التصنيفات
الصف السابع

مراجعة / المحور الخامس للصف السابع

المحور الخامس

س1 ما أهمية حفر الخندق؟
• التجديد في خطط الحرب.
س2 من أسباب غزوة الخندق ؟
• رغبة بني النضير في الانتقام من المسلمين
• تشجيعهم لقبيلة غطفان للانضمام إليهم ضد المسلمين

س3 من نتائج غزوة الخندق؟
• جمع رسول الله أصحابه وتشاور معهم في حفر الخندق
• عدم مقدرة الأحزاب دخول المدينة

س4 عددي مبادئ القيادة السياسية والعسكرية؟
• المرونة
• الحرب خدعة
• التواضع
• التوكل على الله ودعائه

س5 ما نتيجة ثبات المؤمنين على القتال رغم إحاطتهم بالأعداء من جميع الجهات؟
• النصر
س6 متى تم صلح الحديبية؟
• 6هـ

س7 عددي بنود صلح الحديبية التي اتفق عليها الطرفان؟
• أن تضع الحرب أوزارها بين الفريقين لمدة عشر سنوات.
• أن ير د الرسول من يأتيه من قريش مسلما بدون إذن وليه
• لا تلتزم قريش برد من يأتي إليها من عند محمد
• أن يرجع رسول الله هذا العام من غير عمره

س8 ما نتائج صلح الحديبية؟
• السماح للمسلمين بدخول مكة آمنين وما كانوا يطمعون في ذلك
• نشر الدعوة خارج مكة
• اعتراف قريش بقوة المسلمين

س9ما معنى يمنون؟
المن هو إظهار الفضل

س10 ما معنى التقوى؟
• هي معيار التفاضل بين الناس.

س11 من صفات الله تعالى؟
• العلم
• العدل
س12 ما أعظم نعمة أكرم الله بها عباده الصالحين؟
• الإيمان به

س13 ما واجب المسلم تجاه نعم الله؟
• الحمد والشكر

س14 عددي جوانب سعة علم الله عزوجل؟
• معرفة الغيب
• معرفة مافي قعر البحار
• علمه بالسر والعلن
• معرفة كل شي في السماء والأرض.

س15 ما الحقوق المترتبة على الرابطة الإنسانية بين البشر جميعاً؟
• المساواة
• العدل
• التعاون

س16 متى تم فتح مكة؟
• في العاشرة من رمضان من السنة الثامنة للهجرة.

س17 ماذا نقصد بالفتح المبين؟
• هو فتح مكة

س18 من صفات الكرماء؟
• العفو

س19 من الأساليب العسكرية التي استخدمت في غزوة فتح مكة؟
• السرية التامة
• الخداع
• التموية
• بث الأمان.

س20 عددي نتائج فتح مكة؟
• فتح مكة ودخول قريش في الإسلام
• أصبح المسلمون قوة عظمى في جزيرة العرب
• انتصر الحق على الباطل
• تحقق وعد الله بالتمكين للمؤمنين الصادقين.

س21 بماذا سمي العام التاسع للهجرة؟
• بعام الوفود
س22 من الوفود التي وفدت إلى رسول الله ؟
• وفد همدان
• وفد بني فزارة
• وفد نصارى نجران
• وفد بني حنيفة
• وفد بني عامر

س23 في بيت من اشتد المرض على رسول الله ؟
• في بيت السيدة ميمونة رضي الله عنها.

س24 أين دفن رسول الله؟
• في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الثامن

بوربوينت الفصل الخامس الرخويات والديدان الحلقية للصف الثامن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الرخويات (بالإنجليزية: Mollusca) شعبة تتبع المملكة الحيوانية ومعناها قبيلة الرخويات، وهي تنقسم إلى سبع طوائف أهمها طائفة المحاريات Pelecypoda، طائفة القواقع أو البطنقدميات Gastropoda، وطائفة الرأسقدميات Cephalopoda ومعظم حيوانات هذه القبيلة بحرية وتعيش في مياه عذبة. .و طائفة ثنائية العصب Amphieneura وطائفة مجدافية القدم Scaphopoda وطائفة وحيدة اللوح Monoplacophora وهي تشتمل على نوع واحد وهو حيوان رخو بدائي يسمى نيوبلنا جالانيا.
و لجميع الرخويات بعض الصفات المميزة التي نشأت بطرق مختلفة في المجموعات المتنوعة وهي :
1. القدم : وهو عضو يقع في الجزء السفلي أو البطني من الجسم ويتركب من كتلة عضلية وهو عضو الحركة عند الرخويات المتحركة.
2.البرنس (the mantle) : وهي ثنية جلدية تحيط بالجسم ويوجد بينها وبين الجسم تجويف يسمى تجويف البرنس الذي يحتوي على الخياشيم.
3.الصدفة : يفرزها البرنس وتختلف في الشكل وتكون إما ذات مصراعين أو ذات مصراع واحد وتتركب الصدفة ذات المصراعين من تصفين كل منهما على هيئة طبق متشابهان غالبا في الشكل والحجم ويرتبطان مفصليا وينفتح المصراعان عندما يتنفس الحيوان ويتناول طعامه ويقفل المصراعان بإحكام إذا أثيرت أو هددت بالجفاف وذلك بواسطة عضلة قافلة متصلة بمصراعي الصدفة، أما الصدفة ذات المصرع الواحد فهي تأخذ شكل انبوبة حلزونية ملتوية وهي أصداف القواقع المألوفة الرخويات الرأسقدميات الوحيدة التي لها صدفة حقيقية تعيش داخلها أما البزاقات التي ليس لها صدفة على الإطلاق فهي بطنقدميات تنتمي إلى مجموعة من القواقع وتتركب أصداف الرخويات من كربونات الكاليسوم بصفة خاصة.

الديدان الحلقية

تعتبر شعبة الديدان الحلقية أكثر شعب الديدان رقيا وتطورا حيث ظهر بأجسامها ولأول مرة تجويف حقيقي متصل ومبطن ببطانة ميزوديرمية وهو السليوم الحقيقي لذا تعرف الديدان الحلقية وما يليها من الكائنات وحتى الإنسان بالكائنات السيلومية ، ومن الديدان الحلقية النيرس والعلق الطبي ودودة الأرض,الدوده الحمراء.
خصائصها

أجسامها مكونة من عقل أو حلقات .
يغطي أجسامها طبقة رقيقة رطبة من الجليد ( غير كيتيني )
تمتلك جهازا هضميا كاملا .
تمتلك جهازا دوريا مغلقا .
تمتلك جهازا إخراجيا يعرف بالنفريديا.
تمتلك جهازا عصبيا .
تختلف الديدان الحلقية في الطول فبعضها أقل من 1 ملم وبعضها يصل طوله إلى نحو 2 متر تقريبا, وتعيش أغلبها حرة في المياه العذبة أو المالحة أو التربة.

الملفات المرفقة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

حل أسئلة الفصل الخامس الأحماض والقواعد الكيمياء الصف 11علمي

السلام عليكمٍـ ورحمة الله وبركـٍآته..}*

حل تقويم فصل الاحمـِآض والقواعد..}*

البوربوينت 1..بالاستايل الازرق..
والبوربوينت 2.بالاستـآيل الوردي..}*

ولكمـٍ حريـٍة الاختيـٍآر …

حل تقويم فصل الاحماض والقواعد ..بوربوينت 1

حل تقويم فصل الاحماض والقواعد..بوربوينت 2

…*

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الثاني عشر

مذكرة الفصل الخامس طاقة التفاعلات (الجزء المرحل ) كيمياء 12ع ، ملخص كيمياء الفصل 5

مذكرة الفصل الخامس طاقة التفاعلات (الجزء المرحل ) كيمياء 12ع ، ملخص كيمياء الفصل 5

منقول من مدونة المدرسة النموذجية للتعليم الثانوي بنين جزاهم الله خير

المذكرة في المرفقات
دعواتكم

الملفات المرفقة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الاول الابتدائي

ملخص الدرس الرابع و الخامس لمادة العلوم للصف الاول الصف الأول

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إليكمـ احبتي ملخص الدرس الرابع و الخامس

موفقين ان شاء الله
م

الدرس الرابع والخامس
كيف يعاد استخدام المواد في الطبيعة

الدورات في الطبيعة
تأخذ الكائنات الحية مواد كثيرة مختلفة مخزنة من الأرض ثم تعيدها إلى الأرض
المواد المخزنة في الأرض مثل :
– الأكسجين والنتروجين والكربون يخزن بصورة ثاني أكسيد الكربون
– الحديد والنحاس والمغنيزيوم الكالسيوم تخزن في الصخور
تختلط تلك المواد وتذوب في الماء عندما تتفتت الصخور فتحصل عليها الحيوانات من الشرب والغذاء
وتحصل عليها النباتـــات من الماء والتربة
لكن تلك المواد تعود إلى الأرض من خلال فضلات الكائنات أو موتها وتحللها

دورة النتروجين:
تأخذ النباتات النتروجين من التربة وتحوله لبروتينات والتي تحصل عليه الحيوانات من أكلها للنباتات
ويعاد للتربة على شكل فضلات أو كائنات ميتة تتحلل ويتم تغيير شكل النتروجين إلى نترات وامونيا
فتقوم بكتريا معينة موجودة في التربة أو في عقد موجودة على جذور النباتات بتثبيت غاز النتروجين
و يقوم البرق بتثبيت النتروجين ويبقى جزء صغير منه على شكل غاز وهكذا تتم دورة النتروجين

سؤال : أذكر شكلين للنتروجين المثبت ؟ الجواب : النترات والامونيوم

دورة الكربون والأكسجين :
ينتقل الكربون والأكسجين بين النباتات والحيوانات والبيئة
حيث يتم تدوير الأكسجين والكربون في البيئة بواسطة البناء الضوئي والتنفس
حيث تأخذ النباتات وبعض الكائنات الكربون من الماء والهواء فتحول بعضه إلى غذاء
ويخزن البعض في النبات فتحصل عليه الحيوانات بأكل النباتات
وتطلق الأكسجين

سؤال : لماذا تشترك الكائنات الحية في دورة الكربون والأكسجين؟
لأن الكربون والأكسجين يكونان معظم كتلة أجسام الكائنات الحية

التنفس هو العملية التي تطلق الطاقة من الغذاء أثناء التنفس
فتأخذ الأكسجين من الماء أو الهواء ويطلق ثاني أكسيد الكربون

