فالمسجد يحتل مرتبةً مميزة ومعظمة في أفئدة المسلمين، تزكو به نفوسُهم، وتطمئن قلوبُهم، وتتآلف أرواحهم وتصفو أذهانُهم، يجتمعون فيه بقلوبٍ عامرةٍ بالإيمان، خاشعة متذللةٍ للخالق الديان فرسالة المسجد شاملة ومتنوعة، وضافية ومتعددة، تنتظم مجالاتٍ مختلفة لنشر القيم الإسلامية، وغرس الآداب والأخلاق الحميدة، وإبراز سمو الإنسان وكرامته، والحفاظ على وجوده وحياته وتقويم سلوكه، وإشعاره بالأمن والطمأنينة من خلال الأدوار المتعددة، والمجالات المختلفة التي يضطلع بها المسجدُ لتحقيق الأمن الاجتماعي، وتوفير الطمأنينة النفسية والروحية، التي تخفف عن الناس أعباءَ الحياةِ وآلامها، وتكبحُ فيهم جموح الغرائز وشهواتها، وترسّخ أواصر المحبة، وروابط الألفة بين الأفراد، وبسط الأمن الوارف في ربوع المجتمع، ونشر الاستقرار والاطمئنان في أرجائه، وتوطيد قواعده، وتثبيت دعائمه.
زيارة مسجد الرسول – صلى الله عليه وسلم – مستحبة في أي وقت من أوقات العام سواء أكان ذلك قبل الحج أم بعده ،
لقوله – صلى الله عليه وسلم – : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ) رواه مسلم ، وذلك لما لمسجده صلى الله عليه وسلم من فضيلة عظيمة حيث تضاعف العبادة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) ، وليست زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم شرطاً لصحة الحج كما قد يظنه البعض .
فإذا توجه المسافر قاصد زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم فليكثر من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم في طريقه, وليستحضر في قلبه شرف المدينة، وأنها أفضل الأرض بعد مكة عند بعض العلماء, وعند بعضهم أفضلها مطلقا, فإذا وصل باب مسجده صلى الله عليه وسلم، فليقدم رجله اليمنى وليقل: " بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك " كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد .
ثم يصلي ركعتين تحية المسجد ، والأفضل أن تكونا في الروضة الشريفة ، بدون إيذاء للآخرين، وموضع الروضة ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وحجرته، لقوله – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين : ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي ) ، ويدعو فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ، وأما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يحافظ عليها في الصفوف الأولى .
وبعد الصلاة يذهب لزيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وقبر صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيقف مواجها القبر الشريف, مستحضرا في قلبه جلالة ومنزلة من هو بحضرته, ثم يسلم, قائلاً : " السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته " ، ثم يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – بأي صيغة من صيغ الصلاة عليه ، كأن يقول: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد " ، وإن قال : " أشهد أنك قد بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وجاهدت في الله حق جهاده ، فلا بأس بذلك ، لأن ذلك كله من أوصافه عليه الصلاة والسلام.
ثم يتنحى إلى يمينه قليلاً فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه قائلا : السلام عليك يا أبا بكر صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانيه في الغار , جزاك الله عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ثم يتنحى إلى يمينه أيضاً فيسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا : السلام عليك يا عمر الذي أعز الله به الإسلام , جزاك الله عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خيرا، ويدعو لهما ويترضى عنهما، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا يزيد على قوله : " السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه . ثم ينصرف " رواه البيهقي . وليس ما ذكرناه من صيغ السلام نصاً لازما، فلو سلم بأي صيغة فيها صفته أجزأه.
ويكره للزائر أن يرفع صوته رفعا فاحشا عند القبر بالسلام، لأن ذلك ينافي الأدب مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد قال تعالى : { يا أيها الذي آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون }( الحجرات : 2)، ولا يشرع للزائر استقبال القبر عند الدعاء فإن ذلك خلاف ما كان عليه السلف رضي الله عنهم ، وإنما يستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ويمجده ويدعو لنفسه بما شاء ولوالديه , ومن شاء من أقاربه ومشايخه وإخوانه وسائر المسلمين.
