ان شاء تستفيدوون
في المرفقاات
- أقسام الحديث.doc (108.0 كيلوبايت, 4404 مشاهدات)
ان شاء تستفيدوون
في المرفقاات
انشاء الله ينفعكم
والسموحه على التقصير
ونقسم أبحاث هذا النوع إلى قسمين:
أ-القسم الأول: أنواع الحديث المقبول.
1-الحديث الصحيح
الحديث الصحيح: هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الضابط ضبطاً كاملاً عن العدل الضابط إلى منتهاه، وخلا من الشذوذ والعلة.
شرح التعريف:
1-الاتصال: ومعناه أن يكون كل واحد من رواة الحديث سمع ممن فوقه حتى يبلغ قائله.
2-العدالة في الرواة: الملكة التي تحث على التقوى، وتحجز صاحبها عن المعاصي والكذب وما يخل بالمروءة.
3- الضبط: نوعان: ضبط صدر: وهو أن يسمع الراوي الحديث من الشيخ ثم يحفظه في صدره، ويستحضره متى شاء.
وضبط كتاب: وهو أن يسمع الراوي الحديث من الشيخ ثم يكتبه في كتاب عنده ويصونه من التحريف والتبديل.
4- الخلو من الشذوذ بأن لا يخالف الثقة من هو أوثق منه من الرواة.
5- الخلو من العلة: وهي سبب يطرأ على الحديث فيقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منها.
ووجه دلالة هذه الشروط الخمسة على صحة الحديث:
أن العدالة والضبط يحققان أداء الحديث كما سمع من قائله، واتصال السند على هذا الوصف في الرواة يمنع اختلال ذلك في أثناء السند، وعدم الشذوذ يحقق ويؤكد ضبط هذا الحديث الذي نبحثه بعينه وأنه لم يدخله وهم، وعدم الإعلال يدل على سلامته من القوادح الخفية.
حكم الحديث الصحيح:
أجمع العلماء من أهل الحديث ومَنْ يُعْتَدُ به من الفقهاء والأصوليين على أن الحديث الصحيح حجةْ يجب العمل به، سواء كان راويه واحدا لم يروه غيره، أو رواه معه راو آخر، أو اشتهر برواية ثلاثة فأكثر.
أصح الأسانيد:
واختلفوا في ذلك على أقوال كثيرة، والصحيح في هذه المسألة أنه لا يقال عن إسناد: إنه أصح الأسانيد مطلقاً، إلا مع التقييد بالصحابي أو بالبلد.
مقيداً بالصحابي:مثاله: أصح الأسانيد عن أبي بكر: ما رواه إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن حازم، عن أبي بكر.
مقيداً بالبلد: أصح أسانيد المكيين: ما رواه سفيان بن عينية، عن عمر بن دينار، جابر بن عبد الله. وهناك من يقول:
1- أصح الأسانيد : مالك عن نافع عن ابن عمر.
2- أصحها : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه.
3-4 أصحها: محمد بن سيرين بن عَبِيدة السلماني عن علي.
5- سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود.
أصح أحاديث الباب وأحسن:
يوجد في كلام المحدثين قولهم: "أصح شيء في الباب كذا" أو "أحسن شيء في الباب كذا". ويكثر ذلك في جامع الترمذي، وفي تاريخ البخاري.
ولا يلزم صحة الحديث ولكن قد يكون ضعيفاً ومرادهم بذلك الأرجح أو الأقل ضعفاً أو الأحسن أو الأمثل.
مصادر الحديث الصحيح1- الموطأ:مؤلفه الإمام مالك بن أنس الفقيه المجتهد نجم الآثار النبوية ، من كبار أئمة المسلمين ، ومن فقهاء المدينة الذين تحققت بهم كلمة النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة " [ أخرجه تانرمذي ].
2- الجامع الصحيح للبخاري:مؤلفه: الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجُعْفيّ وَلاءً .ولد سنة 194 بخزتنك قرية قرب بخارَى ، وتوفي فيها سنة 256 هـ.
وبدت عليه علائم الذكاء والبراعة منذ حداثته: حفظ القرآن – وهو صبي- ثم استوفى حفظ حديث شيوخه البخاريين ونظر في الرأي وقرأ كتب ابن المبارك حين استكمل ست عشرة سنة، فرحل في هذه السن إلى البلدان وسمع من العلماء وأكب عليه الناس وتزاحموا عليه ولم تطلع لحيته.
2- صحيح مسلم:مصنفه الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري ولد بمدينة نيسابور سنة 206 هـ وتوفى بها سنة 261هـ. كان إماما جليلا مهابا، وكان غيوراً على السنة والذب عنها، تتلمذ على البخاري وأفاد منه ولازمه. وهجر مِنْ أجله من خالفه، وكان في غاية الأدب مع إمامه البخاري.
– 4صحيح ابن خُزَيْمَة :للإمام المحدث الكبير أبي عبد الله أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، المتوفى سنة إحدى عشرة وثلاثمائة (311هـ). وقد عُرِفَ بالتحري، حتى انه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد، فيقول: (( إن صح الخبر )) أو (( إن ثبت كذا )) ونحو ذلك.
5- صحيح ابن حِبّان: للإمام المحدث الحافظ أبي حاتم محمد بن حِبّان البُسْتي، المتوفى سنة (354هـ) تلميذ ابن خزيمة، ويسمى كتابه هذا: ((التقاسيم والأنواع )).
هذان الكتابان صحيحا ابن خزيمة وابن حبان اشترط صاحباهما الصحة فيما يخرجانه فيهما، إلا أن العلماء لم يجمعوا عليهما بل وقعت انتقادات لأحاديث فيهما تساهلا في تصحيحها.
6- المختارة، للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة (643هـ)، وهو كتاب التزم ما يصلح للحجية.
لكن انتقد على الكتاب تصحيح أحاديث لا تبلغ رتبة الصحة، بل ولا رتبة الحسن.
2- الحديث الحسن:
الحديث الحسن: هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الذي قل (خفَّ) ضبطه عن مثله إلى منتهى من غير شذوذ ولا علة.
حكم الحسن: الحسن بنوعيه يشارك الصحيح في الاحتجاج والعمل به عند جميع الفقهاء وأكثر المحدثين، وإن كان دونه في القوة.
ألقاب الحديث المقبول:
كثيراً ما يستعمل المحدثون للدلالة على قبول الحديث ألقاباً غير قولهم: ((صحيح))، أو قولهم: ((حسن))، مثل ((الجيد))، و((القوي))، و ((الصالح))، و ((المعروف))، و ((المحفوظ))، و ((المُجَوَّد))، و ((الثابت)).
فأما الجيد، فقد قرر الحافظ ابن حجر أنه لا مغايرة بين صحيح وجيد عندهم، إلا أن الجهبذ منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة، كأن يرتقى الحديث عنده عن الحسن لذاته، ويتردد في بلوغه الصحيح، فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح، وكذا القوي.
وأما الصالح، فيشمل الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج بهما، ويستعمل أيضاً في ضعيف ضعفاً يسيراً لأنه يصلح للاعتبار.
وأما المعروف فهو مقابل المنكر، والمحفوظ مقابل الشاذ.
والمجوّد والثابت يشملان أيضاً الصحيح والحسن.
مصادر الحديث الحسن
وأهم مصادر الحديث الحسن: السنن الأربعة، والمسند للإمام أحمد، ومسند أبي يعلى الموصلى، نعرف بها فيما يلي:
1- "الجامع" للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَة الترمذي، المولودسنة 209 هـ والمتوفى سنة 279 هـ.وكان الترمذي من خواص تلامذة البخاري، شهد له العلماء بالعلم والحفظ والمعرفة، وبالديانة والورع، حتى إنه لغلبه الخشية عليه كُفَّ بصره آخر عمره بسبب البكاء من خشية الله تعالى.
2- "السنن" للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المولود سنة (202 هـ) والمتوفى سنة (273هـ). وأبو داود من تلامذة البخاري أيضاً، أفاد منه وسلك في العلم سبيله، وكان يشبه الإمام أحمد في هديه ودله وسمته.
