بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,
المقدمة
إن المجتمع الإسلامي قد اشتهر بعلمائه البارزين و أئمته الذين قاموا بكل ما ييسر لطريق الإسلام و يبسطه على العباد و لذلك قررنا أن نختار أحد الأئمة الأربعة و هو الإمام أبي حنيفة النعمان لما عرف عنه من التقوى و الورع الشديد فللإمام شخصية عظيمة تمتلك ما يجعلها القدوة الحسنة الإسلامية فكان أبي حنيفة يحترم و يقدر كل من ساهم في تعليمه الفقه ، و كذلك كان سخياً في إنفاقه على طلاب العلم قاصداً المحافظة على هيبة العلم في مجالسه ، و هذا ما كان له دور في جعله محط اختيارنا و بحثنا عن تفاصيل حياته و ما مر به من أحداث في مسيرته التي كانت في سبيل العلم و الإسلام لرفع كلمة الله و الإقتداء بالرسول صلى الله عليه و سلم .
.. الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان ..
سيرة عطرة وحياة زاهدة ..
هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه الكوفي. إن هذه الشخصية العراقية الأصيلة، مثل معظم الشخصيات العراقية في الفترة العباسية، قد قام المستشرقون الغربيون ومعهم للأسف جوقة من المؤرخين العراقيين والعرب، بسلخه عن هويته العراقية واحتسابه بكل بساطة على(الموالي الأعاجم)!! وقد اعتمدوا في تشويههم هذا على عبارة واحدة قيلت عنه بأن أصل جده من(كابل) أي(كابول) في أفغانستان الحالية. بينما تم التغاضي تماما عن المصادر الأخرى والكثيرة التي تقول أن جده من(بابل) وليس من(كابل)، أو من(الأنبار) !! وفي كل الأحوال إن هذا المثقف الكبير والفقيه الأصيل، كان عراقيا كوفيا بمولده هو ومولد أبيه وأمه وتربيته وثقافته، ثم انه دفن في بغداد(منطقة الأعظمية)، وحتى مذهبه(الحنفي) أطلق عليه (مذهب أهل العراق) !!
أدرك أبو حنيفة أربعة من الصحابة، وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة، أو إحدى وستين، في الكوفة.تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق(ع). لهذا فأن المذهب الحنفي يعتبر من اقرب المذاهب السنية قربا للمذهب الجعفري الشيعي. ولاستناد هذا المذهب على(الاجتهاد)، فأن العديد من رجال الصفوة الدينية يضفون على مذهبه صفة(الديمقراطية)، لقوله : ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس تكون، وما جاء عن الصحابة اخترنا وما كان ذلك، فهم رجال ونحن رجال. ومن ميزات هذه الإمام الصالح، انه رفض تماما التواطئ مع الظلم رغم كل الإغراءات والضغوطات التي تعرض إليها، ورفض بصورة قاطعة أن يلبي طلب الخليفة(أبو جعفر المنصور) ليصبح قاضيا، حتى غضب عليه هذا الخليفة وسجنه الومات في السجن، سنة خمسين ومائة للهجرة، وقيل بل خرج ثم مات في بغداد .
حياة حافلة بالزهد والتقوى ..
عاش النعمان بن ثابت ـ كنيته أبو حنيفة ـ في آخر عصر بني أمية وأول عصر بني العباس، وكان مبدأه في الحياة أن يكرم نفسه وعلمه، وعقد عزمه على أن يأكل من كسب يده. دعاه الخليفة المنصور ذات مرة إلى زيارته، فلما كان عنده أكرمه ورحب به وقربه من مجلسه وجعل يسأله عن كثير من شئون الدين والدنيا، فلما أراد الانصراف دفع إليه بكيس من النقود فيه ثلاثون ألف درهم مع أن المنصور كان يعرف عنه البخل والشح ولكن الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه قال: (( يا أمير المؤمنين إني غريب في بغداد وليس لهذا المال موضع عندي ـ واني أخاف عليه فاحفظه لي في بيت المال حتى إذا احتجته طلبته منك. فأجابه المنصور إلى رغبته، ولكن أبا حنيفة توفي بعد الحادث بقليل، ووجد في بيته ودائع للناس تزيد على إضعاف هذا المبلغ.فلما سمع المنصور بذلك قال: يرحم الله أبا حنيفة فقد خدعنا وأبى أن يأخذ شيئا
منا، وتلطف في ردنا )).
