ظاهرة وحركة من حركات التمرد على الواقع الحياتي والمعاشي الذي يعيش الانسان في كنفه . فالانسان لا يملك كفاف عيشه وطعامه لتدفعه الحياة لكي يواجه مخاطرها ويسيح في عرض البلاد وطولها طالباً الحصول على رزقه بكافة السبل ليبقى وهو يسعى في مناكب الارض كريماً عزيزاً لا يتذلل لأحد .
وفي الارض منأى للكريم عن الاذى وفيها لمن خاف القلى متعزل
ويعد شعر الصعاليك في ادبنا العربي دعوة لنبذ الواقع المحبط واخذ مال الاغنياء والموسرين وتوزيعه على اصحاب الحاجة لسد رمق معيشتهم .
ومن يك مثلي ذا عيال ومقتراً من المال يطرح نفسه كل مطرح
والصعاليك طوائف متعددة فمنهم الخليع الذي تبرأت عنه عشيرته واهدرت دمه ومنهم الغرباء ابناء السبايا الذين تنكر لهم اباؤهم ولم يعترفوا بهم ، والفقراء الذين تمردوا على الواقع نتيجة للظروف التي كانوا يعيشونها ليحترفوا الصعلكة وينضموا الى من تصعلك قبلهم فهو يدعوا للحصول على طعامه ولو ادى ذلك الى امتشاق السيف
ذريني اطوف في البلاد لعلني اخليك أو اغنيك عن سوء محضري
وفي هذا الشعر نجد رفضاً واقعياً للمعيشة المرة والفقر المحدق ونداء يطلب المساواة بين الجميع ودعوة الى رابطة اجتماعية يسودها العز والكرامة .
إذا المرء لم يبعث سواماً ولم يرح سوماً ولم تعطف عليه اقاربه
فللموت خير للفتى من حياته فقيراً ومن مولى تدب عقاربه
ثم يمضي الشاعر في فضاء رحب فسيح ساعياً للحصول على ما يسد به رمقه دون سؤال الناس و استجدائهم :
متى تطلب المال المقنع بالقنا تعش ماجداً أو تحترمك المخارم
ثم اننا نجد ان هناك ظاهرة اخرى في اشعارهم و هي التشرد و النأي عن الاهل و بعدهم عنهم لتثور فيهم ظاهرة الشجاعة و الغزو لاعدائهم و مهاجمتهم للقوافل التجارية :
مطلاً على اعدائه يزجرونه بساحتهم زجر المنيع المشهر
اما شعرهم فهو مليء بالواقعية الصادقة و الصور الحقيقية حيث انه المتنفس الوحيد لما كانت تضيق به الصدور و تجيش به قرائحهم و تعبر عنه خباياهم حيث تصبح و بشكل دائم دعوة لاخوانهم للانضمام اليهم:
و ما نلتها حتى تصعلكت حقبة و كدت لاسباب المنية اعرف
و شعرهم ذو مزية رتيبة عالية مصبوغة بوحدة موضوعية متناغمة لتعبر عن واقعهم و افعالهم من غزوات و سرعة و مهاجمة القوافل ونهبها
و حتى رأيت الجوع بالضيف ضرني إذا قمت تغشاني ظلال فاسدف
حتى ان بعضهم كان يطلب من زوجاته الصبر و الاناة لان الظروف والحياة القاسية هي التي دفعته الى ذلك :
أقيموا بني آمي صدور مطيكم فإني الى قوم سواكم لأميل
لعمرك ما في الارض ضيق على امرى سرى راغباً أو راهباً و هو يغفل
و نجده من الواضح الجلي في هذه الظاهرة الفنية الشعرية ابتعادهم عن القصيدة الطويلة .
يقول د. يوسف خليف: تلك هي الحياة القلقة المشغولة بالكفاح في سبيل العيش و تلك الطائفة الارستقراطية المستقرة التي فرّغت للفن تراثاً هيأته لها .