3- "المجْتَبَى" للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المولود سنة (215هـ) والمتوفى (303هـ) . قال الدارقطني: (( أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره )).
))كان النسائي إماماً حافظاً ثبتا )).
4-"سنن المصطفى" لابن ماجه محمد بن يزيد القزويني الحافظ الكبير المفسر، ولد سنة (209هـ) وتوفي سنة (273). (( ابن ماجة ثقة كبير متفق عليه، محتج به، له معرفة وحفظ …)).
5- "المسند" للإمام المبجل أحمد بن حنبل، إمام أهل السنة والحديث، ولد سنة (164) وتوفي (241). قال الشافعي: ((خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه من أحمد بن حنبل )).
6- "المسند" لأبي يعلي الموصلي أحمد بن علي بن المثنى، ولد سنة عشر ومئتين، وارتحل في طلب الحديث وهو ابن خمس عشرة سنة، وعمِّر وتفرد ورحل إليه الناس. وتوفي سنة (307هـ) .
أثنى عليه العلماء ووصفوه بالحفظ والإتقان والدين .
ب- القسم الثاني : أنواع الحديث المردود.
1- الضعيف.
الضعيف هو: ما لم يجمع صفة الحسن، بفقد شرط من شروطه.
قال البيقوني في منظومته:
وكل ما عن رتبة الحُسْنِ قَصُر فهو الضعيف وهو أقسام كُثُر
وشروط الحديث المقبول ستة هي:
اتصال السند، والعدالة، والضبط، وعدم الشذوذ وعدم العلة القادحة، وعدم وجود العاضد عند الاحتياج إليه.
أنواع الضعيف:الحديث الضعيف له أنواع كثيرة، منها ما له لقب خاص، ومنها ما ليس له لقب خاص، وقد كثرت أقوال المحدثين في تقسيماته، فذكر الحافظ ابن الصلاح للضعيف تقسيمات باعتبار فقدان صفة واحدة من صفات القبول أو صفتين أو أكثر، فبلغت أقسامه عنده اثنين وأربعين،وأوصلها بعضهم إلى ثلاثة وستين، وبعضهم إلى تسعة وعشرين ومائة باعتبار التقسيم العقلي، وإلى واحد وثمانين باعتبار ممكن الوجود وإن لم يتحقق وقوعه، وقد بسط ذلك الحافظ العراقي. وكل ذلك كما قال الحافظ ابن حجر: تعب ليس وراءه أرب.
ويمكننا أن نذكر جملة مشهورة من أنواع الضعيف ونبين وجه تنوعها، تقريباً لفهم المبتدىء فنقول:
إذا فقد شرط اتصال السند: فان كان من أول السند ولو إلى آخره فهو المعلق، وإن كان من آخره فهو المرسل -على خلاف في الاحتجاج به- وإن كان من وسط السند: فان كان الساقط من الرواة واحداً فهو المنقطع. وإن كان اثنين إِثرَ بعضِهم فهو المعضل. ويدخل في هذه الزمرة أيضاً المعنعن الذي لم يحكم باتصاله.
وأما إذا فقد شرط العدالة: فان كان ذلك بسبب الجهالة بعين الراوي أو حاله فيقال فيه ضعيف للجهل بعين الراوي أو بحاله، وإن سمي الراوي باسم غير معين فهو المبهم، وإن كان فقد العدالة لفسق الراوي أو كذبه فانه تحت لقب المتروك، وإن كان ذلك مع المخالفة فهو المنكر -على رأي من يشترط فيه المخالفة-.
وأما إذا فقد الضبط: فان كان ذلك بسبب غفلة الراوي أو كثرة نسيانه أو خطأه في الحديث فيدخل تحت لقب المتروك أيضاً، وإن كان لاضطراب رواياته فهو المضطرب.
وأما إذا كان في الحديث علة قادحة فهو المعلل.
وإذا كان فيه شذوذ -أي مخالفة للثقات- فهو الشاذ.
وهناك أنواع للضعيف منها ما له لقب يخصه، ومنها ما ليس له لقب خاص، وإنما يذكر فيه وجه الضعف فقط.
حكم العمل بالحديث الضعيف: اختلف العلماء في الأخذ بالضعيف على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: أنه لا يجوز العمل به مطلقاً.
المذهب الثاني: أنه يعمل به مطلقاً
المذهب الثالث: أنه يعمل به في الفضائل العملية والمواعظ والقصص ونحو ذلك مما ليس له تعلق بالعقائد والأحكام.
يستحب العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال من المستحبات والمكروهات، وهو مذهب جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم، وقد أوضح الحافظ ابن حجر شروطه خير إيضاح فقال: "إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة:
الأول: متفق عليه، وهو أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه.
الثاني: أن يكون مندرجاً تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً.
الثالث: ألا يُعْتَقَدَ عند العمل به ثبوته، لئلا ينسبَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله)).
2- الحديث الموضوع: هو المختلق المصنوع المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بالحقيقة ليس بحديث، لكنهم سموه حديثاً بالنظر إلى زعم راويه.
وكثيراً ما يكون اللفظ المزعوم من كلام الحكماء أو الأمثال، أو من آثار الصحابة ينسبه الواضع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يكون من نسج خياله وإنشائه.
والحديث الموضوع هو شر الأحاديث الضعيفة، وأشدها خطراً، وضرراً على الدين وأهله.
أسباب الوضع: الأسباب التي حملت الوضاعين على اختلاق الأحاديث هي كثيرة نذكر أهمها:
الأول: قصد الواضع إلى إفساد الدين على أهله، كما فعلت الزنادقة إذ وضعوا أربعة عشر ألف حديث كما رواه العقيلي. منهم عبد الكريم ابن أبي العوجاء الذي قتل وصلب في زمن المهدي. قال ابن عدي: لما أخذ يضرب عنقه قال: وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحلِّل الحرام. ومنهم محمد بن سعيد الشامي المصلوب روى عن حميد عن أنس مرفوعاً: أنا خاتم النبيين لا نبيَّ بعدي إلا أن يشاء الله وضع هذا الاستثناء لما يدعو إليه من التنبؤ والإلحاد.
الثاني: قصد الواضع نصرة مذهبه.
كما روى ابن أبي حاتم عن شيخ من الخوارج أنه كان يقول بعد ما تاب: انظروا عمن تأخذون دينكم! فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً.
الثالث: قصد الواضع التقرب إلى الرؤساء والأمراء بما يوافق فعلهم، كما في قصة غياث بن إبراهيم مع المهدي.
الرابع: رغبة الواضع في التكسب والارتزاق، كأبي سعيد المدائني.
الخامس: قصد الأجر والثواب في زعم الواضع. كما فعله قوم من الجهلة حيث وضعوا أحاديث في الترغيب احتساباً في زعمهم الباطل.
قال في التدريب: من أمثله ما وضع حِسبة: ما رواه الحاكم بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورةً سورةً وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن اسحاق، فوضعت هذا الحديث حِسبةً. وكان يقال لأبي عصمة هذا "نوح الجامع" قال ابن حبان: جمع كل شيء إلا الصدق.
السادس: قصد الواضع الاغراب لأجل الاشتهار.
محاربة الوضع وأهم وسائلها:
انبرى العلماء لمحاربة الوضع ودرء مفاسد الوضاعين، واتبعوا من أجل ذلك وسائل علمية دقيقة نلخصها. لك فيما يلي:
1- البحث في أحوال الرجال وتتبع سلوكهم ورواياتهم، حتى فارقوا من أجل ذلك الأهل والأوطان .
2- التحذير من الكذابين وفضحهم، والإعلان بكذبهم على رؤوس الخلائق.
3- البحث عن الأسانيد: فلا يقبل حديث لا يوجد له إسناد.
4- اختبار الحديث بعرضه على الروايات الأخرى والأحاديث الثابتة.
5- وضع ضوابط يكشف بها الحديث الموضوع
6- التصنيف في الأحاديث الموضوع، للتنبيه عليها، والتحذير منها.
