك النوعية من الصخور الحجر الجيرى والصخور الكلسية بوجه عام . وتؤدى المياه إلى إذابة هذه المكونات الصخرية من القاع والجوانب وتنقلها معها .
والعمليات الثلاث السابقة وهى التحات والفعل الهيدروليكى والإذابة هى المسؤلة عن تعميق وتوسيع وإطالة المجرى المائى .
ثانيا : النقل Transportation :
وفى هذه العملية يتم نقل المواد الصخرية المفتتة الناتجة من عمليات النحت السابقة وتشكل حموله النهر أنواع ثلاث ، حمولة القاع وحمولة عالقة وحمولة مذابة .
1- حمولة القاع Bed load :
ويتم فيها تحريك ونقل المواد الكبيرة الحجم الثقيلة الوزن وبالنظر إلى ثقل وزنها فإنها تتحرك على قاع المجرى بطريقتين :
أ ـ الجر Traction :
وهو انتقال المواد الكبيرة الحجم مثل الجلاميد Boulders على قاع المجرى عن طريق دفع لها فتنزلق أو تتدحرج Rolling دون أن تفارق القاع .
ب ـ القفز Saltation :
حيث تتحرك المواد الأقل حجما ووزنا خاصة حبيبات الرمال وبعض الحصى عن القفز . وفيها تقفز الحبيبة تحت ضغط الماء الواقع عليها لترتفع لأعلى ولكن نظرا لعدم قدرة المياه على حملها باستمرار فإنها تعود لتهبط على القاع ثم تعود للقفز مرة أخرى تحت نفس الظروف وتنتقل بنفس الطريقة لمسافات طويلة . وقد يستمر التعلق فى الماء طويلة ، بعد قفزها لأعلى ، كما قد تستقر أيضا طويلة على القاع لتتحرك عن طريق الجر أو الدحرجة كما فى أشكال حمولة القاع الأخرى . ويتوقف ذلك على التغاير فى سرعة الجريان وإضطرابة من ناحية وعلى حجم الحبيبة وشكلها من ناحية أخرى كما يجب أن تلعب درجة خشونة القاع دورا فى هذه العملية .
2- الحمولة العالقة Suspended Load :
وهى تلك المواد الناعمة أو الدقيقة التى تستطيع المياه حملها بسهولة . وهى التى تعطى مياه الفيضانات اللون الداكن muddy وتعتبر الرمال الناعمة Fine Sand والطين mud والطمى Silt أهم المواد التى تحملها مياه الفيضانات وتعلق بها . ونظرا لصغر حجم الحبيبات فإن دورها فى عملية النحت والتآكل يكاد يكون معدوما .
3- الحمولة الذائبة Dissolved load :
وهى المواد الناتجة من التأثير الكيميائى لمياه مثل أيونات الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم والبيكربونات والكلوريدات والكبريتات . ويتم ترسيب هذه الأيونات على هيئة أملاح إذا ما تبخرت المياه خاصة إذا كان الوادى يصب فى منخفض داخلى على اليابس وليس داخل البحر . ويساعد على ذلك ارتفاع الحرارة فى المناطق الصحراوية وتؤدى هذه العمليات إلى تكوين الملاحات الطبيعية على قيعان المنخفضات الصحراوية .
ثالثاً : الإرساب Deposition :
قد يحدث أن تقل سرعة التيار إما لقلة انحدار المجرى أو انخفاض كمية المياه أو كنتيجة لزيادة حمولة الوادى أو النهر فإن مياه النهر تبدأ فى التخلص من جزء من حمولتها حيث تقوم بإرساب جزء من المواد التى تحملها ، وقد يلقى النهر هذا الجزء أو بكل حمولته على طول المجرى أو عند نهايته . ويبدأ النهر أو الوادى عادة فى التخلص من المواد الخشنة أولا، وغالبا ما يكون ذلك على قيعان المجارى . ومع تناقص سرعته يتخلص من المواد المتوسطة الخشونة ثم بعد فترة طويلة من الهدوء والسكون يبدأ فى التخلص من الحمولة المذابة وترسيبها .
إعداد الدكتور : مصطفى يعقوب
بالتوفيق