المقدمة :
لم يتوقف تطور النقود على ظهور النقود المعدنية من الذهب والفضة بل استمر التطور إلى أن ظهرت النقود الورقية التي تعتبر أهم تطور حدث في تاريخ النقود بعد ظهور النقود المعدنية .
الموضوع :
لقد بدأ نشوء النقود الورقية في أوربا في القرن السابع عشر فنظرا للمخاطر التي يتعرض لها التجار من حمل كميات كبيرة من المعدن النفيس فقد عمد هؤلاء إلى إيداع ما لديهم من ذهب أو فضة لدى الصياغ للاحتفاظ بها لديهم حيث أنهم وحدهم هم الذين يملكون خزائن حديدية وكان الصائغ يعطي للمودع ورقة في شكل إيصال أو شهادة أو تعهد يتعهد فيه برد ما أودع لديه من ذهب بمجرد طلبه .
ولقد حدث تطوراً أخير يتمثل في أن الذي أصبح يتسلم الذهب ويصدر الإيصالات البنوك لا الصياغة ولعل أول محاولة حقيقية لإصدار نقود بنكنوت تمت في السويد عام 1856 ، وكانت النقود الورقية التي تصدرها مختلف البنوك والتي سميت لهذا السبب بنكنوت ، ولقد كانت النقود الورقية قابلة للتحويل إلى ذهب أو فضة في بادئ الأمر ولكن منذ الثلاثينات من القرن التاسع عشر أصبحت هذه النقود الورقية غير قابلة للتحويل ولهذا سوف نبحث أولاً النقود الورقية القابلة للتحويل ثم نبحث النقود غير القابلة للتحويل .
النقود الورقية القابلة للتحويل (قاعدة الذهب):
نعني بالنقود الورقية القابلة للتحويل تلك الورقة التي يصدرها أحد البنوك يتعهد فيها بأن يرد إلى حاملها بمجرد طلبه في شكل عملة ذهبية القيمة المحددة المكتوبة على الورقة ، وهناك صور ثلاث لقابلية النقود الورقية للتحويل إلى ذهب أي لقاعدة الذهب بعبارة أخرى تستعرضها فيما يلي :
1- قاعدة المسكوكان الذهبية: في ظل هذه القاعدة يكون من حق أي فرد يحمل ورقة نقدية مهما كانت قيمتها في أن يحولها من البنك ألذ أصدرها في أي وقت يشاء وبمجرد طلبه إلى مسكوكان ذهبية بقدر القيمة التي صدرت بها الورقة ، وهكذا وفقاً لهذه القاعدة كانت تتداول إلى جانب الذهب أنواع أخرى من النقود كأوراق البنكنوت ولكن الذهب وحده هو الذي يتمتع بقوة إبراء غير محدودة
2- قاعدة السبائك الذهبية: في هذه القاعدة تختفي المسكوكان الذهبية التداول ولكن النقود تظل مرتبطة بالذهب فأوراق البنكنوت أصبح لا يجوز تحويلها إلى ذهب في شكل قطع عملة ذهبية وإنما فقط في شكل سبائك ذهبية كاملة لا يقل وزن السبيكة عن وزن معين يحدده القانون ويبلغ عدة كيلوجرامات فإنجلترا حددت وزن السبيكة الذهبية بأربعمائة أوقية ثمنها ما يقرب من ألف وسبعمائة وخمسة عشر ألف جنيه إسترليني .
والسبب في العدول عن قاعدة المسكوكان الذهبية والأخذ بقاعدة السبائك مرجعه إلى التغييرات الكبيرة التي أوجدتها الحرب العالمية الأولى فطلب الأفراد تحويل النقود الورقية القليلة القيمة التي يحولونها إلى ذهب فيوقت الحرب إنما يدل فقط على رغبتهم في اكتناز الذهب أو المضاربة به.
3- قاعدة الصرف الذهبي: وجدنا أن كل من قاعدة المسكوكات الذهبية وقاعدة السبائك الذهبية تتبعان قاعدة الذهب بطريقة مباشرة وذات طابع وطني أو قومي بحت ولكن قاعدة الصرف الذهبي تعني اتباع قاعدة الذهب بطريقة غير مباشرة وذات طابع دولي ، فوفقاً لهذه القاعدة ترتبط العملة الوطنية بالذهب عن طريق غير مباشر عن طريق عملة أجنبية قابلة للتحويل إلى ذهب ، فالسلطات النقدية وأن لم تلتزم بتحويل أوراق البنكنوت التي تصدرها إلى ذهب فإنها تكون ملزمة بتحويلها إلى عملات أجنبية أو أوراق أجنبية يمكن تحويلها في بلدها الأصلي إلى ذهب .
وهذه القاعدة تحقق المزايا الآتية للدول تتبعها :
1- تمكن هذه القاعدة الدولة التي تأخذ بها من اتباع قاعدة الذهب بالرغم من عدم وجود احتياطي كاف من الذهب لديها .
2- تساعد هذه القاعدة الدولة التي تتبعها من توظيف قدر كبير من الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي تمتلكه في السوق المالية لدولة هذا النقد وهذا يحقق لها فائدة تسهم في التخفيف من عبء قاعدة الذهب.
لكن رغم المزايا التي تحققها قاعدة الصرف الذهبي للدول التي تتبعها فإنها تحمل في طياتها خطورة كبيرة تتمثل في احتمال تعرض دول النقد الأجنبي المختار لصعوبات نقدية تؤثر في قيمة عملتها أو تجبرها على الخروج عل قاعدة الذهب وهو ما حدث فعلاً لبريطانيا وانهيار النقد العالمي عام 1931 :
1933 (إذ اضطرت بريطانيا تحت ضغط سحب الدول الأخرى لاحتياطياتها من الإسترليني المودعة لديها وتحويله إلى ذهب مع عدم كفاية كمية الذهب الموجودة لديها لمواجهة طلبات السحب هذه إلى وقف تحويل الجنيه الإسترليني إلى ذهب والخروج من قاعدة الذهب مما أدى لانخفاض قيمة الجنيه مقارنة بالدولار والعملات الأخرى بحوالي 30% مما سبب خسارة كبيرة للدول التي كانت ما تزال تحتفظ بجزء من احتياطياتها في شكل الجنيه الإسترليني).
وكان الرأي السائد حتى الثلاثينات ينادي بضرورة الاحتفاظ بقاعدة الذهب أي بقابلية الأوراق النقدية إلى التحويل إلى ذهب للأسباب الآتية :
1- أن استخدام الذهب كقاعدة نقدية بما له من قيمة ذاتية كسلعة ذات استعمال غير نقدي يدعم ثقة الجمهور في النظام النقدي .
2- أن التشغيل التلقائي لنظام الذهب يضع قيداً آلياً مباشراً على كمية النقد للمصدر بدلاً من ترك عملية الإصدار بدون أي قيد.
3- أن استخدام قاعدة الذهب يحقق الاستقرار النسبي للمستوى العلم للأسعار في المدة الطويلة.
4- وبالإضافة إلى ما تقدم يترتب على تطبيق قاعدة الذهب من جانب عدد كبير من الدول في وقت واحد أي عندما تصبح قاعدة نقدية دولية
تحقيق مزايا أخرى هامة منها:
أ- توفير وسيلة المدفوعات الدولية : توفر قاعدة الذهب الدولية وسيلة للمدفوعات الدولية وهي الذهب حيث قابلية عملات التداول المختلفة للتحويل إلى ذهب وفاء لديونها .
ب- تثبيت نسبة مبادلة عملات الدول المختلفة ببعضها : ترتب على تطبيق قاعدة الذهب ارتباط عملات الدول القائمة على تطبيقها ارتباطا وثيقاً وذلك لارتباط كل دولة منها على حدة بالذهب وتحدد نسبة مبادلة عملات الدول المختلفة ببعضها على أساس النسب بين مقادير الذهب الذي تحتويها الوحدة النقدية
*** ولكن قاعدة الذهب بدأت تواجه المشاكل منذ الحرب العالمية الأولى وأخذت تنهار .
وهناك عدة أسباب ساعدت على انهيارها نجملها فيما يلي :-
1- اتجاه عدد من الدول الكبرى مثل انجلترا وفرنسا والولايات المتحدة إلى وضع القيود والعراقيل في وجه التجارة الدولية وذلك بهدف تقوية مركزها الاقتصادي على حساب بقية الدول (وضعت ضرائب جمركية) .
2- سوء توزيع الذهب بين دول العالم المختلفة وذلك نتيجة للحرب العالمية الأولى إذا أدت تلك الحرب إلى تركيز الجانب الأكبر من الاحتياطات الذهبية القائمة لدى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا حيث دلت الإحصائيات في عام 1931 على أن ثلاثة أخماس ذهب العالم كانت موجودة في الولايات المتحدة وفرنسا بينما نجد دول أخرى مثل ألمانيا قد قضى على احتياطاتها من الذهب لأنها دفعت من رصيدها الذهبي تعويضاً للحلفاء. ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة أقدمت الحكومات في كثير من الدول على تقيد حركات الذهب منها وإليها للمحافظة على ما بقى من احتياطي لديها .
3- انفصال حركة مستويات الأسعار السائدة في الدول المختلفة عن اتجاهات الاحتياطيات الذهبية وذلك نتيجة ظهور الشركات الاحتكارية الكبيرة التي تتحكم في تحديد أسعار منتجاتها وترفض بشدة أي انخفاض لهذه الأسعار وكذلك قيام نقابات العمال القومية التي لا تقبل أي تخفيض في الأجور بل وتسعى دائماً إلى رفعها .
4- عدم ملائمة قاعدة الذهب لظروف التوسع النقدي الذي تطلبه علاج الكساد الكبير الذي صاحب الأزمة العالمية الكبرى مما اضطر الحكومات إلى إتباع أساليب فدارة النقدية التي لا تتفق مع متطلبات قاعدة الذهب الدولية .
5- قصور الإنتاج العالمي من الذهب عن مقابلة الطلب عليه للأغراض النقدية وغير النقدية وهذا القصور يتزايد باستمرار ويرجع ذلك لنمو حجم المبادلات المحلية والدولية.
وقد أدت الأسباب مجتمعة إلى سقوط قاعدة الذهب وانتهاء العمل بها نهائياً
النقود الورقية غير القابلة للتحويل:
النقود الورقية غير القابلة للتحويل هي نقود ورقية انفصلت العلاقة بينها وبين ما كانت تساويه من ذهب أي أن البنك الذي أصدر هذه الأوراق أصبح غير ملتزم بتحويلها إلى ذهب أو حتى إلى عملة أجنبية أخرى قابلة للتحويل إلى ذهب وتركت الدولة فرض السعر القانوني لأوراق البنكنوت
وفرض السعر الإلزامي لأوراق البنكنوت قد حرم الأفراد من تحويل البنكنوت إلى ذهب وفقدت أوراق البنكنوت كل صلة لها بالذهب الذي كان أصل وجودها وأصبح النقد الورقي يتمتع بقوة إبراء مستمدة من القانون الذي تصدره الدولة ولم يفقد الجمهور ثقته فيه وظل يحتفظ بقبول عام في التداول من جميع أفراد المجتمع .
والواقع أن قاعدة الذهب قد تكون أكثر فائدة من ترك الإصدار النقدي الورقي حراً في يد لا تراعي القواعد السليمة للإدارة النقدية ، ولكن الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها المسئولون عن إدارة نظام نقدي مستقل عن الذهب أكثر بكثير من الأضرار التي تصيب النشاط الاقتصادي المحلي الناتجة عن ارتباطه بنظام الذهب الدولي خاصة إذا قام بلاصدار سلطة تتمتع بمعرفة كافية وتشعر بمسئولية كاملة فيما يتعلق بحجم النقود المناسب لحاجة الاقتصاد القومي.
الخاتمة:
وفي الختام يجب أن نذكر أن نظام النقد الورقي الغير قابل للتحويل يمثل درجة أرقى في سلم التطور النقدي.
وأن جميع قطع النقود الورقية هذه أُصدرت بقدر كبير من الهيبة والنفوذ كما لو كانت من ذهب خالص أو فضة. ولكل قطعة ورقية مجموعة من الموظفين يعملون بها وعليهم كتابة أسمائهم ووضع أختامهم عليها.وعندما تُحضّر جميعها على النحو المطلوب يوكّل الموظف الرئيسي بمسح الختم المؤتمن عليه باللون القرمزي ويطبعه على الورقة, وهكذا شكل الختم يظل مطبوع عليها باللون الأحمر وبذلك تصبح النقود حقيقية. وإذا حاول أحدهم تزييفها فسيُعاقب بالموت.
المراجع:
b] مدونة حقوق القاهرة