ولا يجوز سؤال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قضاء الحوائج أو تفريج الكروب ، أو نحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله سبحانه .
وينبغي للزائر أن يحرص على أداء الصلوات الخمس في مسجده – صلى الله عليه وسلم -، وأن يغتنم وقته بالإكثار من الذكر والدعاء وصلاة النافلة ، لما في ذلك من الأجر الجزيل .ويسن له زيارة مسجد قباء والصلاة فيه ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يزور مسجد قباء راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : ( من تطهر في بيته ، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة ) ، ويسن له أيضاً زيارة البقيع ، وقبور شهداء أحد ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يزورهم ويدعو لهم ، وليتذكر العبد الآخرة ، ويدعو بالدعاء المأثور : " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية " .
فهذه بعض آداب المسلم عند زيارته تلك البقاع الطاهرة ، نسأل الله عز وجل أن يمن علينا بحج بيته وزيارة تلك البقاع مرة بعد مرة إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .
__________________
الرجاء التقييم
ومن الآداب الإسلامية لزيارة بيوت الله تبارك وتعالى نذكر منها ما يلي:
1 »» محبة المساجد وتقديرها، والنظر إليها بعين التكريم والتعظيم والتقديس والاحترام، لأنها بيوت الله تعالى التي بنيت لذكره وعبادته، وتلاوة كتابه وأداء رسالته، ونشر تعاليمه وتبليغ منهجه، وتعارف أتباعه ولقائهم على مائدة العلم والحكمة ومكارم الأخلاق..
قال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) الحج.
وقال سبحانه: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) النور.
وعن أبي الدرداء أن النبي قال: المسجد بيت كل تقيّ وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط الى رضوان الله الى الجنة رواه الطبراني والبزار.
2 »» العمل على إشادتها، والقيام بما يستطيع من جهد مادي أو جسدي لبنائها، وتشجيع الناس على التبرع لاستكمالها وتجهيزها بما يليق ومكانتها، وابتغاء وجه الله تعالى في كل ذلك.
عن ابن عباس ما أن النبي قال: من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها ـ أي بقدر الموضع الذي يبيض فيه طائر القطاة ـ بنى الله له بيتا في الجنة رواه أحمد وان حبان.
وعن أنس قال: من أسرج سراجا في مسجد لم تزل الملائكة وحملة المسجد يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد صوؤه.
3 »» المحافظة على ارتياد المساجد ولو كانت بعيدة عن منزله، والمشي إليها ولو تحمل في سبيل ذلك الحّر والبرد، وظلمة الليل ومشقة الطريق.
عن أبي موسى قال: قال رسول الله : إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام متفق عليه.
وعن أبي بريدة عن النبي قال: بشّروا المشّائين في الظلم الى المساجد بالنور التام يوم القيامة رواه أبو داود والترمذي.
وعن أبيّ بن كعب قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرّني أن منزلي الى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي الى المسجد ورجوعي إذا رجعت الى أهلي، فقال رسول الله : قد جمع الله لك ذلك كله رواه مسلم.
4 »» التهيؤ للذهاب الى المسجد بالطهارة وحسن الوضوء والتسوّك، ولبس الثياب النظيفة، وتقليم الأظافر وترجيل الشعر، والتجمّل والتطيّب.
قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ الأعراف 31.
وعن أبي هريرة أن النبي قال: من تطهر في بيته ثم مضى الى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحطّ خطيئة والأخرى ترفع درجة رواه مسلم.
5 »» إنهاء جميع الأعمال الدنيوية، وإيقاف كافة الأشغال المادية عند سماع الأذان، والمسارعة الى تلبية النداء، والتوجه الى المسجد مهما كانت الأعذار.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ الأنفال 24.
وعن أبي هريرة قال: أتى النبي رجل اعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني الى المسجد، فسأل رسول الله أن يرخّص له فيصلي في بيته، فرخّص له، فلما ولى دعاه فقال له: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال:" فأجب" . رواه مسلم.
