يعرف عن خلفاء بني أمية ـ وبصفة خاصة المؤسسين الكبار منهم مثل معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان ـ حرصهم علي حسن إدارة دولتهم والسهر علي مصالح الرعية ، لينتظم لهم أمر الملك ، فلم يدخروا وسعا في اقتباس الأساليب الإدارية النافعة لتطبيقها في دولتهم وإنشاء الدواوين والأجهزة ، لإدارة مرافق الدولة . والديوان كلمة فارسية معناها السجل أو الدفتر الذي تدون فيه الاسماء والأموال وقد أطلق الإسم مجازا علي المكان الذي يعمل فيه الموظفون المختصون بالعمل في الديوان .
وأول من أنشأ الدواوين في الدولة الإسلامية عمر بن الخطاب ، فلم يكن علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق دواوين فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يدير أمور الدولة معاونة أصحابه ، وكان كل منهم يقوم بالعمل الذي يكلفه به الرسول صلي الله عليه وسلم حسبما تقضي به الحاجة ودون أن تكون لهم أماكن محددة تمسي دواوين ، واستمر الحال كذلك في عهد أبي بكر . فلما كان عهد عمر بن الخطاب ، واتسعت الدولة وزادت مواردها المالية ، اقتضي الأمر خطوة الي الأمام علي طريق التنظيم الإداري والمالي للدولة ، فكان إنشاء الديوان ويعزو المؤرخون سبب إنشاء عمر الديوان الي كثرة الأموال التي أخت تتدفق علي المدينة من غنائم الفتوحات ومن الصدقات وغيرها فلما تحير عمر في كيفية التصرف في هذه الأموال الكثيرة استشار الصحابة في ذلك ، فقال عثمان بن عفان : (( أري مالا كثيرا يسع الناس ، وإن لم يحصوا حتي يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن يشتبه الأمر فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة : قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانا وجندوا جندا ، فدون ديوانا وجندا جندا ، فأخذ بقوله : فدعا عقيل بن أبي طالب ، ومخرمة بن نوفل ، وجبير بن مطعم ، وكانوا من كتاب قريش ، فقال : اكتبوا الناس علي منازلهم )) ويفهم من كلام المؤرخين أن عمر أنشأ ديوانين لا ديوانا واحدا ، فقد أنشأ ديوانا للعطاء بدأ فيه بقرابة رسول الله صلي الله عليه وسلم وأزواجه وفرض للناس حسب سابقتهم ففضل أصحاب بدر عليه غيرهم . والي جانب هذا كان هناك ديوان للجند ، أي المجاهدين ، تدون فيه أسماؤهم وعطاؤهم ويبدوا أن أسماء الجند كانت تدون حسب قبائلهم (( حتي تتميز كل قبيلة عن غيرها )) كما يقول الماوردي ، فكان كل قبيلة تمثل فرقة من فرق الجيش .وهكذا وضع عمر بن الخطاب أساس نظام الدواوين في الدولة الإسلامية مستفيدا في ذلك بتجارب الفرس والروم . ولما قامت الدولة الأموية دعت الضرورة الي إنشاء دواوين أخري .
فبالإضافة الي ديواني العطاء والجند ، أنشأ الأمويون عدة دواوين أخري رئيسية هي :
1 ـ ديوان الخراج :
وهو المختص بالأموال فكل موارد الدولة ، من غنائم وجزية وخراج الأرض ، وزكاة وعشور ، أي الضرائب التي كانت تؤخذ من التجار علي أنواع التجارة ، وهي شبيهة بإيرادات الجمارك في الوقت الحاضر ، وكان التجار علي ثلاثة أنواع ، تجار مسلمون يؤخذ منهم ربع العشر من قيمة تجارتهم ، وتجار من أهل الذمة يؤخذ منهم نصف العشر ، وتجار من أهل الحرب ، يؤخذ منهم العشر ، ولا يؤخذ من أحد من هذه الأنواع الثلاثة شئ إذا كانت قيمة التجارة أقل من مائتي درهم . كل هذه الموارد وغيرها كانت تصب في بيت المال ، ويهيمن عليها ديوان الخراج الرئيسي في دمشق ـ عاصمة الدولة الأموية ـ فقد كان لكل إقليم ديوان محلي ففي العراق ديوان ، وفي مصر ديوان .. الخ . وكانت هذه الدواوين تجمع ما يرد إليها من أموال علي اختلاف أنواعها ثم تصرف ما يلزمها من مرتبات الجنود والموظفين ، وما تحتاجه المرافق العامة ، مثل إنشاء الطرق وبناء الجسور وشق الترع والقنوات الخ .. ثم ترسل ما يتبقي لديها الي بت المال المركزي في دمشق ،الذي يقوم بدوره بالصرف علي ما يلزمه ، وأبواب الصرف كانت كثيرة ، مثل نفقات دار الخلافة ومرتبات الجند والموظفين والاتفاق علي المرافق العامة للدولة .والأعطيات التي كانت تمنح للشعراء والخطباء من مؤيدي الدولة وللشخصيات الكبيرة التي كانت الدولة تتألفها .