علامات الحديث الموضوع
وهي علامات استخلصها المحدثون من أبحاثهم وتنقيبهم عن الأحاديث الموضوعة واحداً واحداً، تيسر معرفة الحديث الموضوع وتكفي مؤونة التطويل، وقد شملت هذه الضوابط النظر في حال الراوي، وفي حال المروي، كما نفصله فيما يلي :
علامات الوضع في الراوي:
1- إقراره بأنه وضعه.
2- أن يكذبه التاريخ.
3- أن تقوم قرينه في حال الراوي على أن ذلك المروي موضوع.
4- أن يتفرد برواية عن شيخه وشأن مرويات شيخه أن تشتهر.
علامات الوضع في المروي :
1- كون ذلك المروي ركيك المتن، لفظاً أو معنىً.
2- أن ينقب عن الحديث ثم لا يوجد عند أهله من صدور الرواة وبطون الكتب، بعد أن تم استقراء الأحاديث وتدوينها.
3- أن يكون الحديث مخالفاً للقضايا المقررة، كأن يكون مخالفاً للعقل ولا يقبل التأويل، أو اشتمل على أمر يدفعه الحس والمشاهدة أو الواقع التاريخي.
4- أن يخالف المروي دلالة الكتاب القطعية، أو السنة المتواترة، أو الإجماع القطعي، أو دليل العقل، ولم يقبل التأويل ليوافق ما خالفه، فأما إن قبل التأويل فلا.
5- استقراء الأبواب: أي قولهم لم يصح في الباب شيء أو إلا حديث كذا، وذلك لما قاموا به من استقراء للأحاديث وتبويبها. وهو ضابط هام رأينا التنبيه عليه لعظيم فائدته.
6- أن يكون المروي قد تضمن الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير، أو الوعيد العظيم على الفعل الحقير، ويكون هذا في أحاديث القصص.
7- أن يكون خبراً عن أمر جسيم تتوافر الدواعي على نقله بمحمل الجمع العظيم، ثم لا يرويه إلا واحد.
حكم الوضع: الوضع بأنواعه حرام بإجماع المسلمين الذين يُعتد بهم.
أحكام الموضوع: اتفق العلماء على أن الموضوع ساقط الاعتبار بكل اعتبار، لأنه كذب مختلق.
حكم رواية الموضوع: تحرم روايته مع العلم بوضعه في أي معنى كان، سواء الأحكام والقصص والترغيب والترهيب، وغير ذلك، إلا أن يقرنه ببيان وضعه، لحديث مسلم: " من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".
مصادر الحديث الموضوع:وإليك أهم هذه المصادر فيما يلي:
1- الموضاعات: للإمام الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة ( 597) .
2- ((اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة)) للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة (911 هـ ).
3- (( تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة)). للحافظ أبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني المتوفى ( 963 هـ).
4- ((المنار المنيف في الصحيح والضعيف)) للحافظ ابن قيم الجوزية (المتوفى سنة 751 هـ ).
5- ((المصنوع في الحديث الموضوع)). للحافظ علي القاري (المتوفى سنة 1014هـ).
المصادر:
معرفة علم الحديث للحاكم النيسابوري
المخزون في علم الحديث أبو الفتح الأزدي
رسو م التحديث في علم الحديث للجعبري
وشكرااا
لفصلالثاني
الفصل الأول: أوروبا الحديثة في فجر عصر النهضة
نظرة عامة إلى العصور الوسطى
يظن بعض الناس أن العصور الوسطى عصور تأخر وانحطاط وهو وصف لا يمثل الحقيقة تمثيلاً صحيحاً، ولعل هذه الفكرة ترجع إلى الأثر الذي أحدثه انبثاق العصر الحديث بما حمل من نهضة وتقدم في أذهان الناس، فقد كان هذا الأثر قوياً إلى الحد الذي حجب الماضي عن أعينهم، فكان في نظرهم ظلاماً كله.
وواقع الأمر أن العصور الوسطى تعتبر من أهم فترات التاريخ الأوروبي، بل هي الأساس الذي نستطيع من خلاله أن نفهم التاريخ الحديث وذلك بدراسة أهم مظاهر العصور الوسطى في أوروبا.
وتشمل هذه العصور تلك الفترة التي بدأت بسقوط الدولة الرومانية الغربية على أيدي البرابرة بعد منتصف القرن الخامس الميلادي، واستمرت حتى منتصف القرن الخامس عشر (وهو تحديد تقريبي). وفي خلال تلك القرون حدثت تغيرات هامة في المجتمع الأوروبي. وأول هذه التغيرات هي تلك التي حدثت بسبب محاولة رجال العصور الوسطى إصلاح ما أفسدته غزوات البرابرة والعمل على استقرار الأحوال بعد ما حدث من فوضى وارتباك. فكان عليهم أن يخرجوا أوروبا من هذا المعترك الصاخب ليصلوا بها إلى حياة هادئة نسبياً.
وقد أفلحوا في تحقيق تلك الأمنية واستقرت الأوضاع ونَعِمَ الناس بفترات من الأمن والسلام، ولكن تلك الفترات لم تكن متشابهة في مظاهرها على مدى القرون الوسطى، فالفرد الذي عاش في القرن العاشر كان أبعد حياة ومدنية عن شخص عاش في القرن السابع أو الثامن، فقد كان هناك نمو دائم ومطرد يبشر بحياة مستقبلية أرقى منزلة وأكثر حرية وأعظم تقدماً. حتى إذا وافى القرن الثاني عشر ظهر نشاط ملحوظ في الحياة العلمية، ولو أن الاهتمام بالعلوم كان محصوراً بين جدران الكنائس والأديرة التي كان لها الفضل في حفظ التراث القديم وصيانته وتسليم هذا التراث الضخم للعصور الحديثة.
وفي القرن الثاني عشر يحدث اتصال بين حضارة الشرق والغرب وبدأ عصر الترجمة، حيث ترجمت علوم اليونان عن العرب، وتأثر المجتمع بالفلسفة اليونانية القديمة. ولكنهم في تلك الفترة كانوا يدرسون العلوم كما وردت دون إثباتها علمياً، وهذا هو الفرق بين العقليتين، عقلية العصور الوسطى وعقلية العصور الحديثة.
فأهل العصور الوسطى كانوا يأخذون العلوم على علاتها وشعارهم في ذلك "أعتقد لأفهم"، أما عندما أشرفت العصور الوسطى على الانتهاء، وانبثق عصر النهضة، سادت الفكرة التي تقول بأن لا يجوز الاعتقاد في شيء قبل فهمه (Nothing to be believed unless it is to be understood).
وعلى ذلك بدأت العقول تتحرر، واتجه الناس إلى نقد ما كان شائعاً في العصور الوسطى حتى في الدين نفسه، فقد وُجد من ينقد الكنيسة، وظهر "الهراطقة" الذين تعرضوا لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية بالنقد والتقريع، ونمت تلك الروح النقدية في أوائل العصر الحديث ونتج عنها حركة الإصلاح الديني البروتستنتي.
كذلك كان من مميزات أواخر العصور الوسطى ظهور الجامعات وما تبع ذلك من انتشار العلم وتعميق الثقافة، فنشأت جامعات بدأت باجتماع الطلبة حول أستاذ الفلسفة أو الرياضيات، ولم يكن ضرورياً وجود البناء الذي يجمع الأساتذة بطلابهم، بل كانوا يجتمعون حيث يطيب لهم المقام، إلى أن أصبحت الحاجة ملحة في إيجاد رابطة تجمع بينهم وتحقق الغرض العلمي من اجتماعهم فنشأت الجامعات في أماكن مختلفة، وشجعها الباباوات الذين أصدروا قرارات بإنشائها ومدها بالمال والتسهيلات، وأنشئت كليات لدراسة العلوم الإلهية ومختلف الفنون والعلوم الإنسانية والقانونية، ولكن الطابع الديني كان قوياً في هذه الدراسات.