6 »» الدخول الى المسجد مقدما الرجل اليمنى قائلا: بسم الله، اللهم صل على سيدنا محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
كما يستحب أن ينوي الاعتكاف فإنه يصح ولو لم يمكث إلا فترة قليلة، فيقول: نويت الاعتكاف في هذا المسجد ما دمت فيه.
7 »» الخروج مقدما الرجل اليسرى واضعا حذاءه أمامه بهدوء قائلا: اللهم صل على سيدنا محمد، اللهم إني أسألك من فضلك.
عن أبي أسيد قال: قال رسول الله : إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك. رواه مسلم وأبو داود.
8 »» صلاة ركعتين سنة تحية المسجد قبل الجلوس، إذا لم يكن وقت صلاة راتبة، ومن لم يتمكن من الصلاة لحدث أو شغل.. فليقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثلاث مرات.
عن أبي قتادة قال: قال رسول الله : إذا دخل أحكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين متفق عليه.
9 »» خلع الحذاء وإزالة ما علق به من أوساخ خارج المسجد، وإطباقه ووضعه في أقرب مكان مخصص والحذر من رفعه فوق الرؤوس، أو تلويث المسجد به، ثم إطباق باب المسجد بهدوء عند الدخول.
10 »» الانتباه الى طهارة الجوارب ونظافتها، قبل المشي بها على سجاد المسجد.
11 »» تجنب أكل الثوم أو البصل، وما له رائحة كريهة، والدخول الى المسجد قبل إزالتها، بتنظيف الفم بالماء والفرشاة والمعجون.
عن جابر قال: قال رسول الله : من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا متفق عليه.
وعنه أن النبي قال: من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم متفق عليه.
12 »» تجنب تلويث المسجد بشيء من القاذورات أو النجاسات، كالمرور بأرجل عليها نجاسة، أو تلويثه بالقليل من الدم، كما يحرم البول في المسجد ولو كان في وعاء ويحرم الاستنجاء فيه.
عن أنس قال: قال رسول الله للأعرابي الذي بال في المسجد: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن رواه مسلم.
13 »» تجنب تلويث المسجد بالبصاق أو المخاط أو النخامة، وخاصة عند عتبات المسجد أو على بابه أو في أماكن الوضوء، والقيام على إزالته إن وجد.
عن أنس أن رسول الله قال: البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله رأى في جدار القبلة مخاطا أو بزاقا أو نخامة فحكّه. متفق عليه.
14 »» تجنب اللهو واللعب والجري، واللغو والثرثرة، ورفع الأصوات ولو بقراءة القرآن على وجه يشوّش على المصلين أو الذاكرين أو المتدارسين للعلم.
عن السائب بن يزيد الصحابي قال: كنت في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أين أنتما؟ فقالا: من أهل الطائف فقال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله . رواه البخاري.
وعن أبي سعيد الخدري أن النبي اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذينّ بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة. رواه النسائي وأبو أحمد.
15 »» تجنب الخصومات والاشتغال بأمور الدنيا، والبيع والشراء، والبحث عن ضائع، وإنشاد الشعر المتضمن فحشا أو هجاء لمسلم أو ظلما أو غزلا، ولا بأس فيما تضمن حكمة أو خيرا.
عن ابن عمر ما قال: نهى رسول الله عن الشراء والبيع في المسجد وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة. رواه الخمسة.
وبالتوفيق=)
عن أبي هريرة أن رسول الله قال: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا لا ردّ الله عليك رواه الترمذي.
وقال سعيد بن المسيّب: من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه، فحقه ألا يقول إلا خيرا.
16 »» تجنب الاحتباء وتشبيك الأصابع وفرقعتها والعبث بها في المسجد وإثناء انتظار الصلاة.
عن أبي سعيد قال: دخلت المسجد مع رسول الله فإذا رجل جالس وسط المسجد محتبيا مشبّكا أصابعه بعضها على بعض فأشار إليه رسول الله فلم يفطن لإشارته، فالتفت رسول الله فقال: إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبّكنّ فإنّ التشبيك من الشيطان، وإنّ أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه رواه أحمد.