2 ـ ديوان البريد :
وهذا الديوان أنشأه معاوية بن أبي سفيان وكان لهذا الديوان مهتمان رئيسيتان ، ا لأولي نقل الرسائل من دار الخلافة وإليها ، سواء كانت هذه الرسائل داخلية أو خارجية ، فالرسائل الداخلية هي التي كانت تدور بين الخلافة وولاة الأقاليم والقادة وكبار الموظفين والرسائل الخارجية هي التي كانت تدور بين الخلافة وبين الدول الأجنبية ، حيث كانت تقوم بعثات من دار الخلافة بحمل رسائل من الخليفة الي ملوك الدولة الأجنبية وبصفة خاصة الي أباطرة الدولة البيزنطية .
وفي الحقيقة أصل هذا الديوان وجوهر عمله كان موجودا منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم فقد كان يرسل رسلا ومبعوثين يحملون منه رسائل الي الملوك والأمراء المعاصرين له ، كما حدث بعد صلح الحديبية ، حين أرسل الي كسري وهرقل والنجاشي والمقوقس ، وغيرهم ، يدعوهم الي الإٍسلام . والجديد في الأمر أن معاوية بن أبي سفيان أنشأ لهذا النوع من العمل ديوانا خاصا ، له موظفون مخصوصون ، يقومون علي العمل فيه وذلك لم يكن موجودا قبل معاوية .
وأما المهمة الثانية التي كان يقوم بها ديوان البريد في العصر الأموي ، فهي أن موظفي هذا الديوان كان عيون الخليفة ، يراقبون له الولاة والعمال وأعمالهم ومسلكهم ، ويرفعون إليه تقارير بكل ما يصل الي عملهم من ذلك ، حتي يكون الخلفاء علي علم بأحوال الولايات وبكل ما يدور فيها .
ومعني ذلك أن ديوان البريد كان يقوم في العصر الأموي بدور ما يسمي بالرقابة الإدارية في الوقت الحاضر ، وهي دور خطير جدا .
وكلمة بريد ربما كانت من أصل يوناني بمعني المراسلات ، أما المسلمون فقد أخذوها من المسافة التي قدروها بين كل بريد وبريد . كما يقول ابن الطقطقا . وهي اثنا عشر ميلا ، حيث قسموا المسافات بين عاصمة الخلافة وعواصم الأقاليم الي مسافات متساوية ، كل مسافة منها إثنا عشر ميلا ، ليسهل نقل الرسائل والأخبار بسرعة ، حيث كانت خيل البريد تحمله وتسير هذه المسافة ، فإذا وصلت الي نهايتها وجدت خيلا أخري في انتظارها جاهزة ومستريحة فتحمله الي مسافة أخري ، وهكذا الي ان يصل الي عاصمة الخلافة إن كان واردا إليها أو الي عواصم الأقاليم إن كان صادرا عنها .
وقد اهتم ا لأمويون اهتماما كبيرا بهذا الديون لأهميته الكبيرة في دولتهم المترامية الأطراف ، لكثرة مشاكلها والخارجين عليها ، حيث كان رجال البريد ــ كما ذكرنا ــ يقومون بدور الرقابة علي العمال والموظفين .