بداية العصور الحديثة
ومما هو جدير بالذكر، أن الكثير من الآراء التي سادت في العصور الوسطى عاشت أيضاً بعض الزمن في العصر الحديث، وهذا يبين صعوبة إيجاد حد فاصل بين عصر وآخر. ولذلك يعتبر عصر النهضة الأوروبية من دلائل الانتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، ويصعب على المؤرخ أن يحدد تاريخاً معيناً يبدأ به التاريخ الحديث. فبعضهم يعتبر سقوط القسطنطينية في يد الأتراك العثمانيين عام 1453م بداية للتاريخ الأوروبي الحديث. فقد ترتب على هذا الحادث قيام حركة لإحياء العلوم في أوروبا، عندما غادر القسطنطينية عدد كبير من العلماء اليونانيين إلى أوروبا حاملين معهم مخطوطاتهم الثمينة التي انبثقت منها دراسات جديدة أضاءت الطريق لظهور النهضة الأوروبية وحركة إحياء العلوم.
ويذهب البعض الآخر إلى تحديد قيام العصر الحديث في أوروبا بنشوب الحروب الإيطالية والصراع بين الملكية والأسبانية والفرنسية. والواقع أنه ليس من السهل تحديد بداية التاريخ الحديث لأن التاريخ لا يعرف حداً فاصلا بين عصر وعصر، وإنما هو تطور إنساني يعتمد فيه التطور على ما سبق من ظروف وأحداث وشخصيات، تؤثر في سير الحوادث وتصنع التاريخ بسلوكها ومواهبها. والانتقال من الوسيط إلى الحديث بالتدريج ولم يسر على وتيرة واحدة.
مظاهر الانتقال إلى العصور الحديثة
وقد بدأت تظهر في أوروبا في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر تغيرات ومعالم جديدة، ولكنها لم تبدأ ببداية عام بعينه، ولم تشرق على أوروبا دفعة واحدة، ولكن بذورها بدأت تنبت في أواخر العصر الوسيط ثم تطورت ونمت وأتت ثمارها في العصر الحديث.
1. الناحية الثقافية:
وقد ظهر ذلك التطور أول ما ظهر في الناحية الثقافية، فقد كانت الكنيسة وحدها هي ملاذ الثقافة والتعليم، ولذلك اصطبغت الثقافة في العصور الوسطى بالصبغة الدينية، فقد كان العلماء في تلك العصور هم أنفسهم رجال الدين، وما يقوله رجال الدين حينئذ يتقبله الناس وما يرفضونه يرفضه الجميع، وكل تعاليمهم مسلم بها لا تقبل النقض ولا تحتمل الجدل. وكانت اللغة اللاتينية هي اللغة الأساسية التي يجب على كل فرد أن يتعلمها ويتقنها. أما اللغات القومية فكانت لغة التخاطب المحلي. ومن أراد المعرفة فلا سبيل إليها إلا عن طريق اللغة اللاتينية، التي كانت إذ ذاك لغة الجامعات يتفاهم بها الطلبة مع أساتذتهم، لذلك نصت لوائح الجامعات الأوروبية في العصور الوسطى على عدم إجازة من يثبت أن لغته اللاتينية غير سليمة.
ومن هنا لم تهتم تلك الجامعات بالثقافة القومية الخالصة، بل كانت جامعات عالمية يفد إليها الطلاب من مختلف البلاد تجتذبهم إليها أسماء الأساتذة المشهورين الذين يتوقون إلى أن يتتلمذوا عليهم.
ثم تطورت الدراسة بالتدريج حتى اتجهت في العصور الحديثة إلى الناحية القومية ولم تعد اللغة اللاتينية وحدها هي لغة الثقافة والأدب. ولم تلبث الجامعات أن تصدت لسيادة الكنيسة البابوية وناهضت المبدأ بخضوع جميع الكنائس في البلاد الغربية خضوعاً تاماً للبابوية، وكان على رأس الجامعات المعارضة جامعة باريس التي أيدت مبدأ استقلال الكنيسة الفرنسية. وقد تحقق فعلا للكنيسة الفرنسية هذا الاستقلال واكتسبت صبغتها القومية في عهد لويس الحادي عشر (1461 – 1483).
ومن المظاهر الثقافية لانتقال أوروبا إلى العصور الحديثة عناية بعض الشعوب الأوروبية بجغرافية العالم واكتشاف أبعاده. وقد كان احتلال البرتغاليين سبته على الساحل الأفريقي عام 1415 بمثابة الحلقة الأولى في سلسلة المغامرات البحرية التي أدت إلى دوران فاسكو داجاما حول إفريقية سنة 1492 وتأسيس الإمبراطورية البرتغالية والاستعمار البرتغالي في الشرق. ثم أدت تلك المغامرات إلى اكتشاف أمريكا، وانتقال التفوق التجاري من المدن الإيطالية إلى الدول التي تطل على المحيط الأطلسي أو القريبة منه. وقد بدأ ذلك التفوق في البرتغال ثم أسبانيا فالأراضي المنخفضة ففرنسا وإنجلترا. وأخذت تلك الدول كلها تتنافس وتتصارع على الاستعمار وتكوين إمبراطوريات لها وراء البحار.
وقد أثبتت حركة الاستكشافات بطريقة عملية تلك الآراء التي ناهضها رجال الدين في العصور الوسطى وأهمها إثبات كروية الأرض بعد نجاح رحلة ماجلان حول الأرض. واتسعت دائرة المعارف الإنسانية بعيداً عن قيود الكنيسة وتزمت رجال الكنيسة، وقد واكب اكتشاف أمريكا نشر الكتب المطبوعة، وأدرك الناس مدى التناقض بين ما كانت تلقنه الجامعات في العصور السالفة والحقائق الجغرافية التي تثبت عملياً في العصور الحديثة. وهكذا ازدادت معرفة الإنسان بأن العلم لا يقف عند حد وأن الحقيقة بنت البحث.
2. الناحية الاجتماعية والاقتصادية:
أما من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، فقد تميز العصر الوسيط بالنظام الإقطاعي (feudal system) الذي بدأت تتلاشى مظاهره في العصور الحديثة. فقد كانت الأرض موزعة بين أشراف يمتلكونها بما عليها من إنسان وحيوان، ويحكمون إقطاعياتهم بمطلق إرادتهم، وبذلك كانت الأرض هي عماد الثروة الاقتصادية. لذلك انعدم وجود الطبقة الوسطى التي تعتبر عماد الحياة، أو كانت قلة معدومة الأثر في البلاد، ولذلك كان المجتمع طبقتين: أشرافاً يتمتعون بكل شيء، وفلاحين يعتبرون أرقاء للأرض.
الملوك والأشراف:
أما عندما بدأت العصور الحديثة أخذت الأوضاع في بعض البلاد الأوروبية تأخذ أشكالا اقتصادية متغيرة، ففي فرنسا مثلا، حيث كان النظام الإقطاعي سائداً، كان الملك نفسه يحكم إقطاعاً في باريس ولا يتعداه إلى بقية الإقطاعيات على الرغم من اعتراف الأشراف به وبأسرته، إلى أن حدث تطور أضعف قدرة الأشراف بعد أن أنهكت قواهم الحروب المتتالية. وعندئذ بدأ بعض الملوك يحطمون نفوذهم ويبسطون سيطرتهم خارج باريس، فقام صراع طويل بين الملكية والأشراف، انتهى بهدم النظم الإقطاعية وتحرر الفلاحين من رق الأرض، ومنحوا حق الملكية، فكان هذا التحول الاقتصادي على أكبر جانب من الأهمية.
وقد أعان الملكية في النصر الذي حازته على الأشراف أن الناس بدءوا يشعرون بأن الأرض لم تعد المصدر الأساسي للثروة، فقد أينعت التجارة وراجت الصناعة، وظهرت على أثر ذلك طبقة وسطى تشتغل بالتجارة، ونالها ثراء دفعها إلى النفوذ الذي حرمت منه في العصور السالفة، وعلى الأخص عندما اتسعت العلاقات التجارية بين أوروبا والعالم الجديد بعد حركة الكشوف الجغرافية. ومن جهة أخرى ازدادت العلاقات الأوروبية بالشرق الغني بغلاته ومنتجاته.