ولا عجب في ذلك فلقد كان مبدأ الإمام أبي حنيفة " أن ما أكل امرؤ لقمة أزكى ولا أعز من لقمة يأكلها من كسب يده". ولذلك كان يخصص جزءا من وقته للتجارة، وكان يتاجر في الصفوف والحرير وكانت تجارة رابحة وكان متجره معروفا يقصده الناس فيجدون فيه الصدق في المعاملة والأمانة في الأخذ والعطاء، وكانت تجارته تدر عليه خيرا وفيرا، وتهبه من فضل الله مالارا. وكان رحمه الله يأخذ المال من حله ويضعه في محله وكان كلما حال عليه الحول، أحصى أرباحه من تجارته، واستبقى منها ما يكفيه لتجارته ثم يشتري بالباقي حوائج القراء، والمحدثين والفقهاء وطلاب العلم، وأقواتهم وكسوتهم، وكان يقول لهم "هذه أرباح بضعائكم أجراها الله لكم على يدي. والله ما أعطيتكم من مالي شيئا وإنما هو فضل الله علي فيكم".
في يوم جاءته امرأة عجوز تطلب ثوبا من حرير، فلما أخرج لها الثوب المطلوب قالت له: أني امرأة عجوز ولا علم لي بالإثمان، فبعني الثوب بالثمن الذي اشتريته وأضف إليه قليلا من الربح فاني ضعيفة فقال لها :" إني اشتريت ثوبين اثنين في صفقة واحدة ثم إني بعت احدهما برأس المال الأربعة دراهم فخذيه بها ولا أريد منك ربحا "
ويروى أن الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، رأى أحد جلسائه وعليه ثياب رثة فلما انصرف الناس، ولم يبق في المجلس إلا هو والرجل قال له :" ارفع هذا المصلى وخذ ما تحته" فرفع الرجل المصلى فإذا تحته ألف درهم فقال له أبو حنيفة : "خذها وأصلح بها من شأنك"، فقال الرجل إني موسر وقد أنعم الله علي، ولا حاجة لي بها فقال له أبو حنيفة:" إذا كان قد انعم عليك فأين آثار نعمته؟ أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(إن الله يحب أن يرى اثر نعمته على عبده) فينبغي عليك أن تصلح من شأنك حتى لا تحزن صديقك".
وكان من جود وكرم أبي حنيفة رحمه الله ورضي الله عنه، انه كان إذا انفق على عياله نفقة تصدق بمثلها على غيرهم من المحتاجين.وإذا اكتسى ثوبا جديدا كسا المساكين بقدر ثمنه، وكان إذا وضع الطعام بين يديه عرف منه ضعف ما يأكله عادة ودفع به إلى الفقراء.
وكان لأبي حنيفة شريك في بعض تجارته واسمه حفص بن عبد الرحمن. فكان أبو حنيفة يجهز له أمتعة الخز(الحرير) ويبعث بها معه إلى بعض مدن العراق. فجهز له ذات مرة متاعا كثيرا واعلمه أن فيه ثوب فيه كذا وكذا من العيوب وقال له :" إذا هممت ببيعها فبين للمشتري ما فيها من عيب"، فباع حفص، المتاع كله، ونسي أن يعلم المشتري بما في الثوب من عيوب. فلما عرف بذلك أبو حنيفة، بحث عن الذين اخذوا هذه التجارة التي بها عيبا فلم يجدوهم، فأخرج أبو حنيفة ثمن البضاعة كلها زكاة وصدقة.