قبائل لا من أجل الفن و لكن من أجلها هي و هذا ما يؤكده قول الشاعر
تقول سليمى لا تعرضن لتلعة و ليلك عن ليل الصعاليك نائم
ألم تعلمي ان الصعاليك نومهم قليل إذا نام الخلي المسالم
و في شعرهم نجد فلسفتهم في الحياة و لذتها ، و ذلك من خلال تجاربهم اليومية .. و خاصة ظاهرة العدل الاجتماعي و نظرتهم تلك النظرة المزرية الى الفوارق الطبقية
ذريني للغنى اسعى فإني رأيت الناس شرهم الفقير
ثم انه لا يبقى ساكتاً على الظلم و القهر ليجد لنفسه متسعاً يثور من خلاله و مكاناً في الارض يبتعد به عن الذل و الاذى
و في الارض منأى للكريم عن الاذى و فيها لمن خاف القلى متعزل
ان شعر الصعاليك هو امتداد ذو صبغة شعرية تدل على القدرة الفنية و الاحساس المرهف الجمالي حيث تمكن الشاعر ان ينطلق من خلاله للتأسيس و التجديد ، و يمتاز بأشعاره بخاصة فنية خاصة يتفرد بها الشعر الجاهلي .
التراجيديا وظاهرة الصعلكة في الشعر العربي .*
التراجيديا ،كما أكّد " أرسطو " ، هي كلُّ ما يثير فينا الشـفقة والحزن ، وقد اعتبر ، حينها ، أن المسرحية التراجيدية تشكّل ضرورة هامة للناس ؛ لأنها تطهّر الكاتب حين يبدعها ، والمتلقي حين يشاهدها ، أو يتلقاها بصيغة معينة ، وبخاصة إذا تقاطعت مع جوانب من مشكلاته المكبوتة .
و" التراجيدي " مصطلح جمالي مبنيّ – من حيث المفهوم المجرّد – على كلّ ما له علاقة بالمأساة ، ويقابله المأساوي ، أو المأسوي ، وهو يشكّل ، بعد تحوّله من المفهوم إلى القيمة ، أحدَ الموضوعات الأثيرية التي تستهوي المبدعين ، لذلك فالتراجيدي يُعَدُّ من أبرز مظاهر الإبداع الأساسية إلى جانب الجميل والقبيح والكوميدي والجليل.
وللحضور التراجيدي المميّز في العمل الفني أسباب كثيرة ، أبرزها اثنان : يتمثّل الأول في موت الجميل الذي يولِّد ، غالباً ، شعوراً مأساويّاً بمستوى معيّن لدى المبدع الذي يجسّده في عمله الفني تعبيراً أو تصويراً ، ويتمثّل السبب الثاني في عدم الانسجام بين " المَثَل الأعلى " الذي يرغب الإنسان في تحقيقه ، وبين محيطه الاجتماعي والثقافي، أي الشعور الذي يتولّد لدى المبدع حين تُقيّدُ طموحاته ، وآماله لأسباب معينة ، أو تنكسر ، وهذا يولّد غالباً إحساساً عميقاً بالحزن ، أو بخيبة الأمل .
لذلك فالتراجيدي ، في الفن ، قيمة جمالية تعني التعبير عن المأساة بسبب انعكاس حدث معيّن على المبدع يُجسّده عادة عبر الصورة الفنية ، أو بوسائل أخرى .
و" علم الجمال " يتناول التراجيدي بوصفه مفهوماً جمالياً حُوِّل إلى قيمة في العمل الإبداعي ، وهو لذلك يدرس التراجيدي في الفن عبر مستويين :
أ -: قيمة التراجيدي التي تحوّلت من الفكرة المجرّدة إلى الإحساس الذاتي المصاغ صياغة فنية ، وملامحها ، وعلاقتها بالقيم الأخرى من حيث المساحة والمجاورة والبنية ونمط التفاعل .
ب -: الشكل الفني الذي جسّد المبدعُ موضوعَه فيه ، ومدى انعكاس المحتوى التراجيدي وتغلغله ضمن هذا الشكل الفني عبر الموسيقى والإيقاع ، والمفردة ، والصـورة الفنية ، والمناخ ،فإذا حدث مثلُ هذا التعالق فغالباً ما يكون المبدع موفّقاً .
