المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وصلى الله وسلم على نبينا محمد
أما بعد فأني أقدم هذا التقرير الذي اتطرق به عن موضوع أحد الأئمة الأربعة ألا وهو الإمام الشافعي)
نسبه ومولده ونشأته
هو أبو عبدالله محمد بن أدريس بن العباس بن عثمان بن بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد بن يزيد بن هاشم بن عبدالمطلب.
ولد بغزة في فلسطين على الأصح وفي رواية بعسقلان ، وفي أخرى باليمن عام 150 هـ لذلك فهو مولود في بلد غريب بعيد عن موطن قومه بمكة والحجاز ، توفي أبوه قبل أن يعرفه محمد ، وتركه لأمه ، وكانت إمرأة من الأزد ، فبدأ الإمام رضي الله عنه حياته وحليفاه اليتم والفقر ، ورأت الأم أن تنتقل بولدها إلى مكة ، فانتقلت به وهو صغير لايجاوز السنتين . قال الشافعي رضي الله عنه : ولدت بغزة سنة خمسين ومائة -يوم وفاة أبي حنيفة- فقال الناس : مات إمام وولد إمام ، وحملت إلى مكة وأنا إبن سنتين.
دراسته وتعلمه
في مكة المكرمة حفظ القرآن وهو حدث ، ثم أخذ يطلب اللغة والأدب والشعر حتى برع في ذلك كله . قال إسماعيل بن يحيى : سمعت الشافعي يقول : حفظت القرآن وأنا إبن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا إبن عشر سنين .
ثم رحل من مكة إلى بني هذيل وبق يفيهم سبعة عشر سنة، وكانوا أفصح العرب ، فأخذ عنهم فصاحة اللغة وقوتها ، ثم إنصرفت همته لطلب الحديث والفقه من شيوخهما ، فحفظ الموطأ وقابل الإمام مالك فأعجب به وبقراءته وقال له: يابن أخي تفقه تعل.
وقال له أيضا: يا محمد إتق الله فسيكون لك شأن.
رحلاته رضي الله عنه
رحل الإمام الشافعي رحلات كثيرة كان لها أكبر الأثر في علمه ومعرفته ،فقد رحل من مكة إلى بني هذيل ، ثم عاد إلى مكة ، ومنها رحل للمدينة ، ليلقى فيها إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه ، وبعد وفاة الإمام مالك رضي الله عنه، رحل إلى بغداد ، ثم عاد إلى مكة ، ثم رجع إلى بغداد ، ومنها خرج إلى مصر.
يقول إبن خلكان:
" وحديث رحلته إلى الإمام مالك مشهور ، فلاحاجة إلى التطويل فيه ، وقدم بغداد سنة 195هـ ، فأقام فيها سنتين، ثم خرج إلى مكة ، ثم عاد إلى بغداد سنة 198هـ فأقام شهرا، ثم خرج إلى مصر، وكان وصوله إليها في سنة 199هـ وقيل سنة 201هـ ، ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة204هـ".
جمعه لشتى العلوم
حدث الربيع بن سليمان قال:
كان الشافعي رحمه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح ، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيه ومعانيه ، فإذا إرتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر ، فإذا إرتفع الضحى تفرقوا ، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب إنتصاف النهار ، ثم ينصرف ، رضي الله عنه.
وحدث محمد بن عبدالحكم قال:
ما رأيت مثل الشافعي ، كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث ، وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه، وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لايقومون إلا وهم مذعنون له ، وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه. وكان يحفظ عشرة آلاف بيت لهذيل إعرابها ومعانيها، وكان من أعرف الناس بالتواريخ، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله تعالى.
قال مصعب بن عبدالله الزبيري:
"ما رايت أعلم بأيام الناس من الشافعي".
وروي عن مسلم بن خالد أنه قال لمحمد بن إدريس الشافعي وهو إبن ثمان عشرة سنة:
"أفت أبا عبدالله فقد آن لك أن تفتي".
وقال الحميدي:
كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم، حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا.
تواضعه وورعه وعبادته
كان الشافعي رضي الله عنه مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق ، تشهد له بذلك مناظراته ودروسه ومعاشرته لأقرانه ولتلاميذه وللناس .
قال الحسن بن عبدالعزيز الجروي المصري: قال الشافعي:
ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ ، وما في قلبي من علم ، إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب لي.
قال حرملة بن يحيى:قال الشافعي:
كل ما قلت لكم فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتره حقا فلا تقبلوه ، فإن العقل مضطر إلى قبول الحق.
قال الشافعي رضي الله عنه:
والله ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة.
وقال أيضا:
ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلهما إلا هبته و إعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني.
وقال:
أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
وأما ورعه وعبادته فقد شهد له بهما كل من عاشره استاذا كان أو تلميذا ، أو جار ،أو صديقا.
قال الربيع بن سليمان:
كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في صلاة.
وقال أيضا:
قال الشافعي : والله ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها لأن الشبع يثقل البدن ، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.
وقال : أيضا : كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب ، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام.
فصاحته وشعره وشهادة العلماء له
لقد كان الشافعي رضي الله عنه فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب ونحوهم، إشتغل بالعربية عشرين سنة مع بلاغته وفصاحته، ومع أنه عربي اللسان والدار والعصر وعاش فترة من الزمن في بني هذيل فكان لذلك أثره الواضح على فصاحته وتضلعه في اللغة والأدب والنحو، إضافة إلى دراسته المتواصلة و إطلاعه الواسع حتى أضحى يرجع إليه في اللغة والنحو.
قال أبو عبيد: كان الشافعي ممن تؤخذ عنه اللغة .
وقال أيوب بن سويد :
خذوا عن الشافع اللغة.
قال الأصمعي :
صححت أشعار الهذليين على شاب من قريش بمكة يقال له محمد بن أدريس.
قال أحمد بن حنبل : كان الشافعي من أفصح الناس ، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا.
وقال أحمد بن حنبل:
ما مس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة.
حدث أبو نعيم الاستراباذي، سمعت الربيع يقول : لو رأيت الشافعي وحسن بيانه وفصاحته لعجبت منه ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته -التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة- لم يقدر على قراءة كتبة لفصاحته وغرائب ألفاظه غير أنه كان في تأليفه يجتهد في أن يوضح للعوام.
سخاؤه
أما سخاؤه رحمه الله فقد بلغ فيه غاية جعلته علما عليه، لا يستطيع أحد أن يتشكك فيه أو ينكره ، وكثرة أقوال من خالطه في الحديث عن سخائه وكرمه.
وحدث محمد بن عبدالله المصري، قال :كان الشافعي أسخى الناس بما يجد.
قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي :ألإلست في عمري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى خلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط.
قال الربيع : كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمارّ وجهه حياء من السائل، ويبادر بإعطائه.
وفاته رحمه الله
قال الربيع بن سليمان:
توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة- بعد ما حل المغرب- آخر يوم من رجب ودفناه يوم الجمعة فانصرفنا فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين.
قال إبن خلكان صاحب وفيات الأعيان:
وقد أجمع العلماء قاطبة من أهل الحديث والفقه والأصول واللغة و النحو وغير ذلك على ثقته وأمانته وعدله وزهده وورعه وحسن سيرته وعلو قدره وسخائه.
ومن أروع مارثي به من الشعر قصيدة طويلة لمحمد بن دريد يقول في مطلعها:
ألم تر آثار ابن إدريس بعده دلائلها في المشكلات لوامع .
المراجع
1 – مناقب الأئمة الأربعة لابن عبد الهادي:
2 -الأئمة الأربعة للشيخ أحمد الشرباصي:
3 -سلسلة أعلام المسلمين: الشافعي للشيخ عبد الغني الدقر:
4 -أئمة الفقه الإسلامي لعبد الحليم الجندي:
5 -الإمام الشافعي ناصر السنة وواضع الأصول لعبد الحليم الجندي:
روى عن ابن عمر وجابر بن عبد الله شيءًا قليلاً ويحتمل أن يكون سمع منهما ، وسهل بن سعد وأنس بن مالك ومحمود بن الربيع وسعيد بن المسيب وجالسه ثمان سنوات وتفقه به وعلقمة بن وقاص الليثي وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب والقاسم بن محمد وغيرهم كثير
روى عنه عطاء بن أبي رباح وهو أكبر منه وعمر بن عبد العزيز ومات قبله ببضع وعشرين سنة وعمرو بن دينار وعمرو بن شعيب وقتادة بن دعامة ومالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وغيرهم كثير .
وكان من المكثرين من رواية الحديث ، روى أكثر من ألفي حديث .
قال علي بن المديني : له نحو من ألفي حديث .
قال أبو داود : حديثه ألفان ومئتا حديث النصف منها مسند .
منزلته العلمية وثناء العلماء عليه :
عرف العلماء للزهري مكانته العلمية فأثنوا عليه وأنزلوه المنزلة اللائقة به وعنوا بحديثه .
قال الليث بن سعد : ما رأيت عالمًا قط أجمع من ابن شهاب يحدث في الترغيب فتقول : لا يحسن إلا هذا ، وإن حدث عن العرب والأنساب قلت : لا يحسن إلا هذا ، وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه .
قال سفيان بن عيينة : كان الزهري أعلم أهل المدينة .
قال عمر بن عبد العزيز : ما ساق الحديث أحد مثل الزهري .
قال أبو حاتم : أثبت أصحاب أنس الزهري .
قال مالك : بقى ابن شهاب وما له في الناس نظير .
حفظ ابن شهاب وإتقانه :
رزق ابن شهاب حافظة قوية فكان لا يتفلت منه ما حفظ ، وهذا نادر ، فالنسيان من لوازم البشرية .
قال ابن شهاب : ما استودعت قلبي شيءًا قط فنسيته .