وكان من أخلاق أبي حنيفة رضي الله عنه ـ انه كان طيب المعاشرة ـ حلو المؤانسة يسعد به جليسه ولا يتعب به من غاب عنه، ولو كان عدوا له، حدث أحد أصحابه قال: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول لسفيان الثوري يا أبا عبد الله، ما أبعد أبي حنيفة عن الغيبة، فان ما سمعته يذكر عدوا له بسوء قط، فقال له سفيان: إن أبا حنيفة أعقل من أن نسلط على حسناته ما يذهب بها . وكان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، مولعا باقتناص ود الناس حريصا على استدامة صداقتهم، وقد عرف عنه انه ربما مر به الرجل من الناس، فقعد في مجلسه من غير قصد ولا مجالسة فإذا قام سأل عنه فان كانت حاجة أو فقر أعانه وان كان به مرض عاده، وان كانت له حاجة قضاها حتى يجره إلى مواصلته جرا.
في يوم جاءته امرأة بثوب من حرير تبيعه فقال كم ثمنه ؟ قالت : مائة، قال : هو خير من ذلك بكم تقولين ؟ فزادت مائة، قال : هو خير من ذلك حتى قالت أربعمائة، قال : هو خير من ذلك، قالت : تهزأ بي ؟ قال : هاتي رجلا ً يقومه فجاءت برجل فاشتراه أبو حنيفة بخمسمائة.
عرف عن الإمام أبو حنيفة عليه رحمة الله تعالى بأنه كان صوام النهار وقوام الليل، صديقا للقرآن الكريم، مستغفرا في الأسحار وكان من أسباب تعمقه في العبادة انه اقبل ذات يوم على جماعة من الناس فسمعهم يقولون، إن هذا الرجل الذي ترونه لا ينام الليل، فلما سمعهم قال: "إني عند الناس على خلاف ما أنا عليه عند الله تعالى.والله لا يتحدث الناس عني منذ الساعة بما لا أفعل، ولن أتوسد فراشا بعد اليوم حتى ألقى الله ".
عرف عن الإمام أبي حنيفة انه صلى الفجر بوضوء العشاء نحو من أربعين سنة، ما ترك ذلك خلالها مرة واحدة وكان إذا قرأ(سورة الزلزلة) اقشعر جلده، وخاف قلبه ويقول:" يا من يجزي بمثقال ذرة خيرا فخير، ويا من يجزي بمثقال ذرة شرا شرا أجر عبدك النعمان من النار، وباعد بينه وبين ما يقربه منها".
جاء في(سير أعلام النبلاء) : عن الشافعي قال قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة؟ قال نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
و قد عرف عنه :
احترامه وتقديره لمن علمه الفقه؛
فقد ورد عن ابن سماعة، أنه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: ما صليت صلاة مُذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علماً، أو علمته علما.
سخاؤه في إنفاقه على الطلاب والمحتاجين وحسن تعامله معهم، وتعاهدهم مما غرس محبته في قلوبهم حتى نشروا أقواله وفقهه، و لك أن تتخيل ملايين الدعوات له بالرحمة عند ذكره في دروس العلم في كل أرض. نسأل الله من فضله، ونسأل الله لإمامنا أن يتغمده بواسع رحمته، ومن عجائب ما ورد عنه أنه كان يبعث بالبضائع إلى بغداد، يشتري بها الأمتعة، ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدثين وأقواتهم، وكسوتهم، وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم، فيقول: أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمدوا إلا الله؛ فإني ما أعطيتكم من مالي شيئا، ولكن من فضل الله عليَّ فيكم، وهذه أرباح بضاعتكم؛ فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره. وحدث حجر بن عبد الجبار، قال: ما أرى الناس أكرم مجالسة من أبي حنيفة، ولا أكثر إكراماً لأصحابه. وقال حفص بن حمزة القرشي: كان أبو حنيفة ربما مر به الرجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة، فإذا قام سأل عنه، فإن كانت به فاقة وصله، وإن مرض عاده.