– تغير التوازن
النشاط الإنساني والثورة الصناعية قبل 200سنة أدى إلى خلل التوازن البيئي
حيث زادت كمية ثاني أكسيد الكربون ونقص الأكسجين بسبب قطع الأشجار
رغم تطور الوسائل الصناعية وانخفاض إطلاق ثاني أكسيد الكربون إلا أن قطع الأشجار مستمر

أسباب زيادة ثاني أكسيد الكربون :
حرق الخشب والفحم الحجري والوقود
قطع الغابات والأشجار

دورة الماء :
يتبخر الماء الموجود على سطح الأرض بسبب حرارة الشمس متحولا لبخار ماء
وعندما يصعد إلى الطبقات العليا وبسبب درجة الحرارة المنخفضة يتكاثف البخار متحولا لقطرات ماء
مشكلة السحب وبعد تكاثف كمية كبيرة يتساقط كمطر أو كثلوج ويعود إلى سطح الأرض بعملية الهطول

– يحصل النبات على الماء الذي يحتاجه من خلال امتصاص جذوره للمياه الجوفية
وتتخلص من الماء الزائد من خلال طرحه من الأوراق بعملية تسمى النتح

– يحصل الحيوان والإنسان على الماء من خلال الشرب أو تناول الغذاء
لكن تلك المواد تعود إلى الأرض من خلال فضلات الكائنات أو موتها وتحللها

الإنسان ودورة الماء:
يحتاج الإنسان الماء في استعمالات غير الشرب كالاستحمام والطبخ وإزالة الفضلات
لكن فقط أقل من1% من المياه العذبة يمكن استخدامه لأن الباقي متجمد
بالإضافة إلى أن مياه الإمطار تقوم :
1- بنقل زيوت المحركات وملح الطرقات ومواد كيميائية أخرى إلى البحيرات والأنهار
2- وبحمل الأسمدة الكيميائية والمبيدات ومواد كيميائية أخرى إلى المياه الجوفية

طرق الحفاظ على الماء وتحسين نوعيته :
تقوم المصانع بإزالة المواد الكيميائية الضارة من المياه العادمة
تدوير زيت المحركات إلى منتجات جديدة
استخدام أجهزة غسيل ومراحيض لا تستهلك الكثير من الماء
تزيين الممرات والحدائق بنباتات لا تحتاج كثيرا من الماء

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الخامس الابتدائي

تفسير سورة الكهف للصف الخامس

* سورةُ الكهف من السور المكية، وهي إِحدى سورٍ خمس بُدئت بـ "الحمدُ لله" وهذه السور هي "الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، فاطر" وكلُّها تبتدئ بتمجيد الله جل وعلا وتقديسه، والاعتراف له بالعظمة والكبرياء، والجلال والكمال.

* تعرضت السورة الكريمة لثلاث قصص من روائع قصص القرآن، في سبيل تقرير أهدافها الأساسية لتثبيت العقيدة، والإيمان بعظمة ذي الجلال ..

أما الأولى فهي قصة "أصحاب الكهف" وهي قصة التضحية بالنفس في سبيل العقيدة، وهم الفتية المؤمنون الذي خرجوا من بلادهم فراراً بدينهم، ولجأوا إلى غارٍ في الجبل، ثم مكثوا فيه نياماً ثلاثمائة وتسع سنين، ثم بعثهم الله بعد تلك المدة الطويلة.

* والقصة الثانية: قصة موسى مع الخضر، وهي قصة التواضع في سبيل طلب العلم، وما جرى من الأخبار الغيبية التي أطلع الله عليها ذلك العبد الصالح "الخضر" ولم يعرفها موسى عليه السلام حتى أعلمه بها الخضر كقصة السفية، وحادثة قتل الغلام، وبناء الجدار.

* والقصة الثالثة: قصة "ذي القرنين" وهو ملك مكَّن الله تعالى له بالتقوى والعدل أن يبسط سلطانه على المعمورة، وأن يملك مشارق الأرض ومغاربها، وما كان من أمره في بناء السدِّ العظيم.

* وكما استخدمت السورة – في سبيل هدفها – هذه القصص الثلاث، استخدمت أمثلة واقعية ثلاثة، لبيان أن الحقَّ لا يرتبط بكثرة المال والسلطان، وإِنما هو مرتبط بالعقيدة.

المثل الأول: للغني المزهوّ بماله، والفقير المعتز بعقيدته وإِيمانه، في قصة أصحاب الجنتين.

والثاني: للحياة الدنيا وما يلحقها من فناء وزوال.

والثالث: مثل التكبر والغرور مصوراً في حادثة امتناع إبليس عن السجود لآدم، وما ناله من الطرد والحرمان، وكل هذه القصص والأمثال بقصد العظة والاعتبار.

التسِـــمَيـــة:

سميت "سورة الكهف" لما فيها من المعجزة الربانية، في تلك القصة العجيبة الغريبة قصة أصحاب الكهف.

خلاصة قصة أصحاب الكهف كما ذكرها المفسرون، أن ملكاً جباراً يسمى دقيانوس، ظهر على بلدةٍ من بلاد الروم تدعى "طرطوس"، بعد زمن عيسى عليه السلام، وكان يدعو الناس إلى عبادة الأصنام ويقتل كل مؤمن لا يستجيب لدعوته الضالة، حتى عظمت الفتنة على أهل الإِيمان، فلما رأى الفتية ذلك حزنوا حزناً شديداً وبلغ خبرهُم الملك الجبار فبعث في طلبهم فلما مثلوا عند الملك توعدهم بالقتل إن لم يعبدوا الأوثان ويذبحوا للطواغيت، فوقفوا في وجهه وأظهروا إيمانهم وقالوا {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} فقال لهم: إنكم فتيانٌ حديثةٌ أسنانكم وقد أخّرتكم إلى الغد لتروا رأيكم، فهربوا ليلاً ومرّوا براعٍ معه كلب فتبعهم فلما كان الصباح آووا إلى الكهف وتبعهم الملك وجنده فلما وصلوا إلى الكهف هاب الرجال وفزعوا من الدخول عليهم، فقال الملك: سدّوا عليهم باب الغار حتى يموتوا فيه جوعاً وعطشاً، وألقى الله على أهل الكهف النوم فبقوا نائمين وهم لا يدرون ثلاث مئة وتسع سنين ثم أيقظهم الله وظنوا أنهم أقاموا يوماً أو بعض يوم، وشعروا بالجوع فبعثوا أحدهم ليشتري لهم طعاماً وطلبوا منه التخفي والحذر فسار حتى وصل البلدة فوجد معالمها قد تغيرت ولم يعرف أحداً من أهلها فقال في نفسه: لعلي أخطأت الطريق إلى البلدة ثم اشترى طعاماً ولما دفع النقود للبائع جعل يقلبها في يده، ويقول: من أين حصلت على هذه النقود؟ واجتمع الناس وأخذوا ينظرون لتلك النقود ويعجبون، ثم قالوا من أنت يا فتى لعلك وجدت كنزاً؟ فقال لا والله ما وجدت كنزاً إنها دراهم قومي، قالوا له إنها من عهد بعيد ومن زمن الملك دقيانوس، قال: وما فعل دقيانوس؟ قالوا مات من قرون عديدة، قال والله ما يصدقني أحد بما أقوله: لقد كنا فتيةً وأكرهنا الملك على عبادة الأوثان فهربنا منه عشية أمس فأوينا إلى الكهف فأرسلني أصحابي اليوم لأشتري لهم طعاماً، فانطلقوا معي إلى الكهف أريكم أصحابي، فتعجبوا من كلامه ورفعوا أمره إلى الملك – وكان مؤمناً صالحاً – فلما سمع خبره خرج الملك والجند وأهل البلدة وحين وصلوا إلى الغار سمعوا الأصوات وجلبَة الخيل فظنوا أنهم رسل دقيانوس فقاموا إلى الصلاة فدخل الملك عليهم فرآهم يصلون فلما انتهوا من صلاتهم عانقهم الملك وأخبرهم أنه رجل مؤمن وأن دقيانوس قد هلك من زمن بعيد وسمع كلامهم وقصتهم وعرف أن الله بعثهم ليكون أمرهم آية للناس ثم ألقى الله عليهم النوم وقبض أرواحهم فقال الناس: لنتخذن عليهم مسجداً.

الثناء لله تعالى مُنَزِّل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا(1)قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا(2)مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا(3)وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا(4)مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا(5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا(6)إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً(7)وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا(8)}

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} أي الثناء الكامل مع التعظيم والإِجلال لله الذي أنزل على رسوله محمد القرآن نعمةً عليه وعلى سائر الخلق {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} أي لم يجعل فيه شيئاً من العوج لا في ألفاظه ولا في معانيه، وليس فيه أي عيبٍ أو تناقض { قَيِّمًا} أي مستقيماً لا اختلاف فيه ولا تناقض، قال الطبري: هذا من المُقدَّم والمؤخر أي أنزل الكتاب قيّماً ولم يجعل له عِوَجاً يعني مستقيماً لا اختلاف فيه ولا تفاوت، ولا اعوجاج ولا ميل عن الحق، {لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} أي لينذر بهذا القرآن الكافرين عذاباً شديداً من عنده تعالى {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} أي ويبشّر المصدقين بالقرآن الذين يعملون الأعمال الصالحة {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} أي أن لهم الجنة وما فيها من النعيم المقيم {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} أي مقيمين في ذلك النعيم الذي لا انتهاء له ولا انقضاء {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} أي ويخوّف أولئك الكافرين الذين نسبوا لله الولد عذابه الأليم، قال البيضاوي: خصَّهم بالذكر وكرَّر الإِنذار استعظاماً لكفرهم، وإِنما لم يذكر المُنْذَر به استغناءً بتقدم ذكره {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي ما لهم بذلك الافتراء الشنيع شيءٌ من العلم أصلاً {وَلا لآبَائِهِمْ} أي ولا لأسلافهم الذين قلَّدوهم فتاهوا جميعاً في بيداء الجهالة والضلالة {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} أي عظمت تلك المقالة الشنيعة كلمة قبيحة ما أشنعها وأفظعها؟ خرجت من أفواه أولئك المجرمين، وهي في غاية الفساد والبطلان {إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا} أي ما يقولون إلا كذباً وسفهاً وزوراً {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ} أي فلعلك قاتلٌ نفسك يا محمد ومهلكها غّماً وحزناً على فراقهم وتوليهم وإِعراضهم عن الإِيمان {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} أي إن لم يؤمنوا بهذا القرآن حسرةً وأسفاً عليهم، فما يستحق هؤلاء أن تحزن وتأسف عليهم، والآية تسليةٌ للنبي عليه السلام {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا} أي جعلنا ما عليها من زخارف ورياش ومتاع وذهب وفضة وغيرها زينة للأرض كما زينا السماء بالكواكب {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أي لنختبر الخلق أيهم أطوع لله وأحسن عملاً لآخرته {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} أي سنجعل ما عليها من الزينة والنعيم حطاماً وركاماً حتى تصبح كالأرض الجرداء التي لا نبات فيها ولا حياة بعد أن كانت خضراء بهجة، قال القرطبي: الآية وردت لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإِنا إِنما جعلنا ذلك امتحاناً واختباراً لأهلها، فمنهم من يتدبر ويؤمن ومنهم من يكفر، ثم إن يوم القيامة بين أيديهم، فلا يعظمنَّ عليك كفرهُم فإِنا سنجازيهم.