وقال أيضًا : ما استعدت حديثًا قط وما شككت في حديث إلا حديثًا واحدًا فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت .
زهده :
كان ابن شهاب زاهدًا في الدنيا ينفق كل ما عنده .
قال عمرو بن دينار : ما رأيت أحدًا أنصّ للحديث من الزهري ، وما رأيت أحدًا أهون عنده الدراهم منه كانت عنده بمنزلة البعرة .
علمه بالسنة :
جالس بن شهاب كبار العلماء وحفظ حديثهم واستوعب علمهم ، وساعده على ذلك حافظته القوية .
قال عمر بن عبد العزيز : عليكم بابن شهاب هذا فإنكم لا تلقون أحدًا أعلم بالسنة الماضية منه .
قال قتادة وسعيد بن عبد العزيز : ما بقي أحدًا أعلم بسنة ماضية من ابن شهاب .
كتابة الزهري للحديث :
كان الزهري في أول أمره لا يرى كتابة الحديث ، ثم رأى كتابته بعد ذلك .
قال أبو الزناد : كنا نطوف مع الزهري على العلماء ومعه الألواح والصحف يكتب كل ما سمع .
قال الزهري : كنا نكره الكتاب حتى أكرهنا عليه الأمراء ، فرأيت أن لا أمنعه مسلمًا .
قال الدراوردي : أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب .
لعل المراد بالتدوين هنا التدوين الرسمي حين وجه أمير المؤمنين عمر ابن عبد العزيز أمره الكريم إلى الزهري وأبي بكر بن حزم بكتابة السنة المطهرة تدوينًا رسميًا ، فنشط لذلك وهب لتلبية أمره ابن شهاب .
قال يونس : قال الزهري : إياك وغلول الكتب ، قلت : وما غلولها ؟ قال : حبسها .
من أقوال الزهري :
إن رجلاً عايش حديث رسول الله ، وجالس أئمة ربانيين ، وتعلم من علمهم وأدبهم ، لابد أن نرى أثر ذلك في قوله .
قال الزهري : الاعتصام بالسنة نجاة .
روى الأوزاعي عن الزهري قال : إنما يذهب العلم النسيان وترك المذاكرة .
قال مالك : قال الزهري : وجدنا السخي لا تنفعه التجارب .
قال الزهري : لا يرضى الناس قول عالم لا يعمل ولا عمل عامل لا يعلم .
اهتمام ابن شهاب بالإسناد ومعرفة قدره :
قال سفيان بن عيينة : حدث الزهري يومًا بحديث ، فقلت : هاته بلا إسناد ، قال : أترقى السطح بلا سلم ؟!
موقف ابن شهاب من الأحاديث المشكلة :
عن الأوزاعي قال : سمعت الزهري لما حدث عن النبي قال : « لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ » ، قلت له : فما هو ؟ قال : من الله القول وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم ، امروا حديث رسول الله كما جاء بلا كيف .
قال الزهري : أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله من منسوخه .
توفي الزهري سنة أربع وعشرين ومائة .
منقووووووووووووووووووووووووووول ولاكن متعوب عليه بعض الشي
مع تحياتيτΗЄ κΑК κIИĢ.
الإمام البخاري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين معلمتي الفاضلة أقدم لك هذا البحث المتواضع عن الإمام البخاري وسأتحدث فيه بإذن الله عن :
نسبه ونشأته، شيوخه وتلاميذه ، ملامح شخصيته، من كرم البخاري وسماحته، ورعه، قوة حفظه وذاكرته،طلبه للحديث، تفوقه على أقرانه في الحديث، من كلمات البخاري، مصنفاته، محنة الإمام البخاري ثناء العلماء عليه، وفاته..
باسم الله نبدأ…
نسبه ونشأته
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي مولاهم أبو عبدالله البخاري الحافظ إمام أهل الحديث في زمانه والمقتدى به في أوانه والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه وكتابه صحيح البخاري أجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه . ولد الإمام البخاري في ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ومات أبوه وهو صغير فنشأ في حجر أمه فتوجّه إلى حفظ الحديث وهو في المكتب وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سندا ومتنا ، وقد كان أصيب بصره وهو صغير فرأت أمه إبراهيم الخليل فقال يا هذه قد رد الله على ولدك بصرة بكثرة دعائك أو قال بكائك فأصبح وهو بصير .
شيوخه وتلاميذه
• روى عنه خلائق وأمم وقد روى الخطيب البغدادي عن الفربري أنه قال سمع الصحيح من البخاري معي نحو من سبعين ألفا لم يبق منهم أحد غيري .
• وقد روى البخاري من طريق الفربري كما هي رواية الناس اليوم
• من طريقه وحماد بن شاكر
• وإبراهيم بن معقل
• وطاهر بن مخلد
• وآخر من حدث عنه أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البردى النسفي وقد توفي النسفي في سنة نسع وعشرين وثلاثمائة ووثقه الأمير أبو نصر بن ماكولا وممن روى عن البخاري مسلم في غير الصحيح
• وكان الأمام مسلم بن الحجاج يتلمذ له ويعظمه
• وروى عنه الترمذي في جامعه
• والنسائي في سننه في قول بعضهم
وقد دخل بغداد ثمان مرات وفي كل منها يجتمع بالإمام أحمد بن حنبل فيحثه الإمام أحمد بن حنبل على المقام ببغداد ويلومه على الإقامة بخراسان .
ملامح شخصيته
تمتع الإمام البخاري بصفات عذبة وشمائل كريمة ، لا تتوافر إلا في العلماء المخلصين ، وهذه الصفات هي التي صنعت الإمام البخاري .
• الإقبال على العلم , قام البخاري بأداء فريضة الحج وعمره ثماني عشرة سنة فأقام بمكة يطلب بها الحديث ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها وكتب عن أكثر من ألف شيخ.
الجد في تحصيل العلم , وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطرة ثم يطفىء سراجه ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة .
من كرم البخاري وسماحته
• قال محمد بن أبي حاتم كانت له قطعة أرض يؤجرها كل سنة بسبع مائة درهم فكان ذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبد الله قثاة أو قثاتين لأن أبا عبد الله كان معجبا بالقثاء النضيج وكان يؤثره على البطيخ أحيانا فكان يهب للرجل مائة درهم كل سنة لحمله القثاء إليه أحيانا.
• قال وسمعته يقول كنت أستغل كل شهر خمس مائة درهم فأنفقت كل ذلك في طلب العلم فقلت كم بين من ينفق على هذا الوجه وبين من كان خلوا من المال فجمع وكسب بالعلم حتى اجتمع له فقال أبو عبد الله .: ما عند الله خير وأبقى
وكان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان لا يفارقه كيسه.
ورعه
قال محمد بن إسماعيل البخاري ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
• قال محمد بن أبي حاتم ركبنا يوما إلى الرمي ، فجعلنا نرمي وأصاب سهم أبي عبد الله البخاري وتد القنطرة الذي على نهر ورادة فانشق الوتد فلما رآه أبو عبد الله نزل عن دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا ورجعنا معه إلى المنزل فقال لي يا أبا جعفر لي إليك حاجة مهمة قالها وهو يتنفس الصعداء، وقال لمن معنا اذهبوا مع أبي جعفر حتى تعينوه على ما سألته فقلت أية حاجة هي قال لي : تضمن قضاءها؟ قلت نعم على الرأس والعين. قال: ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له إنا قد أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر الفربري. فقال لي أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له أنت في حل مما كان منك وجميع ملكي لك الفداء وإن قلت نفسي أكون قد كذبت، غير أني لم أكن أحب أن تحتشمني في وتد أو في ملكي فأبلغته رسالته فتهلل وجهه واستنار وأظهر سرورا وقرأ في ذلك اليوم على الغرباء نحوا من خمسمائة حديث وتصدق بثلاث مائة درهم.
• وقال ابن أبي حاتم ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيفه كتاب التفسير وأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث فقلت له إني أراك تقول إني ما أثبت شيئا بغير علم قط منذ عقلت فما الفائدة في الاستلقاء قال أتعبنا أنفسنا اليوم وهذا ثغر من الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العد فأحببت أن استريح ؛ فإن فاجئنا العدو كان بنا حراك.
• وضيفه بعض أصحابه في بستان له وضيفنا معه فلما جلسنا أعجب صاحب البستان بستانه وذلك أنه كان عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره فقال له يا أبا عبد الله كيف ترى فقال هذه الحياة الدنيا.
وكان الحسين بن محمد السمرقندي يقول كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة كان قليل الكلام وكان لا يطمع فيما عند الناس وكان لا يشتغل بأمور الناس كل شغله كان في العلم.
قوة حفظه وذاكرته
وهب الله الإمام البخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.
• يقول البخاري ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب وكان سنه عشر سنين , ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع .
• وقال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما إنكما قد أكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
• وقال ابن عدي حدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح .
قال وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلماء فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.
طلبه للحديث
كان الإمام البخاري يقول قبل موته : كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
• ونعود إلى البخاري في رحلته في طلب العلم ونبدأها من مسقط رأسه بخارى فقد سمع بها من الجعفي المسندي ومحمد بن سلام البيكندي وجماعة ليسوا من كبار شيوخه ثم رحل إلى بلخ وسمع هناك من مكبن بن إبراهيم وهو من كبار شيوخه وسمع بمرو من عبدان بن عثمان وعلي بن الحسن بن شقيق وصدقة بن الفضل. وسمع بنيسابور من يحيى بن يحيى وجماعة من العلماء وبالري من إبراهيم بن موسى.
• ثم رحل إلى مكة وسمع هناك من أبي عبد الرحمن المقرئ وخلاد بن يحي وحسان بن حسان البصري وأبي الوليد أحمد بن محمد الأزرقي والحميدي.