الاهتمام بالمظهر والهيئة؛
بما يضفي عليه المهابة، فقد جاء عن حماد بن أبي حنيفة أنه قال: كان أبي جميلا تعلوه سمرة حسن الهيئة، كثير التعطر هيوباً لا يتكلم إلا جواباً ولا يخوض _رحمه الله_ فيما لا يعنيه. وعن ابن المبارك قال: ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبي حنيفة.
كثرة عبادته وتنسكه -رحمه الله-؛
فقد قال أبو عاصم النبيل كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته، واشتهر عنه أنه كان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرعا. وذكروا أن أبا حنيفة _رحمه الله_ صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة. وروى بشر بن الوليد عن القاضي أبي يوسف قال بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلاً يقول لآخر هذا أبو حنيفة لا ينام الليل ،
فقال أبو حنفية والله لا يتحدث عني بما لم أفعل فكان يحيى الليل صلاة وتضرعا ودعاء , ومثل هذه الروايات عن الأئمة موجودة بكثرة، والتشكيك في ثبوتها له وجه، لاشتهار النهي عن إحياء الليل كله، وأبو حنيفة _رحمه الله_ قد ملأ نهاره بالتعليم مع معالجة تجارته، فيبعد أن يواصل الليل كله. ولكن عبادة أبي حنيفة وطول قراءته أمر لا ينكر، بل هو مشهور عنه _رحمه الله_. فقد روي من وجهين أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة.
خوفه من الله تعالى؛
فقد روى لنا القاسم بن معن أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله _تعالى_ " بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " القمر 46 ويبكي ويتضرع إلى الفجر.
ومن مظاهر القدوة شدة ورعه؛
وخصوصا في الأمور المالية، فقد جاء عنه أنه كان شريكاً لحفص بن عبد الرحمن، وكان أبو حنيفة يُجهز إليه الأمتعة، وهو يبيع، فبعث إليه في رقعة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيباً، فإذا بعته، فبين. فباع حفص المتاع، ونسى أن يبين، ولم يعلم ممن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.
تربيته لنفسه على الفضائل كالصدقة، فقد ورد عن المثنى بن رجاء أنه قال جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها.
وله رحمه الله حلم عجيب مع العوام؛
لأن من تصدى للناس لا بد وأن يأتيه بعض الأذى من جاهل أو مغرر به، ومن عجيب قصصه ما حكاه الخريبي قال: كنا عند أبي حنيفة فقال رجل: إني وضعت كتابا على خطك إلى فلان فوهب لي أربعة آلاف درهم فقال أبو حنيفة إن كنتم تنتفعون بهذا فافعلوه. وقد شهد بحلمه من رآه، قال يزيد بن هارون ما رأيت أحدا أحلم من أبي حنيفة , وكان ينظر بإيجابية إلى المواقف التي ظاهرها السوء، فقد قال رجل لأبي حنيفة اتق الله فانتفض واصفر وأطرق وقال جزاك الله خيرا ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا , وجاء إليه رجل، فقال: يا أبا حنيفة، قد احتجت إلى ثوب خز , فقال: ما لونه؟ قال: كذا، وكذا , فقال له: اصبر حتى يقع، وآخذه لك، _إن شاء الله تعالى_ , فما دارت الجمعة حتى وقع، فمر به الرجل، فقال: قد وقعت حاجتك، وأخرج إليه الثوب، فأعجبه، فقال: يا أبا حنيفة، كم أزن؟ قال: درهماً , فقال الرجل: يا أبا حنيفة ما كنت أظنك تهزأ , قال: ما هزأت، إني اشتريت ثوبين بعشرين ديناراً ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين ديناراً، وبقي هذا بدرهم، وما كنت لأربح على صديق.