قصة أصحاب الكهف

{أمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءاياتنا عَجَبًا(9)إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا(10)فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا(11)ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا(12)نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى(13)وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا(14)هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا(15) وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا(16)وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ ءايات اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا(17)وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا(18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا(19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا(20)وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا(21)سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا(22)وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا(23)إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا(24)وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا(25)قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا(26)}

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءاياتِنا عَجَبًا} ؟ بدء قصة أصحاب الكهف، والكهفُ الغار المتسع في الجبل، والرقيمُ اللوح الذي كتب فيه أسماء الكهف على المشهور، والمعنى: لا تظننَّ يا محمد أن قصة أهل الكهف – على غرابتها – هي أعجبُ ءايات الله، ففي صفحات هذا الكون من العجائب والغرائب ما يفوق قصة أصحاب الكهف، قال مجاهد: أحسبت أنهم كانوا أعجب آياتنا؟ قد كان في ءاياتِنا ما هو أعجب منهم {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} أي اذكر حين التجأ الشبان إلى الغار في الجبل وجعلوه مأواهم {فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} أي أعطنا من خزائن رحمتك الخاصة مغفرة ورزقاً {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} أي أصلح لنا أمرنا كلَّه واجعلنا من الراشدين المهتدين {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} أي ألقينا عليهم النوم في الغار سنين عديدة {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} أي ثم أيقظناهم من بعد نومهم الطويل لنرى أيَّ الفريقين أدقُّ إحصاءً للمدة التي ناموها في الكهف؟ قال ابن جزي: والمراد بالحزبين: أصحابُ الكهف، والذين بعثهم الله إليهم حتى رأوهم وقال مجاهد: الحزبان من أصحاب الكهف لما استيقظوا اختلفوا في المدة التي لبثوها في الكهف، فقال بعضهم: يوماً أو بعض يوم وقال آخرون: ربكم أعلم بما لبثتم، والقول الأول مرويّ عن ابن عباس {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} أي نحن نقص عليك يا محمد خبرهم العجيب على وجه الصدق دون زيادةٍ ولا نقصان {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} أي إنهم جماعة من الشبان آمنوا بالله فثبتناهم على الدين وزدناهم يقيناً {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي قوينا عزمهم وألهمناهم الصبر حتى أصبحت قلوبهم ثابتة راسخة، مطمئنة إلى الحق معتزةً بالإِيمان {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي حين قاموا بين يدي الملك الكافر الجبار من غير مبالاة فقالوا: ربنا هو خالق السماوات والأرض لا ما تدعونا إليه من عبادة الأوثان والأصنام {لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} أي لن نشرك معه غيره، فهو واحد بلا شريك {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي لئن عبدنا غيره نكون قد تجاوزنا الحقَّ، وحِدْنا على الصواب، وأفرطنا في الظلم والضلال {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} أي هؤلاء أهل بلدنا عبدوا الأصنام تقليداً من غير حجة {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} أي هلاّ يأتون على عبادتهم لها ببرهان ظاهر، والغرض من أسلوب التحضيض {لَوْلا} التعجيز كأنهم قالوا إنهم لا يستطيعون أن يأتوا بحجة ظاهر على عبادتهم للأصنام فهم إذاً كذبة على الله {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} استفهام بمعنى النفي أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله بنسبة الشريك إليه تعالى {وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ} أي وإِذْا اعتزلتم أيها الفتية قومكم وما يعبدون من الأوثان غير الله تعالى {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} أي التجئوا إلى الكهف {يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} أي يبسط ربكم ويوسّعْ عليكم رحمته {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} أي يُسهّل عليكم أسباب الرزق وما ترفقون به من غداء وعشاء في هذا الغار {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} أي ترى أيها المخاطب الشمس إذا طلعت تميل عن كهفهم جهة اليمين {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} أي وإِذا غربت تقطعهم وتُبعد عنهم جهة الشمال والغرض أن الشمس لا تصيبهم عند طلوعها ولا عند غروبها كرامةً لهم من الله لئلا تؤذيهم بِحَرِّها {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} أي في متَّسع من الكهف وفي وسطه بحيث لا تصيبهم الشمس لا في ابتداء النهار، ولا في آخره {ذَلِكَ مِنْ ءايات اللَّهِ} أي ذلك الصنيع من دلائل قدرة الله الباهرة، قال ابن عباس: لو أن الشمس تطلع عليهم لأحرقتهم، ولو أنهم لا يُقلَّبون لأكلتهم الأرض {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} أي من يوفقه الله للإِيمان ويرشده إلى طريق السعادة فهو المهتدي حقاً {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} أي ومن يضلله الله بسوء عمله فلن تجد له من يهديه {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} أي لو رأيتهم أيها الناظر لظننتهم أيقاظاً لتفتح عيونهم وتقلبهم والحال أنهم نيام {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} أي ونقلبهم من جانب إلى جانب لئلا تأكل الأرض أجسامهم {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} أي وكلبهم الذي تبعهم باسطٌ يديه بفناء الكهف كأنه يحرسهم {لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} أي لو شاهدتهم وهم على تلك الحالة لفررت منهم هارباً رعباً منهم، وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة، فرؤيتهم تثير الرعب إذ يراهم الناظر نياماً كالأيقاظ، يتقلبون ولا يستيقظون {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ} أي كما أنمناهم كذلك بعثناهم من النوم وأيقظناهم بعد تلك الرقدة الطويلة التي تشبه الموت ليسأل بعضهم بعضاً عن مدة مكثهم وإقامتهم في الغار {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} أي قال أحدهم: كم مكثنا في هذا الكهف؟ فقالوا مكثنا فيه يوماً أو بعض اليوم قال المفسرون: إنهم دخلوا في الكهف صباحاً وبعثهم الله في آخر النهار فلما استيقظوا ظنوا أن الشمس قد غربت فقالوا لبثنا يوماً، ثم رأوها لم تغرب فقالوا أو بعض يوم، وما دروا أنهم ناموا ثلاثمائة وتسع سنين {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} أي قال بعضهم، الله أعلم بمدة إقامتنا ولا طائل وراء البحث عنها، فخذوا بما هو أهم وأنفع لكم فنحن الآن جياع {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} أي فأرسلوا واحداً منكم إلى المدينة بهذه النقود الفضية {فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} أي فليختر لنا أحلى وأطيب الطعام فليشتر لنا منه {وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} أي وليتلطف في دخول المدينة، وشراء الطعام، حتى لا يشعر بأمرنا أحد {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} أي إن يظفروا يقتلوكم بالحجارة أو يردوكم إلى دينهم الباطل {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} أي وإن عدتم إلى دينهم ووافقتموهم على كفرهم فلن تفوزوا بخيرٍ أبداً، وهكذا يتناجى الفتية فيما بينهم خائفين حذرين أن يظهر عليهم الملك الجبار فيقتلهم أو يردهم إلى عبادة الأوثان فيوصون صاحبهم بالتلطف بالدخول والخروج وأخذ الحيطة والحذر {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} أي وكما بعثناهم من نومهم كذلك أطلعنا الناس عليهم ليستدلوا بذلك على صحة البعث ويوقنوا أن القيامة لا شك فيها، فتكون قصة أصحاب الكهف حجة واضحة ودلالة قاطعة على إمكان البعث والنشور، فإن القادر على بعث أهل الكهف بعد نومهم ثلاثمائة عام قادر على بعث الخلق بعد مماتهم {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} أي حين تنازع القوم في أمر أهل الكهف بعد أن أطلعهم الله عليه ثم قبض أرواحهم {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} أي قال بعض الناس: ابنوا على باب كهفهم بنياناً ليكون علَماً عليهم {رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} أي الله أعلم بحالهم وشأنهم {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} أي قال الفريق الآخر وهم الأكثرية الغالبة: لنتخذنَّ على باب الكهف مسجداً نصلي فيه ونعبد الله فيه {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} أي سيقول هؤلاء القوم الخائضون في قصتهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب هم ثلاثة رجال يتبعهم كلبهم {وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ} أي ويقول البعض: إنهم خمسةٌ سادسهم الكلب قذفاً بالظنِّ من غير يقين ولا علم كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} أي ويقول البعض إنهم سبعةٌ والثامن هو الكلب {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} أي الله أعلم بحقيقة عددهم {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ} أي لا يعلم عدتهم إلا قليل من الناس، قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل، كانوا سبعةً إن الله عدَّهم حتى انتهى إلى السبعة قال المفسرون: إن الله تعالى لمّا ذكر القول الأول والثاني أردفه بقوله {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} ولما ذكر القول الأخير لم يقدح فيه بشيء، فكأنه أقر قائله ثم نبَّه رسوله إلى الأفضل والأكمل وهو ردُّ العلم إلى علام الغيوب {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} أي فلا تجادل أهل الكتاب في عدتهم إلا جدال متيقنٍ عالم بحقيقة الخبر {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} أي لا تسأل أحداً عن قصتهم فإِنَّ فيما أوحي إليك الكفاية {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أي لا تقولنَّ لأمر عزمت عليه إني سأفعله غداً إلا إذا قرنته بالمشيئة، فقلت إن شاء الله، قال ابن كثير: سبب نزول الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف قال: {غداً أجيبكم} فتأخر الوحي عنه خمسة عشر يوماً {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} أي إذا نسيت أن تقول إن شاء الله، ثم تذكرت فقلها لتبقى نفسك مستشعرةً عظمة الله {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} أي لعلَّ الله يوفقني ويرشدني إلى ما هو أصلح من أمر ديني ودنياي {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُواتِسْعًا} أي مكثوا في الكهف نائمين ثلاثمائة وتسع سنين، وهذا بيانٌ لما أُجمل في قوله تعالى { سِنِينَ عَدَدًا} {قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} أي الله أعلم بمدة لبثهم في الكهف على وجه اليقين {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي هو تعالى المختص بعلم الغيب وقد أخبرك بالخبر القاطع عن أمرهم الحكيمُ الخبير {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أي ما أبصره بكل موجود، وما أسمعه لكل مسموع، يدرك الخفيات كما يدرك الجليات {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} أي ليس للخلق ناصرٌ ولا معين غيره تعالى {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} أي ليس له شريك ولا مثيل ولا نظير، ولا يقبل في قضائه وحكمه أحداً لأنه الغنيّ عما سواه.