• وسمع بالمدينة من عبد العزيز الأويسي وأيوب بن سليمان بن بلال وإسماعيل بن أبي أويس.
وأكمل رحلته في العالم الإسلامي آنذاك فذهب إلى مصر ثم ذهب إلى الشام وسمع من أبي اليمان وآدم بن أبي إياس وعلي بن عياش وبشر بن شعيب وقد سمع من أبي المغيرة عبد القدوس وأحمد بن خالد الوهبي ومحمد بن يوسف الفريابي وأبي مسهر وآخرين.
تفوقه على أقرانه في الحديث
ظهر نبوغ البخاري مبكرا فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه، ويحتفون به في البلدان
فقد روي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابا لم يخرج وجهه.
وروي عن يوسف بن موسى المروروذي يقول كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا في طلبه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا يصلي خلف الأسطوانة فلما فرغ من الصلاة أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء فأجابهم فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذ ألف فجلس للإملاء وقال يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون منها.
وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا لإسناد هذا و إسناد هذا لمتن هذا ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فسأل البخاري عن حديث من عشرته فقال لا أعرفه وسأله عن آخر فقال لا أعرفه وكذلك حتى فرغ من عشرته فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم
ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول والبخاري يقول لا أعرفه ثم الثالث وإلى تمام العشرة فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فكذا والثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر له الناس بالحفظ فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول الكبش النطاح.
وروي عن أبي الأزهر قال كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة البخاري فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن
وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى قال محمد بن إسماعيل يوما رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له[موقع الوسطية ] : يا أبا عبد الله بكماله قال: فسكت
من كلمات البخاري
"لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة"
"ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي"
ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه""
مصنفاته
تهيأت أسباب كثيرة لأن يكثر البخاري من التأليف؛ فقد منحه الله ذكاءً حادًّا، وذاكرة قوية، وصبرًا على العلم ومثابرة في تحصيله، ومعرفة واسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من عدل وتجريح، وخبرة تامة بالأسانيد؛ صحيحها وفاسدها. أضف إلى ذلك أنه بدأ التأليف مبكرًا؛ فيذكر البخاري أنه بدأ التأليف وهو لا يزال يافع السن في الثامنة عشرة من عمره، وقد صنَّف البخاري ما يزيد عن عشرين مصنفًا، منها
• الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه وأيامه، المعروف بـ الجامع الصحيح أو صحيح البخاري
• الأدب المفرد: وطُبع في الهند والأستانة والقاهرة طبعات متعددة
• التاريخ الكبير: وهو كتاب كبير في التراجم، رتب فيه أسماء رواة الحديث على حروف المعجم، وقد طبع في الهند سنة (1362هـ = 1943م).
• التاريخ الصغير: وهو تاريخ مختصر للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ومن جاء بعدهم من الرواة إلى سنة (256هـ = 870م)، وطبع الكتاب لأول مرة بالهند سنة (1325هـ = 1907م)
• خلق أفعال العباد: وطبع بالهند سنة 1306هـ = 1888م
• رفع اليدين في الصلاة: وطبع في الهند لأول مرة سنة (1256هـ = 1840م) مع ترجمة له بالأوردية
• الكُنى: وطبع بالهند سنة (1360هـ = 1941م
وله كتب مخطوطة لم تُطبع بعد، مثل: التاريخ الأوسط، والتفسير الكبير
صحيح البخاري
صحيح البخاري
هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله ؛ فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع "الجامع الصحيح"
وعدد أحاديث الكتاب 7275 حديثًا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع
وكان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن
وقد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.
وقد أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين؛ حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب.
محنة الإمام البخاري
كان البخاري رحمه الله شريف النفس فقد بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه فأرسل إليه في بيته العلم والحلم يؤتى يعني إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إلي وأبى أن يذهب إليهم والسلطان خالد بن أحمد الذهلي نائب الظاهرية ببخارى فبقى في نفس الأمير من ذلك فاتفق أن جاء كتاب من محمد بن يحيى الذهلي بأن البخاري يقول لفظه بالقرآن مخلوق وكان وقد وقع بين محمد بن يحيى الذهلي وبين البخاري في ذلك كلام وصنف البخاري في ذلك كتاب أفعال العباد فأراد أن يصرف الناس عن السماع من البخاري وقد كان الناس يعظمونه جدا وحين رجع إليهم نثروا على رأسه الذهب والفضة يوم دخل بخارى عائدا إلى أهله وكان له مجلس يجلس فيه للإملاء بجامعها فلم يقبلوا من الأمير فأمر عند ذلك بنفيه من تلك البلاد فخرج منها ودعا على خالد بن أحمد فلم يمض شهر حتى أمر ابن الظاهر بأن ينادى على خالد بن أحمد على أتان وزال ملكه وسجن في بغداد حتى مات ولم يبق أحد يساعده على ذلك إلا ابتلي ببلاء شديد فنزح البخاري من بلده إلى بلدة يقال لها خرتنك على فرسخين من سمرقند فنزل عند أقارب له بها وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن في الدين ولما جاء في الحديث ( وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين ) ، ولقي الإمام ربه بعد هذه المحنة .
ثناء العلماء عليه
وقال أبو العباس الدعولي كتب أهل بغداد إلى البخاري … المسلمون بخير ما حييت لهم … وليس بعدك خير حين تفتقد … وقال الفلاس كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث .
وقال أبو نعيم أحمد بن حماد هو فقيه هذه الأمة وكذا قال يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومنهم من فضله في الفقه والحديث على الإمام أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وقال قتيبة بن سعيد رحل إلي من شرق الأرض وغربها خلق فما رحل إلى مثل محمد بن إسماعيل البخاري .
وقال مرجى بن رجاء فضل البخاري على العلماء كفضل الرجال على النساء يعني في زمانه وأما قبل زمانه مثل قرب الصحابة والتابعين فلا وقال هو آية من آيات الله تمشي على الأرض وقال أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدرامي محمد بن إسماعيل البخاري أفقهنا وأعلمنا وأغوصنا وأكثرنا طلبنا وقال إسحاق بن راهويه هو أبصر مني .
وقال أبو حاتم الرازي محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق وقال عبداله العجلي رأيت أبا حاتم وأبا زرعة يجلسان إليه يسمعان ما يقول ولم يكن مسلم يبلغه وكان أعلم من محمد بن يحيى الذهلي بكذا وكذا وكان حييا فاضلا يحسن كل شيء وقال غيره رأيت محمد بن يحيى الذهلي يسأل البخاري عن الأسامي والكنى والعلل وهو يمر فيه كالسهم كأنه يقرأ قل هو الله أحد وقال أحمد بن حمدون انتصار رأيت مسلم بن الحجاج جاء إلى البخاري فقبل بن عينيه وقال دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله ثم سأله عن حديث كفارة المجلس فذكر له علته فلما فرغ قال مسلم لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك .
وقال الترمذي لم أر بالعراق ولا في خراسان في معنى العللل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من البخاري وكنا يوما عند عبدالله بن منير فقال للبخاري جعلك الله زين هذه الأمة قال الترمذي فاستجيب له فيه وقال ابن خزيمة ما رأيت تحت أجيم السماء أعلم بحديث رسول الله ( ص ) ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري ولو استقصينا ثناء العلماء عليه في حفظه وإتقانه وعلمه وفقهه وورعه وزهده وعبادته لطال علينا ونحن على عجل من أجل الحوادث والله سبحانه المستعان وقد كان البخاري رحمه الله في غاية الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في الدنيا دار الفناء والرغبة في الآخرة دار البقاء وقال البخاري إني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطالبني أني اغتبته فذكر له التاريخ وما ذكر فيه من الجرح والتعديل وغير ذلك فقال ليس هذا من هذا قال النبي ( ص ) ( إيذنوا له فلبئس أخو العشيرة ) ونحن إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا وقد كان رحمه الله يصلي في كل ليلة ثلاث عشرة ركعة وكان يختم القرآن في كل ليلة رمضان ختمة وكانت له جدة ومال جيد ينفق منه سرا وجهرا وكان يكثر الصدقة بالليل والنهار وكان مستجاب الدعوة مسدد.
وقد أثنى عليه علماء زمانه من شيوخه وأقرانه فقال الإمام أحمد ما أخرجت خراسان مثله وقال علي بن المديني لم ير البخاري مثل نفسه وقال إسحاق بن راهويه لو كان في زمن الحسن لاحتاج الناس إليه في الحديث ومعرفته وفقهه وقال أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله بن نمير ما رأينا مثله وقال علي بن حجر لا أعلم مثله وقال محمود بن النظر بن سهل الشافعي دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها .
وفاته
فكانت وفاته ليلة عيد الفطر وكان ليلة السبت عند صلاة العشاء وصلي عليه يوم العيد بعد الظهر من هذه السنة أعنى سنة ست وخمسين ومائتين وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وفق ما أوصى به وكان عمره يوم مات ثنتين وستين سنة وقد ترك رحمه الله بعده علما نافعا لجميع المسلمين فعلمه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة وقد قال رسول الله ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به ) الحديث رواه مسلم وشرطه في صحيحه هذا أعز من شرط كل كتاب صنف في الصحيح لا يوازيه فيه غيره لا صحيح مسلم ولا غيره وما أحسن ما قال بعض الفصحاء من الشعراء … صحيح البخاري لو أنصفوه … لما خط إلا بماء الذهب … هو الفرق بين الهدى والعمى … هو السد بين الفتى والعطب … أسانيد مثل نجوم السماء … أمام متون لها كالشهب …
– البداية والنهاية، ابن كثير
– الوافى في الوفيات، صلاح الدين الصفدي
– سير أعلام النبلاء، الذهبي
– تهذيب الكمال ج1 ص 516
إليكم ، طلاب وطالبات الصف العاشر تقرير عن الامام ( أنس بن مـــالك ) .,~
وبالتوفيق للجميع .,~
================================================== ====
عمل الطالبة :- ………………
المقدمة :
1) إمام دار الهجرة
إمام دار الهجرة
يروى في فضله ومناقبه الكثير ولكن أهمها ما روي [عن أبي هريرة يبلغ به النبي (صلى الله عليه وسلم) قال ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة]
إنه الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وصاحب أحد المذاهب الفقهية الأربعة في الإسلام وهو المذهب المالكي، وصاحب كتب الصحاح في السنة النبوية وهو كتاب الموطأ. يقول الإمام الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
نسبه ومولده
هو شيخ الإسلام حجة الأمة إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك ابن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح بن عوف بن مالك بن زيد بن شداد بن زرعة وهو حمير الأصغر الحميري ثم الأصبحي المدني حليف بني تيم من قريش فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة.
وأمه هي عالية بنت شريك الأزدية وأعمامه هم أبو سهل نافع وأويس والربيع والنضر أولاد أبي عامر.
ولد مالك على الأصح في سنة 93هـ عام موت أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونشأ في صون ورفاهية وتجمل
طلبه للعلم
طلب الإمام مالك العلم وهو حدث لم يتجاوز بضع عشرة سنة من عمره وتأهل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة وقصده طلبة العلم وحدث عنه جماعة وهو بعد شاب طري.
ثناء العلماء عليه
عن ابن عيينة قال مالك عالم أهل الحجاز وهو حجة زمانه.
وقال الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
وعن ابن عيينة أيضا قال كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا ولا يحدث إلا عن ثقة ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موته يعني من العلم.
ـ روي عن وهيب وكان من أبصر الناس بالحديث والرجال أنه قدم المدينة قال فلم أرى أحدا إلا تعرف وتنكر إلا مالكا ويحيى بن سعيد الأنصاري.
قصة الموطأ
يروي أبو مصعب فيقول: سمعت مالكا يقول دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين وقد نزل على فرش له وإذا على بساطه دابتان ما تروثان ولا تبولان وجاء صبي يخرج ثم يرجع فقال لي أتدري من هذا قلت لا قال هذا ابني وإنما يفزع من هيبتك ثم ساءلني عن أشياء منها حلال ومنها حرام ثم قال لي أنت والله أعقل الناس وأعلم الناس قلت لا والله يا أمير المؤمنين قال بلى ولكنك تكتم ثم قال والله لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف ولأبعثن به إلى الآفاق فلأحملهنم عليه.فقال مالك: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن أصحاب رسول تفرقوا في الأمصار وإن تفعل تكن فتنة!!
مواقف من حياته
روي أن مالكا كان يقول ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني هل تراني موضعا لذلك سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك فقلت فلو نهوك قال كنت أنتهي لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه
وقال خلف: دخلت عليه فقلت ما ترى فإذا رؤيا بعثها بعض إخوانه يقول: رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في المنام في مسجد قد اجتمع الناس عليه فقال لهم إني قد خبأت تحت منبري طيبا أو علما وأمرت مالكا أن يفرقه على الناس فانصرف الناس وهم يقولون إذا ينفذ مالك ما أمره به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم بكى فقمت عنه.
وروي أن المهدي قدم المدينة فبعث إلى مالك بألفي دينار أو قال بثلاثة آلاف دينار ثم أتاه الربيع بعد ذلك فقال إن أمير المؤمنين يحب أن تعادله إلى مدينة السلام فقال قال النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة خير لهم ولو كانوا يعلمون والمال عندي على حاله.
وقدم المهدي المدينة مرة أخرى فبعث إلى مالك فأتاه فقال لهارون وموسى اسمعا منه فبعث إليه فلم يجبهما فأعلما المهدي فكلمة فقال يا أمير المؤمنين العلم يؤتى أهله فقال صدق مالك صيرا إليه فلما صارا إليه قال له مؤدبهما اقرأ علينا فقال إن أهل المدينة يقرؤون على العالم كما يقرأ الصبيان على المعلم فإذا أخطئوا أفتاهم فرجعوا إلى المهدي فبعث إلى مالك فكلمه فقال سمعت ابن شهاب يقول جمعنا هذا العلم في الروضة من رجال وهم يا أمير المؤمنين سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعروة والقاسم وسالم وخارجه بن زيد وسليمان بن يسار ونافع وعبد الرحمن بن هرمز ومن بعدهم أبو الزناد وربيعه ويحيى بن سعيد وابن شهاب كل هؤلاء يقرأ عليهم ولا يقرؤون فقال في هؤلاء قدوة صيروا إليه فاقرؤوا عليه ففعلوا.
يروي يحيى ابن خلف الطرسوسي وكان من ثقات المسلمين قال كنت عند مالك فدخل عليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق فقال مالك زنديق اقتلوه فقال يا أبا عبد الله إنما أحكي كلاما سمعته قال إنما سمعته منك وعظم هذا القول.
وعن قتيبه قال كنا إذا دخلنا على مالك خرج إلينا مزينا مكحلا مطيبا قد لبس من أحسن ثيابه وتصدر الحلقة ودعا بالمراوح فأعطى لكل منا مروحة.
وعن محمد بن عمر قال كان مالك يأتي المسجد فيشهد الصلوات والجمعة والجنائز ويعود المرضى ويجلس في المسجد فيجتمع إليه أصحابه ثم ترك الجلوس فكان يصلي وينصرف وترك شهود الجنائز ثم ترك ذلك كله والجمعة واحتمل الناس ذلك كله وكانوا أرغب ما كانوا فيه وربما كلم في ذلك فيقول ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره.
وكان يجلس في منزله على ضجاع له ونمارق مطروحة في منزله يمنة ويسرة لمن يأتيه من قريش والأنصار والناس، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم قال وكان رجلا مهيبا نبيلا ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع صوت وكان الغرباء يسألونه عن الحديث فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه وكان له كاتب قد نسخ كتبه يقال له حبيب يقرأ للجماعة ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم هيبة لمالك وإجلالا له وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك وكان ذلك قليلا قال ابن وهب سمعت مالكا يقول ما أكثر أحد قط فأفلح.
وقيل لمالك لم لا تأخذ عن عمرو بن دينار قال: أتيته فوجدته يأخذون عنه قياما فأجللت حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن آخذه قائما.
ويروى عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول لرجل سأله عن القدر نعم قال الله تعالى {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها}(السجدة:12)
وقال جعفر بن عبد الله قال كنا عند مالك فجاءه رجل فقال يا أبا عبد الله [الرحمن على العرش استوى " كيف استوى فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرضاء ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال الكيف منه غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج]
وفي رواية أخرى قال: الرحمن على العرش استوى، كما وصف نفسه ولا يقال له كيف وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه.
صفة الإمام مالك
عن عيسى بن عمر قال ما رأيت قط بياضا ولا حمرة أحسن من وجه مالك ولا أشد بياض ثوب من مالك، ونقل غير واحد أنه كان طوالا جسيما عظيم الهامة أشقر أبيض الرأس واللحية عظيم اللحية أصلع وكان لا يحفي شاربه ويراه مثله.
وقيل كان أزرق العين، محمد بن الضحاك الحزامي كان مالك نقي الثوب رقيقه يكثر اختلاف اللبوس، و قال أشهب كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه.
إمام في الحديث
كان الإمام مالك من أئمة الحديث في المدينة، يقول يحيى القطان ما في القوم أصح حديثا من مالك كان إماما في الحديث، قال الشافعي قال محمد بن الحسن أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا وسمعت من لفظه أكثر من سبعمائة حديث فكان محمد إذا حدث عن مالك امتلأ منزله وإذا حدث عن غيره من الكوفيين لم يجئه إلا اليسير.
قال ابن مهدي أئمة الناس في زمانهم أربعة الثوري ومالك والأوزاعي وحماد بن زيد وقال ما رأيت أحدا أعقل من مالك.
محنة الإمام مالك
تعرض الإمام مالك لمحنة وبلاء بسبب حسد ووشاية بينه وبين والي المدينة جعفر بن سليمان ويروى أنه ضرب بالسياط حتى أثر ذلك على يده فيقول إبراهيم بن حماد أنه كان ينظر إلى مالك إذا أقيم من مجلسه حمل يده بالأخرى، ويقول الواقدي لما ولي جعفر بن سليمان المدينة سعوا بمالك إليه وكثروا عليه عنده وقالوا لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره أنه لا يجوز عنده قال فغضب جعفر فدعا بمالك فاحتج عليه بما رفع إليه عنه فأمر بتجريده وضربه بالسياط وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه وارتكب منه أمر عظيم فواالله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو، وهذه ثمرة المحنة المحمودة أنها ترفع العبد عند المؤمنين وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا ويعفو الله عن كثير ومن يرد الله به خيرا يصيب منه وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) كل قضاء المؤمن خير له وقال الله تعالى {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} (محمد:31) وأنزل الله تعالى في وقعه أحد قوله {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم}(آل عمران:165) وقال {وما أصابكم من مصيبة فبما كسب أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى:30)
فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه فالله حكم مقسط ثم يحمد الله على سلامة دينه ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له.
وفاة الإمام مالك
قال القعنبي سمعتهم يقولون عمر مالك تسعا وثمانين سنة مات سنة تسع وسبعين ومئة وقال إسماعيل بن أبي أويس مرض مالك فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت قالوا تشهد ثم قال {لله الأمر من قبل ومن بعد} (الروم:4)، وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة فصلى عليه الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي.