قبره في الأعظمية ببغداد مزار معروف. روى الخطيب في تاريخه عن علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي يقول : إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجي إلى قبره في كل يوم ـ يعني زائرا ـ فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قـبـره وسـالـت اللّه تـعـالـى الـحـاجة عنده فما تبعد [عني ] حتى تقضى.
وقـال ابـن الجوزي في المنتظم: في هذه الأيام ـ يعني سنة(459) ـ بنى أبو سعد المستوفي الملقب شرف الملك مشهد أبي حنيفة، وعمل لقبره ملبنا، وعقد القبة وعمل المدرسة بإزائه، وانزلها الفقهاء ورتب لهم مدرسا، فدخل أبو جعفر ابن البياضي إلى الزيارة فقال ارتجالا :
الم تر أن العلم كان مضيعا فجمعه هذا المغيب في اللحد
كذلك كانت هذه الأرض ميتة فانشرها جود العميد أبي سعد
ثم قال إن بناء الضريح قد تم سنة ست وثلاثين وأربعمائة هجرية.. . وكان الشخص الذي انفق على البناء رجل تركي قدم إلى بغداد حاجا. كذلك قام بعض أمراء التركمان بالصرف على إتمام البناء. وقام (ا شرف الملك) بإعادة البناء وتأسيس المشهد الحالي في القرن الخامس الهجري. ويقال أنهم اضطروا لنقل بقايا الموتى الذين تم دفنهم حول الضريح، إلى بقعة بعيدة. وقد تم حفر أساس القبة حتى سبع عشر ذراعا في ستة عشر ذراعا حتى بلغوا الأرض الصلبة . وقال ابن خلكان في تاريخه : قبره مشهور يزار، بني عليه المشهد والقبة سـنـة(459).وقـال ابـن جـبـيـر فـي رحـلـتـه (ص 180) : وبـالرصافة مشهد حفيل البنيان، له قبة بيضاء سامية في الهواء، فيه قبر الإمام أبي حنيفة (رض) .
وقـال ابـن بـطـوطـة فـي رحـلته (1/142) : قبر الإمام أبي حنيفة (رض) عليه قـبـة عظيمة، وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الـطـعـام فيها ما عدا هذه الزاوية ثم عد جملة من قبور المشايخ ببغداد فقال : وأهل بغداد لـهم في كل جمعة يوم لزيارة شيخ من هؤلاء المشايخ، ويوم لشيخ آخر يليه، هكذا إلى آخر الأسبوع .
وقـال ابـن حجر في الخيرات: إن الإمام الشافعي أيام كان ببغداد، كان يتوسل(يطلب الشفاعة) من الإمام أبي حـنـيـفـة ، ويحي إلى ضـريحه يزور فيسلم عليه، ثم يتوسل إلى اللّه تعالى
به في قضاء حاجته ….
وقد كتب الكثير عن حياه هذا الإمام العابد الزاهد الذي كرس حياته في العبادة و طلب العلم و قد كتب عنه ( عبد الحميد محمود طهماز ) في كتابه الشهير (كتاب الفقه الحنفي في ثوبه الجديد ) و قد قال فيه …
يعد الإمام أبو حنيفة رحمه الله أول من دون الفقه و رتبه أبوابا ً و كتبا ً على نحو ما هو عليه اليوم ، و تبعه الإمام مالك رحمه الله في موطئه. و أبو حنيفة يعتبر أيضا ً من سادات علماء التابعين ، إذ صح أنه أدرك بالسن نحو عشرين صحابيا ً فقد ولد رحمه الله سنة ثمانين قبل أن ينقرض جيل الصحابة رضي اله تعالى عنهم .