وانتعشت أحوال أوروبا الاقتصادية بانتعاش تلك الطبقة الجديدة التي كان من مصلحتها تدعيم نفوذ الملكيات، ليسود الاستقرار والأمن حتى تستطيع ممارسة نشاطها ومضاعفة ثرواتها. وبذلك ارتبطت مصلحة الملوك بمصلحة الطبقة الوسطى في الصراع ضد الأشراف، ورأت الملكية أن من مصلحتها الاستعانة بمواهب رجال الطبقة المتوسطة والانتفاع بأموالهم. فعين الملوك منهم أعضاء في البرلمان وحكاماً في الأقاليم، وقضاة، ومشرعين.
الجيوش الثابتة:
وقد غيرت تلك الظروف نظرة الملوك في الحكم. فبعد أن كانوا يحكمون معتمدين على الجيوش التي يجمعها الأشراف في زمن الحرب، عمدوا إلى إنشاء الجيوش الثابتة التي تبقى زمن الحرب وزمن السلم. كحارس ومدافع ضد أطماع الأشراف وضد العدو الأجنبي، وتقوم تلك الجيوش بالغزوات والفتوحات التي يفكر الملوك في القيام بها. وجاء اختراع البارود والمفرقعات في نهاية العصور الوسطى أكبر معين للملك ضد فروسية العصور الوسطى فساعد ذلك على دَك معاقل الأشراف وتحطيم حصونهم. وقد استغرق القضاء على الأشراف زمناً ليس بالقصير.
روح الفردية:
كذلك ظهرت في العصور الحديثة روح جديدة، وهي النزوع إلى التفكير الحر، أو ما أطلق عليه بكلمة الفردية (Individualism) أي انفصال الفرد عن التقيد بما لا يستسيغه أو يعتقده في داخلية نفسه. ظهرت تلك الروح في التفكير الديني، وكان من نتيجتها ظهور حركة الإصلاح (Reformation)، ومحاولة المصلحين تغيير ما يرونه ضد العقيدة الحقة والدين الصحيح. على أن ذلك لا يعني أن الفرد كان حراً في العصور الحديثة، بل إنه كان مقيداً في بلده برأي حكومته، إنما كان باستطاعته أن يهاجر إلى بلاد أخرى. فمذهب لوثر كان مذهباً عاماً ودولياً ظهر في ألمانيا، فمن لم يرتح إليه من الألمان يستطع أن يرحل من ألمانيا إلى دولة أخرى لا تعتنق هذا المذهب.
كذلك ظهرت الروح الفردية في الحكم والسياسة، ونجدها واضحة في الظروف التي نشأت فيها الدول القومية. ولو أنها لم تنشأ في أوائل العصور الحديثة بل احتاجت إلى ثلاثة قرون حتى تم نضجها في أوروبا، فإيطاليا لم تحقق وحدتها إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكذلك ألمانيا. بل إن شعوباً كثيرة ظلت تجاهد من أجل قوميتها واستغرق جهادها سنين طويلة امتدت إلى نهاية الحرب العالمية الأولى. على أن روح الفردية لم تظهر فجأة في تاريخ محدد، بل احتاجت إلى أجيال متعاقبة تنمو فيها وتتطور. فالفكرة وجدت في بداية العصور الحديثة ولكن لم يكن الفرد حراً كل الحرية في معتقداته السياسية، أو في إبداء رأيه علناً، فقد بدأت العصور الحديثة ولا تزال الدولة هي صاحبة الحق في كل شيء، والفرد خاضع لها ويسير على دربها، حتى إذا جاءت الثورة الفرنسية، وأعلنت حقوق الإنسان، ورفعت شعار الحرية والإخاء والمساواة، بدأت الفكرة تنساب من فرنسا إلى الشعوب المتعطشة لتحقيق تلك الشعارات. ومع ذلك لم يكن تحقيقها سهلاً ميسوراً. وحتى في فرنسا ذاتها احتاج الشعب إلى زمن طويل للحصول على هذه الحقوق وفي حدود ضيقة.
ظهور المدن:
وكان لظهور المدن في أوائل القرن الحادي عشر أثره في حياة المجتمع الأوروبي، وقد نشأت المدن كنتيجة لنمو التجارة والصناعة، بعد أن تخلص عدد كبير من الناس من سيطرة الأشراف الزراعية.
وقد كان لظهور المدن أثره في إضعاف النظام الزراعي الإقطاعي. واستطاعت بعض المدن، ولا سيما المدن الإيطالية والألمانية، أن تنجح في تدعيم وجودها حتى تطورت وأصبحت جمهوريات حرة منفصلة عن الدولة الإقطاعية التي كانت جزءاً منها. وبعض المدن في دول أخرى كفرنسا وإنجلترا ساعدت الملك على تقوية نفوذه ضد نبلاء الإقطاع. فقد رأى سكان تلك المدن أن من مصلحتهم تدعيم سلطان الملك، لأن قيام حكومة مركزية قوية على رأسها الملك أدعى إلى استتباب أمن الدولة واستقرارها، وأصلح لهم من التقسيم الإقطاعي الذي يقف حجر عثرة في سبيل حرية التجارة ويضعف مكاسبها. وهكذا ساعدت المدن في بعض الدول الأوروبية على تدعيم سلطة الملكية المطلقة وعلى الأخص في أوروبا الغربية.
هذا إلى أن المدن أصبحت مراكز للثقافة والإشعاع الفكري حيث تجمع المفكرون والمثقفون في مكان واحد كبير، يختلط بعضهم ببعض، يتبادلون الأفكار فيما بينهم، ويعملون على تحقيق الإصلاح والسعادة للشعب.
ومع ان ظهور المدن بدأ منذ العصور الوسطى المتأخرة، إلا ان مظاهر النهضة فيها لم تبد واضحة إلا في المجتمع الأوروبي الحديث، عندما ازدادت الثروة عن طريق نمو التجارة والصناعة.
نمو التجارة والصناعة:
ومنذ أن ظهرت المدن حوالي عام 1000 الميلادي، نمت التجارة والصناعة نمواً مضطرداً حتى ظهرت النهضة الأوروبية، وقد تميزت المدن الإيطالية بالذات عن غيرها بذلك النمو، فلتلك المدن تقاليدها التجارية منذ العهد الروماني عندما كانت إيطاليا مركزاً لتجارة العالم وظلت ذائعة الصيت في عالم التجارة، وقد ساعدها على ذلك موقعها الجغرافي في منتصف حوض البحر المتوسط، ذلك الموقع الذي جعلها على مدى العصور الوسطى وفي عهد النهضة الأوروبية أعرق البلاد الأوروبية حضارة وأكثفها سكاناً، وبذلك تفوق المجتمع الإيطالي على غيره من المجتمعات الأوروبية التي تعيش في أسبانيا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا.
ولعل أكبر ربح جناه الإيطاليون هو اتصالهم بالدولة البيزنطية المجاورة لهم وبالبلاد العربية التي ربط الإسلام فيما بينها، والتي كانت على جانب كبير من الحضارة والتقدم، وقد تجلى ذلك في تقدمهم التجاري إذ كانت تجارتهم الخارجية تنشط حتى تصل إلى الهند والصين.
وكان الإيطاليون يحلمون بما في الشرق من نفائس وبضائع وثروات، ولم يكن هناك بُد من عقد أواصر الصداقة مع البلاد العربية حتى تصبح إيطاليا الوسيط التجاري الطبيعي بين الشرق والغرب فأقاموا العلاقات التجارية معها، وتكونت في المدن الإيطالية الساحلية، مثل بيزا وجنوا والبندقية، شركات تجارية كانت سفنها تبحر إلى الإسكندرية ويافا وعكا والقسطنطينية لجلب البضائع الشرقية من حرير وجواهر ومنتجات ذهبية وعاجية، وكل ما كان ينقص أوروبا من نفائس الشرق وبضائعه النادرة، ومنها الأصباغ والتوابل والرقيق الذي لم يكن محرماً في الأسواق الشرقية. وهكذا تخصص الإيطاليون في جلب كل ذلك عن طريق الأسواق العربية ثم ينقلونه عَبرَ جبال الألب إلى فرنسا وألمانيا. ومنذ القرن الرابع عشر، عندما تقدمت الملاحة عبر البحار، كان الإيطاليون ينقلون تجارتهم عبر مضيق جبل طارق إلى إنجلترا والبلاد الواقعة على سواحل بحر الشمال.