الخاتمة
وهكذا تعرفنا على حياة الإمام مالك الذي قضى حياته في طلب العلم ، ومع كل هذا العلم لم يتكبر على الناس ، بل كان رمزاً للتواضع ، وتقي يخاف الله . وفي النهاية أدعو شباب المسلمين لطلب العلم . وأقول كما قال الشاعر :
العلم يبني بيوتاً لاعماد لها والجهل يهدم بيوت العز والكرم
المراجع
================================================== ====
تحيآآآتي
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أما بعد :
لقد كتبت هذا البحث لنستطلع معاً على حياة أعظم الأئمة إنه الإمام مالك بن أنس .
وسأتناول في هذا البحث العناصر التالية :
1) إمام دار الهجرة
2) نسبه ومولده
3) طلبه للعلم
4) ثناء العلماء عليه
5) قصة الموطأ
6) مواقف من حياته
7) صفة الإمام مالك
8) إمام في الحديث
9) محنة الإمام مالك
10) وفاة الإمام مالك
إمام دار الهجرة
يروى في فضله ومناقبه الكثير ولكن أهمها ما روي [عن أبي هريرة يبلغ به النبي (صلى الله عليه وسلم) قال ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة]
إنه الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وصاحب أحد المذاهب الفقهية الأربعة في الإسلام وهو المذهب المالكي، وصاحب كتب الصحاح في السنة النبوية وهو كتاب الموطأ. يقول الإمام الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
نسبه ومولده
هو شيخ الإسلام حجة الأمة إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك ابن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح بن عوف بن مالك بن زيد بن شداد بن زرعة وهو حمير الأصغر الحميري ثم الأصبحي المدني حليف بني تيم من قريش فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة.
وأمه هي عالية بنت شريك الأزدية وأعمامه هم أبو سهل نافع وأويس والربيع والنضر أولاد أبي عامر.
ولد مالك على الأصح في سنة 93هـ عام موت أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونشأ في صون ورفاهية وتجمل
طلبه للعلم
طلب الإمام مالك العلم وهو حدث لم يتجاوز بضع عشرة سنة من عمره وتأهل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة وقصده طلبة العلم وحدث عنه جماعة وهو بعد شاب طري.
ثناء العلماء عليه
عن ابن عيينة قال مالك عالم أهل الحجاز وهو حجة زمانه.
وقال الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
وعن ابن عيينة أيضا قال كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا ولا يحدث إلا عن ثقة ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موته يعني من العلم.
ـ روي عن وهيب وكان من أبصر الناس بالحديث والرجال أنه قدم المدينة قال فلم أرى أحدا إلا تعرف وتنكر إلا مالكا ويحيى بن سعيد الأنصاري.
قصة الموطأ
يروي أبو مصعب فيقول: سمعت مالكا يقول دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين وقد نزل على فرش له وإذا على بساطه دابتان ما تروثان ولا تبولان وجاء صبي يخرج ثم يرجع فقال لي أتدري من هذا قلت لا قال هذا ابني وإنما يفزع من هيبتك ثم ساءلني عن أشياء منها حلال ومنها حرام ثم قال لي أنت والله أعقل الناس وأعلم الناس قلت لا والله يا أمير المؤمنين قال بلى ولكنك تكتم ثم قال والله لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف ولأبعثن به إلى الآفاق فلأحملهنم عليه.فقال مالك: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن أصحاب رسول تفرقوا في الأمصار وإن تفعل تكن فتنة!!
مواقف من حياته
روي أن مالكا كان يقول ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني هل تراني موضعا لذلك سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك فقلت فلو نهوك قال كنت أنتهي لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه
وقال خلف: دخلت عليه فقلت ما ترى فإذا رؤيا بعثها بعض إخوانه يقول: رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في المنام في مسجد قد اجتمع الناس عليه فقال لهم إني قد خبأت تحت منبري طيبا أو علما وأمرت مالكا أن يفرقه على الناس فانصرف الناس وهم يقولون إذا ينفذ مالك ما أمره به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم بكى فقمت عنه.
وروي أن المهدي قدم المدينة فبعث إلى مالك بألفي دينار أو قال بثلاثة آلاف دينار ثم أتاه الربيع بعد ذلك فقال إن أمير المؤمنين يحب أن تعادله إلى مدينة السلام فقال قال النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة خير لهم ولو كانوا يعلمون والمال عندي على حاله.
وقدم المهدي المدينة مرة أخرى فبعث إلى مالك فأتاه فقال لهارون وموسى اسمعا منه فبعث إليه فلم يجبهما فأعلما المهدي فكلمة فقال يا أمير المؤمنين العلم يؤتى أهله فقال صدق مالك صيرا إليه فلما صارا إليه قال له مؤدبهما اقرأ علينا فقال إن أهل المدينة يقرؤون على العالم كما يقرأ الصبيان على المعلم فإذا أخطئوا أفتاهم فرجعوا إلى المهدي فبعث إلى مالك فكلمه فقال سمعت ابن شهاب يقول جمعنا هذا العلم في الروضة من رجال وهم يا أمير المؤمنين سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعروة والقاسم وسالم وخارجه بن زيد وسليمان بن يسار ونافع وعبد الرحمن بن هرمز ومن بعدهم أبو الزناد وربيعه ويحيى بن سعيد وابن شهاب كل هؤلاء يقرأ عليهم ولا يقرؤون فقال في هؤلاء قدوة صيروا إليه فاقرؤوا عليه ففعلوا.
يروي يحيى ابن خلف الطرسوسي وكان من ثقات المسلمين قال كنت عند مالك فدخل عليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق فقال مالك زنديق اقتلوه فقال يا أبا عبد الله إنما أحكي كلاما سمعته قال إنما سمعته منك وعظم هذا القول.
وعن قتيبه قال كنا إذا دخلنا على مالك خرج إلينا مزينا مكحلا مطيبا قد لبس من أحسن ثيابه وتصدر الحلقة ودعا بالمراوح فأعطى لكل منا مروحة.
وعن محمد بن عمر قال كان مالك يأتي المسجد فيشهد الصلوات والجمعة والجنائز ويعود المرضى ويجلس في المسجد فيجتمع إليه أصحابه ثم ترك الجلوس فكان يصلي وينصرف وترك شهود الجنائز ثم ترك ذلك كله والجمعة واحتمل الناس ذلك كله وكانوا أرغب ما كانوا فيه وربما كلم في ذلك فيقول ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره.
وكان يجلس في منزله على ضجاع له ونمارق مطروحة في منزله يمنة ويسرة لمن يأتيه من قريش والأنصار والناس، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم قال وكان رجلا مهيبا نبيلا ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع صوت وكان الغرباء يسألونه عن الحديث فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه وكان له كاتب قد نسخ كتبه يقال له حبيب يقرأ للجماعة ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم هيبة لمالك وإجلالا له وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك وكان ذلك قليلا قال ابن وهب سمعت مالكا يقول ما أكثر أحد قط فأفلح.
وقيل لمالك لم لا تأخذ عن عمرو بن دينار قال: أتيته فوجدته يأخذون عنه قياما فأجللت حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن آخذه قائما.
ويروى عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول لرجل سأله عن القدر نعم قال الله تعالى {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها}(السجدة:12)
وقال جعفر بن عبد الله قال كنا عند مالك فجاءه رجل فقال يا أبا عبد الله [الرحمن على العرش استوى " كيف استوى فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرضاء ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال الكيف منه غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج]
وفي رواية أخرى قال: الرحمن على العرش استوى، كما وصف نفسه ولا يقال له كيف وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه.
صفة الإمام مالك
عن عيسى بن عمر قال ما رأيت قط بياضا ولا حمرة أحسن من وجه مالك ولا أشد بياض ثوب من مالك، ونقل غير واحد أنه كان طوالا جسيما عظيم الهامة أشقر أبيض الرأس واللحية عظيم اللحية أصلع وكان لا يحفي شاربه ويراه مثله.
وقيل كان أزرق العين، محمد بن الضحاك الحزامي كان مالك نقي الثوب رقيقه يكثر اختلاف اللبوس، و قال أشهب كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه.
إمام في الحديث
كان الإمام مالك من أئمة الحديث في المدينة، يقول يحيى القطان ما في القوم أصح حديثا من مالك كان إماما في الحديث، قال الشافعي قال محمد بن الحسن أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا وسمعت من لفظه أكثر من سبعمائة حديث فكان محمد إذا حدث عن مالك امتلأ منزله وإذا حدث عن غيره من الكوفيين لم يجئه إلا اليسير.
قال ابن مهدي أئمة الناس في زمانهم أربعة الثوري ومالك والأوزاعي وحماد بن زيد وقال ما رأيت أحدا أعقل من مالك.
محنة الإمام مالك
تعرض الإمام مالك لمحنة وبلاء بسبب حسد ووشاية بينه وبين والي المدينة جعفر بن سليمان ويروى أنه ضرب بالسياط حتى أثر ذلك على يده فيقول إبراهيم بن حماد أنه كان ينظر إلى مالك إذا أقيم من مجلسه حمل يده بالأخرى، ويقول الواقدي لما ولي جعفر بن سليمان المدينة سعوا بمالك إليه وكثروا عليه عنده وقالوا لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره أنه لا يجوز عنده قال فغضب جعفر فدعا بمالك فاحتج عليه بما رفع إليه عنه فأمر بتجريده وضربه بالسياط وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه وارتكب منه أمر عظيم فواالله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو، وهذه ثمرة المحنة المحمودة أنها ترفع العبد عند المؤمنين وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا ويعفو الله عن كثير ومن يرد الله به خيرا يصيب منه وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) كل قضاء المؤمن خير له وقال الله تعالى {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} (محمد:31) وأنزل الله تعالى في وقعه أحد قوله {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم}(آل عمران:165) وقال {وما أصابكم من مصيبة فبما كسب أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى:30)
فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه فالله حكم مقسط ثم يحمد الله على سلامة دينه ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له.