3 ـ ديوان الخاتم :
وهو الذي كانت ترسل إليه أوامر الخليفة ومكاتباته فتنسخ منها نسخ وتحفظ فيه ، حتي مكن الرجوع إليها عند الضرورة ، ثم يختم الأصل بخاتم هذا الديوان ، يم يطوي ويحزم بخط ثم يختم بالشمع ، لئلا يمكن فتحه والإطلاع عليه ما فيه ، فهو أشبه بإدارة الأرشيف في الوقت الحاضر ، وكان هذا الديوان من أهم الدواوين في الدولة الأموية وأول من أنشأ معاوية بن أبي سفيان ن والذي حمله علي ذلك ما يقول ابن الطقطقا ، أنه كان أحال رجلا ــ هو عمر بن الزبير ــ علي زياد في العراق بمائة ألف درهم ، وكتب له كتابا بذلك ، فلما قرأ الكتاب ــ وكان غير مختوم ــ جعل المائة مائتين ، فلما رفع زياد سابه الي معاوية في نهاية العام وأطلع علي ذلك أنكره ، وقال : ما أحتله إلا بمائة ألف فقط ، ثم حبس عمرو بن الزبير حتي قضي عنه أخوه عبد الله المائة الألف الزائدة وأمر بإنشاء هذا الديوان . وهذه الحادثة علي بساطتها تصور يقظة معاوية ودقته في تفحص أعمال الولاة ، وحرصه علي ضبط الأمور كبيرها وصغيرها ومرة أخري فقول ــ كما قلنا بشأن ديوان البريد ــ إن ختم الرسائل لم يكن جديدا ، بل كان معروفا منذ عهد النبي صلي الله عليه وسلم فعندما عزم علي إرسال رسائله الي كسري وقيصر وغيرهما ، قالوا له : يارسول الله إن الأعاجم لا تقبل رسالة إلا ان تكون مختومة ، فاتخذ خاتما من فضه نقش عليه محمد رسول الله ، وكان يختم به رسائله وقد وكل بحمله بعض الصحابة ، مثل معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي ، الذي عرف بحامل خاتم النبي صلي الله عليه وسلم وظل الخلفاء الراشدون يستخدمون خاتم النبي صلي الله عليه وسلم في ختم رسائلهم ، حتي سقط من يد عثمان بن عفان في بئر أريس فاتخذ خاتما غيره ، نقش عليه أيضا محمد رسول الله ، فبذور الإدارة والنظم وضعت إذن منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، فالجديد في عمل معاوية هو تطوير هذه البدايات التنظيمية طبقا لمقتضيات الظروف واتساع رقعة الدولة .
4 ـ ديوان الرسائل :
وكان مختصا بصياغة الكتب والرسائل والعهود التي كانت تصدر عن الخلافة الي الولاة والعمال في داخل الدولة ، ويتلقي المكاتبات التي تصل منهم ، ويقوم موظفوه بعرضها علي الخليفة ، وكان كتاب هذا الديوان يختارون بعناية كبيرة ، من بين المشهورين بالبلاغة والفصاحة والعلم بالشريعة وأحكامها ، واللغة العربية وآدابها ، ومن أصحاب المرؤة والأخلاق الفاضلة ، وكان يراعي فيهم أن يكونوا من أرفع الطبقات حسبا ونسبا . ومن أشهر الكتاب في العصر الأموي ، عبد الحميد بن يحي كاتب مروان بن محمد ، الذي صاغ الشروط والمواصفات التي يجب أن تتوفر فيمن يقوم بهذه المهمة الجليلة بين يدي الخفاء والأمراء في رسالة وجهها الي الكتاب يعتبرها المؤرخون أحسن ماكتب في هذا الباب .ويبدو أن عمل ديوان الرسائل لم يكن مقصورا علي أمر المكاتبات الداخلية في الدولة ، بل كان ينظر أمر العلاقات الخارجية ، ويشرف علي الوفود والبعثات الدبلوماسية التي كانت ترسلها الدولة الي الدول الأجنبية ، ويستقبل كذلك الوفود الأجنبةالتي تأتي الي دمشق ، سواء لمجرد الزيارة أو للمفاوضات من أجل معاهدات صلح وخلافة ويقوم علي ضيافتهم وإسكانهم في بيوت الضيافة ، وتعيين المرافقين الذي يصحبونهم أثناء إقامتهم ويطلعونهم علي المعالم المهمة في البلاد ، وعلي هذا يكون ديوان الرسائل في الدولة الأموية أشبه بديوان رئاسة الجمهورية والديوان الملكي ، وإدارات المراسم والعلاقات العامة في الدول المعاصرة .
5 ـ ديوان العمال :
وهو المسئول عن جميع الموظفين المدنيين في الدولة من حيث ترتيب أعمالهم ووظائفهم ومرتباتهم .. الخ ولعل جميع أسماء موظفي الدواوين السابقة ــ ما عدا ديواني الجند والعطاء ــ كانت مدونة فيه ، فهو أشبه بديوان الموظفين في النظم المعاصرة ، وسبق أن أشرنا الي ما ذكره الطبري من أن سجلات هذا الديوان في البصرة في ولاية عبيد الله بن زياد 55 ـ 64 هـ كانت تحوي مائة وأربعين ألفا من مختلف الموظفين والعمال المدنيين . وخلاصة القول : أن الأمويين كانوا يعملون جاهدين علي تطوير دولتهم إداريا وإنشاء كل ما تدعوا الضرورة الي إنشائه من الدواوين والأجهزة ، وإسناد إدارتها الي خيرة من أهل الشرف والنسب والعلم والثقافة والمرؤة والأمانة .
منقول من كتاب الاستاذ الدكتور عبدالشافي محمد عبداللطيف الدولة الاموية
م/ن
تجدونه في المرفقات
اليوم حبيت انقل لكم مذكرة التاريخ
في المرفقات
وسمحولي ع الازعاج
وشكرا
واتمنى ان ينال اعجابكم
حبيت انقل لكم ملخص تاريخ ( ملخص لدرس الدواوين )
في المرفقات
وشكرا