توجيهات للنبي صلى الله عليه وسلم وتطمين للمؤمنين

{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا(27)وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا(29)إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا(30)أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا(31)}

المنَــاسَبَة:

لما ذكر تعالى قصة أهل الكهف وهي تُمثل صور التضحية والبطولة في سبيل العقيدة والإِيمان، أعقبها بذكر قصة صاحب الجنتين، وهي نموذج آخر للعقيدة ممثلة في قصة الأخوين من بني إسرائيل: المؤمن المعتز بإِيمانه، والكافر وهو صاحب الجنتين، وما فيها من عبر وعظات، وفي ثنايا الآيات جاءت بعض التوجيهات القرآنية الكريمة.

سَبَب النزّول:

رُوي أن أشراف قريش اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: إن أردت أن نؤمن بك فاطرد هؤلاء الفقراء من عندك يعنون "بلالاً، وخباباً، وصهيباً" وغيرهم فإِنا نأنف أن نجتمع بهم، وتعيِّن لهم وقتاً يجتمعون فيه عندك، فأنزل الله {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ..} الآية.

{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} أي إقرأ يا محمد ما أوحاه إليك ربك من ءايات الذكر الحكيم { لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} أي لا يقدر أحدٌ أن يغيّر أو يبدّل كلام الله { وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} أي لن تجد ملجأ غير الله تعالى أبداً { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} أي احبس نفسك مع الضعفاء والفقراء من المسلمين الذين يدعون ربهم بالصباح والمساء {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي يبتغون بدعائهم وجه الله تعالى {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف، قال المفسرون: كان عليه السلام حريصاً على إِيمان الرؤساء ليؤمن أتباعهم، ولم يكن مريداً لزينة الدنيا قط، فأمِر أن يجعل إِقباله على فقراء المؤمنين، وأن يُعرض عن أولئك العظماء والأشراف من المشركين {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي تبتغي بمجالستهم الشرف والفخر، قال ابن عباس: لا تجاوزهم إلى غيرهم تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} أي لا تطع كلام الذين سألوك طرد المؤمنين، فقلوبهم غافلة عن ذكر الله، وقد شغلوا عن الدين وعبادةِ ربهم بالدنيا، قال المفسرون: نزلت في عُيينة بن حصن وأصحابه، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جماعة من الفقراء منهم "سلمان الفارسي" وعليه شملة صوف قد عرق فيها، فقال عُيينة للنبي صلى الله عليه وسلم: أما يؤذيك ريح هؤلاء؟ ونحن سادةُ مضر وأشرافُها إن أسلمنا يسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحِّهمْ عنك حتى نتبعك، أو اجعل لنا مجلساً ولهم مجلس، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم إلى ما طلبوا فلما، نزلت الآية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس هؤلاء الفقراء فلما رآهم جلس معهم وقال {الحمد لله الذي جعل في أُمتي من أمرني ربي أن أصبر نفسي معهم}، {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي سار مع هواه وترك أمر الله {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} أي كان أمره ضياعاً وهلاكاً ودماراً {وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ظاهرهُ أمرٌ وحقيقته وعيدٌ وإِنذار، أي قل يا محمد لهؤلاء الغافلين لقد ظهر الحق وبان بتوضيح الرحمن فإِن شئتم فآمنوا وإِن شئتم فاكفروا كقوله {اعملوا ما شئتم}، {إنّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} أي هيأنا للكافرين بالله ورسوله ناراً حاميةً شديدة أحاط بهم سورها كإِحاطة السوار بالمعصم {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} أي وإِن استغاثوا من شدة العطش فطلبوا الماء أُغيثوا بماءٍ شديد الحرارة كالنحاس المذاب أو كعكر الزيت المحمى يشوي وجوههم إذا قَرُب منهم من شدة حره وفي الحديث (ماءُ كعكر الزيت فإِذا قُرب إليه سقطت فروة وجهه فيه) أي سقطت جلدة وجهه فيه أعاذنا الله من جهنم {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} أي بئس ذلك الشراب الذي يُغاثون به وساءت جهنم منزلاً ومقيلاً يرتفق به أهل النار {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} لما ذكر تعالى حال الأشقياء أعقبه بذكر حال السعداء، على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب، أي إنا لا نضيع ثواب من أحسن عمله وأخلص فيه بل نزيده وننميه {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} أي لهم جنات إقامة {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ} أي تجري من تحت غرفهم ومنازلهم أنهار الجنة {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} أي يُحلَّون في الجنة بأساور الذهب، قال المفسرون: ليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أساور: سوارٌ من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ، لأن الله تعالى قال {وحلوا أساور من فضة} وقال {ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير} وفي الحديث (تبلغ حلية المؤمن من حيث يبلغ الوضوء) {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} أي وهم رافلون في ألوانٍ من الحرير، برقيق الحرير وهو السندس، وبغليظه وهو الاستبرق، قال الطبري: معنى الآية أنهم يلبسون من الحلي أساور من ذهب، ويلبسون من الثياب السندس وهو ما رقَّ من الديباج، والاستبرق وهو ما غلظ فيه وثَخُن {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ} أي متكئين في الجنة على السرر الذهبية المزينة بالثياب والستور، قال ابن عباس: الأرائك الأسرة من ذهب وهي مكلَّلة بالدُر والياقوت عليها الحجال، الأريكةُ ما بين صنعاء إلى أيلة، وما بين عدن إلى الجابية {نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} أي نعم ذلك جزاء المتقين، وحسنت الجنة منزلاً ومقيلاً لهم.

مثل الغني الكافر والفقير المؤمن

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا(32)كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا(33)وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا(34)وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا(35)وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا(36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا(37)لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا(38)وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا(39)فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا(40)أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا(41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا(42)وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا(43)هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا(44)}

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ} أي أضرب لهؤلاء الكفار الذين طلبوا منك أن تطرد الفقراء هذا المثل، قال المفسرون: هما أخوان من بني إسرائيل، أحدهما مؤمن، والآخر كافر، ورثا مالاً عن أبيهما، فاشترى الكافر بما له حديقتين،وأنفق المؤمن ماله في مرضاة الله حتى نفد ماله، فعيَّره الكافر بفقره، فأهلك الله مال الكافر، وضرب هذا مثلاً للمؤمن الذي يعمل بطاعة الله، والكافر الذي أبطرته النعمة {جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ} أي جعلنا لأحدهما – وهو الكافر – بستانينِ من شجر العنب، مثمريْن بأنواع العنب اللذيذ {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} أي أحطناهما بسياجٍ من شجر النخيل {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} أي جعلنا وسط هذين البستانين زرعاً ويتفجر بينهما نهر، وإنه لمنظرٌ بهيجٌ يصوره القرآن أروع تصوير، منظر الحديقتين المثمرتين بأنواع الكرم، المحفوفتين بأشجار النخيل، تتوسطهما الزروع وتتفجر بينهما الأنهار {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} أي كلُّ واحدة من الحديقتين أخرجت ثمرها يانعاً في غاية الجودة والطيب ولم تنقص منه شيئاً {وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا} أي جعلنا النهر يسير وسط الحديقتين {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} أي وكان للأخ الكافر من جنتيه أنواع من الفواكه والثمار {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا} أي قال صاحب الجنتين لأخيه المؤمن وهو يجادله ويخاصمه ويفتخر عليه ويتعالى: أنا أغنى منك وأشرف، وأكثر أنصاراً وخدماً {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} أي أخذ بيد أخيه المؤمن ودخل الحديقة يطوف به فيها ويريه ما فيها من أشجار وثمار وأنهار وهو ظالم لنفسه بالعُجب والكفر {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} أي ما أعتقد أن تفنى هذه الحديقة أبداً {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} أي وما أعتقد القيامة كائنة وحاصلة، أنكر فناء جنته وأنكر البعث والنشور {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا} أي ولئن كان هناك بعثٌ – على سبيل الفرض والتقدير كما تزعمُ – فسوف يعطيني الله خيراً من هذا وأفضل {مُنقَلَبًا} أي مرجعاً وعاقبة ، فكما أعطاني هذا في الدنيا فسيعطيني في الآخرة لكرامتي عليه {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} أي قال ذلك المؤمن الفقير وهو يراجع أخاه ويجادله {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} أي أجحدت الله الذي خلق أصلك من تراب ثم من منيّ ثم سوَّاك إنساناً سويّا؟ الاستفهام للتقريع والتوبيخ {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} أي لكنْ أنا أعترف بوجود الله فهو ربي وخالقي {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} أي لا أُشرك مع الله غيره، فهو المعبودُ وحده لا شريك له {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ} أي فهلاّ حين دخلتَ حديقتك وأُعجبت بما فيها من الأشجار والثمار، قلت: هذا من فضل الله، فما شاءَ اللهُ كان وما لم يشأْ لم يكن {لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} أي لا قدرة لنا على طاعته إلا بتوفيقه ومعونته {إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا} أي قال المؤمن للكافر: إن كنت ترى أنني أفقر منك وتعتز عليَّ بكثرة مالك وأولادك {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ} جواب الشرط أي إني أتوقع من صنع الله تعالى وإحسانه أن يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزقني جنةً خيراً من جنتك لإِيماني به، ويسلب عنك نعمته لكفرك به ويخرّب بستانك {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} أي يرسل عليها آفةً تجتاحها أو صواعق من السماء تدمّرها {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أي تصبح الحديقة أرضاً ملساء لا تثبت عليها قدم، جرداء لا نبات فيها ولا شجر {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} أي يغور ماؤها في الأرض فيتلف كل ما فيها من الزرع والشجر، وحينئذٍ لا تستطيع طلبه فضلاً عن إعادته وردّه، وينتهي الحوار هنا وتكون المفاجأة المدهشة فيتحقَّق رجاءُ المؤمن بزوال النعيم عن الكافر، وفجأة ينقلنا السياق من مشهد البهجة والازدهار إلى مشهد البوار والدمار {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أي هلكت جنته بالكلية واستولى عليها الخراب والدمار في الزروع والثمار {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا} أي يقلب كفيه ظهراً لبطن أسفاً وحزناً على ماله الضائع وجهده الذاهب قال القرطبي: أي يضرب إحدى يديه على الأخرى ندماً لأن هذا يصدر من النادم {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} أي مهشّمة محطمة قد سقطت السقوف على الجدران فأصبحت خراباً يباباً {وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} أي وهو نادم على إشراكه بالله يتمنى أن لم يكن قد كفر النعمة، ندم حين لا ينفع الندم، قال تعالى {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي لم تكن له جماعة تنصره وتدفع عنه الهلاك {وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا} أي وما كان بنفسه ممتنعاً عن انتقام الله سبحانه، فلم تنفعه العشيرة والولد حين اعتزّ وافتخر بهم وما استطاع بنفسه أن يدفع عنه العذاب {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} أي في ذلك المقام وتلك الحال تكون النصرة لله وحده لا يقدر عليها أحد فهو الوليُّ الحق الذي ينصر أولياءه {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي الله خير ثواباً في الدنيا والآخرة لمن آمن به، وهو خيرٌ عاقبةً لمن اعتمد عليه ورجاه.