وفاة الإمام مالك
قال القعنبي سمعتهم يقولون عمر مالك تسعا وثمانين سنة مات سنة تسع وسبعين ومئة وقال إسماعيل بن أبي أويس مرض مالك فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت قالوا تشهد ثم قال {لله الأمر من قبل ومن بعد} (الروم:4)، وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة فصلى عليه الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي.
الخاتمة
وهكذا تعرفنا على حياة الإمام مالك الذي قضى حياته في طلب العلم ، ومع كل هذا العلم لم يتكبر على الناس ، بل كان رمزاً للتواضع ، وتقي يخاف الله . وفي النهاية أدعو شباب المسلمين لطلب العلم . وأقول كما قال الشاعر :
العلم يبني بيوتاً لاعماد لها والجهل يهدم بيوت العز والكرم
المراجع
1) Al-Eman|نداء الإيمان
2) الموطأ للإمام مالك
المقدمة
إنه الإمام محمد بن جرير الطبري صاحب أكبر كتابين في التفسير والتاريخ، قال عنه أحمد بن خلكان صاحب وفيات الأعيان:"العلم المجتهد عالم العصر صاحب التصانيف البديعة كان ثقة صادقا حافظا رأسا في التفسير إماما في الفقه والإجماع والاختلاف علامة في التاريخ وأيام الناس عارفا بالقراءات وباللغة وغير ذلك"
الموضوع
حياته العلمية
بدأ الطبري طلب العلم بعد سنة 240هـ وأكثر الترحال ولقي نبلاء الرجال، قرأ القرآن ببيروت على العباس بن الوليد ثم ارتحل منها إلى المدينة المنورة ثم إلى مصر والري وخراسان، واستقر في أواخر أمره ببغداد.
سمع الطبري من العديدين من مشايخ عصره وله رحلات إلى العديد من عواصم العالم الإسلامي التي ازدهرت بعلمائها وعلومها ومنها مصر.
مؤلفاته
كان الطبري من أكثر علماء عصره نشاطا في التأليف،
أشهر مؤلفاته تفسيره المعروف بتفسير الطبريٍ،
وكتاب " تاريخ الأمم والملوك " تسمي تاريخ الطبري
قال أبو محمد الفرغاني تم من كتب محمد بن جرير كتاب التفسير الذي لو ادعى عالم أن يصنف منه عشرة كتب كل كتاب يحتوي على علم مفرد مستقصى لفعل وتم من كتبه كتاب التاريخ إلى عصره وتم أيضا كتاب تاريخ الرجال من الصحابة والتابعين وإلى شيوخه الذين لقيهم وتم له كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام وهو مذهبه الذي اختاره وجوده واحتج له وهو ثلاثة وثمانون كتابا وتم له كتاب القراءات والتنزيل والعدد وتم له كتاب اختلاف علماء الأمصار وتم له كتاب الخفيف في أحكام شرائع الإسلام وهو مختصر لطيف وتم له كتاب التبصير وهو رسالة إلى أهل طبرستان يشرح فيها ما تقلده من أصول الدين وابتدأ بتصنيف كتاب تهذيب الآثار وهو من عجائب كتبه ابتداء بما أسنده الصديق مما صح عنده سنده وتكلم على كل حديث منه بعلله وطرقه ثم فقهه واختلاف العلماء وحججهم وما فيه من المعاني والغريب والرد على الملحدين فتم منه مسند العشرة وأهل البيت والموالي وبعض مسند ابن عباس فمات قبل تمامه، قلت هذا لو تم لكان يجيء في مائة مجلد، قال وابتدأ بكتابه البسيط فخرج منه كتاب الطهارة فجاء في نحو من ألف وخمسمائة ورقة لأنه ذكر في كل باب منه اختلاف الصحابة والتابعين وحجة كل قول وخرج منه أيضا أكثر كتاب الصلاة وخرج منه آداب الحكام وكتاب المحاضر والسجلات وكتاب ترتيب العلماء وهو من كتبه النفيسة ابتدأه بآداب النفوس وأقوال الصوفية ولم يتمه وكتاب المناسك وكتاب شرح السنة وهو لطيف بين فيه مذهبه واعتقاده وكتابه المسند المخرج يأتي فيه على جميع ما رواه الصحابي من صحيح وسقيم ولم يتمه ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل فبدأ بفضل أبي بكر ثم عمر وتكلم على تصحيح حديث غدير خم واحتج لتصحيحه ولم يتم الكتاب.
ثناء العلماء عليه
قال أبو سعيد بن يونس: محمد بن جرير من أهل آمل كتب بمصر ورجع إلى بغداد وصنف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه.
وقال الخطيب البغدادي: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب كان أحد أئمة العلماء يُحكم بقوله ويُرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره فكان حافظا لكتاب الله عارفا بالقراءات بصيرا بالمعاني فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها عارفا بأقوال الصحابة والتابعين عارفا بأيام الناس وأخبارهم. وكان من أفراد الدهر علما وذكاء وكثرة تصانيف قل أن ترى العيون مثله.
مواقف من حياته
قيل إن المكتفي أراد أن يحبس وقفا تجتمع عليه أقاويل العلماء فأحضر له ابن جرير فأملى عليهم كتابا لذلك فأخرجت له جائزة فامتنع من قبولها فقيل له لا بد من قضاء حاجة قال اسأل أمير المؤمنين أن يمنع السؤال يوم الجمعة ففعل ذلك وكذا التمس منه الوزير أن يعمل له كتابا في الفقه فألف له كتاب الخفيف فوجه إليه بألف دينار فردها.
وروي عن محمد بن أحمد الصحاف السجستاني سمعت أبا العباس البكري يقول جمعت الرحلة بين ابن جرير وابن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي ومحمد بن هارون الروياني بمصر فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم وأضر بهم الجوع فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام فخرجت القرعة على ابن خزيمة فقال لأصحابه أمهلوني حتى أصلي صلاة الخيرة قال فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع ورجل من قبل والي مصر يدق الباب ففتحوا فقال أيكم محمد بن نصر فقيل هو ذا فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال وأيكم محمد ابن جرير فأعطاه خمسين دينارا وكذلك للروياني وابن خزيمة ثم قال إن الأمير كان قائلا بالأمس فرأى في المنام أن المحامد جياع قد طووا كشحهم فأنفذ إليكم هذه الصرر وأقسم عليكم إذا نفذت فابعثوا إلي أحدكم.
وقال أبو محمد الفرغاني في ذيل تاريخه على تاريخ الطبري قال حدثني أبو علي هارون بن عبد العزيز أن أبا جعفر لما دخل بغداد وكانت معه بضاعة يتقوت منها فسرقت فأفضى به الحال إلى بيع ثيابه وكمي قميصه فقال له بعض أصدقائه تنشط لتأديب بعض ولد الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان قال نعم فمضى الرجل فأحكم له أمره وعاد فأوصله إلى الوزير بعد أن أعاره ما يلبسه فقربه الوزير ورفع مجلسه وأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر فاشترط عليه أوقات طلبه للعلم والصلوات والراحة وسأل استلافه رزق شهر ففعل وأدخل في حجرة التأديب وخرج إليه الصبي وهو أبو يحيى فلما كتبه أخذ الخادم اللوح ودخلوا مستبشرين فلم تبق جارية إلا أهدت إليه صينية فيها دراهم ودنانير فرد الجميع وقال قد شرطت على شيء فلا آخذ سواه فدرى الوزير ذلك فأدخله إليه وسأله فقال هؤلاء عبيد وهم لا يملكون فعظم ذلك في نفسه.
قال أبو القاسم بن عقيل الوراق: إن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا قالوا كم قدره فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة فقالوا هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه فقال إنا لله ماتت الهمم فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة ولما أن أراد أن يملي التفسير قال لهم نحوا من ذلك ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ.
وكان الطبري لا يقبل المناصب خوفا أن تشغله عن العلم من ناحية ولأن من عادة العلماء البعد عن السلطان من ناحية أخري، فقد روى المراغي قال لما تقلد الخاقاني الوزارة وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير فامتنع من قبوله فعرض عليه القضاء فامتنع فعرض عليه المظالم فأبى فعاتبه أصحابه وقالوا لك في هذا ثواب وتحيي سنة قد درست وطمعوا في قبوله المظالم فذهبوا إليه ليركب معهم لقبول ذلك فانتهرهم وقال قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه قال فانصرفنا خجلين.
الخاتمة
توفي ابن جرير الطبري من يوم الاثنين في وقت صلاة الظهر طلب ماءً ليجدد وضوءه فقيل له تؤخر الظهر تجمع بينها وبين العصر فأبى وصلى الظهر مفردة والعصر في وقتها أتم صلاة وأحسنها، وحضر وقت موته جماعة منهم أبو بكر بن كامل فقيل له قبل خروج روحه يا أبا جعفر أنت الحجة فيما بيننا وبين الله فيما ندين به فهل من شيء توصينا به من أمر ديننا وبينة لنا نرجو بها السلامة في معادنا فقال الذي أدين الله به وأوصيكم هو ما ثبت في كتبي فاعملوا به وعليه وكلاما هذا معناه وأكثر من التشهد وذكر الله عز وجل ومسح يده على وجهه وغمض بصره بيده وبسطها وقد فارقت روحه الدنيا.