بذلك استغل الإيطاليون كل منفذ بري أو بحري لنشر تجارة الشرق في أوروبا الغربية مقابل ما كانوا يحصلون عليه من نقود ذهبية وفضية، أو بمبادلة تلك البضائع ببعض المواد الخام كالكتان والصوف والجلود والفراء، تُحمل إلى إيطاليا ليقوم الإيطاليون بما عرف عنهم من مهارة في الصناعة بتحويل تلك المواد الخام إلى منتجات رائعة تذهب بالتالي إلى الشرق، ليتم بذلك التبادل التجاري المنشود.
وقد نتج عن قيام تلك التجارة العالمية على هذه الصورة حركة تقدم واسعة النطاق في مختلف المجالات، فقد احتاج الأمر إلى إصلاح شامل في وسائل المواصلات لتسهيل العمليات التجارية بين إيطاليا وأوروبا، وجرى الإصلاح في الطرق الرومانية القديمة، وأنشئت الكباري [الجسور] فوق الأنهار. ولكي يأمن التجار على أموالهم، فكرت الحكومات المتجاورة ذات العلاقة بالتجارة الإيطالية في عقد معاهدات واتفاقيات كانت أساساً فيما بعد لنشأة القانون الدولي، واهتدى التجار إلى وسيلة التعاقد الكتابي فيما بينهم، وتأسست المصارف (البنوك) لتساعد على عقد الصفقات بين مختلف البلدان، لتذليل صعوبة التعامل بالعملات المختلفة.
وقد ربح التجار الإيطاليون أموالا طائلة حتى أنهم كانوا يقرضون الباباوات والأمراء ما يحتاجون من المال. ولما كثرت الأموال في أيديهم ازدادوا تعلقاً بالترف والرفاهية، فصاروا يقتنون أنفس ما تخرجه أيدي الفنانين من تحف فنية، مما شجع أهل الفن على الاستزادة من استغلال مواهبهم وابتكار المزيد من روائع الفنون. ونتج عن ذلك تطور عظيم في ذلك المضمار، وازداد الإقبال على اقتناء ما كانت تخرجه أيديهم وقرائحهم، وعلى الأخص تلك الرسوم النادرة التي رسموها بالزيت تمثل صوراً بشرية تنطق ملامحها بمختلف الانفعالات وضعت على أسس أكثر واقعية ومطابقة للحقيقة، وكانوا يستعينون في إحكامها ببعض العلوم التي تقدمت في عصر النهضة كالرياضيات التي تعينهم على حساب قواعد الرسم المنظور وعلم التشريح، فجاءت صورهم تكاد تنطق بالحياة حتى أصبحت أكثر تعبيراً عن الأشخاص من ذي قبل، وبذلك أصبحت تصويراً للوقائع، مثال ذلك الصورة التي رسمها بلليني (Bellini) التي تمثل رئيس عصابة من المحاربين المرتزقة، وكذلك اللوحات الزيتية المشهورة التي رسمها الفنان الإيطالي الكبير ليوناردو دافنشي (Leonardo da Vinci) التي تمثل "العشاء الأخير" للمسيح مع حواريه الذين يظهرون حوله كجماعة من الرجال لكل منهم خصائصه ومميزاته الشخصية. إلى غير ذلك من الصور الخالدة التي رسمها الفنان رفائيل (Ravel) وغيره من الفنانين الذين بقيت آثارهم مرموقة حتى عصرنا الحاضر.
***
وكانت أهم المدن الرئيسية التي اشتهرت بالتجارة والغنى والثروة هي المدن القريبة من ممرات الألب شمال شبة الجزيرة الإيطالية، لأن تلك الممرات الجبلية ساعدتها على نشر تجارتها في أوروبا، لذلك اشتهرت ميلان، وجنوا، وبولونيا، وفيرونا، وبادوا. وفاقتها جميعها مدينتا البندقية وفلورنسا اللتان احتلتا اسمى مكانة بين المدن الإيطالية، فكانت البندقية أهم مركز لتوزيع تجارة التوابل ونفائس الشرق، وكانت فلورنسا المركز الرئيسي لصناعة النسيج من صوف وحرير.
ويقابل تلك المدن الإيطالية في الجانب الآخر مدن فرنسا الجنوبية الواقعة في وادي الرون، والشمالية الواقعة في وادي السين ووادي المارن، وكذلك المدن الألمانية على طول نهر الرين من استراسبورج إلى كولون، وجميع تلك المدن الفرنسية والألمانية كانت على صلة تجارية وثيقة بالمدن الإيطالية. وقد امتدت الصلات التجارية بينها جميعاً وبين المدن في شمال أوروبا.
وقد غنيت المدن الإيطالية من التجارة وقام التنافس بينها حيث كانت كل منها تصر على استقلالها عن جيرانها، ولذلك لم تكن إيطاليا في بداية العصور الحديثة سوى تعبير جغرافي لا يمثل وحدة تقوم بين سكان شبه الجزيرة، بل كانت ولايات لم تفكر آنذاك في تحقيق الوحدة القومية الشاملة كتلك التي قامت في فرنسا وغيرها من الدول الغربية التي تمتعت بوحدتها في ظل الملكية. ويرجع تأخير قيام الوحدة الإيطالية إلى سببين: أولهما قوة سلطان البابا الذي منع بنفوذه قيام زعيم يوحد البلاد، وكان البابا في روما هو الزعيم الروحي الذي تهفو إليه قلوب جميع المسيحيين في العالم، وكانت شخصيته تطغى على جميع الشخصيات وله الزعامة السياسية والدينية، ومع ذلك فقد عجز عن جعل إيطاليا دولة موحدة تحت حكمه. وكان البابا خلال العصور الوسطى يقحم الولايات الإيطالية في صراعه مع الإمبراطور، وقد زاد من خطورة الموقف أن بعض الباباوات كانوا يدعون فرنسا تارة، وأسبانيا تارة أخرى إلى إرسال قوات إلى إيطاليا لنصرة البابا على الإمبراطور…
والسبب الثاني هو التنافس التجاري الذي تحدثنا عنه بين المدن الإيطالية وجعلها تفضل الاستقلال عن جيرانها وألا تخضع لدولة أخرى أو تنضم إليها. ورأت كل منها أنها لا تستطيع تدعيم وجودها إلا بإتباع سياسة المنافسة التجارية. وكانت المدن التي تكون ولايات صغيرة تختلف حجماً، وبعضها كان من صغر المساحة بحيث لم يكن لها أثر في تاريخ إيطاليا. ولكن استطاعت خمس ولايات إيطالية أن تنمو وتطور نفسها حتى أصبحت مراكز قوة لتقرير مصير إيطاليا بأكملها فيما بعد، تلك كانت الولايات البابوية، ونابلي، وميلان، والبندقية وفلورنسا.
***
تلك هي نظرة عامة ألقيناها على إيطاليا نخرج منها بفكرتين: الأولى: أن إيطاليا لم تستطع لعدة قرون أن تحقق الوحدة القومية التي ظلت أملا بعيد المنال، نظراً للظروف السياسية والاجتماعية التي عاشتها في فرقة وخلاف، رغم أن أبناءها أبناء جنس واحد، ويتكلمون لغة واحدة، ولم تتحقق لهم الوحدة الشاملة إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. والثانية: أن إيطاليا كانت مهد حضارة عريقة وكان الشعب الإيطالي في الولايات المختلفة يتمتع برخاء اقتصادي ورقي علمي وحب عميق للفنون والآداب جعل إيطاليا مركز إشعاع للنهضة الأوروبية.
الفصل الثاني: النهضة الأوروبية
عندما ندرس التاريخ، نجد التطور الإنساني يسير في تيارات فكرية تتغير معها نظرة الإنسان إلى الحياة وإدراكه لمفاهيمها وتصرفه إزائها، ومن العسير أن نحدد تاريخاً محدداً لظهور هذه التغيرات الهامة في مجرى التاريخ، أو الانتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، فلكل عصر جذور تمتد في أعماق العصر الذي سبقه، ولا بد من وجود فترة انتقال طويلة تتفاعل فيها المثُل والمفاهيم القديمة والجديدة معاً حتى تستقر في أذهان الناس إرادة التغيير، ويبدأ بالتدريج عصر يختلف عما سبقه في كل نواحي الحياة. وقد يظهر هذا التطور في أمة قبل ظهوره في غيرها من الأمم، وأمة تسبق غيرها نحو التقدم والحياة الأفضل.