17 »» تجنب الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة.
عن أبي الشعثاء قال: كنا قعودا عند أبي هريرة في المسجد فأذّن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم . رواه مسلم.
18 »» تجنب تناول الأطعمة في المسجد وجعلها أمكنة للراحة أو القيلولة أو السمر، وتجنب الوقوع في المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب وتنفقيص الناس.
19 »» تجنب الدخول الى المسجد للمرور فيه كطريق، أو الدخول والخروج منه من غير صلاة أو ذكر أو تسبيح أو عبادة أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو طلب للعلم.
20 »» القيام بصيانة المسجد، والحفاظ على نظافته وأناقته، وأثاثه وأمتعته، وكتبه ومصاحفه.
عن عائشة ا قالت: أمر رسول الله ببناء المساجد في الدور ـ أي في الأماكن التي تبنى فيها البيوت ـ وأن تنظف وتطيّب. رواه أحمد وأبو داود.
وعن أنس قال: قال رسول الله : عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد رواه الترمذي وأبو داود.
م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
بناء المسجد النبوي الشريف .
التأسيـس:
هو ثاني مسجد بناه رسول الله(ص) في السنة الأولى من الهجرة ـ الأول هو مسجد قباء ـ وكانت أرض المسجد عند مقدم الرسول(ص) من قباء إلى المدينة مربداً (مكاناً لتجفيف التمر) لغلامين يتيمين اسمهما "سهيل وسهل" كانا في حجر أسعد بن زرارة، ولما نزل الواحة التي في المدينة، كان الصحابة كل يريد أن يأخذ بزمام ناقته (القصواء) ليكون ضيفه ونزيله، ولكن الرسول(ص) كان يقول: "خلوا سبيلها فإنها مأمورة"، ولما بركت عند موضع مسجده وهو يومئذٍ يصلي فيه رجال من المسلمين قال(ص): "هنا المنـزل إن شاء الله تعالى" ثم دعا بالغلامين وابتاع المربد منهما بعشرة دنانير وأبى أن يقبله هبة منهما، وهمّ ببنيانه ليكون مسجداً ومصلّى وكان(ص) يحمل بنفسه اللبن مع الصحابة، وقد استغرق بناء المسجد 7 أشهر، وقيل عاماً، وقيل شهراً واحداً.
التوسعـة والإعمـار:
خطط الرسول(ص) أرض المسجد فجعل طوله 50م وعرضه49م وجعل القبلة إلى بيت المقدس، وحفر أساسه وسقفه بالجريد وجعل عمده جذوع النخل وجعل له ثلاثة أبواب، باب في مؤخرة المسجد وكان يقال له باب عاتكة أو باب الرحمة وباب جبريل وهو الذي يدخل منه الرسول(ص)، وجعل في مؤخرة المسجد مكاناً
مظللاً يعرف "بالصفة"، وهو المكان الذي كان يأوي إليه الغرباء والمساكين، ولم يسقف الرسول(ص) كل المسجد، وكان إذا نزل المطر يسيل مختلطاً بطين السقف على المصلين.
ولما طلبوا من الرسول(ص) أن يزيد الطين على سقفه، رفض وقال: "لا، عريش كعريش موسى"، ولم يكن المسجد مفروشاً في بداية أمره ولكنه فرش بالحصى بعد ذلك.
سنة 3هـ وعندما حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، حدث تغيير في المسجد، إذ تحوّلت الصفّة من الجنوب إلى شمال المسجد، وأغلق الباب الذي في مؤخرته وفتح باب جديد في شماله، وقد جرت توسيعات كثيرة على المسجد كانت آخرها في سنة 1373هـ 1955م، بلغت معه مساحة المسجد إلى 160366م2.