تفقه رحمه الله في الكوفة على تلاميذ الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، و لذلك قالوا : الفقه زرعه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، و سقاه علقمة بن قيس ، الذي أخذ العلم عن ابن مسعود و علي و أبي الدرداء و السيدة عائشة رضي الله عنهم ، و حصده إبراهيم النخعي ، الإمام المشهور المتوفى سنة 95 ، و داسه حماد بن مسلم الكوفي ، أي اجتهد في تنقيحه و توضيحه ، و هو شيخ الإمام أبو حنيفة ، الذي قال عنه الإمام : ما صليت صلاة إلا استغفرت له مع والدي .توفي سنة 120 هجري ، و طحنه أبو حنيفة أي أصل أصوله و فرع فروعه و أوضح سبله ، و عجنه أبو يوسف ، أي دقق النظر في قواعد الإمام و أصوله و اجتهد في زيادة استنباط الفروع منها و الأحكام ، و هو أكبر تلاميذ الإمام يعقوب بن إبراهيم قاضي القضاة ، فقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه أن أبا يوسف وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة و أملى المسائل و نشرها ، ولد سنة 113 هجري و توفي في بغداد سنة 182 هجري ، و خبزه محمد بن الحسن الشيباني التلميذ الثاني في المذهب لأبي حنيفة النعمان و هو محرر المذهب المتوفى بالري سنة 189 هجري . و قد روى الخطيب عن الربيع تلميذ الإمام الشافعي قال سمعت الشافعي يقول: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه، كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه…
الخاتمة
أخيراً إن الجدية والاستمرار وتحديد الهدف هي خلاصة ما وصل إليه أبي حنيفة و ما أفادنا به جاهدا ً فقد أنار لنا ما كان قد خفي عن التفصيل ؛
فقد وضع نصب عينيه أن ينفع الأمة في الفقه والاستنباط، وأن يصنع رجالا قادرين على حمل تلك الملكة.
ترك الغيبة و الخوض في الناس فعن ابن المبارك: قلت لسفيان الثوري، يا أبا عبد الله، ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة، وما سمعته يغتاب عدوا له قط. قال: هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها. بل بلغ من طهارة قلبه على المسلمين شيئا عجيبا، ففي تاريخ بغداد عن سهل بن مزاحم قال سمعت أبا حنيفة يقول: "فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" قال: كان أبو حنيفة يكثر من قول: اللهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له.
و قد حرص على بناء شخصيات فقهية تحمل عنه علمه فاستمر ووصل إلى مختلف بقاع الأرض؛
وقد نجح أيما نجاح. ومن طريف قصصه مع تلاميذه التي تبين لنا حرصه على تربيتهم على التواضع في التعلم وعدم العجلة , كما في (شذرات الذهب): لما جلس أبو يوسف _رحمه الله_ للتدريس من غير إعلام أبي حنيفة أرسل إليه أبو حنيفة رجلا فسأله عن خمس مسائل وقال له: إن أجابك بكذا فقل له: أخطأت، وإن أجابك بضده فقل له: أخطأت فعلم أبو يوسف تقصيره فعاد إلى أبي حنيفة فقال "تزبيت قبل أن تحصرم" – يعنى تصدرت للفتيان قبل أن تستعد لها فجعلت نفسك زبيبا وأنت لازلت حصرما –.
المصادر ..
http:// www.mesopotamia4374.com/adad4/18.ht
http:// www.nourallah.com/shakseyat.asp?PersonelID=9
– من كتاب الفقه الحنفي في ثوبه الجديد ، الجزء الأول بعنوان فقه العبادات من تأليف عبد الحميد محمود طهماز من دار القلم ( دمشق ) و الدار الشامية ( بيروت ) ..
و كذلك من الكتب التالية
سير أعلام النبلاء – للذهبي
شذرات الذهب – لابن العماد
تذكرة الحفاظ – للذهبي
المنتظم – لابن الجوزي
البداية والنهاية – لابن كثير
وفيات الأعيان – لابن خلكان
الطبقات السنية في تراجم الحنفية – للغزي
م/ن
والله الموفق