وقد حدث ذلك في فترة الانتقال في أوروبا من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، وهي الفترة التي اصطلح المؤرخون على تسميتها باسم عصر النهضة (Renaissance) بمعنى البعث الجديد أو بالمعنى الحرفي "الولادة الجديدة". وقد ظهرت حركة النهضة في بدايتها في إيطاليا، وكان ذلك قبل منتصف القرن الرابع عشر. بينما لا نجد لها أثراً في غيرها إلا بعد ذلك بزمن ليس بالقصير، فإنجلترا مثلا لم تظهر بها آثار النهضة إلا في الربع الأخير من القرن الخامس عشر، ونظراً لانتقال النهضة من إيطاليا إلى غيرها من الدول الأوروبية في بطء شديد فقد طال عصر النهضة من أوائل القرن الرابع عشر إلى القرن السادس عشر، بل إن أثرها لم يظهر في بعض الدول الأوروبية إلا في أوائل القرن السابع عشر. وقد اتخذت النهضة أشكالا ومظاهر مختلفة باختلاف طبيعية البلاد التي ظهرت فيها، فبينما ظهرت بمظهر الإصلاح الديني في بعض الدول الأوروبية كألمانيا وغيرها، نجدها تتخذ شكلا فنياً في إيطاليا. وقد ظهرت بوادر النهضة بظهور فكرة إحياء التراث القديم أو كما سماها المؤرخون حركة إحياء العلوم (Revival of learning).
حركة إحياء العلوم:
ظهرت تلك الحركة في القرنين الأخيرين من فترة الانتقال، أي من عام 1300 إلى عام 1500، حيث أخذ المثقفون في المدن يهتمون بالتنقيب عن الآثار والمخلفات الأدبية اليونانية والرومانية القديمة، ويحاولون دراستها والاستفادة منها، ولكن حركة إحياء العلوم لم تكن هي النهضة ذاتها بل هي مظهر من مظاهرها وبداية طيبة لها.
وقد عُرف المشتغلون بهذه الدراسات باسم الإنسانيين (Humanists) لأنهم كانوا يهتمون بدراسة الإنسان نفسه، وهذا يعتبر شيئاً جديداً في التاريخ البشري، فقد تناست العصور الوسطى إنسانية الإنسان، واهتمت فقط بصفاء روحه وقربه من الله، ومن هنا تفشت أفكار التقشف والصوم وإذلال الجسد، وتجلى ذلك بأجلى معانية في ظهور الرهبنة. ولم يجد الفن له منطلقاً في تلك العصور لأن النظرة كانت للروح وليست للجسد، ولم يكن هناك داع لإظهار مفاتن الجسم أو الاهتمام بالإنسان في الأدب أو الفنون الجميلة كالرسم والنحت.
ولم يكن من الضروري أن تكون جماعة الإنسانيين من طبقة الجامعيين أو رجال الدين، بل كانت أغلبيتهم الساحقة من عامة الشعب الذين اعتقدوا أن كتاب الإغريق والرومان ومفكريهم وفلاسفتهم لم يكونوا رجال دين، ولا من الخاصة، بل ينتمون إلى عامة الشعب.
ولم يكتف الإنسانيون في إيطاليا بالدراسة العميقة للإنتاج الفكري القديم، بل بدءوا يحاولون محاكاة أولئك الكتاب القدامى في طريقة وأسلوب الكتابة، وترفعوا عن الكتابة باللغة الإيطالية، إذ لم تكن اللغات القومية في نظر الإنسانيين صالحة للتعبير عن الأفكار الدقيقة أو العميقة. وقد سار على هذا النهج الكتاب الأولون لعصر النهضة أمثال دانتي (Dante) وبوكاشيو (Boccaccio).
وقد ظهرت حركة الإنسانيين أول ما ظهرت في إيطاليا، ومنها انتشرت في مدن أوروبا، وخاصة في المدن الفرنسية والألمانية والهولندية، وكان يغلب على الإنسانيين (وخاصة في إيطاليا) الاعتداد بالنفس، والثقة في الإنسان وعظمته وقدرته على التغيير وتحقيق مثله العليا. والرجل الإنساني في نظرهم يجب أن يكون فناناً، فصيحاً، فيلسوفاً، أخلاقياً، سياسياً، محباً للإطلاع، باحثاً عن الشهرة والإبداع في أدبه أو فنه. وكانوا يعبرون عن أفكارهم بلغة لاتينية أدبية، موجهين اهتماماً خاصاً لجمال الأسلوب وانتقاء الألفاظ.
وقد اعتمدت حركة إحياء العلوم على دراسة المخطوطات الإغريقية واللاتينية التي بحثوا عنها في الكنائس والأديرة في شبة الجزيرة الإيطالية وفي الولايات الألمانية وغيرهما، واهتم حكماء الولايات الإيطالية بإيفاد باحثين ينقبون عنها ويشترونها، بل وتنافسوا في سبيل الحصول على أكبر قدر ممكن من هذه المخطوطات.
ويعتبر بترارك (Petrarch) أول زعيم لتلك الحركة فقد كرس حياته في إيطاليا لدراسة الأدب. وقد ولد في فلورنسا وأمضى حياته الدراسية الأولى في توسكانيا، وقد أرسله والده فيما بعد إلى مونتيلين لدراسة القانون ولكنه لم يستسغ تلك الدراسة وتحولت اهتماماته إلى دراسة الآداب القديمة. وشاعت عنه أفكار جديدة وجريئة ظهرت في كتاباته، حيث أوضح فيها اعتقاده بأن الإنسان يجب أن يهتم أولا بحياته على وجه الأرض قبل أن يوجه اهتمامه إلى أشياء تختص بالحياة الآخرة. وانتقد الكنيسة بقوة وصراحة، وتمنى أن يبدأ الشعب الإيطالي بقيادة العالم نحو فلسفة جديدة، ولكن غاب عنه في حياته أن الشعب الإيطالي في ذلك الحين كان نهباً للانقسام والتنافس وأنه لا يستطيع آنئذ أن يوجه جهوده لتحقيق آرائه الجديدة.
ومهما يكن من شيء، فقد تأثرت النهضة الأدبية في إيطاليا بآرائه وكتاباته، وكانت قصائده موضع اهتمام الأدباء الإيطاليين، يشرحونها ويحللونها ويحاولون محاكاتها.
النهضة الأدبية:
ازدهرت الآداب منذ بداية عصر النهضة، وكانت ترتكز على تقليد القدامى في كتابة القصائد الغنائية ورسائل الحب وتدبيج الملاحم والمآسي والمراثي والهجاء والاهتمام بجمال الأسلوب وانتقاء الألفاظ. ومع ما أدخله كتاب النهضة من تعابير مأخوذة عن اللاتينية والإغريقية إلا أنهم كانوا إلى جانب ذلك يبتكرون ويخلعون على إنتاجهم مسحة جديدة تميزت بها النهضة الأدبية. ولم يكن الأدباء الأقدمون بالنسبة لهم إلا نماذج للتعبير عن العواطف الشخصية، ولكنها كانت عواطف أديب القرن السادس عشر.
وتميزت هذه الآداب بأنها كتُبت لتُدخل السرور والإعجاب والتسلية على القارئ، ولم تهتم بتعليمه أو وعظه. ولاقى المسرح اهتماماً كبيراً من أدباء النهضة، حيث أخذت الملهاة والمأساة تقومان مقام المسرحيات الدينية التي كانت من سمات الأدب في العصور الوسطى، فكانت أكثر واقعية وأقوى التقاء بالعواطف الحقيقية للإنسان.
وهكذا أصبحت الآداب قومية يعبر بها الأديب عن شخصيته وشخصية شعبه. وقد سبق الأدباء الإيطاليون غيرهم من أدباء الشعوب الأخرى وتفوقوا عليهم في التعبير عن عاطفة الفن والبحث عن الجمال.