المعـالـم:
حدود المسجد: يحد المسجد من جهة الجنوب الدرابزين المصنوع من النحاس الأصفر في نهاية الروضة الشريفة، ومن الشمال بداية الصحن الأول الذي يلي المسجد المسقف، ومن جهة الشرق جدار الحجرة الشريفة، ومن الجهة الغربية الأسطوانة الخامسة قبل الجدار الغربي للمسجد.
ويوجد داخل الحرم النبوي الشريف صحن يحتوي على حديقة صغيرة، ولهذه الحديقة سور من الحديد مدهون باللون الأحمر، وقد زين الحرم بأجمل التعاليق والثريات المصنوعة من البلور.
وقد فرشت أرضية المسجد بالرخام والحجر الأحمر، وكان سطح المسجد كله قد غطى بالقباب التي لُبست بألواح الرصاص وأعلى هذه القباب تلك الموجودة فوق القبر النبوي الشريف، ثم تليها قبة المحراب العثماني ثم قبة باب السلام، وباقي القباب على ارتفاع واحد، وفي داخل القباب نقشت نقوش بديعة وكتبت آيات قرآنية بخط الثلث الجميل، كذلك كتبت أبيات من بردة البوصيري.
كان للمسجد الشريف ثلاثة محاريب أحدها المحراب النبوي، والثاني المحراب العثماني، والثالث المحراب السليماني، وجميعها مموه بالذهب، وكان لكل محراب شمعدانات توضع فيها الشموع ليضاء به.
الأبـواب: لقد احتفظ الحرم بأبوابه الأربعة وهي باب السلام "أوسع الأبواب وأجملها" وباب الرحمة "وهذان البابان يقعان غربي المسجد"، وباب النساء وباب جبريل "وهما يقعان شرقي المسجد" ولهذه الأبواب مصاريع من خشب الجوز، ومنقوشة نقوشاً بديعة بالنحاس الأصغر، وزاد السلطان عبد الحميد في عمارته باباً خامساً في شمال المسجد هو الباب المعروف بـ"الباب المجيدي" أو"باب التوسل". وهنالك أبواب أحدثت في التوسعة السعودية هي باب عبد العزيز، وباب عثمان بن عفان، باب عمر بن الخطاب، وباب سعود.
المنبـر الشريف: وهو مصنوع من الرخام البديع، بيارقه الاثنان من المخمل الأخضر مموه بماء الذهب وأعلامه من الذهب والفضة وفرشه من الخوخ الأحمر، وكان في المسجد دكتان اتخذتا لإقامة الصلاة.
إحداهما في الروضة الشريفة، وهي قريبة من المحراب النبوي، والثانية في آخر المسجد المسقف.
المنائـر: كان للمسجد خمس منارات هي:
1. المنارة الرئيسية وتقع في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد وهي الجهة المعروفة قديماً "بالملائكة".
2. المنارة الشمالية الشرقية وتعرف "بالسليمانية" ولها ثلاث شرفات..
3. المنارة الشمالية الغربية وتعرف "بالمجيدية".
4. منارة باب الرحمة وهي أقصر المنائر ولها شرفتان وتقع جهة باب الرحمة.
5. المنارة الجنوبية الغربية وتعرف "بمنارة باب السلام" وقد وضع فوق كل منارة ما عدا المنارة الرئيسية علم مموه بالذهب، أما المنارة الرئيسية فقد بني فوقها مجمرة من جنس بناء المنارة ووضع فوق المجمرة العلم، ولا يدخل الحجرة غير الأغوات" الذين يقومون بخدمة المسجد والاشراف عليه"، وكان المسجد في فصل الصيف يفرش بالحصير الذي كان يجلب من مصر، وعددها فيه 400 حصيرة، وأما في الشتاء فكان يفرش بالسجاد الكبير الثمين.
الروضة الشريفة: فحدودها من الشرق دار عائشة ومن الغرب المنبر الشريف، ومن الجنوب جدار المسجد الذي به محراب النبي(ص)، ومن الشمال الخط المار من نهاية بيت عائشة شرقاً إلى المنبر غرباً وفي الروضة المطهرة وأمام المحراب النبوي مجموعة من الثريات البلورية التي يوقد فيها الشمع.