قال أحمد بن كامل توفي ابن جرير عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة 310هـ ودفن في داره برحبة يعقوب يعني ببغداد قال ولم يغير شيبة وكان السواد فيه كثيرا وكان أسمر أقرب إلى الأدمة (السواد) أعين نحيف الجسم طويلا فصيحا وشيعه من لا يحصيهم إلا الله تعالى.
تم الاسترجاع من
معهد الإمارات التعليمي http://www.uae.ii5ii.com
**حياة الإمام أحمد بن حنبل
هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن اسد الشيبانى ولد ببغداد سنة 164 هـ و نشأ بها و مات والده و هو صغير فتعهدته أمه و وجهته إلى دراسة العلوم الدينية فحفظ القرآن و تعلم اللغة و فى الخامسة عشرة من عمرة بدأ دراسة الحديث و حفظه ، و فى العشرين من عمره بدأ فى رحلات طلب العلم فذهب إلى الكوفة و مكة و المدينة و الشام و اليمن ثم رجع إلى بغداد و كان من أكبر تلاميذ الإمام الشافعى ببغداد . كما تعلم أحمد على يد كثير من علماء العراق منهم (إبراهيم بن سعيد ) و ( سفيان بن عيينة) و (يحيى بن سعيد) و (أبو داود الطيالسى) و بعد ذلك أصبح مجتهدا صاحب مذهب مستقل و برز على أقرانه فى حفظ السنة و جمع شتاتها حتى أصبح إمام المحدثين فى عصره و يشهد له فى ذلك كتابه "المسند" الذى حوى أربعين ألف حديث ، و قد أعطى الله أحمد من قوة الحفظ ما يتعجب له ، يقول الشافعى : خرجت من بغداد و ما خلفت فيها أفقه و لا أورع و لا ازهد و لا أعلم و لا أحفظ من بن حنبل ، كان بن حنبل قوى العزيمة ، صبورا ، ثابت الرأى ، قوى الحجة ، جريئا فى التحدث عن الخلفاء مما كان سببا فى محنته المشهورة و هى أنه فى عهد خلافة المأمون العباسى أثيرت فى سنة 212 هـ مسألة القول بخلق القرآن و هى أن القرآن مخلوق و ليس كلام الله ، و كان الذى لا يعترف بهذه المسألة من العلماء و الفقهاء عقابه الحرمان من وظائف الدولة مع العقاب بالضرب و السجن و كان بن حنبل على خلاف ما يقولون و لم يعترف بقولهم و لم يركن إلى ما قاله المأمون فكان نتيجة ذلك أن طبق عليه العقاب و منع من التدريس و عذب و سجن فى سنة 218 هـ على يد (إسحاق بن إبراهيم الخزاعى) نائب المأمون ، ثم سيق مكبلا بالحديد حيث يقيم المأمون خارج بغداد غير أن الخليفة المأمون توفى قبل وصول أحمد بن حنبل و تولى الخلافة بعد المأمون اخوه المعتصم فسار على طريقة المأمون فى هذه المسألة فسجن أحمد و أمر بضربه بالسياط عدة مرات حتى كان يغمى عليه فى كل مرة من شدة الضرب ، و إستمر فى ضرب أحمد و تعذيبه نحو ثمانية و عشرين شهرا و لما لم يغير أحمد رأيه و لم يرجع عن عقيدته و مذهبه أطلق سراحه و عاد إلى التدريس ثم توفى المعتصم سنة 227 هـ و تولى بعده الواثق بالله فأعاد المحنة لأحمد و منعه من مخالطة الناس و منعه من التدريس أكثر من خمس سنوات حتى توفى الواثق سنة 232هـ و تولى الخلافة بعده المتوكل فأبطل بدعة خلق القرآن سنة 232 هـ و كرم أحمد و بسط له يد العون و ظل أحمد على منهاجه ثابتا على رأيه ، و قد جمع تلاميذ أحمد من بعده مسائل كثيرة فى الفقه و الفتوى و دونوها و نقلوها بعضهم عن بعض فى مجاميع كبيرة كما صنع بن القيم فى كتابيه المغنى و الشرح الكبير ولم يدون احمد مذهبه فى الفقه كما لم يمله على أحد من تلاميذه كراهة إشتغال الناس به عن الحديث ، و هو بهذا على غير منهج أبى حنيفة الذى كان يدون عنه تلاميذه فى حضوره و مالك الذى كان يدون بنفسه و كذا الشافعى ، فالجميع قد تركوا فقها مدونا بخلاف أحمد فلم يترك فقها مدونا إلا أن تلاميذه من بعده قاموا بتدوين ما سمعوه منه ، و من هؤلاء محمد بن إسماعيل البخارى صاحب الصحيح ، و مسلم بن الحجاج النيسابورى صاحب الصحيح ، و أبو بكر أحمد بن محمد بن هانىء البغدادى المعروف بالأثرم و هو من أشهر من دون الفقه لأحمد فى كتاب (السنن فى الفقه) على مذهب أحمد و شواهده من الحديث و من أشهرهم أيضا (أبو بكر أحمد بن الخلال) فى كتاب الجامع و ما دونه أبو بكر فى هذا الكتاب يعد نقلا عن تلاميذ أحمد أما فى الحديث فلأحمد مسنده المعروف و المشهور.
و قد بنى الإمام أحمد مذهبه على أصول هى كتاب الله أولا ثم سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثانيا ثم فتوى الصحابة المختلف فيها ثم القياس و هو آخر المراتب عنده و كان أحمد يعترف بالإجماع إذا ما تحقق و لكنه كان يستبعد تحققه و وجوده ، بجانب هذا كان أحمد يعمل بالإستصحاب و المصالح المرسلة و سد الذرائع متبعا فى ذلك سلف الأمة
مسند الإمام أحمد
كان أحمد بن حنبل واحدًا من أئمة الهدى الذين ازدانت بهم القرون الهجرية الأولى، يلوذ بهم الناس حين تدلهمّ بهم الطرق، وتتشعب بهم السبل، فلا يجدون إلا يدًا حانية، ونورًا هاديًا يأخذهم إلى جادة الطريق، ويلقي بهم إلى بر النجاة.
ينظر الناس إليهم فيجدون دينهم فيهم، وخلقهم وآدابهم ماثلة بين أيديهم، وسنة نبيهم حية ناطقة، كأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال حيا بين ظهرانيهم، وأصحابه المهديين يعيشون بينهم، فيطمئنون إلى سلامة المنهج، وصدق التطبيق.
وكانت حلقاتهم في ساحات المسجد منازل للوحي ومجامع للأفئدة، وملجأ للعقول، يتحلق حولهم تلاميذهم ومن يرغب في سماع تفسير آية أو بيان حديث، أو طلب فتوى، ينزلهم الناس من أنفسهم المحل الأسمى، ويقتدون بهديهم كمن يطلب النجاة لنفسه من خطر داهم، ويستقبلونهم بالبشر والترحاب أينما حلوا كما يُستقبل القادة والفاتحون.
وشاء الله ألا يرى الوالد رضيعه؛ فقد توفي قبل مولده، فقامت أمّه برعايته وتنشئته، وحرصت على تربيته كأحسن ما تكون التربية، وعلى تعليمه فروع الثقافة التي كانت سائدة، فحفظ القرآن الكريم، وانكبّ على طلب الحديث في نهم وحب، يسرع الخطى إلى شيخه قبل أن يسفر الصباح؛ حتى يكون أول من يلقاه من تلاميذه، حتى إذا شبّ عن الطوق انتقل إلى حلقة "أبي يوسف" تلميذ أبي حنيفة، وأول من اعتلى منصب قاضي القضاة، وكانت حلقته آية في السمو والرقي، يؤمها طلاب العلم والعلماء والقضاة على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم، وقد لزم أحمد بن حنبل حلقة أبي يوسف أربع سنوات، كتب ما سمعه فيها ما يملأ ثلاثة صناديق، كما لزم حلقة "هشيم بن بشير السلمي" شيخ المحدثين في بغداد، ولا يسمع بعالم ينزل بغداد إلا أقبل عليه وتتلمذ له، فسمع من "نعيم بن حماد"، و"عبد الرحمن بن مهدي"، و"عمير بن عبد الله بن خالد".
رحلاته في طلب العلم
كانت الرحلة في طلب العلم وسماع الحديث من سمات طالبي العلم في هذه الفترة، وكان كبار الفقهاء وشيوخ المحدثين موزعين في أنحاء العالم الإسلامي، لا يختص بهم قطر أو إقليم؛ ولذا كان الطلاب النابهون يقومون بالترحال إليهم، لا يعوقهم عن ذلك قلّة المال أو بُعد المكان.
بدأ أحمد بن حنبل رحلته الميمونة في طلب الحديث سنة (186هـ = 802م) وهو في الثانية والعشرين من عمره، واتجه إلى البصرة، والكوفة والرقّة، واليمن، والحجاز، والتقى بعدد من كبار علماء الأمة وفقهائها العظام، من أمثال: يحيى بن سعيد القطان، وأبي داود الطيالسي، ووكيع بن الجراح، وأبي معاوية الضرير، وسفيان بن عيينة، والشافعي الذي لازمه ابن حنبل وأخذ عنه الفقه والأصول، وكان يقول عنه الإمام الشافعي: "ما رأيت أحدًا أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي".
وكان شغف ابن حنبل بطلب الحديث يجعله يستطيب كل صعب، ويستهين بكل مشقة، لم تمنعه إمامته وعلوّ قدره من الاستمرار في طلبه العلم، ولا يجد حرجًا في أن يقعد مقعد التلميذ بعد أن شهد له شيوخه أو أقرانه بالحفظ والإتقان، يراه بعض معاصريه والمحبرة في يده يسمع ويكتب، فيقول له: "يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين "، فيكون جواب الإمام: "مع المحبرة إلى المقبرة".
