——————————————————————————–
موضوعي عن تحليل الاستبداد والعلم لعبد الرحمن الكواكبي
انه موضوع مثير للاهتمام استفيدوا منه و تمنياتكم لي بالنجاح
من طبائع الاستبداد إلى مصارع الاستعباد : عودة إلى عبد الرحمان الكواكبي
فتحي الرحماني – 02/12/2017 – [قضايا الأمة] – »
« ما من حكومة تأمن بسبب من غفلة الأمة إلا وتسارع إلى التلبّس بصفة الاستبداد »
تكمن طرافة الكواكبي في كتابه « طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد » في أمرين أساسيين: أولهما أنه حاول صياغة " نظرية " متكاملة سعى من خلالها إلى تشخيص ظاهرة الاستبداد وتجلياتها في مستويات مختلفة: معرفيّة، سياسيّة، اجتماعيّة، اقتصاديّة، أخلاقيّة…
ثانيهما أنه ربط بين الاستبداد والاستعباد: فإذا كان الأوّل يعني التسلّط والقهر الذي تمارسه الدولة فإن الثاني يعني " قابليّة الاستبداد " والمقصود به حالة الضعف والجهل والتفكّك والعجز التي عليها أمّة من الأمم.
ويعتبر الكواكبي أن المحنة ليست في الدولة المستبدّة فحسب وإنّما في الأمّة الخاضعة كذلك، فالمستبدّ عنده " يتجاوز الحدّ لأنه يرى حاجزا، فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفا لما أقدم على الظلم "، ذلك أن الاستبداد إنما يكون بحسب استعداد الناس لقبوله أو رفضه، فإذا كانت الأمم والشعوب تنزع إلى طلب الحقّ والحريّ فإن الدولة نزّاعة إلى القهر والتسلّط.
فهكذا من الواجب إذن عندما ندرس ظاهرة الاستبداد ألا نغفل قفاها أي الاستعباد وهو ما يستتبع نتيجة منطقيّة مفادها أنّه لكي نتحرر من أثر هو الاستبداد يجب علينا أولا أن نتحرر من سببه وهو القابلية للاستبداد، فنحن في مواجهة الاستبداد عادة ما نتعلل بالقول: إننا غير قادرين على ذلك لأننا ضعفاء أو عاجزون أو جاهلون أو فقراء أو لأن المستبدّ قويّ يحتكر كل وسائل العنف، وننسى أن قوتّه من ضعفنا بل لا نفكّر في تهيئة أسباب المعركة وشروطها بأن نقضي أوّلا على أسباب ضعفنا وعجزنا وجهلنا وأن نأخذ من ثم بأسباب القوّة.
فإذا كان الاستبداد آلة جهنميّة تسحق بصورة منهجيّة المجتمع بأفراده ومؤسساته وتطحن كلّ فكرة أو جهد أو محاولة للتحرّر فإن أوّل شروط المواجهة هو فهم هذه الظاهرة في تجلياتها المختلفة وإدراك تشعبها، لذلك رأينا في عودتنا إلى الكواكبي أن نعرض لبعض المقدمات التي نراها ضروريّة في تشخيص الاستبداد وقفاه أي الاستعباد.، ومن ذلك:
1 ) أن الاستبداد سبب في جهلنا ونتيجة له في آن: فهو سبب في الجهل لأنّه " يجّفف المنابع " ويساهم في محاربة بعض العلوم ويسعى إلى توظيف بعضها الآخر كي يستمر ويسود ويبرر نفسه ويشرّع لوجوده. وهو نتيجة لأن الناس لا تعي حقوقها ودورها ولأن العلم يعني إدراك الحريّة ووعيها، فالمعرفة سلطة و " الاستبداد والعلم ضدّان " ، لذلك أكّد الكواكبي أن " كل ّ إرادة مستبدّة تسعى جهدها في إطفاء نور العلم وحصر الرعيّة في حلك الجهل ". بل يصبح من غير المجدي بناء المدارس وزيادة عددها إذا لم يكن من نتائجها إصلاح التعليم وإذا لم يكن من نتائجها إصلاح التعليم وإذا لم يكن للتعليم أثر اجتماعي واضح، فالمستبدّ لا يخاف العلوم كلّها بل يخشى تلك التي توسّع العقول وتعرّف الإنسان من هو الإنسان وما هي حقيقته ، لذلك نواجه اليوم في واقعنا جهلا وأميّة أخطر من أميّة القراءة والكتابة، إنّها أميّة ثقافية اجتماعية سياسية، ولهذا السبب اعتبر المفكّر الجزائري مالك بن نبيّ أن " العلوم الأخلاقيّة والاجتماعيةّ والنفسيّة تعدّ اليوم أكثر ضرورة من العلوم الماديّة في مجتمع مازال الناس فيه يجهلون حقيقة أنفسهم… فمعرفة الإنسان وإعداده أشقّ من صنع المحرّك ".
وعلى هذا النحو ينبغي علينا الانصراف إلى علوم الإنسان والآداب والفنون مثل التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والعلوم السياسية وإيلاأها الاهتمام الذي تستحقّ من خلال الدفاع عنها في برامج التعليم أو إعادة الاعتبار لها اجتماعيا.
أن الاستبداد السياسي يقترن باستبداد مالي إذ تبسط الدولة يدها على الأرزاق وتطلقها في المال العام وتحرص على سياسة التجويع والتفقير حينا بالترفيع في الضرائب أو افتعال أزمات البطالة وحينا آخر توهم الناس بالرخاء من خلال تشجيع ثقافة الاستهلاك، وعلى هذا النحو تهيمن الدولة على قوت الناس وتضمن خضوعهم وطاعتهم وتبعيتهم، ولذلك اعتبر بن خلدون في مقدمته " أن الظلم مؤذن بخراب العمران… وأنّ العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه من أن مصيرها انتهابها من أيديهم فإذا كان الاعتداء كثيرا عامّا في جميع أبواب المعاش كان القعود وكسدت سوق العمران ".
وعلى هذا الأساس لا بدّ في المجتمع من ايجاد آليات لمقاومة الاستبداد المالي من ذلك محاربة ثقافة الاستهلاك التي ينتعش منها الاستبداد ويستمدّ من خلالها شروط بقائه وإحياء ثقافة الكفاف والتقشّف والانتصار للجوهري في الإنسان والانصراف عن القيم الشكليّة العرضيّة الزائفة.
أن الاستبداد يسعى إلى إفساد الإنسان، فهو في نظر الكواكبي ينتج نظاما أخلاقيا به يحمي نفسه فيجعل " الرعيّة خادمة للرعاة " ويحارب القيم الفاضلة ومن بينها الحريّة ، وهي العدوّة الطبيعيّة للاستبداد، ويقتل إرادة الإنسان ويشيع قيم العبودية و " يجعل الإنسان يكفر بالنعم … فاقدا حبّ وطنه لأنّه غير آمن.. ضعيف الحبّ لعائلته"، فالاستبداد يسعى إلى تفتيت الأسر وتفكيك كلّ العلاقات التقليديّة ليحاول إنتاج نفسه في كلّ المستويات والمؤسسات الاجتماعيّة حتّى " يصير الإنسان مستبدا صغيرا في كنف المستبدّ الأعظم ".
لهذه الأسباب اعتبر الكواكبي أن التربية ( في الأسرة والمدرسة ) هي الوسيلة الناجعة لمحاربة القيم التي ينشرها الاستبداد أو يكون سببا فيها كالتواكل والجهل والتسليم، فوظيفة التربية تحرير العقول وإرساء قيم التحرّر وتغذية ملكة النقد والتفكير.
وعلى هذا النحو لا يكون قطع دابر الاستبداد، على حدّ عبارة الكواكبي، إلا عبر ما يسميه التنوير التدريجي الذي يهدف إلى القضاء على شروط بقائه واستمراره وهي " قابلية الاستبداد " أو ما يسميه بالإستعباد.
************************************************** ************************************************** ******************************************
الاستبداد عبدالرحمن الكواكبي
الشرح :
المقطع الأول :
المستبدُّ يتحكّم في شؤون الناسِ بإرادته لا بإرادتهم ، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم ، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المتعدِّي فيضع كعب رجلِهِ على أفواه الملايين يسدُّها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبتِهِ .
المستبدُّ عدوُّ الحق عدوُّ الحريَّة وقاتلُهما ، والحقُّ أبو البشر والحرية أمُّهم ، والعوام صبيةٌ أيتامٌ نيامٌ لا يعلمون شيئاً ، والعلماء هم إخوتهم الراشدون ، إن أيقظوهم هَبُّوا ، وإنْ دعوهم لبَّوا ، وإلا فيتصل نومُهًم بالموت .
المستبدُّ يتجاوزُّ الحدَّ مالم يرَ حاجزاً من حديد ، فلو رأى الظالمُ على جنبِ المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم كما يقال : الاستعداد للحرب يمنع الحربَ .
المستبدُّ إنسانٌ مستعدٌّ بالطبع للشر ، وبالإلجاء للخير ، فعلى الرعيةِ أنْ تعرفَ ما الخيرُ وما الشرُّ ، فتلجئ الظالمَ للخير على الرغمِ من طبعه ، وقد يكفي للإلجاء الطلب وحدّه إذا علم الظالمُ أنّ وراء القولِ فعلاً ، ومن المعلوم أنَ الاستعداد للفعل فعلٌ يكفي شرَّ الاستبداد .
شرح:
يصور الكواكبي في نصّه طبيعة المستبدّ الشريرة ، فهو يتخذ من هواه قانوناً ، ويحكم الناس حسب مشيئته ، ويسوسهم بأهوائه ، وهو مدرك أنّه معتد أثيم فيسترسل في ظلمه ، يكم الأفواه ، ويحول بينها وبين قول الحقّ.
ـ والمستبدّ يحارب الحرية والعدل لأنهما أصل حياة الشعوب ومنطلقِها ، والناس بسطاء غافلون لا يدركون من أمرهم شيئاً ، أمّا العلماء فهم الرجال الناصحون لهم فإذا نبهوهم ثاروا على واقعهم وإلا قضي عليهم .
ـ الظالم يتمادى في بطشه ما لم يجد قوة من الشعب تقف في وجهه فإذا رأى المستبد سلاحاً يحمله الشعب ما فكرّ في بطشه وطغيانه ، كما هو معروف أنَ الاستعداد للحرب يمنع الحرب .
ـ المستبدّ مخلوق شرير بطبعه ولا يفعل الخيرَ إلا مجبراً فعلى الشعب أن يفصِل بين حدود الخير والشرّ ، ويرغمَ الظالمَ على فعل الخير على الرغم من طبيعته الشريرة ، ويجب أن يكون الطلب مدعوماً بالقوة .
المقطع الثاني :
الاستبداد أصلٌ لكلِّ فساد ، ومعنى ذلك أنَ الباحثَ المدقّق في أحوال البشر وطبائع الاجتّماع كشف أَنّ للاستبدادِ أثراً سيئاً في كلِّ وادٍ ، فالمستبدُّ يضغطُ على العقلِ فيفسده ، ويلعب بالدين فيفسده ، ويحارب العلمَ فيفسده .
الشرح:
إن الاستبداد أساس كلِّ فسادٍ في المجتمع ، وعلماء الاجتماع الذين تعمّقوا في دراسة الطبائع البشرية وجدوا بعد البحث والتدقيق أن للمستبدِّ تأثيراً سلبياً في المجالات كلّها ، فهو يفسد العقل ، والدين ، ويشنّ حرباً قاسية على العلم .
المقطع الثالث :
إنَّ الاستبداد والعلم ضدّان متغالبان ، فكلُّ إدارة مستبدة تسعى جهدها في إطفاء نور العلم وحصر الرعيّة في حالك الجهلِ ، والعلماء الحكماء الذين ينبُتون أحياناً في مضايقِ صخور الاستبداد يسعون جهدهم في تنوير أفكار الناس ، والغالبُ أَنَ رجال الاستبداد يطاردون رجال العلم ، وينكلّلون بهم ، فالسعيد منهم مَنْ يتمكّن من مهاجرة دياره .
من كتاب "طبائع الاستبداد"
شرح:
إنَّ الاستبداد والعلم خصمان لدودان ، متحاربان دائماً فكلّ حكومة مستبدة تبذل قصارى جهدها في محاربة العلم ، وجعل عامة الشعب تعيش في ظلمة الجهل .
والعلماء المفكرون الذين يخرجون من أعماقِ ظروف القهر ، والظلم يبذلون جهدهم في إنارة عقول الناس لذلك فإنَّ رجال الاستبداد يلاحقون العلماء والمفكرين ويصْلونهم ألواناً قاسية من العذاب ، ومن كان حظّه وافراً منهم يستطيع أنْ يترك وطنه وبلاده هارباً من ظلمهم .
************************************************** **********
المستبدُّ يتحكّم في شؤون الناسِ بإرادته لا بإرادتهم ، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم ، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المتعدِّي فيضع كعب رجلِهِ على أفواه الملايين يسدُّها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبتِهِ .
المستبدُّ عدوُّ الحق عدوُّ الحريَّة وقاتلُهما ، والحقُّ أبو البشر والحرية أمُّهم ، والعوام صبيةٌ أيتامٌ نيامٌ لا يعلمون شيئاً ، والعلماء هم إخوتهم الراشدون ، إن أيقظوهم هَبُّوا ، وإنْ دعوهم لبَّوا ، وإلا فيتصل نومُهًم بالموت
المستبدُّ يتجاوزُّ الحدَّ مالم يرَ حاجزاً من حديد ، فلو رأى الظالمُ على جنبِ المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم كما يقال : الاستعداد للحرب يمنع الحربَ .
المستبدُّ إنسانٌ مستعدٌّ بالطبع للشر ، وبالإلجاء للخير ، فعلى الرعيةِ أنْ تعرفَ ما الخيرُ وما الشرُّ ، فتلجئ الظالمَ للخير على الرغمِ من طبعه ، وقد يكفي للإلجاء الطلب وحدّه إذا علم الظالمُ أنّ وراء القولِ فعلاً ، ومن المعلوم أنَ الاستعداد للفعل فعلٌ يكفي شرَّ الاستبداد .
الاستبداد أصلٌ لكلِّ فساد ، ومعنى ذلك أنَ الباحثَ المدقّق في أحوال البشر وطبائع الاجتّماع كشف أَنّ للاستبدادِ أثراً سيئاً في كلِّ وادٍ ، فالمستبدُّ يضغطُ على العقلِ فيفسده ، ويلعب بالدين فيفسده ، ويحارب العلمَ فيفسده .
إنَّ الاستبداد والعلم ضدّان متغالبان ، فكلُّ إدارة مستبدة تسعى جهدها في إطفاء نور العلم وحصر الرعيّة في حالك الجهلِ ، والعلماء الحكماء الذين ينبُتون أحياناً في مضايقِ صخور الاستبداد يسعون جهدهم في تنوير أفكار الناس ، والغالبُ أَنَ رجال الاستبداد يطاردون رجال العلم ، وينكلون بهم ، فالسعيد منهم مَنْ يتمكّن من مهاجرة دياره .
الكواكبي …
حلل النص تحليلا أدبيا تتناول فيه ما يلي :
تلخيص مضمون النص
– تحديد فكرته العامة وأفكاره الأساسية .
– دراسة أفكاره.وأسلوب .
تحليل نص الاستبداد للكواكبي:
1- تلخيص مضمون النص:
المستبد واحد من الناس يتسم بالتجبر فهو يقهر الآخرين ويذلهم ويكمم أفواههم لكنه لا يفعل ذلك إلا إذا وجد شعبا ضعيفا ذليلا يتقبل الهوان وينحني له فهو يعمل جاهدا على حصر الرعية في الجهالة الجهلاء ويسعى العلماء لتنوير العقول والأفكار فتشب الحرب بين الاستبداد والعلم وتحتدم وينتهي الأمر بالعلماء إلى الموت أو الهجرة .
2-تحديد الفكرة العامة والفكرة الأساسية :
الفكرة العامة
دعوة إلى التنور بالعلم والتحلي بالشجاعة لدحر الاستبداد.
الأفكار الأساسية.
1- طبيعة المستبد
2- لا تقوى شوكة المستبد إلا على الضعفاء الأذلاء
3- الحرب الضروس بين المستبدين والعلماء.
دراسة الأفكار
الغرض: النص الذي بين أيدينا مقال سياسي يدعو من خلاله الكاتب الشعوب المستضعفة إلى التعلم والأخذ بأسباب القوة لرفع الغبن والهوان عن أنفسهم . وهو غرض جديد ظهر في مطلع العصر الحديث بظهور فئة من المصلحين والأدباء أخذت على عاتقها تنوير الأمة وتوعيتها حتى تنفض عن نفسها غبار الذل والهوان وتدك قلاع الاستبداد . وهو مرتبط بظهور الصحافة والطباعة ….
من حيث الترتيب: أفكار الكواكبي متلاحمة شديدة الترابط حيث استهلها بوصف المستبد وإظهار حقيقته ثم بين انه لايتجاوز الحد إلا إذا وجد شعبا ضعيفا يتقبل الذل ثم انتقل إلى إظهار مساوئ الاستبداد وتأثيره السلبي فهو عدو للعلم والعلماء يحاول اجتثاثهم ويطاردهم من مكان إلى آخر
من حيث الوضوح: أفكار الكاتب واضحة ميسورة في متناول الجميع لأنه يهدف إلى توعية الناس وإرشادهم .
وهي عميقة لان الكاتب تعمق في تحليل نفسية المستبد فهو عدو للحرية قاتل للحق يتجاوز الحد يغلق الأفواه يفسد المجتمع .
من حيث الجدة والقدم:
أفكار الكاتب جديدة بارتباطها بأحداث العصر الحديث والاستبداد العثماني والاستعمار الغربي واستعماله لأراء الباحثين المدققين في أحوال البشر وطبائع الاجتماع .
من حيث الإقناع :
استعمل الكاتب وسائل الإقناع المتعددة منها استعمال الجمل الاسمية ( المستبد يتحكم…) (المستبد يتجاوز…)(المستبد إنسان…)كما استعمل أدوات التوكيد (إن الاستبداد والعلم …)(إن الباحث المدقق..إن للاستبداد أثرا..)
استعمال الشرط في قوله إن أيقظوهم هبوا .وان دعوهم لبوا …)
الأسلوب:
الألفاظ والعبارات:
أسلوب الكاتب واضح جزل قوي فقد أجاد اقتناء الألفاظ التي تبين حقيقة المستبد مثلا (الغاصب..المعتدي…عدو الحق…يضع كعب رجله على أفواه الملايين …مستعد للشر …) فهي توحي بالجبروت وإرهاب الآخرين وإذلالهم .
(العوام صبية…)توحي بضعف العقل(العلماء الراشدون …)توحي بالوعي وحسن التصرف .
اما عباراته فهي تميل الى الطول فصيحة واضحة فالمستبد يضغط على العقل فيفسده.ويلعب بالدين فيفسده) توحي ببشاعة الاستبداد
الخبر والإنشاء :
استعمل الكاتب الأسلوب الخبري المناسب لسرد وتقرير الحقائق من ذلك قوله (الاستبداد أصل لكل فساد )وغرضه إظهار بشاعة المستبد وتنفير الناس منه
الخيال :
الصور البيانية (من تشبيه وكناية واستعارة ومجاز):
حفل النص بالكثير من الصور البيانية التي تبرز عاطفة الكاتب وتبين أحاسيسه نحو المستبد ونحو الرعية
(يضع كعب رجله على أفواه الملايين )كناية عن تكميم الأفواه والقضاء على حرية الكلمة
(المستبد عدو الحق عدو الحرية وقاتلهما ) حيث شبه الحق والحرية بإنسان يعاديه المستبد ويقتله
(الحق أب البشر . والحرية أمهم . والعوام صبية أيتام نيام .والعلماء هم إخوتهم الراشدون) فهي4تشبيهات متتالية تبين بشاعة المستبد وضعف الرعية وأهمية دور العلماء .
البديع:
استعان الكاتب ببعض المحسنات البديعية التي أضفت على النص جمالا ورونقا منها السجع في قوله : * أيقظوهم ، هبوا .وان دعوهم لبوا ) (مستعد بالطبع للشر .وبالإلجاء للخير)
والجناس الناقص في قوله (هبوا ولبوا)(العلماء والحكماء ) .
الطباق في (الظالم والمظلوم )(الخير والشر )(القول والفعل )(العلم والجهل )(إطفاء النور والتنوير)…
أتمنى أن تكونوا استفدتم من هذا التحليل دعواتكم لنا بالخير والنجاح والفلاح
لا خفاء أن السياسة علم واسع جداً ينقسم إلى فنون كثيرة ومباحث شتى وقلما يوجد إنسان يحيط بهذا العلم كما أنه قلما يوجد إنسان لا يحتك فيه .
ونظرا إلى مبنى علم السياسة على تعريفه بانه هو " ادارة الشئون المشتركة بمقتضى الحكمة " يكون بالطبع أول مباحث السياسة وأهمها " الاستبداد " أى التصرف في الشئون المشتركة بمقتضى الهوى .
وأنى أرى أن المتكلم في هذا البحث عليه أن يلاحظ تعريف وتفصيل " ما هو الاستبداد ؟ ما سببه ؟ ما اعراضه ؟ ما تشخيصه ؟ ما سيره ؟ ما انذاره ؟ ما دواؤه ؟ " وكل موضوع من ذلك يتحمل تفصيلاً كثيراً وبعضه يتحمل سفرا كبيرا .
وهذه المباحث من حيث مجموعها تنطوى على مسائل كثيرة أسرد منها بعض الأمهات وهى : ما طبيعة الاستبداد – لماذا يكون المستبد شديد الخوف – لماذا يستولى الجبن على رعية المستبد – ما تأثير الاستبداد على الدين ؟ على العلم – على المجد – على المال – على الأخلاق – على الترقى – على التربية – من أهم أعوان المستبد – هل يتحمل الاستبداد – كيف يمكن التخلص من الاستبداد – بماذا ينبغى استبداد الاستبدال – ما هى طبائع الاستبداد .
ثم انى قبل الخوض في هذه المسائل ألخص النتائج التى تستقر عندها أفكار المتكلمين فيها وهى نتائج متحدة المدلول مختلفة التعبير على حسب اختلاف المشارب والأنظار في الباحثين .
فيقول المادى . الداء القوة والدواء المقاومة : ويقول السياسي : الداء استبعاد البرية والدواء استرداد الحرية .
ويقول الحكيم : الداء القدرة على الاعتساف والدواء الاقتدار على الاستنصاف . ويقول الحقوقى : الداء تغلب السلطة على الشريعة والدواء تغليب الشريعة على السلطة . ويقول الربانى : الداء مشاركة الله في الجبروت والدواء توحيد الله حقا .
هذه أقوال أهل النظر وأما أهل العزائم – فيقول الأبي الداء مد الرقاب للسلاسل والدواء الشموخ عن الذل . ويقول الشهم : الداء التعالى على الناس باطلا والدواء تذليل المتكبرين . ويقول المتين : الداء وجود الرؤساء بلا زمام والدواء ربطهم بالقيود الثقال . ويقول المفادى : الداء حب الحياة والدواء حب الموت .
ما هو الاستبداد ؟
الاستبداد لغة هو اقتصار المرء على رأى نفسه فيما ينبغى الاستشارة فيه .
يراد بالاستبداد عند اطلاقه استبداد الحكومات خاصة لأنها هى أقوى العوامل التى جعلت الانسان أشقى ذوى الحياة وأما تحكم رؤساء بعض الأديان وبعض العائلات وبعض الأصناف فيوصف بالاستبداد مجازا أو مع الاضافة .
وفى اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بلا خرف تبعه .
وقد تطرق مزيدات على هذا المعنى فيستعلمون في مقام كلمة ( الاستبداد ) كلمات استعباد . واعتساف . وتسلط . وتحكم . وفى مقابلتها شرع مصون . وحقوق محترمة . وحس مشترك . وحياة طيبة .
ويستعملون في مقام صفة ( مستبد ) كلمات حاكم بأمره ، وحاكم مطلق ، وظالم وجبار ، وفى مقابلة حكومة مستبدة كلمات عادلة . ومئولة . ومقيدة . ودستورية .
ويستعملون في مقام صفة ( مستبد عليهم ) كلمات أسرى وأذلاء . ومستصغرين . ومستنبتين (1) وفى مقابلتها محتسبون . وأباة . واحرار . وأحياء .
هذا تعريف الاستبداد بأسلوب ذكر المرادفات والمقابلات وأما تعريفه بالوصف فهو أن الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان التى تتصرف في شئون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين .
ومنشأ الاستبداد أما هو من كون الحكومة غير مكلفة بتطبيق تصرفاتها على شريعة أو على أمثلة أو على ارادة الأمة وهذه حالة الحكومات المطلقة . وأما من كونها مقيدة بنوع من ذلك ولكنها تملك بنفوذها أبطال قوة القيد بما تهوى وهذه حالة اكثر الحكومات التى تسمى نفسها بالمقيدة .
(1) الاستنبات أو التنبت من اصطلاحات سواس الأفرانج يريدون به الحياة الشبيهة بحياة النبات .
وأشكال الحكومة المستبدة كثيرة ليس هذا البحث محل تفصيلها . ويكفى هنا الاشارة إلى ان صفة الاستبداد كما تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذى تولى الحكم بالغلبة أو الوراثة تشمل أيضا الحاكم الفرد المقيد الوارث أو المنتخب متى كان غير محاسب ، وكذلك تشمل حكومة الجمع ولو منتخبا لأن الاشتراك في الراى لا يدفع الاستبداد وإنما قد يعدله نوعا وقد يكون أحكم وأضر من استبداد الفرد .
ويشمل ايضا الحكومة الدستورية المفرقة فيها قوة التشريع عن قوة التنفيذ لأن ذلك ايضا لا يرفع الاستبداد ولا يخففه مالم يكن المنفذون مسئولين لدى المشرعين وهؤلاء مسئولون لدى الأمة التى تعرف أن تراقب وأن تتقاضى الحساب .
وخلاصة ما تقدم أن الحكومة من اى نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والمحاسبة التى لا تسامح فيها كما جرى في صدر الإسلام فيما نقم على عثمان بن عفان رضى الله عنه وكما جرى في عهد هذه الجمهورية الحاضرة في فرنسا في مسائل النياشين وبناما ودريفوس .
ومن الأمور المقرر أنه ما من حكومة عادلة تأمن المسئولية والمؤاخذة بسبب من أسباب غفلة الأمة أو اغفالها الا وتسارع إلى التلبس بصفة الاستبداد وبعد أن تتمكن فيه لا تتركه وفى خدمتها شيء من القوانين الهائلتين المهولتين جهالة الأمة والجنود المنظمة .
ولا يعهد في تاريخ حكومة من الحكومات المدنية استمرار حكومة مسئولة اكثر من نصف قرن إلى غاية قرن ونصف .
وما شذ من ذلك سوى الحكومة الحاضرة في انكلترا والسبب يقظة الانكليز الذين لا يسكرهم انتصار، ولا يخملهم انكسار .
وهذه حضرة الملكة فيكتوريا لو تسنى لها الاستبداد الآن لغنمته ولو لأجل عشرة أيام من بقية عمرها . ولكن هيهات أن تظفر بغرة من قومها تستلم فيها زمام الجيش .
أما الحكومة البدوية التى تتألف رعيتها كلها أو أكثرها من عشائر يقطنون البادية يسهل عليهم الرحيل والتفرق متى مست حكومتهم حريتهم وسامتهم ضيما ولم يقووا على الاستنصاف فهذه الحكومات قلما اندفعت إلى الاستبداد .
وأقرب مثال لذلك أهل جزيرة العرب فانهم لا يكادون يعرفون الاستبداد من قبل عهد ملوك تبع وحمير وغسان إلى الآن الا فترات قليلة .
وقد تكلم الحكماء لا سيما المتأخرون في وصف الاستبداد ودوائه بجمل بليغة بديعة تصور في الأذهار شقاء الانسان كأنها تقول له هذا عدوك فانظر ماذا تصنع . ومن هذه الجمل قولهم :
" المستبد يتحكم في شئون الناس بارادته لا بارادتهم ويحاكمهم بهواء لا بشريعتهم ويعلم من نفسه أنه الغاصب المعتدى فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعى لمطالبته " .
" المستبد عدو الحق عدو الحرية وقاتلها والحق أبو البشر والحرية أمهم والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئا والعلماء هم اخوتهم الراشدون ان ايقظوهم هبوا وان دعوهم لبوا " .
" المستبد يتجاوز الحد لأنه لا يرى حاجزا فلو رأى الظالم على الجنب المظلوم سيفا لما أقدم على الظلم كما قيل الاستعداد للحرب يمنع الحرب " .
" المستبد إنسان مستعد بالفطرة للخير فعلى الرعية أن تكون مستعدة لأن تعرف ما هو الخير وما هو الشر .
مستعدة لأن تقول لا أريد الشر . مستعدة لأن تتبع القول بالعمل على أن مجرد الاستعداد للفعل يكفى شر الاستبداد .
المستبد إنسان والانسان أكثر ما يألف الغنم والكلاب .
فالمستبد يود ان تكون رعيته كالغنم درا وطاعة وكالكلاب تذللا وتملقا . وعلى الرعية أن تكون كالخيل أن خدمت وأن ضربت شرست بل عليها أن تعرف مقامها هل خلقت خادمة للمستبد أم هى جاءت به ليخدمها فاستخدمها . والرعية العاقلة تقيد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه في يدها لتأمن من بطشه فان شمخ هزت به الزمام وان صال ربطته وفى هذا المقدار كساية لمعرفة ما هو الاستبداد بالاجمال والمباحث الآتية كافلة بالتفصيل .
ويقولون ان المستبدين من السياسين يبنون استبدادهم على أساس من هذا القبيل ايضا لأنهم يسترهبون الناس بالتعالى الشخصى والتشامخ الحسى ويذلونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتى يجعلوهم خاضعين لهم عاملين لأجلهم كانهم خلقوا من جملة الأنعام نصيبهم من الحياة ما يقتضيه حفظ النوع فقط .
ويرون ان هذا التشاكل في بناء ونتائج الاستبدادين الدينى والسياسى جعلهما في مثل فرنسا خارج باريس مشتركين في العمل كانهما يدان متعاونتان . وجعلهما في مثل روسيا مشتبكين في الوظيفة كأنهما القلم والقرطاس اذا استعملا في تسجيل الشقاء على الناس .
ويقررون أن هذا التشاكل بين القوتين ينجز بعوام البشر وهم السواد الأعظم إلى التباس الاله المعبود والجبار عليهم واختلاطهما في مضايق أذهانهم من حيث التشابه في استحقاق التعظيم والرفعة عن السؤال والماخذة على الأفعال . بناء عليه لا يرون لأنفسهم حقا في مراقبة المستبد .
وبعبارة أخرى لم يجد العوام معبودهم وجبارهم مشتركين في كثير من الحالات والأسماء والصفات وهم ليس من شأنهم أن يفرقوا مثلا بين الفعال المطلق والحاكم بأمره وبين " لا يسئل عما يفعل " و " غير مسئول " وبين " المنعم وولى النعم " وبين " جل شأنه " و " جليل الشأن " بناء عليه يعظمون الجبابرة تعظيمهم لله .
وهذه الحالة هى التى سهلت في الأمم الغابرة المنحطة دعوى بعض المستبدين الالوهية على مراتب مختلفة حسب استعداد أذهان الرعية حتى يقال انه ما من مستبد سياسي الا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقام ذى علاقة مع الله .
ولاأقل من أن يتخذ بطانة من أهل الدين المستبدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله .
ويعللون ان قيام المستبدين من أمثال " أبناء داوود وقسطنطين " في تأييد نشر الدين بين رعاياهم وانتصار مثل " فليب الثانى " الأسبانى و " هانرى الثامن " الانكليزى للدين حتى بتشكيل مجالس انكليزسيون وكالحاكم الفاطمى والسلاطين الأعاجم المنتصرين لغلاة الصوفية والبانين التكايا لم يكن ذلك كله الا بقصد الاستعانة بالدين أو بأهل الدين على ظلم المساكين .
ويحكمون بأن بين الاستبداديين السياسي والدينى مقارنة لن تنفك متى وجد أحدهما في أمة جر الآخر اليه أو متى زال رفيقه وان ضعف اى صلح احدهما صلح الثانى .
وشواهد ذلك كثيرة جداً لا يخلو منها زمان ولا مكان وكلها تبرهن على أن الدين أقوى تأثيرا من السياسة ويمثلون بالسكسون فان البروتستانتية أثرت في الاصلاح السياسى أكثر من تأثير الحرية السياسية عند الكاثوليك .
والحاصل أن كل المدققين السياسيين يرون ان السياسة والدين يمشيان متكاتفين أن اصلاح الدين أسهل منالا وأقوى وأقرب طريقا للاصلاح السياسى .
ويرون ان اول من سهل هذا المسلك حكماء اليونان حيث تحيلوا على ملوكهم المستبدين في حملهم على قبول الاشتراك في السياسة بأحيائهم عقدة الاشتراك في الالوهية أخذوها عن الأشوريين ومزجوها بأساطير المصريين بصورة تخصيص العدالة باله والحرب باله والبحار باله والأمطار باله إلى غير ذلك من التوزيع وجعلوا لاله الالهه حق النظارة عليهم وحق الترجيح عند وقوع الاختلاف بينهم .
وبعد تمكن هذه العقيدة في الأذهان بما ألبست من سحر البيان سهل على أولئك الحكماء دفعهم الناس إلى مطالبة جبابرتهم بالنزول من مقام الانفراد وبأن تكون ادارة الأرض كادارة السماء فأنصاع ملوكهم لذلك مكرهين . وهذه الوسيلة العظمى التى مكنت اليونان أخيرا من اقامة جمهوريات أثينا وأسبارطة .
وكذلك فعل الرومان وهذا الاصل لم يزل المثال القديم لأصول توزيع الادارة في الحكومات الملكية والجمهورية على انواعها إلى هذا العهد.
************************************************** ***********************************************s:e :z78
منقول