مثل الحياة الدنيا

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا(45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً(46)}

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ} هذا مثلٌ آخر للدنيا وبهرجها الخادع يشبه مثل الجنتين في الفناء والزوال، والمعنى اضرب يا محمد للناس مثل هذه الحياة في زوالها وفنائها وانقضائها بماءٍ نزل من السماء فخرج به النبات وافياً غزيراً وخالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} أي صار النبات متكسراً من اليبس متفتتاً تنسفه الرياح ذات اليمين وذات الشمال {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} أي قادراً على الإِفناء والإِحياء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي الأموال والأولاد زينة هذه الحياة الفانية، ذاك مثلها وهذه زينتها والكل إلى فناء وزوال لا يغتر بها إلا الأحمق الجهول {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً} أي أعمال الخير تبقى ثمرتها أبد الآباد فهي خير ما يؤمله الإِنسان ويرجوه عند الله، قال ابن عباس: الباقيات الصالحات هي الصلوات الخمس وعنه أيضاً أنها كل عمل صالحٍ من قول أو فعلٍ يبقى للآخرة، وفي الحديث {سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هنَّ الباقيات الصالحات}.

تسيير الجبال والحشر والعرض على الله

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47)وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا(48)وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49)}

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} لما ذكر الدنيا ومآلها ذكر القيامة وأهوالها أي واذكر يوم نزيل الجبال من أماكنها ونسيّرها كما نسيّر السحاب فنجعلها هباءً منبثاً {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} أي وترى الأرض ظاهرة للعيان ليس عليها ما يسترها من جبل ولا شجر ولا بنيان، قد قلعت جبالها وهُدم بنيانها فهي بارزة ظاهرة {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} أي جمعنا الأولين والآخرين لموقف الحساب فلم نترك أحداً منهم {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا} أي عُرضوا على رب العالمين مصطفّين، لا يحجبُ أحدٌ أحداً منهم وفي الحديث (يجمع الله الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ صفوفاً)، قال مقاتل: يُعرضون صفاً بعد صف كالصفوف في الصلاة كل أمةٍ وزمرةٍ صفاً {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي يقال للكفار على وجه التوبيخ والتقريع: لقد جئتمونا حفاةً عراةً لا شيء معكم من المال والولد كهيئتكم حين خلقناكم أول مرة {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} أي زعمتم أن لا بعث ولا جزاء، ولا حساب ولا عقاب {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} أي وضعت صحائف أعمال البشر وعُرضت عليهم {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} أي فترى المجرمين خائفين مما فيه من الجرائم والذنوب {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا} أي يا حسرتنا ويا هلاكنا على ما فرطنا في حياتنا الدنيا {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا} أي ما شأن هذا الكتاب لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ضبطها وأحاط بها؟ قال تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} أي مكتوباً مثبتاً في الكتاب {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} أي لا يعاقب إنساناً بغير جرم، ولا يُنقص من ثواب المحسن.

أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً(50)مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا(51)وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا(52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا(53)}

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} أي اذكر حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة {فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} أي سجد جميع الملائكة لكن إبليس الذي هو من الجن خرج عن طاعة ربه، والآية صريحة في أن إبليس من الجن لا من الملائكة {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} أي أفتتخذونه يا بني آدم هو وأولاده الشياطين أولياء من دون الله وهم لكم أعداء {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} أي بئست عبادة الشيطان بدلاً عن عبادة الرحمن {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي ما أشهدت هؤلاء الشياطين الذين عبدتموهم من دوني خلق السماوات والأرض {وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض فهم عبيد أمثالكم لا يملكون شيئاً {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} أي وما كنت متخذ الشياطين أعواناً في الخلق فكيف تطيعونهم من دوني؟ {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} أي ويوم يقول الله للمشركين: أدعوا شركائي ليمنعوكم من عذابي ويشفعوا لكم كما كنتم تزعمون {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ } أي فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} أي جعلنا بين العابدين والمعبودين مهلكةً لا يجتازها هؤلاء وهي النار {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} أي عاينوها وهي تتغيظ حنقاً عليهم فأيقنوا أنهم داخلوها {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} أي لم يجدوا عنها معدلاً وذلك لأنها أحاطت بهم من كل جانب فلم يقدروا على الهرب منها.

إرسال الرسل لهداية الخلق، وحال المعرضين عن الإيمان وتأخير العذاب رحمة من الله تعالى

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً(54)وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمْ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ قُبُلاً(55)وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا(56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا(57)وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً(58)وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا(59)}

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أي بيّنا في هذا القرآن الأمثال وكرَّرنا الحجج والمواعظ {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} أي وطبيعة الإِنسان الجدلُ والخصومة لا ينيب لحق ولا ينزجر لموعظة {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمْ الْهُدَى} أي ما منع الناسَ من الإِيمان حين جاءهم الهُدى من الله {وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ} أي ومن الاستغفار من الذنوب والآثام {إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} أي إلا انتظارهم أن تأتيهم سنة الأولين وهي الإِهلاك {أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ قُبُلاً} أي يأتيهم عذاب الله عياناً ومقابلة ومعنى الآية أنه ما منعهم من الإِيمان والاستغفار إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وُعدوا به عياناً ومواجهة كقولهم {فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم} {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} أي ما نرسل الرسل إلا لغرض التبشير والإِنذار لا للإِهلاك والدمار، مبشرين لأهل الإِيمان ومنذرين لأهل العصيان {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} أي ومع وضوح الحق يجادل الكفار بالباطل ليغلبوا به الحق ويبطلوه فهم حين يطلبون الخوارق ويستعجلون العذاب لا يريدون الإِيمان وإِنما يستهزئون ويسخرون {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} أي اتخذوا القرآن وما خُوّفوا به من العذاب سخرية واستهزاءً {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} أي لا أحد أظلمُ ممن وُعظ بآيات الله البينة، وحججه الساطعة، فتعامى عنها وتناساها ولم يُلقِ لها بالاً {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} أي نسي ما عمله من الجرائم الشنيعة، والأفعال القبيحة، ولم يتفكر في عاقبتها {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} أي جعلنا على قلوبهم أغطية تحول دون فقه هذا القرآن وإدراك أسراره، والانتفاع بما فيه من المواعظ والأحكام {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} أي وفي آذانهم صمماً معنوياً يمنعهم أن يسمعوه سماع تفهم وانتفاع {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} أي وإن دعوتهم إلى الإِيمان والقرآن فلن يستجيبوا لك أبداً لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون، فللهدى قلوبٌ متفتحة مستعدة لقبول الإِيمان وهؤلاء كالأنعام {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} أي وربك يا محمد واسع المغفرة عظيم الرحمة بالعباد مع تقصيرهم وعصيانهم {لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ} أي لو يعاقبهم بما اقترفوا من المعاصي والإِجرام لعجَّل لهم عذاب الدنيا، ولكنه تعالى يمهلهم ويؤخر عنهم العذاب الذي يستعجلونه به رحمةً بهم، وقد جرت سنته بأن يمهل الظالم ولكن لا يهمله {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} أي لهم موعد آخر في القيامة يرون فيه الأهوال لن يجدوا لهم فيه ملجأ ولا منجى {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} أي تلك هي أخبار الأمم السالفة والقرون الخالية كقوم هود وصالح ولوط وشعيب أهلكناهم حين ظلموا {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} أي جعلنا لهلاكهم وقتاً محدَّداً معلوماً، أفلا يعتبر هؤلاء المكذبون المعاندون؟ والآية وعيد وتهديد لكفار قريش، قال ابن كثير: والمعنى احذروا أيها المشركون أن يصيبكم ما أصابهم فقد كذبتم أعظم نبيٍّ وأشرف رسول، لستم بأعزَّ علينا منهم فخافوا عذابي ونّذري.

قصة موسى عليه السلام مع الخَضِر

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا(60)فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا(61)فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا(62)قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيه إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا(63)قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا(64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا(65)قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(66)قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا(67)وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا(68)قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا(69)قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا(70)فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا(71)قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا(72)قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا(73)فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا(74)قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا(75)قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا(76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا(77)قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(78)أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا(79)وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا(80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا(81)وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(82)}

المنَــاسَبَة:

لما ضرب تعالى المثل في قصة صاحب الجنتين، وضرب المثل للحياة الدنيا وما فيها من نعيم خادع ومتاع زائل، نبَّه تعالى إلى الغاية من ذكر هذه الأمثال وهي "العظةُ والاعتبار" ثم ذكر القصة الثالثة "قصة موسى مع الخضر" وما فيها من أمور غيبيَّة عجيبة.