أما في فرنسا فقد كانت عناية الأدباء موجهة نحو الإبداع في النثر وتجلى ذلك في القصص، والمذكرات والتحليل الخلقي والنفسي. وفي إنجلترا ظهر المسرح المتنوع المليء بالمفاجآت والمغامرات، وتحليل الإنسان في خلقه وطباعه. وفي أسبانيا اهتم الأدباء بعواطف الفروسية وأبرزوا الُمثل العليا التي يتجلى بها الفارس.
النهضة الفنية:
تجلت روح النهضة بأحلى مظاهرها ومعانيها في الفنون الجميلة، وكانت إيطاليا مهد تلك النهضة التي بدأت فيها مبكرة منذ القرن الخامس عشر، ثم تطورت عندما بدأ الاهتمام ببعث الفن الكلاسيكي القديم، وذلك في الثلث الأول من القرن السادس عشر، حيث كشف عدد من الفنانين النقاب عن جمال الآثار القديمة وأخذوا في محاكاتها في الروح والتعبير، ولكنهم في الوقت نفسه تميزوا بالخَلْق والإبداع، يريدون أن يعبروا عن عواطفهم الشخصية محاولين أن يمثل إنتاجهم الفني شخصيتهم المستقلة وروح العصر الذي يعيشون فيه. وكان الموضوع الأساسي في الفن هو الإنسان نفسه، والاهتمام بإبراز قوته وسيطرته ومُتَعِه. فصورا الإنسان جميلا والفتيات عاريات، ولم يعُد الفن عميلة نَسخ آلي لقالب معين تفرضه سلطة الكنيسة، وإنما أصبح تعبيراً حراً عن عقلية الفنان وعبقريته.
وقد لعبت المدن الإيطالية دوراً هاماً في سبيل تقدم الفنون لأنها كانت مراكز للحياة الفنية، يتنافس حكامها على الظهور بمظهر راعي الفنون ومالك أكبر وأفخر مجموعة من النفائس الفنية. وكانت روما بطبيعتها على رأس المدن الإيطالية التي أعلت الفن ورعت الفنانين، فلها من تاريخها وآثارها ومجدها القديم ما جعل فنان النهضة ينهل من وحي الماضي وفكر الحاضر الحر لكي يقتبس ويبتكر. وساعد كثير من الباباوات على ازدهار النهضة الفنية في روما وتشجيع كبار الفنانين على اتخاذ روما محراباً لفنونهم، فشيدت كنيسة القديس بطرس حيث تعاقب على تزيينها وزخرفتها كبار المعماريين والرسامين والنحاتين أمثال المعماري برمانته، والرسام رفائيل وأخيراً ميشيل أنجلو. ومن أشهر الباباوات الذين استدعوا أولئك الفنانين البابا جول الثاني (1503 – 1513) والبابا ليو العاشر (1513-1521) من أسرة مديتشي وفي عهديهما تم تزيين قصر الفاتيكان الذي تجلى فيه أبدع ما لدى رجال الفن من نبوغ وعبقرية وخيال. والواقع أن بعض باباوات عصر النهضة كانوا يطمحون إلى تأسيس دولة علمانية وكان الشعور السائد حينئذ في شمال أوروبا أن هؤلاء الباباوات كانوا أشبه بالأمراء الإيطاليين الذين يعملون على توطيد سلطتهم الزمنية أكثر مما هو مفروض فيهم من العناية بالحياة الروحية والسهر على مصالح العالم المسيحي.
ولم تقتصر رعاية الفنون على روما بل كانت ميلان مهداً آخر لنشاط النهضة الفنية وقد رعاها "لودوفيك لومور" وابنه "فرانسوا سفورزا"، كذلك حملت فلورنسا لواء النهضة وخاصة في عهد لورنزو دي مديتشي الذي كان قصره بمثابة أكاديمية فنية، حيث كان يؤمه عدد من الفنانين مهدوا الطريق أمام نوابغ الفن في القرن السادس عشر أمثال ليوناردو دافنشي وميشيل انجلو ورفائيل. ومع أن هؤلاء الفنانين مهدوا الطريق أمام نوابغ الفن في القرن السادس عشر إلا أنهم عالجوا رسم لوحاتهم بروح إنسانية دنيوية، فجعلوا الرغبة في الكمال الفني هي الأساس، ثم يأتي التعبير الديني على هامشها، هذا فضلا عما تميز به إنتاجهم من إبراز جمال الوجه وتناسق الجسم، والعناية بجمال الطبيعة، والقدرة الفائقة في توزيع الألوان والظلال والأصباغ، والاهتمام بتوضيح العواطف الإنسانية المختلفة بدلا من التزمت في إضفاء الجلال والتدين والمهابة على صور الأشخاص.
…
النهضة العلمية:
كانت الحياة العلمية في العصور الوسطى مقيدة بقيود الكنيسة، ولذلك كانت الكشوف العلمية نادرة، ولم يستطع المشتغلون بالعلم أن يفكروا بطريقة فردية، بل كانوا يعتقدون فيما قاله أسلافهم، واضعين نصب أعينهم تطابق العلم بما ترضى عنه الكنيسة، بينما كان بعض الباباوات يحاربون أي دراسة حرة إذا لم تتمش مع الدراسات الدينية. على أن اتصال الأوروبيين (وعلى رأسهم الإيطاليون) بالحضارة الإسلامية منذ القرن الحادي عشر ساعد أوروبا على أن تبدأ نهضة علمية بلغت أوجها في أوائل القرن الثالث عشر. وقد غزت الحضارة الإسلامية أوروبا من خلال وصول العرب إلى أسبانيا، وجزيرة صقلية، ومن خلال الحروب الصليبية، ونزوح طلاب العلم من غرب أوروبا إلى مراكز الحضارة الإسلامية. وكانت تلك الاتصالات بداية لظهور التفكير العلمي الحر، فقد كان العرب قد نهلوا من التراث الإغريقي، فدرسوه ونقدوه وصححوه وأضافوا إليه من نتاج بحوثهم ومكتشفاتهم.
ولم تكن تلك البداية نهضة علمية حقيقية، ولكنها كانت بذورا نمت وترعرعت من القرن السادس عشر ثم بلغت عظمتها في القرن السابع عشر. وقد ساعدت الحركة الإنسانية على ظهور النهضة العلمية، فقد كان معظم علماء النهضة ينتمون إلى تلك المدرسة، يهتمون بتحقيق النظريات العلمية ووصف ظواهر الطبيعة وصفاً جديداً قائماً على الملاحظة والعلوم الرياضية. ففي علم الفلك ظهرت نظرية الفلكي كوبرنيكوس (Copernicus) التي محت الفكرة القديمة بأن الأرض ثابتة والشمس والكواكب تدور حولها، وأثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن للأرض حركة دائرية كسائر الكواكب وأنها تدور حول الشمس.
وقد شهد القرن السادس عشر أيضاً نهضة في علم الطبيعة (الفيزياء) والرياضيات والطب والعلوم الطبيعية والتجريبية وعلم التشريح (الفسيولوجيا).
وبالجملة فإن عصر النهضة يعتبر عصر تحلل وانتقال من قيود العصر الوسيط، وفيه أصبحت التجارب العلمية شرطاً أساسياً لتثبيت قواعد العلم الصحيح ووضع النظريات في مستوى القوانين العامة.
أما العلوم الاجتماعية والسياسية فقد ازدهرت في إيطاليا بعد أن تحرر الفكر وظهرت مفاهيم جديدة للإنسان. وظهر مفكرون درسوا أصول الحكم والسياسة والاجتماع، وكان أشهرهم في تاريخ الفكر السياسي مكيافيلي (1469 – 1527).
مراجع :
معهد الامارات التعليمي
www.uae.ii5ii.com
http://home.birzeit.edu/phil-cs/arab…ok/batriq.html
google
google.com
اخواني بغيت منكم طلب قصيدتي للشعر الجاهلي والشعر الحديث في وصف المرأة
وشكراً لكم
ضــــــــــــــــــــروري ……..
تسلمــــــــــــــــــــــــــــــون …………………….*8 [/COLOR
]