جلوسه للتدريس
كان من تصاريف القدر أن يجلس الإمام أحمد للفتيا والتدريس في بغداد سنة (204هـ – 819م) وهي السنة التي توفي فيها الشافعي فكان خلفًا عظيمًا لسلف عظيم، وكان له حلقتان: واحدة في بيته يقصدها تلاميذه النابهون، وأخرى عامة في المسجد، يؤمها المئات من عامة الناس وطلاب العلم، وتُعقد بعد صلاة العصر، وكان الإمام يهش للذين يكتبون الحديث في مجلسه، ويصف محابرهم بأنها سُرُج الإسلام، ولا يقول حديثًا إلا من كتاب بين يديه، مبالغة في الدقة، وحرصًا على أمانة النقل، وهو المشهود له بأن حافظته قوية واعية، حتى صار مضرب الأمثال.
ولزم الإمامَ عدد من تلاميذه النابهين، نشروا علمه، وحملوا فقهه إلى الآفاق، من أشهرهم: أبو بكر المروزي، وكان مقربًا إلى الإمام، أثيرًا عنده، لعلمه وفضله، وصدقه وأمانته، حتى قال عنه الإمام أحمد: "كل ما قاله على لساني فأنا قلته"، ومن تلاميذه: أبو بكر الأثرم، وإسحاق بن منصور التميمي، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وبقي بن مخلد.
مذهب الإمام أحمد
لم يدون الإمام أحمد مذهبه الفقهي، ولم يصنف كتابًا في الفقه، أو أملاه على أحد من تلاميذه، بل كان يكره أن يُكتب شيء من آرائه وفتاواه، حتى جاء أبو بكر الخلال المتوفى سنة (311هـ = 923) فقام بمهمة جمع الفقه الحنبلي، وكان تلميذًا لأبي بكر المروزي، وجاب الآفاق يجمع مسائل الإمام أحمد الفقهية وما أفتى به، فتيسرت له منها مجموعة كبيرة لم تتهيأ لغيره، وقام بتصنيفها في كتابه: "الجامع الكبير" في نحو عشرين مجلدًا، وجلس في جامع المهدي، ببغداد يدرّسها تلاميذه، ومن هذه الحلقة المباركة انتشر المذهب الحنبلي، وتناقله الناس مدونًا بعد أن كان روايات مبعثرة.
ثم قام أبو القاسم الخرقي المتوفى سنة (334هـ = 946م) بتخليص ما جمعه أبو بكر الخلّال في كتاب اشتهر بـ"مختصر الخرقي"، تلقاه الناس بالقبول، وعكف عليه فقهاء الحنابلة شرحًا وتعليقًا، حتى كان له أكثر من ثلاثمائة شرح، كان أعظمها وأشهرها "كتاب المغني" لابن قدامة المقدسي المتوفى سنة (620هـ = 1233م)، ولم يكتف مؤلفه فيه بالشرح وإنما تعداه إلى بيان اختلاف الروايات وذكر الأدلة الفقهية، مرجحًا بينها، وصاغ ذلك في عبارة سلسلة دقيقة المعنى.
ثم جاء الإمام ابن تيمية الجد "عبد السلام بن عبد الله" المتوفى سنة (652هـ = 1254م)، فحرر مسائل المذهب، وألّف كتابه "المحرر" في الفقه، ثم تعددت بعد ذلك كتب المذهب وانتشرت بين الناس.
ويجدر بالذكر أن المذهب الحنبلي هو أوسع المذاهب الإسلامية في إطلاق حرية التعاقد، وفي الشروط التي يلتزم بها الطرفان؛ لأن الأصل عند الإمام أحمد هو جعل معاملات الناس على أصل الإباحة حتى يقوم دليل شرعي على التحريم؛ ومن ثمّ كان في الفقه الحنبلي متسع لنظام المعاملات، يمتاز بالسهولة واليسر وتحقيق المصلحة للناس.
محنة الإمام أحمد
كان الإمام أحمد على موعد مع المحنة التي تحملها في شجاعة، ورفض الخضوع والتنازل في القول بمسألة عمّ البلاء بها، وحمل الخليفة المأمون الناس على قبولها قسرًا وقهرًا دون دليل أو بيّنة.
وتفاصيل تلك المحنة أن المأمون أعلن في سنة (218هـ = 833م) دعوته إلى القول بأن القرآن مخلوق كغيره من المخلوقات، وحمل الفقهاء على قبولها، ولو اقتضى ذلك تعريضهم للتعذيب، فامتثلوا؛ خوفًا ورهبًا، وامتنع أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح عن القول بما يطلبه الخليفة، فكُبّلا بالحديد، وبُعث بهما إلى بغداد إلى المأمون الذي كان في طرسوس، لينظر في أمرهما، غير أنه توفي وهما في طريقهما إليه، فأعيدا مكبّلين إلى بغداد.
وفي طريق العودة قضى محمد بن نوح نحبه في مدينة الرقة، بعد أن أوصى رفيقه بقوله: "أنت رجل يُقتدى به، وقد مدّ الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك؛ فاتق الله واثبت لأمر الله".
وكان الإمام أحمد عند حسن الظن، فلم تلن عزيمته، أو يضعف إيمانه أو تهتز ثقته، فمكث في المسجد عامين وثلث عام، وهو صامد كالرواسي، وحُمل إلى الخليفة المعتصم الذي واصل سيرة أخيه على حمل الناس على القول بخلق القرآن، واتُّخذت معه في حضرة الخليفة وسائل الترغيب والترهيب، ليظفر المجتمعون منه بكلمة واحدة، تؤيدهم فيما يزعمون، يقولون له: ما تقول في القرآن؟ فيجيب: هو كلام الله، فيقولون له: أمخلوق هو؟ فيجيب: هو كلام الله، ولا يزيد على ذلك.
ويبالغ الخليفة في استمالته وترغيبه ليجيبهم إلى مقالتهم، لكنه كان يزداد إصرارًا، فلما أيسوا منه علّقوه من عقبيه، وراحوا يضربونه بالسياط دون أن يستشعر واحد منهم بالخجل وهو يضرب إنسانًا لم يقترف جرمًا أو ينتهك عرضًا أو أصاب ذنبًا، فما بالك وهم يضربون إمامًا فقيهًا ومحدثًا ورعًا، يأتمّ به الناس ويقتدون به، ولم تأخذهم شفقة وهم يتعاقبون على جلد جسد الإمام الواهن بسياطهم الغليطة، حتى أغمي عليه، ثم أُطلق سراحه، وعاد إلى بيته، ثم مُنع من الاجتماع بالناس في عهد الخليفة الواثق (227-232هـ = 841-846م)، لا يخرج من بيته إلا للصلاة، حتى إذا ولي المتوكل الخلافة سنة (232هـ = 846م)، فمنع القول بخلق القرآن، ورد للإمام أحمد اعتباره، فعاد إلى الدرس والتحديث في المسجد.
مؤلفات الإمام أحمد
ترك الإمام أحمد عددًا من المؤلفات يأتي في مقدمتها "المسند"، وهو أكبر دواوين السُّنّة؛ إذ يحوي أربعين ألف حديث، استخلصها من 750 ألف حديث، وشرع في تأليفه بعدما جاوز السادسة والثلاثين.
أما كتبه الأخرى فهي كتاب "الزهد"، وكتاب "السُّنّة"، وكتاب "الصلاة وما يلزم فيها"، وكتاب "الورع والإيمان"، وكتاب "الأشربة"، وكتاب "المسائل"، وكتاب "فضائل الصحابة" وكلها مطبوعة ومتداولة.
كانت وقفة الإمام احمد بن حنبل في وجه الظلم وفي وجه حملة تحريف الدين الإسلامي وفي وجه هرطقة المعتزلة وتخبّطهم في علوم وخفايا الدين وقفة عظيمة. وقد صمد الإمام بالرغم من التعذيب والضرب بالسياط والحبس والملاحقة والإغراء.
من أشعاره وهو في السجن :
لعمرك ما يهوى لأحمد نكبـة
من الناس إلاّ ناقص العقل مُغْـوِرُ
هو المحنة اليوم الذي يُبتلى بـه
فيعتبـر السنِّـي فينـا ويسبُـرُ
شجىً في حلوق الملحدين وقرَّةٌ
لأعين أهل النسك عفٌّ مشـمِّـرُ
لريحانة القرَّاء تبغون عـثـرة
وكلِّكُمُ من جيفـة الكلب أقـذرُ
فيا أيها الساعي ليدرك شأوه
رويدك عـن إدراكـه ستقصِّـرُ
وقال عنه الأمام الشافعي:
أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةً
وبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُ
وإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاً
فاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُ
مؤلفاته :
– المسند. ويحوي أكثر من أربعين ألف حديث.
– الناسخ والمنسوخ.
– العلل.
– السنن في الفقه.
وفاتـــــه
توفي الإمام يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع. وحضر جنازته من الرجال مائة ألف ومن النساء ستين ألفاً، غير من كان في الطرق وعلى السطوح. وقيل أكثر من ذلك.
وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل في بغداد. وقيل انه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس ، وأنّ جميع الطوائف حزنت عليه، وأنه كانت له كرامات كثيرة وواضحة.
فعن ابنه عبد الله، قال: رأيت أبي حرّج على النمل أن تخرج من داره، ثم رأيت النمل قد خرجت نملاً أسود، فلم أرها بعد ذلك.
وعن الإمام أبي الفرج الجوزي ، قال: لما وقع الغريق ببغداد سنة أربع وخمسين وخمسمائة وغرقت كتبي ، سلم لي مجلد فيه ورقات من خط الإمام أحمد بن حنبل. **
و هذي المراجع :
http://www.egypty.com/top4/emam_ibn7anbal.asp
معهد الامارات التعليمي
www.uae.ii5ii.com