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} هذه هي القصة الثالثة في هذه السورة الكريمة والمعنى اذكر حين قال موسى الكليم لفتاه "يوشع بن نون" لا أزال أسير وأتابع السير حتى أصل إلى ملتقى بحر فارس وبحر الروم مما يلي جهة المشرق وهو مجمع البحرين {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} أي أسير زماناً إلى أن أبلغ ذلك المكان {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} أي فلما بلغ موسى وفتاه مجمع البحرين نسي "يوشع" أن يخبر موسى بأمر الحوت وما شاهده منه من الأمر العجيب، روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يأخذ معه حوتاً فيجعله في مِكْتل فحيثما فقد الحوت فهناك الرجل الصالح {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} أي اتخذ الحوت سبيله في البحر مسلكاً، قال المفسرون: كان الحوت مشوياً فخرج من المِكْتل ودخل في البحر وأمسك الله جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه وجمد الماء حوله وكان ذلك آيةً من ءايات الله الباهرة لموسى عليه السلام {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا} أي فلما قطعا ذلك المكان وهو مجمع البحرين الذي جُعل موعداً للملاقاة قال موسى لفتاه أعطنا طعام الغداء {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} أي لقينا في هذا السفر العناء والتعب، وكان قد سار ليلة وجزءاً من النهار بعد أن جاوز الصخرة {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} أي قال الفتى "يوشع بن نون" حين طلب موسى منه الحوت للغداء أرأيت حين التجأنا إلى الصخرة التي نمت عندها ماذا حدث من الأمر العجيب؟ لقد خرج الحوتُ من المكتل ودخل البحر وأصبح عليه مثل الكوة وقد نسيتُ أن أذكر لك ذلك حين استيقظتَ {وَمَا أَنْسَانِيه إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} أي وقد أنساني الشيطان أن أخبرك عن قصته الغريبة {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} أي واتخذ الحوتُ طريقه في البحر وكان أمره عجباً، يتعجب الفتى من أمره لأنه كان حوتاً مشوياً فدبَّت فيه الحياة ودخل البحر {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} أي قال موسى هذا الذي نطلبه ونريده لأنه علامة على غرضنا وهو لُقْيا الرجل الصالح فارتدا على آثارهما قَصَصاً أي رجعا في طريقهما الذي جاءا منه يتتبعان أثرهما الأول لئلا يخرجا عن الطريق {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} أي وجدا الخضر عليه السلام عند الصخرة التي فقد عندها الحوت، وفي الحديث أن موسى وجد الخضر مسجَّى بثوبه مستلقياً على الأرض، فقال له: السلام عليك، فرفع رأسه، وقال: وأنّى بأرضك السلام؟ {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أي وهبناه نعمة عظيمة وفضلاً كبيراً وهي الكرامات التي أظهرها الله على يديه {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} أي علماً خاصاً بنا لا يُعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب، قال العلماء: هذا العلم الرباني ثمرة الإِخلاص والتقوى ويسمى "العلم اللدُنِّي" يورثه الله لمن أخلص العبودية له، ولا ينال بالكسب والمشقة وإِنما هو هبة الرحمن لمن خصَّه الله بالقرب والولاية والكرامة {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} أي هل تأذن لي في مرافقتك لأقتبس من علمك ما يرشدني في حياتي؟ قال المفسرون: هذه مخاطبة فيها ملاطفة وتواضع من نبي الله الكريم وكذلك ينبغي أن يكون الإِنسان مع من يريد أن يتعلم منه {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا} أي قال الخضر: إنك لا تستطيع الصبر على ما ترى، قال ابن عباس: لن تصبر على صنعي لأني علمتُ من غيب علم ربي {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} أي كيف تصبر على أمرٍ ظاهره منكرٌ وأنت لا تعلم باطنه؟ {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} أي قال موسى ستراني صابراً ولا أعصي أمرك إن شاء الله {قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} شرط عليه قبل بدء الرحلة ألا يسأله ولا يستفسر عن شيء من تصرفاته حتى يكشف له سرها، فقبل موسى شرطه رعايةً لأدب المتعلم مع العالم، والمعنى لا تسألني عن شيء مما أفعله حتى أبيّنه لك بنفسي {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} أي انطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر حتى مرت بهما سفينة فعرفوا الخضر فحملوهما بدون أجر فلما ركبا السفينة عمد الخضر إلى فأس فقلع لوحاً من ألواح السفينة بعد أن أصبحت في لجة البحر {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} أي قال له موسى مستنكراً: أخرقت السفينة لتغرق الركاب؟ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} أي فعلت شيئاً عظيماً هائلاً، يروى أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فجعله مكان الخرق ثم قال للخضر: قومٌ حملونا بغير أجرٍ عمدتَ إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهل السفينة لقد فعلت أمراً منكراً عظيماً!! {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا} أي ألم أخبرك من أول الأمر أنك لا تصبر على ما ترى من صنيعي؟ ذكَّره بلطفٍ في مخالفته الشرط {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} أي لا تؤاخذني بمخالفتي الشرط ونسياني العهد {وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} أي لا تكلفني مشقةً في صحبتي إياك وعاملني باليُسر لا بالعُسر {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ} أي فقبل عذره، وانطلقا بعد نزولهما من السفينة يمشيان فمرَّا بغلمانٍ يلعبون وفيهم غلام وضيء الوجه جميل الصورة فأمسكه الخضر واقتلع رأسه بيده ثم رماه في الأرض {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي قال موسى: أقتلت نفساً طاهرةً لم ترتكب جرماً ولم تقتل نفساً حتى تُقتل به {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} أي فعلت شيئاً منكراً عظيماً لا يمكن السكوت عنه ..لم يكن موسى ناسياً في هذه المرة ولا غافلاً ولكنه قاصدٌ أن يُنكر المنكر الذي لا يصبر على وقوعه بالرغم من تذكره لوعده، وقال هنا {نُكراً} أي منكراً فظيعاً وهو أبلغ من قوله {إمْراً} في الآية السابقة، ذكر القرطبي أن موسى عليه السلام لما قال للخضر {أقتلتَ نفساً زكيَّة} غضب واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه فإذا مكتوب في عظم كتفه كافرٌ لا يؤمن بالله أبداً.

{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا} أي ألم أقل لك أنتَ على التعيين والتحديد لن تستطيع الصبر على ما ترى مني؟ قال المفسرون: وقَّره في الأول فلم يواجهه بكاف الخطاب فلما خالف في الثاني واجهه بقوله {لك} لعدم العذر هنا، ويعود موسى لنفسه ويجد أنه خالف وعده مرتين، فيندفع ويقطع على نفسه الطريق ويجعلها آخر فرصةٍ أمامه {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} أي إن أنكرت عليك بعد هذه المرة واعترضتُ على ما يصدر منك فلا تصحبني معك {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} أي قد أعذرت إليَّ في ترك مصاحبتي فأنت معذورٌ عندي لمخالفتي لك ثلاث مرات {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} أي مشيا حتى وصلا إلى قرية، قال ابن عباس: هي انطاكية فطلبا طعاماً وكان أهلها لئاماً لا يطعمون جائعاً، ولا يستضيفون ضيفاً، فامتنعوا عن إضافتهما أو إطعامهما {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} أي وجداً حائطاً مائلاً يوشك أن يسقط ويقع {فَأَقَامَهُ} أي مسحه الخضر بيده فاستقام، وقيل إنه هدمه ثم بناه في القرية كلاهما مرويٌ عن ابن عباس {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي قال له موسى لو أخذت منهم أجراً نستعين به على شراء الطعام!! أنكر عليه موسى صنيع المعروف مع غير أهله، روي أن موسى قال للخضر: قومٌ استطعمناهم فلم يطعمونا، وضِفناهم فلم يضيّفونا، ثم قعدت تبني لهم الجدار لو شئتَ لاتخذت عليه أجراً! {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} أي قال الخضر: هذا وقت الفراق بيننا حسب قولك {سَأُنَبِّئُكَ بِتأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} أي سأخبرك بحكمة هذه المسائل الثلاث التي أنكرتها عليَّ ولم تستطع عليها، وفي الحديث (رحم الله أخي موسى لوددت أنه صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما ولو لبث مع صاحبه لأبصر العجب) {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} هذا بيانٌ وتفصيل للأحداث العجيبة التي رآها موسى ولم يطق لها صبراً، والمعنى أما السفينة التي خرقتها فكانت لأناس ضعفاء لا يقدرون على مدافعة الظَّلمة يشتغلون بها في البحر بقصد التكسب {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} أي أردتُ بخرقها أن أجعلها معيبة لئلا يغتصبها الملك الظالم {وَكَانَ وَرَاءهُمْ مَلِكٌ} أي كان أمامهم ملك كافر ظالمٌ {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} أي يغتصب كل سفينة صالحة لا عيب فيها {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} أي وأما الغلام الذي قتلتُه فكان كافراً فاجراً وكان أبواه مؤمنين، وفي الحديث (إن الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً) {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} أي فخفنا أن يحملهما حبُّه على اتَباعه في الكفر والضلال {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أي فأردنا بقتله أن يرزقهما الله ولداً صالحاً خيراً من ذلك الكافر وأقربَ براً ورحمة بوالديه {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا} أي وأما الجدار الذي بنيتُه دون أجر والذي يوشك أن يسقط فقد خبئ تحته كنزٌ من ذهب وفضة لغلامين يتيمين {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} أي وكان والدهما صالحاً تقياً فحفظ الله لهما الكنز لصلاح الوالد، قال المفسرون: إن صلاح الآباء ينفع الأبناء، وتقوى الأصول تنفع الفروع {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْرَبِّكَ} أي فأراد الله بهذا الصنيع أن يكبرا ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما من تحت الجدار {رحمة من ربك} أي رحمةً من الله بهما لصلاح أبيهما {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أي ما فعلتُ ما رأيتَ من خرْقِ السفينة، وقتل الغلام، وإِقامة الجدار عن رأيي واجتهادي، بل فعلته بأمر الله وإِلهامه {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} أي ذلك تفسير الأمور التي لم تستطع الصبر عليها وعارضت فيها قبل أن أخبرك عنها.

