نشاتها:
هي نفيسة بنت الحسن بن زيد، حفيدة الحسن بن علي – رضى الله عنهما – لقبها: نفيسة العلم، ولدت بمكة سنة أربع وخمسين ومائة للهجرة ونشأت بالمدينة ودخلت مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق، وقيل مع أبيها الحسن الذي عين واليًا على مصر من قبل أبي جعفر المنصور فأقام بالولاية خمس سنين فهي من آل البيت لكنها لم ترتكز إلا على عملها وجهادها عملاً بوصية جدها المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: "اعلموا أن من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
فضائلها:
كانت عابدة، صالحة زاهدة ورعة عاملة، فالعمل هو محل الصدق ومقياس الإخلاص واليقين. وهذا ما يتميز به الدعاة الربانيين الذين يؤثرون في الناس بالعمل قبل القول فتكون الثمرة لدعوتهم واضحة.
عرفت بكثرة البكاء وقيام الليل وصيام النهار وأكلها كان في كل ثلاث ليال أكلة واحدة ولا تقبل طعاماً من أحد بل تأكل من كسب زوجها فقط وهذا شأن الداعي والداعية العفيفة الأبية النفس، والداعية الفقيهة حجت ثلاثين مرة في وقت كانت المخاطر التي يتعرض لها الحجاج شديدة من نهب ومشقة ووحوش في الصحراء، وكانت تتعلق بأستار الكعبة قائلة "إلهي وسيدي ومولاي متعني وفرحني برضاك عني".
روي أنها كانت تجود بما عندها وتؤثر غيرها فتداوي المرضي وتخدمهم ، وذكر أهل العلم أنها أحسنت إلى الإمام الشافعي حينما ورد إلى الديار المصرية وزارها من وراء حجاب طالباً الدعاء وقد طلب منها بشر الحافي وابن حنبل أن تدعو لهما فقالت: اللهم إن بشرًا بن الحارث الحافي وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين .
وإذا كان بشر قمة الورع وابن حنبل قمة التقوى والعلم والصرامة في الحق ، يطلبان الدعاء بالخير لنفسيهما ، فأولي بالدعاة إلى الله وغيرهم أن يغتنموا فرصة اللقاء بالصالحين ويطلبوا منهم الدعاء والتوفيق من الله والقبول والإخلاص طمعاً في اجتياز عقبات الدنيا التي لا يقطعها إلا الفائزون.
علمها وتلامذتها .. رضي الله عنها:
لقد حفظت القرآن الكريم وتفسيره وكان ثقة وحجة في الرواية عن النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى قصدها العلماء يبتغون عندها العلم النافع وعلى رأس هؤلاء الشافعي رحمه الله : أحد الأئمة المشهورين صاحب المذهب في الأحكام الفقهية الذي سمع منها الحديث النبوي الشريف،والعلم وهو العدة والسلاح الذي لا مفر منه لكل من يسير على طريق الدعوة متأسياً بهؤلاء الأعلام وهو بمثابة السيف والرمح في ميدان الجهاد. وهذا هو سبيل النبي – صلى الله عليه وسلم – في الدعوة إلى الله على بصيرة ونور وضياء
شجاعتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:¬
لقد ورثت السيدة نفيسة رضي الله عنها عن جدها على بن أبي طالب -كرم الله وجهه- الجرأة والشجاعة وعدم الخوف إلا من الله . مهما كان الجبروت والبطش والطغيان ، مراعية أدب النصيحة وحسن القول وأدب مخاطبة السلاطين وذوي الهيبة إذا احتاج الأمر ولم تخش في الحق لومة لائم ولم تعبأ بالعواقب التى قد تصير إليها الأمور ، فهدفها (ليكن الحق عالياً وليكن بعد ذلك ما يكون ….) .
قيل لما ظلم أحمد بن طولون واستغاث الناس من ظلمه بالسيدة نفيسة يشكونه إليها : فقالت سائلة متى يخرج موكب الأمير؟ ، ثم كتبت رسالة ووقفت بها في طريقه ونادته فنزل عن فرسه لما عرفها وأخذ الرسالة ثم قرأ فيها: "ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم وحملتم أمانة الحكم فظلمتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نافذة غير مخطئة لا سيما من قلوب أوجعتموها وأكباد جوعتموها وأجساد عريتموها فمحال أن يموت المظلوم ويبق الظالم. اعملوا ما شئتم فإنا صابرون، وجوروا فإنا بالله مستجيرون، واظلموا فإنا إلى الله متظلمون"، ﴿وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: من الآية 227). فعدل لوقته عن ظلمه.
وهذا أسلوب أهل العلم والفقه والحكمة في الدعوة للحق فقد وجهت الراعي إلى العدل والحق وذكرته بالله والورود بين يديه ، كما وجهت الرعية إلى الدعاء بالأسحار واللجوء إلى الله عند الشدة والتحلي بالصبر حتى يقض الله أمرًا كان مفعولاً وهذا هو مسلك العلماء والدعاة الربانيين الذين لا يريدون إلا الإصلاح.
حب الناس لها:
كان أهل مصر الذين عايشوها ورأوا فيها مكارم الأخلاق وهي سليلة الطهر والعفاف ومحاسن الأخلاق التى تحلى بها أهل البيت والنبوة يحبونها حباً شديداً وقد تعاطفوا معها بعد حادث كربلاء وما أصاب آل البيت في محنتهم الشديدة وتحركت عواطفهم بالمواساة والاحترام لآل البيت ، وأصبح لحبهم وتقديرهم في قلوب الناس رصيداً كبيراً .
حسن خاتمتها:
بعد أن أقامت بمصر سبع سنوات، وكان الموت لا يغادر لحظة فكرها حفرت قبرها بيدها في بيتها وكانت تنزله وقرأت فيه القرآن مائة وتسعين مرة وتبكي بكاءً عظيماً حتى احتضرت سنة ثمانية ومائتين للهجرة وهي صائمة وآخر آية قرأتها قول الله تعالي ﴿َلهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام:127) وغشي عليها ثم أفاقت وشهدت شهادة الحق ، ثم قبضت إلى رحمة الله ، ودفنت في البيت الذي كانت تسكنه بمصر وسلام الله عليها والمسلمين أجمعين.
المصدر:
إخوان أون لاين – شاهد علي الطريق – السيدة نفيسة بنت الحسن – رضي الله عنها-