والشعر الجاهلي أعطى مساحة واسعة للتراجيدي في نصوصه ،حتى لا يمكن لنا أن نقرأ هذا الشعر دون الاهتمام بهذا الجانب التراجيدي…
يمكن اعتبار ظاهرة الصعلكة ظاهرة تراجيدية ،بل يمكن التعامل معها على أنّها كذلك لاعتبارين أساسيين : يتمثّل الأوّل في أنّ السبب الرئيسي الذي أفرزها عائد إلى عدم التواؤم بين رغبات الأفراد وقبائلهم ؛ بمعنى أنّهم لم يستطيعوا تنفيذ ما يطمحون إليه من رغبات وأحلام وغيرها على حيّز الواقع بسبب الموانع والضوابط التي كانت تفرضها عليهم قبائلهم ، والصعلكة – على ضوء ذلك – تمثّل التصادمَ بين رغبة الفرد والجماعة ، بين ما يرغب فيه ، وما يُفرض عليه ، ولعلّ هذا التصادم الذي كَسَر الحلمَ الذاتي ، وزعزع الثقةَ بالقبيلة هو الذي جعل من الصعلكة ظاهرة تراجيدية
ويعود الاعتبار الثاني الذي يؤكد أن الصعلكة " ظاهرة تراجيدية " إلى نصوص الشعراء الصعاليك التي تعكس دون استثناء ذلك الشعورَ الرومانسي الذي يهيمن على الفرد مثل : الحزن والإحباط والتمزّق والشعور الدائم بأنّه متروك ؛ أي إنّ المناخ العام الذي يوحي به شعر الصعاليك هو مناخ تراجيدي، وصحيح أنّنا نقرأ ، دائماً ، في أشعارهم تحدّياً للمجتمع الذي نفاهم ، وللطبيعة، ونراهم يجسّدون قدراتهم في الشجاعة والعدْوِ والكرم والإيثار ، ومقاومة الـجوع والعطـش والوحوش الكاسرة والظلام المخيف ، وجفاف الصحراء ، لكنّ كلّ هذا لا ينفي أنّ أشعارهم مبطّنة بمساحة واسعة من الحزن وامتدادا ته، بل إنّ الجانب الظاهر الذي يتمثّل في التحدي المذكور لهو نوعٌ من أنواع ردِّ الفعل على حالة تراجيدية عميقة زرعها المجتمع في نفوسهم حين أهملهم ، وظلمهم ، وطردهم .
ونحن نستغرب حين نقرأ ، مثلاً ، دراسة متخصّصة في شعر الصعاليك ، وهي ذاتُ سمعة علمية لا نشكّ بأهميتها ، كدراسة يوسف خليف " الشعراء الصعاليك "() التي تمتدّ حتى ثلاثمئة وخمسين صفحة والتي تناول فيها ، تقريباً ، كلَّ ما يتعلّق بموضوعه ، ولكنّ هذا التناول كان أُفقيّاً ؛ بمعنى أنّه لم يتطرّق إلى الجانب الأهمّ في شعرهم الذي يمكنُ اعتباره القوّة التي تكمنُ وراء شعريّة شعرهم ، وقوّة فنّهم ، وتأثيره واستمراره حتى اليوم ،هذا الجانب هو الجانب التراجيدي ، وهـو يمثّل النبضَ الحـيّ الذي يحرّك فيه الخيوط الفنية والجمالية كافة ، ويمكن القول : إنّه وراء الخصوصيّة التي تميّز شعرَ الصعاليك من غيرهم في العصر الجاهلي، وهو سببٌ أساسي من أسـباب تفرّدهم، إلـى جانب أنّ النكهة التراجيدية تتناغم وأسباب نشوء الظاهرة المميّزة .
ولابدّ من الإشارة إلى أنّ المؤلّف تناول هذا الجانبَ ضمن فقرة وحيدة لا تتجاوز سبع صفحات ، عنوانها " أحاديث التشرّد " ، وقد قرأ " التشرّد " قراءة سطحية ، ولم يستغلّه للبحث عمّا هو أعمق في تلك الظاهرة ، وبخاصّة أنّ موضوع " التشرّد " خلّف في شعر الصعاليك مشاعر مأساويّة لا يكاد نصٌّ يخلو منها ، على الرّغم من أنّه ليس دائماً ظاهراً فيه ، وقد اهتمّ المؤلّف في هذه الفقرة بإحصاء أنواع " حيوانات الصحراء " التي تناولها الشعراء الصعاليك ، وكيف رسـم هؤلاء صورَ بعض تلك الحيوانات كالأسد والضبع والحمار الوحشي وغيرهم .
لقد قدّمت دراسةُ " يوسف خليف " معلومات وثائقية هامّة ، ولكنّها لم تقترب من روح شعر الصعاليك .