قصة ذي القرنين و يأجوج ومأجوج

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا(83)إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا(84)فَأَتْبَعَ سَبَبًا(85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا(86)قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا(87)وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا(88)ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا(89)حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا(90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا(91)ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا(92)حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا(93)قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا(94)قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا(95)آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا(96)فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا(97)قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا(98)وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا(99)}

المنَــاسَبَة

لما ذكر تعالى قصة الخضر أعقبها بقصة ذي القرنين ورحلاته الثلاث إلى الغرب، والشرق، وإلى السَّدين، وبناؤه للسدّ في وجه "يأجوج ومأجوج" وهي القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة، وجميعها ترتبط بالعقيدة والإِيمان، وهو الهدف الأصيل للسورة الكريمة.

سَبَبُ النّزول:

أ- قال قتادة: إن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فأنزل الله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ..} الآية.

ب- قال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله: إني أتصدق، وأصلُ الرحم، ولا أصنع ذلك إلا لله تعالى، فيُذكر ذلك مني وأُحمد عليه فيسرني ذلك وأُعجب به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً فأنزل الله {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} أي يسألك اليهود يا محمد عن ذي القرنين ما شأنه؟ وما قصته؟ {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} أي قل لهم سأقص عليكم من نبأه وخبره قرآناً ووحياً {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} أي يسرنا له أسباب الملك والسلطان والفتح والعمران، وأعطيناه كل ما يحتاج إليه للوصول إلى غرضه من أسباب العلم والقدرة والتصرف، قال المفسرون: ذو القرنين هو "الاسكندر اليوناني" ملكَ المشرق والمغرب فسمي ذا القرنين، وكان ملكاً مؤمناً مكَّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، روي أن الذين ملكوا الأرض أربعة: مؤمنان وكافران، أما المؤمنان فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران فنمرود وبختنصر {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} أي سلك طريقه الذي يسره الله له وسار جهة المغرب {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} أي وصل المغرب {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أي وجد الشمس تغرب في ماء وطين – حسب ما شاهد لا حسب الحقيقة – فإِن الشمس أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، قال الرازي: إن ذا القرنين لما بلغ أقصى المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهدة مظلمة وإِن لم تكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إِذا لم ير الشطَّ وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} أي وجد عند تلك العين الحارة ذات الطين قوماً من الأقوام {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} أي قلنا له بطريق الإِلهام: إما أن تقتلهم، أو تدعوهم بالحسنى إلى الهداية والإِيمان، قال المفسرون: كانوا كفاراً فخيرَّه الله بين أن يعذبهم بالقتل، أو يدعوهم إلى الإِسلام فيُحسن إليهم {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} أي من أصرَّ على الكفر فسوف نقتله {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} أي ثم يرجع إلى ربه فيعذبه عذاباً منكراً فظيعاً في نار جهنم {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} أي وأمّا من آمن بالله وأحسن العمل في الدنيا وقدَّم الصالحات فجزاؤه الجنة يتنعَّم فيها {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} أي نيسر عليه في الدنيا فلا نكلفه بما هو شاق بل بالسهل الميسِّر. اختار الملك العادل دعوتهم بالحسنى فمن آمن فله الجنة، والمعاملة الطيبة، والمعونة والتيسير، ومن بقي على الكفر فله العذاب والنكال في الدنيا والآخرة {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} أي سلك طريقاً بجنده نحو المشرق {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} أي حتى إِذا وصل أقصى المعمورة من جهة الشرق حيث مطلع الشمس في عين الرائي {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} أي وجد الشمس تشرقُ على أقوامٍ ليس لهم من اللباس والبناء ما يسترهم من حر الشمس فإِذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب تحت الأرض، وإِذا غربتْ خرجوا لمكاسبهم، قال قتادة: مضى ذو القرنين يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إلاّ من آمن حتى أتى مطلع الشمس فأصاب قوماً من أسراب عراةً، ليس لهم طعام إلا ما أنضجته الشمس إذا طلعت، حتى إذا زالت عنهم الشمس خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم، وذُكر لنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان، ويقال إنهم الزنج {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} أي كذلك فعل بأهل المشرق من آمن تركه ومن كفر قتله كما فعل بأهل المغرب وقد أحطنا علماً بأحواله وأخباره، وعتاده وجنوده، فأمرُه من العظمة وكثرة الرجال بحيث لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} أي سلك طريقاً ثالثاً بين المشرق والمغرب يوصله جهة الشمال حيث الجبال الشاهقة {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} أي حتى إذا وصل إلى منطقة بين حاجزين عظيمين، بمنقطع أرض بلاد الترك مما يلي أرمينية وأذربيجان، قال الطبري: والسَّدُ: الحاجز بين الشيئين وهما هنا جبلان سُدَّ ما بينهما، فردَم ذو القرنين حاجزاً بين يأجوج ومأجوج من ورائهم ليقطع مادة غوائلهم وشرهم عنهم {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} أي وجد من وراء السدين قوماً متخلفين لا يكادون يعرفون لساناً غير لسانهم إلا بمشقة وعُسر، قال المفسرون: إنما كانوا لا يفقهون القول لغرابة لغتهم، وبطء فهمهم، وبعدهم عن مخالطة غيرهم، وما فهم كلامهم إلا بواسطة ترجمان {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} أي قال القوم لذي القرنين: إن يأجوج ومأجوج – قبيلتان من بني آدم في خلقهم تشويهٌ، منهم مفرطٌ في الطول، ومنهم مفرطٌ في القِصر – قومٌ مفسدون بالقتل والسلب والنهب وسائر وجوه الشر، قال المفسرون: كانوا من أكلة لحوم البشر، يخرجون في الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه، ولا يابساً إلا احتملوه {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} أي هل نفرض لك جزءاً من أموالنا كضريبة وخراج {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} أي لتجعل سداً يحمينا من شر يأجوج ومأجوج، قال أبو حيّان: هذا استدعاءٌ منهم لقبول ما يبذلونه على جهة حسن الأدب {قَالَ مَا مَكَّني فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} أي ما بسطه الله عليَّ من القُدرة والمُلك خيرٌ مما تبذلونه لي من المال {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} أي لا حاجة لي إلى المال فأعينوني بالأيدي والرجال {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} أي أجعل بينكم وبينهم سداً منيعاً، وحاجزاً حصيناً، وهذه شهامة منه حيث رفض قبول المال وتطوَّع ببناء السد واكتفى بعون الرجال {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} أي أعطوني قطع الحديد واجعلوها لي في ذلك المكان {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} أي حتى إذا ساوى البناء بين جانبي الجبلين {قَالَ انفُخُوا} أي انفخوا بالمنافيخ عليه {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ} أي جعل ذلك الحديد المتراكم كالنار بشدة الإِحماء {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي أعطوني أصبُّ عليه النحاس المذاب، قال الرازي: لما أتوه بقطع الحديد وضع بعضها على بعض حتى صارت بحيث تسدُّ ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم وضع المنافخ عليها حتى إذا صارت كالنار صبَّ النحاس المذاب على الحديد المحمي فالتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} أي فما استطاع المفسدون أن يعلوه ويتسوروه لعلوه وملاسته {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي وما استطاعوا نقبه من أسفل لصلابته وثخانته، وبهذا السد المنيع أغلق ذو القرنين الطريق على يأجوج ومأجوج {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} أي قال ذو القرنين: هذا السدُّ نعمةٌ من الله ورحمة على عباده {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} أي فإِذا جاء وعد الله بخروج يأجوج ومأجوج وذلك قرب قيام الساعة {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} أي جعله الله مستوياً بالأرض وعاد متهدماً كأن لم يكن بالأمس {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} أي كان وعده تعالى بخراب السدِّ وقيام الساعة كائناً لا محالة .. وهنا تنتهي قصة ذي القرنين ثم يأتي الحديث عن أهوال الساعة وشدائد القيامة قال تعالى {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أي تركنا الناس يوم قيام الساعة يضطرب بعضهم ببعض – لكثرتهم – كاضطراب موج البحر {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} أي ونفخ في الصور النفخة الثانية فجمعناهم للحساب والجزاء في صعيد واحدٍ جمعاً لم يتخلف منهم أحد.

محاسبة الكفار

{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا(100)الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا(101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً(102)قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا(105)ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا(106)}

{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} أي أبرزنا جهنم وأظهرناها للكافرين يوم جمع الخلائق حتى شاهدوها بأهوالها عرضاً مخيفاً مفزعاً {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} أي هم الذين كانوا في الدنيا عُمياً عن دلائل قدرة الله ووحدانيته فلا ينظرون ولا يتفكرون {وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} أي لا يطيقون أن يسمعوا كلام الله تعالى لظلمة قلوبهم، قال أبو السعود: وهذا تمثيلٌ لإِعراضهم عن الأدلة السمعية، وتعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار فكأنهم عميٌ صم {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} الهمزة للإِنكار والتوبيخ أي أفظنَّ الكافرون أن يتخذوا بعض عبادي آلهة يعبدونهم دوني كالملائكة وعزير والمسيح ابن مريم، وأن ذلك ينفعهم أو يدفع عنهم عذابي؟ قال القرطبي: جواب الاستفهام محذوف تقديره أفحسبوا أن ذلك ينفعهم، أو لا أعاقبهم ) إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} أي هيأنا جهنم وجعلناها ضيافةً لهم كالنُزُل المعد للضيف، قال البيضاوي: وفيه تهكمٌ بهم وتنبيهٌ على أن لهم وراءها من العذاب ما تستحقر جهنم دونه {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} أي قل يا محمد لهؤلاء الكافرين هل نخبركم بأخسر الناس عند الله؟ {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي بطل عملهم وضاع في هذه الحياة الدنيا لأن الكفر لا تنفع معه طاعة، قال الضحاك: هم القسيّسون والرهبان يتعبدون ويظنون أن عبادتهم تنفعهم وهي لا تقبل منهم {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} أي يظنون أنهم محسنون بأفعالهم {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي كفروا بالقرآن وبالبعث والنشور فبطلت أعمالهم {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} أي ليس لهم عند الله قيمةٌ ولا وزن، ولا قدرٌ ولا منزلة، وفي الحديث (يُؤتى بالرجل الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة) {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} أي ذلك جزاؤهم وعقوبتهم نارُ جهنم بسبب كفرهم واستهزائهم بآيات الله ورسله.