الأساطين: والأساطين المشهورة الموجودة في الروضة الشريفة هي:
ـ الأسطوانة المخلقة "المطيبة أو المعطرة"، وهي التي صلى إليها(ص) بعد تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة.
ـ أسطوانة القرعة، "أسطوانة عائشة أو أسطوانة المهاجرين".
ـ أسطوانة التوبة "أسطوانة أبي لبابة".
ـ أسطوانة السرير وتلتصق بالشباك المطل على الروضة الشريفة، وهي محل اعتكاف النبي(ص).
ـ أسطوانة الحرس "أسطوانة أمير المؤمنين(ع)" وهي مقابل الخوخة التي كان رسول الله(ص) يخرج منها، وكان يصلي عندها الإمام علي(ع)، وسميت بذلك، لأن الإمام علياً(ع) كان يجلس إليها ليقابل وفود العرب القادمين إليه.
ـ أسطوانة مربعة القبر، وتعرف أيضاً بأسطوانة جبريل(ع) وبها باب بيت السيدة فاطمة الزهراء ، والذي كان يدخل منه الإمام علي(ع)، وتقع داخل الجدار المحيط بالقبر الشريف.
ـ أسطوانة التهجد، وتقع وراء بيت السيدة فاطمة الزهراء من جهة الشمال وعندها محراب صغير، وكانت تتهجد الزهراء فيه، وقيل إنها كانت مصلى رسول الله(ص) في الليل، وأعمدة الروضة الشريفة مغطاة بالرخام ومزينة بماء الذهب.
الحجرة الشريفة: وهي تطلق على كل ما أحاطت به الشبكة الجديدة المصبوغة باللون الأخضر من الشرق والشمال والغرب، بناها إبراهيم باشا سنة 1228هـ، وهي عبارة عن غرفة من الخشب لها سقف وضع عليه طبقة من الصوف الملبد، وواجهة الحجرة التي يقف عندها الزوار مغطاة بشبك من النحاس الأصفر المتين عليها سلك ومن خارجها شبابيك ثانية من النحاس ومكتوب عليها "لا إله إلا الله الملك الحق المبين، سيدنا محمد رسول الله الصادق الوعد الأمين"، ولهذه الشبابيك حلقات من فضة وفيها باب صغير، وأعلاه مصنوع من الفضة المموهة بالذهب.
حجرة السيدة فاطمة(ع): يوجد داخلها محراب التهجد ملاصقاً لتابوت وضعت عنده شمعدانات من الفضة، وبه40 قنديلاً معلقة بسلاسل الذهب وكسوة التابوت مثل كسوة الحجرة الشريفة وللتابوت أيضاً أربعة أركان لكل ركن منها علم من ذهب، ولكل علم هلال من الجواهر، ويوضع فوق كسوة التابوت شيلان كشميرية وبعضها مشغول بالقصب، أما ستائر الحجرة الشريفة وحجرة السيدة فاطمة(ع) فإنها من الأطلس الأخضر المزركش والمموه بالذهب، مكتوبة بأنواع الرسوم البديعة، وفيها أيضاً مجوهرات يزين بها التابوت.
ولا يدخل الحجرة غير الأغوات وهم من مسؤولي الحرم وخدام الحجرة الشريفة، ويعتبر الكوكب الدريّ من أنفس ما احتوت عليه الحجرة الشريفة، وهو عبارة عن قطع كبيرة من أحجار الماس التي أطرافها مرصعة بقطع من الماس النقي الثمين وكلها مركبة على عمود وموضوعة باتجاه الواجهة الشريفة لقبر النبي(ص)، وقد دفن بالقرب من الحجرة الشريفة الخليفتان الأول والثاني.
وتلحق بالمسجد عدة أبنية أهمها: مقر أهل الصفة "أروكة الأغوات". مكتبة الحرم النبوي الشريف، ومكتبة المصحف التي تضم مجموعات نادرة من المصاحف الشريفة وتقع في الحرم النبوي الشريف.
م/ن
بالتوفيق