ونحن بحاجة ملحّة إلى أنْ نقرأ شعرنا القديم بطريقة تتناسب وطبيعته ، إذ ليس بالضرورة تطبيق كلّ المناهج ، أو أكثرها حداثة في النقد على الظاهرة ؛ فكلّ هذا ليس هو المهم ، بل نعتقد أنّ معرفة الزاوية الصحيحة لقراءة الظاهرة هي الأهم للتغلغل إلى أعماقها ، وجوهر روحها وشعريّتها ، فدراسة " يوسف خليف " المذكورة تناولت ظاهرة الصعاليك ضمن معطيات تنطبق على أيّ ظاهرة أخرى في أي عصر ، ولم تبحث عن المدخل الخاص الذي يميّز تلك الظاهرة ، ولذلك لم تقدّم سوى ما هو وثائقي وخارجي بالنسبة إليها ، ومثلُ هذه الدراسة كثيرٌ في نقدنا الحديث الذي تناول الشعر العربي القديم ، وظَلَمَهُ.
لقد انطوى شعر الصعاليك على مقولات مثل : الاغتراب ، والأسى ، والمرارة ، والظلم ، والإهمال ، والاضطهاد ، والجوع والفقر ، وهذه ساهمت جميعها بإثبات " هويّة التراجيدي " 0، ولعلّ عروة بن الورد يبيّن سبب كلّ ذلك بقوله :
ومَنْ يسألُ الصعلوكَ : أين مذاهبه
وسائلةٍ : أين الرّحيلُ ؟ وسائلٍ
إذا ضنَّ عنه بالفعال أقاربه()
مذاهبُه أنّ ا لفجاجَ عريضةٌ
ويمكن الزعم أنّ " لامية الشنفرى " هي أبرزُ ما يمثّل انكسار الحلم الذاتي وزعزعة الثقة بالقبيلة ، وهي التي تردّد المقولات المذكورة ، وتؤكّدها ؛ فهو يبدؤها بحزن شديد ، وعتاب لأهله الذين ضيّقوا عليه ، وهو يؤكّد لهم أنّ الأرض فسيحة ، ويمكن لـه أنْ يستبدلهم بغيرهم ، فهو أصبح – بعد الذي لحقه في قبيلته – يفضّل وحوش الصحراء عليهم .(1)
ثم ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن صبره على الجوع وما يعانيه من تشرّد وشقاء ،يقول :
فإني إلى قومٍ سواكم لأميلُ
أقيموا بني أميّ صدورَ مطيكم
و فيها لمن خاف ا لقِلَى متعزَّلُ
وفي الأرضِ منأىً للكريم عن الأذى
و أرقطُ زهلولٍ و عرفاءُ جيألُ
و لي دونكم أ هْلونَ سيد عملَّس
لديهم ولا الجاني بما حرَّ يُخذلُ()
همُ الأهلُ لا مستودعُ ا لسّرِ ذائعٌ
فالشنفرى يطلب من أهله – ونبرة الحزن بادية عليه – أنْ يستغنوا عنه ، لأنّه يميل إلى غيرهم، وهذا الميلُ ليس عقوقاً منه ، وإنّما بسبب ما لحقَهُ من ظلم وأذى وقطيعة ، ولعلّ هذا المنطلق يشكّل مدخلاً لقراءة هذه القصيدة، ولم ينسَ الشاعر أنْ يتوقّف عند تشرّده وجوعه وصبره إلى جانب تصريحه بأنه يفضّل وحوش الصحراء على قومه ، لأنّ تلك الوحوش تحافظ على سرِّ الإنسان وتحترمه ، والسؤال الذي يُثار هنا : هل تغمر البهجةُ الشاعرَ وهو يفتخر بأنّه استطاع مصادقةَ أشرس أنواع الحيوانات الصحراويّة كما يزعم بعض النقاد الذين فسّروا ذلك بإبراز الشاعر لقوّته وقدرته ، ومن ثَمّ سعادته ؟ إنّ الإجابة ستكون بالنفي ؛ لأنّ هذين البيتين يكشفان عن شخص بائس ومتعب وحزين ومرهق ، ويكاد يختنق ممّا جرى له ، ولعلّ أبسط ما يدلّ على ذلك شكواه من أنّ هذه الحيوانات تكتم السرَّ ؛ أي إنّ البشر لا يكتمون السرّ ،والشاعر بهذا يكشف عن معاناته الشديدة من جرّاء ذلك ، ثمّ ما الذي يدفع شخصاً ما إلى الخروج على القبيلة والهجرة إلى الصحراء ، وموالفة الوحوش ، والأفاعي ، ومقاومة الجوع والتشرّد لولا المعاناة الشديدة التي دفعته إلى ذلك .
إنّ نصَّ الشنفرى ينطوي على الفخر بالذات ، ولكنّه فخرٌ مبنيّ على ألمٍ لا يقاوَم، وليس من الممكن قراءة هذا النصّ إلاّ ضمن المعطى التراجيدي الذي يحكمُه .