جزاء المؤمنين وسعة علم الله وتوحيده

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً(107)خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً(108)قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا(109)قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110)}

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي آمنوا بالله وعملوا بما يرضيه {كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} أي لهم أعلى درجات الجنة وهي الفردوس منزلاً ومستقراً {خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} أي ماكثين فيها أبداً لا يطلبون عنها تحولاً قال ابن رواحة: في جنانِ الفِردوس ليسَ يخافون خُروجاً عنها ولا تحويلاً {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} هذا تمثيلٌ لسعة علم الله والمعنى لو كانت بحار الدنيا حبراً ومداداً وكتبت به كلمات الله وحكمه وعجائبه {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} أي لفني ماء البحر على كثرته وانتهى، وكلامُ الله لا ينفد لأنه غير متناهٍ كعلمه جل وعلا {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} أي ولو أتينا بمثل ماء البحر وزدناه به حتى يكثر فإِن كلام الله لا يتناهى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي قل لهم يا محمد إِنما أنا إِنسان مثلكم أكرمني الله بالوحي، وأمرني أن أخبركم أنه واحدٌ أحد لا شريك له {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} أي فمن كان يرجو ثواب الله ويخاف عقابه {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا} أي فليخلص له العبادة {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} أي لا يرائي بعمله ولا يبتغي بما يعمل غير وجه الله، فإِن الله لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الخامس الابتدائي

امتحان للصف الخامس الابتدائي التربية الاسلامية للصف الخامس

امتحان للصف الخامس الابتدائي التربية الاسلامية دولة الامارات العربية المتحدة 2022 2022 2022

<<بالمرفقات

الملفات المرفقة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الخامس الابتدائي

طلب قصيده النحل للصف الخامس للصف الخامس

السلام عليكم ممكن قصيدة النحل مالت الصف الخامس ..

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الخامس الابتدائي

ملخص دروس الفصل الثاني للصف الخامس

السلام عليكم

الايمان باليوم الآخر .:. صفحة 8

اليوم الآخر : هو اليوم الذي يأتي بعد أن تنتهي الحياة الدنيا وينتقل الناس الى الحياة الخالدة .
عللي : المؤمن مطالب بالايمان : لانه ركن من اركان الايمان الستة .
الأيمان باليوم الآخر : هو التصديق بأن لهذه الحياة ساعه أخيرة تنتهي فيها الحياة الدنيا .
ما الغاية من اليوم الآخر ؟ لينصر المظلوم ويعاقب الظالم وليجزي الناس على أعمالهم .
متى يأتي يوم القيامة ؟ لايعلم موعده أحد الا الله تعالي .
ما أثر الايمان باليوم الآخر على حياة المسلم ؟
1. أن لايستعجل النتائج على أعماله في الدنيا
2. ان يتقن عمله
3. ان يصبر على المحن والشدائد
4. ان يكثر من الأعمال الصالحة
ماذا يحدث يوم القيامة ؟
1. النفخ في الصور : ينفخ به اسرافيل ليموت الجميع
2. البعث والنشور : يبعث الله الخلائق من جديد بعد موتهم
3. الحشر : يجمع الله المخلوقات في مكان واحد
4. الحساب : يعرض الله اعمال الناس ويسألهم عنها
5. الصراط : جسر ممتد فوق النار يمر عليه الناس جميعاً على حسب أعمالهم فينجو المؤمن من السقوط ويسقط الكافر
صفات الفائزين يوم القيامة : 1. تكون وجوههم في غاية الحسن والجمال
2. ينعمون بعيش هنيء
3. يرون الله تعالى
ماحكم الايمان باليوم الآخر ؟ واجب على كل مسلم
كيف يمكننا تجنب عذاب النار ؟ 1. الأعمال الصالحة 2. صوم رمضان 3. الصلاة
أول ماسأل عنه يوم القيامة : هو الصلاة
من أسماء يوم القيامة : القارعة الصاخة الغاشية الزلزلة
——————————————————————————————————-
سورة النبأ .:. صفحة 18 … السورة حفظ !!
معاني الأيات :
الأرض مهاداً : الأرض التي مهدها الله للحياة والأستقرار .
الجبال أوتاداً : الجبال التي تثبت الارض
ازواجاً : ذكور وأناث
النهار معاشاً : نهار جعله للحركة والرزق
سراج وهاج : الشمس المنيرة
حباً ونباتاً : انواع الحبوب والزروع
سباتاً : نوم جعله الله راحة للانسان
الليل لباساً : الليل الذي يغشي الناس ويسترهم كاللباس .
سبعاً شدادا : السماوات المحكمة الأبداع الخالية من العيوب
ماء ثجاجاً : السحب التي تمطر الماء العذب
جنات ألفافاً : حدائق وبساتين نضرة

عم تحدث الله في الآيات : عن المخلوقات والنعم
الحكمة من ذكرها : تذكير الناس بالنعم الكثيرة التي أعطاها الله
# يوم القيامة هو يوم الفصل
ماذا يحدث يوم القيامة ؟
1. ينفخ في الصور نفخة البعث
2. تتشقق السماء من كل جانب
3. تنشق الجبال وتتلاشى كالسراب

ماهي أحوال الكافرين في جهنم ؟
1. يقيمون فيها للأبد 2. لايذوقون مايخفف عنهم الحر 3. شرابهم الماء الحميم والصديد 4. يزداد عذابهم كلما استغاثو
أسباب تعذيب الكفار : 1. تكذيبهم بالبعث 2. سوء أعمالهم 3. تكذيبهم بآيات الله
ماهي أحوال المؤمنين في الجنة ؟
1. يفوزون يجنات النعيم 2. جزاء عظيم 3. لايسمعون فيها كلام سيء
# أهوال يوم القيامة : 1. يصطف جبريل والملائكة صف واحد 2. يرى الأنسان أعماله في صحيفته
عللي : يتمنى الكفار لو كانوا تراب : لأنهم رأو شدة أهوال الآخر .

ماهي الأعمال التي ترضي الله ؟ : الصلاة الصيام الزكاة الصدق العبادة
ماهي الاعمال التي لا ترضي الله ؟ : ترك الصلاة السرقه الشتم الكذب عقوق الوالدين
# ماذا سيحدث لو كانت الأرض كلها صخور وأحجار ؟ : 1. لا يوجد نبات ولا شجر
2. لايوجد غذاء للأنسان
# ماذا سيحدث لو لم تكن هناك سحب تمطر ؟ : 1. جفاف الأرض 2. لا حياة على الأرض
——————————————————————————————————-
المفلس يوم القيامة .:. صفحة 29 .. الحديث حفظ !!
# ماالذي يذهب الحسنات ؟ الأعمال الغير صالحة
• المفلس في الدنيا من يخسر أمواله >> الأموال تعوض !
• المفلس في الآخرة من يخسر حسناته >> الحسنات لاتعوض !
الأعمال التي تذهب الحسنات : 1. القول 2. الفعل
القول : الشتم الكذب الفتنة النميمة
الفعل : السرقه الضرب القتل أكل مال الغير
# الأعمال التي تزيد الحسنات : الصدق عدم الضرب عدم الكذب عدم السرقه التبرع
——————————————————————————————————-
الجراة في الحق .:. صفحة 35
# ما المقصود منها ؟ هي جرأة القلب وقوة النفس عند مواجهه مواقف تستدعي قول الحق .
• اقول الحق حتى لو كان مراً ولا أخاف احد غير الله
• اعترف بأخطائي واتحمل المسؤوليه
• أقول رأيي وأنصح الآخرين بأدب
• أكون واثق من نفسي
متى نقول الحق ؟ عندما يحدث خطأ وفي وقته المناسب لنصحح أخطاء الآخرين
# نتائج قول الحق في المجتمع : 1. انتشار المحبه والود 2.انتشار الحق والصدق 3. انتشار العدل 4. القضاء على الظلم
——————————————————————————————————-
خروج الرسول الى الطائف .:. صفحة 42
عللي: خروج الرسول الى الطائف بعد موت زوجته خديجة وعم ابي طالب ؟
1. بسبب تعذيب الكفار له وللمسلمين
2. ازدياد كفر قريش
3. ليدعو اهلها للأسلام
4. ليطلب نصرتهم في تبليغ الأسلام
# كيف استقبل اهل الطائف الرسول ؟ 1. رقضوا الاسلام 2. كذبوه 3. أسائو اليه
ماذا فعل الرسول بعد ايذاء اهل الطائف له ؟ : حزن وذهب الى بستان [ عتبة وشيبة ] ودعا وأشتكى الى الله تعالى
ثم قدم اليه خادم عتبة وشيبة النصراني [ عداس ] وأعطى الرسول بعض العنب ثم عاد الرسول الى مكة ودخلها
بحماية [ المطعم بن عدي ]
# ماذا يفعل المسلم بعد تعرضه لمصيبة ومشكله ؟ : 1. يصبر 2. يدعو ويشكو الى الله تعالى .

وبالتوفيق=)

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الخامس الابتدائي

مذكرة التربية الاسلامية الصف الخامس للصف الخامس

مذكرة التربية الاسلامية

2 – متى يكون عيد الأضحى وعيد الفطر ؟
………………………………………….. ………………………………………….. ………………………………………….. ………………….
3 – أذكر 5 من آداب العيد .
………………………………………….. …….
………………………………………….. …….
………………………………………….. ……
………………………………………….. …….
………………………………………….. ……..
4 – بين كيف تكون صلاة العيد .
………………………………………….. ………………………………………….. ………………………………………….. ………………………………………….. ………………………………………….. ……..
من هو المسبوق ؟
………………………………………….. ………………………………

2- متى يقضي المسبوق ما فاته ؟
………………………………………….. ………………………………

3- كم ركعة يقضي المسبوق في الحالات التالية ؟
.(…………..)أدرك الركوع في الركعه الأولى من صلاة الفجر .
(……..)جلس مع الإمام في التشهد الأوسط من صلاةالظهر.
(………….)أدرك الركوع من الركعه الثالثه من صلاة المغرب .

(………..)سجد مع الإمام في الركعه الثالثة من صلاةالعشاء .


يتبع في المرفق

الملفات المرفقة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده