العلاقات المتبادلة بين الحضارات الإنسانية
مقدمة
عنـدما نتـحدث عـن الحوار بين الحضارات والثقافات، فإننا نفترض مسبقاً أن هـناك اختـلافات تنبـع مـن الخلـفيات والهـويات الثـقافية ونتـوقع صـداماً قد يحـدث بيـن الثـقافات. وإذا كــنا نجـتـمع هنـا اليـوم فـذلك حتـماً مـن أجـل المــساهمة في التفـكير فـي سـبل تفـادي انقـطاع الحـوار وكيـفية إقـامة تـعايش سـلمي بيــن أشـخاص مـن ثقـافـات وحـضـارات مـختلفـة. وتكتـسي هـذه التـحـديات أهمـية قصـوى اليـوم حـيث نـرى صـدامات متـعددة وإراقة للـدماء تتسـبب فـي مـعاناة لا حد لها.
وسعياً إلى تعزيز الحوار بين الحضارات ينبغي أن نكون واعين بالمستويات والأنواع المختلفة للمقاربات والمنهجيات، حيث يمكن للمرء أن يعالج هذا الموضوع بالتأكيد على الصورة الأعم والتي تشمل على سبيل المثال القانون الدولي والخلفيات والسياسة. كما يمكن التطرق إليه من خلال التأكيد على مضامين الوصلات التواصلية الرئيسة ودراسة أدواتها من أجل استخلاص بعض القواعد العامة حول الحوار بين الحضارات والثقافات.
الموضوع:
إن "تحالف الحضارات" يمثل قبل كل شيء تحالفاً بين القوى الاجتماعية والسياسية والمدنية التي تستطيع أن تتحد في مكافحة الإرهاب والتعصب والتطرف والسعي إلى عزل الثقافات والمجتمعات بعضها عن البعض الآخر.
إن التحالف بين الحضارات يحتاج إلى بذل جهود من جانب المجتمع الدولي، على كل مستوى المؤسسات الأهلية والإقليمية والدولية والمجتمع المدني، لتضييق الفجوة وتجاوز التحيز وسوء الفهم والإدراك والقطبية التي تشكل تهديداً للسلام العالمي. فقد بين التوتر بين المجتمعات الإسلامية والغربية في السنوات الأخيرة انعدام التفاهم المشترك بين هذه المجتمعات وبالتالي يجب أن ينصب محور عمل المنظمات الاهلية والدولية على توجيه الحوار بين الحضارات إلى الإهتمام بالموضوعات التي تشغل الإنسانية وتؤرق ضميرها، وإلى إيجاد حلول وتسويات مستلهمة من روح الحضارات والثقافات، بحيث يستهدف الحوار في المقام الأول، دعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عن أراضيها ومقدساتها واسترجاع أراضيها المحتلة، ومناهضة روح الهيمنة وفرض نظام العولمة ذي المنزع الفكري والثقافي الواحد على المجتمع الدولي قسراً وضد إرادة الحكومات والشعوب، ومنع العدوان بكل أشكاله على الشعوب الطامحة إلى الحرية والانعتاق، وأن يكون الحوار بين الحضارات على جميع مستوياته، وسيلةً ضد حرمان الشعوب من حقوقها التي أكدتها المواثيق الدولية وكفلتها الشرائع السماوية وضمنتها المبادئ الإنسانية، وأن يكون عاملاً فعالاً في التوعية بأهمية قضايا التنمية المستدامة ودورها في تطور الحياة الإنسانية ونشر قيم العدل والمساواة والتعايش بين شعوب العالم.
فيجب أن تدعو جميع المنظمات الأهلية إلى احترام الكرامة الإنسانية بين جميع البشر وعدم التمييز بينهم أياً كان نوع هذا التمييز وكذلك بين الدول سواء كانت صغيرة أو كبيرة والسعي لإيجاد أرضية مشتركة بين مختلف الحضارات وداخلها حتى يمكن مواجهة التحديات العالمية المشتركة.
وأن تقبل بالتعاون والسعي للتفاهم كآلية مناسبة لتعزيز القيم العالمية المشتركة ووضع حد للتهديدات العالمية.
كما يجب أن تقوم جهود كافة المنظمات الدولية على الاحترام المتبادل والتسامح في مجال وجهات النظر والقيم الخاصة بمختلف الثقافات والحضارات وحقوق الأفراد المنتمين إلى جميع الحضارات في الحفاظ على تراثهم وقيمهم الثقافية، ورفض تدنيس القيم الأخلاقية والدينية والثقافية وانتهاك الحرمات والمقدسات.
وتلتزم بمشاركة جميع الشعوب والأمم دون أي تمييز في عمليات صنع القرار وتوزيع المنافع على المستوى المحلي والعالمي هذا بالإضافة إلى التمسك بمبادئ العدالة والإنصاف والسلام والتضامن وكذلك بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ودورها الأساسي في تشجيع وحماية حقوق المرأة وكرامتها والمحافظة على مؤسسة الأسرة وحماية الشرائح المحتاجة إلى الرعاية في المجتمع : الأطفال والشباب والمسنين.
وأقترح في هذا التقرير المقتضب أن ننظر بإمعان إلى ما يمكن تسميته البرنامج ثلاثي الجوانب للحوار بين الثقافات : الشروط والتطلعات والآفاق.
1 . الشروط
إن الدخول في حوار ما وعلى الخصوص في حوار بين الثقافات يقتضي أن يبذل المتحاورون الرئيسيون بعض الجهد. فإذا كنا نريد حقاً أن نتفادى أي صدام وأن نعطي للحوار فرصة للوصول إلى السلم والوئام، فعلينا حتماً أن نمحو الفوارق الثقافية التي تظهر خلال الحوار. ويتعين علينا عند سعينا إلى تقليص الفوارق الثقافية، أن نكون حذرين في التمييز بين ما هو اختلاف ثقافي وما سواه.
وإذا كان من الثابت أن هناك اختلافاً في كيفية تعلق الأشخاص بمحيطهم وبالمكان والزمان، وفي كيفية استعمالهم وتطويرهم لقدراتهم المعرفية، فمن الثابت أيضاً أن ما نعتبره اختلافاً ثقافياً لا يمكن تجاوزه، لا يكون في الغالب إلا اختلافاً من نوع آخر تم ربطه مصادفة بحضارة معينة. لذا فإن الخطوة الأولى في سعينا إلى تقليص الفوارق الثقافية هي تفادي جميع أنواع الاختزال الثقافي.
أ) الخطوة الأولى : تفادي الاختزال الثقافي
قبل الحديث عن سبل تقليص الاختلافات الثقافية، يمكننا أن نطرح سؤالين مهـمـين : ما هـو الاخــتلاف الثــقافي الحـقيقي وهـل بالإمـكان تجـاوز الاخـتلاف الثقافي ؟ إن هذين السؤالين معاً لا يرتبطان فقط بوقائع، بل أيضاً بالمواقف الشخصية لكل منا. وفي الواقع لا يمكن اعتبار كل مشكل ينشأ بين شخصين من ثقافتين مختلفتين مشكلاً ثقافياً وعلينا أن نمتنع عن النظر إلى كل شيء من الزاوية الثقافية. وبعبارة أخرى فنحن بحاجة إلى عين متبصرة للتمييز بين ما يمكن اعتباره اختلافاً ثقافياً وما لا يمكن اعتباره كذلك من جهة وبين ما هو اختلاف ثقافي عميق وما هو مجرد اختلاف سطحي من جهة أخرى. وعلى هذا النحو سنقف في وجه أي موقف اختزالي يتمثل في شرح وتبرير كل صدام على أنه نابع من اختلاف ثقافي.
إن الاختلافات الثقافية غالباً ما تستخدم باعتبارها تصورات جامعة. فالناس كثيراً ما يفسرون كل شيء بالاختلاف الثقافي إما بسبب عجزهم عن الفهم أو لأسباب ذاتية أو شخصية. وكثيراً ما نسمع شخصاً يقول : >لم أعد أحتمله لأنه مختلف كثيراً عني <، في الوقت الذي نعني بضمير "هو" : > أنه ليس سوى كيان ذي ثقافة أو برج عاجي لا يمكن كسره<. إن الكسل وسوء الوعي قد يكونان السبب في مثل هذه المواقف.
ب) الخطوة الثانية : تبني موقف يتسم بتعليق الأحكام الثقافية
بالإضافة إلى بذل الجهود من أجل تفادي الاختزال الثقافي، علينا وبمجرد الدخول في مجال الحوار، أن نتبنى ما سأسميه هنا بتعليق الحكم الثقافي "cultural épochéس. إن كلمة "épochéس ذات الأصل الإغريقي تعني حرفياً تعليق الحكم. وفي فلسفة الشك الإغريقية، تعني "épochéس>رفض تبني حكم أو اعتقاد عندما لا تتوفر المعرفة الضرورية<. والفلاسفة الظاهراتيون يستعملون كلمة "épochéس أو تعليق الحكم للدلالة على الطريقة التي يضع من خلالها المرء >جانباً< جميع الافتراضات المتعلقة بوجود عالم خارجي من أجل الوصول إلى معرفة حقيقية بحتة.
- ii5ii-13db7f1932.docx (42.5 كيلوبايت, 44 مشاهدات)