ونحن نرغب أنْ نختمَ هذه الفقرة بالدّعوة إلى إعادة النّظر في ظاهرة الصعلكة في العصر الجاهلي من منطلق كونها " ظاهرة تراجيدية "، ونعتقد أنّ دراستها على هذا الأساس ستجعلنا نضع أيدينا على حقائق فنيّة وجماليّة هامّة تتعلّق بروح شعر الصعاليك وجوهره ؛ وستنقلنا من الخارج إلى الدّاخل ، أي من الهامشي إلى الجوهري ، وستجيب عن تساؤلاتنا الكثيرة التي لم تُجدِ معها الطرائق السابقة نفعاً .
تلخيص :
الصعلكة : ظاهرة وحركة من حركات التمرد على الواقع الحياتي والمعاشي الذي يعيش الانسان في كنفه . فالانسان لا يملك كفاف عيشه وطعامه لتدفعه الحياة لكي يواجه مخاطرها ويسيح في عرض البلاد وطولها طالباً الحصول على رزقه بكافة السبل ليبقى وهو يسعى في مناكب الارض كريماً عزيزاً لا يتذلل لأحد .
والصعاليك طوائف متعددة فمنهم الخليع الذي تبرأت عنه عشيرته واهدرت دمه ومنهم الغرباء ابناء السبايا الذين تنكر لهم اباؤهم ولم يعترفوا بهم ، والفقراء الذين تمردوا على الواقع نتيجة للظروف التي كانوا يعيشونها ليحترفوا الصعلكة وينضموا الى من تصعلك قبلهم فهو يدعوا للحصول على طعامه ولو ادى ذلك الى امتشاق السيف
اما شعرهم فهو مليء بالواقعية الصادقة و الصور الحقيقية حيث انه المتنفس الوحيد لما كانت تضيق به الصدور و تجيش به قرائحهم و تعبر عنه خباياهم حيث تصبح و بشكل دائم دعوة لاخوانهم للانضمام اليهم.
ان شعر الصعاليك هو امتداد ذو صبغة شعرية تدل على القدرة الفنية و الاحساس المرهف الجمالي حيث تمكن الشاعر ان ينطلق من خلاله للتأسيس و التجديد ، و يمتاز بأشعاره بخاصة فنية خاصة يتفرد بها الشعر الجاهلي .
التراجيديا وظاهرة الصعلكة في الشعر العربي .*
التراجيديا ،كما أكّد " أرسطو " ، هي كلُّ ما يثير فينا الشـفقة والحزن ، وقد اعتبر ، حينها ، أن المسرحية التراجيدية تشكّل ضرورة هامة للناس ؛ لأنها تطهّر الكاتب حين يبدعها ، والمتلقي حين يشاهدها ، أو يتلقاها بصيغة معينة ، وبخاصة إذا تقاطعت مع جوانب من مشكلاته المكبوتة .
والشعر الجاهلي أعطى مساحة واسعة للتراجيدي في نصوصه ،حتى لا يمكن لنا أن نقرأ هذا الشعر دون الاهتمام بهذا الجانب التراجيدي…
يمكن اعتبار ظاهرة الصعلكة ظاهرة تراجيدية ،بل يمكن التعامل معها على أنّها كذلك لاعتبارين أساسيين : يتمثّل الأوّل في أنّ السبب الرئيسي الذي أفرزها عائد إلى عدم التواؤم بين رغبات الأفراد وقبائلهم ، والصعلكة – على ضوء ذلك – تمثّل التصادمَ بين رغبة الفرد والجماعة ، بين ما يرغب فيه ، وما يُفرض عليه ، ولعلّ هذا التصادم الذي كَسَر الحلمَ الذاتي ، وزعزع الثقةَ بالقبيلة هو الذي جعل من الصعلكة ظاهرة تراجيدية .
وفي رأيي الشخصي :
إن فئة الصعاليك حتى ولو كانوا من الفئات الغير مقبوله اجتماعيا الا انها فئه حساسه جدا وضيق العيش و الفقر هو الذي دفعهم الى اللجوء لهذه الحياه المعقده؛ بمعنى أنّهم لم يستطيعوا تنفيذ ما يطمحون إليه من رغبات وأحلام وغيرها بسبب الموانع والضوابط التي كانت تفرضها عليهم قبائلهم ويتوضح لنا ذلك في شعرهم فهو مليء بالواقعية الصادقة و الصور الحقيقية .