التصنيفات
الصف الثاني عشر

تقرير عن علي الطنطاوي 2 ثانوي الامارات -للتعليم الاماراتي

تقرير عن علي الطنطاوي 2 ثانوي الامارات

علي الطنطاوي

ولد في مدينة دمشق في 23 جمادى الأولى 1327 هـ (12 يونيو 1909) ، أصل أسرته من مدينة طنطا في مصر ، حصل على البكالوريا سنة 1928 من مكتب عنبر الثانوية الوحيدة في دمشق آنذاك, سافر إلى مصر للدراسة في كلية دار العلوم التي لم يكمل الدراسة فيها ،عاد إلى دمشق و التحق بكلية الحقوق حتى نال الليسانس سنة 1933 .
انتقل للتدريس في الثانوية المركزية في بغداد عام 1936, ثم الثانوية الغربية، و أنتقل إلى دار العلوم الشرعية في الأعظمية، وأنتقل إلى كروك في شمال العراق ثم البصرة في أقصى الجنوب وبقي في العراق حتى سنة 1939 ، ألف كتابا خاصا عن بغداد ، عام 1937 درس في الكلية الشرعية في بيروت.
عاد إلى دمشق إلى التدريس ثم عين قاضيا حتى أصبح مستشارا لمحكمة النقض في الشام.
هاجر إلى السعودية بعد انقلاب الثامن من آذار إلى السعودية ، عمل مدرسا في كلية الشريعة وكلية اللغة العربية في الرياض وبعدها أنتقل للتدريس في مكة ، ثم بدأ البرنامج الإذاعي (مسائل و مشكلات) ثم برنامج (نور وهداية) في التلفزيون السعودي.
شارك في المؤتمر الإسلامي الشعبي في القدس عام 1953 ، وقد سافر إلى باكستان و الهند و إندونيسيا من أجل التعريف بقضية فلسطين.
توفي عام 1999 في جدة وصلي عيه صلاة الجنازة في الحرم المكي ودفن في مكة. تميز بأسلوبه الجذاب والسهل الممتنع ، كان قريبا من الناس متفهما لهم ، ناقش الكثير من المشكلات الإجتماعية وبعض الإعتقادات الخاطئة, تميز بأدبه ومقالاته ، من أعز أصدقائه الكتاب الذي كان لا يفارقه.كان قريبا من المثقف والعامي.
مقتل بنان الطنطاوي
يصف الشيخ علي الطنطاوي مقتل أبنته في مذكراته :
((إن كل أب يحب أولاده، ولكن ما رأيت ، لا والله ما رأيت من يحب بناته مثل حبي بناتي… ما صدقت إلى الآن وقد مر على استشهادها أربع سنوات ونصف السنة وأنا لا أصدق بعقلي الباطن أنها ماتت، إنني أغفل أحيانا فأظن إن رن جرس الهاتف، أنها ستعلمني على عادتها بأنها بخير لأطمئن عليها، تكلمني مستعجلة، ترصّف ألفاظها رصفاً، مستعجلة دائما كأنها تحس أن الردى لن يبطئ عنها، وأن هذا المجرم، هذا النذل …. هذا …….يا أسفي ، فاللغة العربية على سعتها تضيق باللفظ الذي يطلق على مثله، ولكن هذه كلها لا تصل في الهبوط إلى حيث نزل هذا الذي هدّد الجارة بالمسدس حتى طرقت عليها الباب لتطمئن فتفتح لها ، ثم اقتحم عليها على امرأة وحيدة في دارها فضربها ضرب الجبان والجبان إذا ضرب أوجع ، أطلق عليها خمس رصاصات تلقتها في صدرها وفي وجهها ، ما هربت حتى تقع في ظهرها كأن فيها بقية من أعراق أجدادها))
آثاره
•صور وخواطر
•مع الناس
•رجال من التاريخ
•قصص من التاريخ
•قصص من الحياة
•ذكريات علي الطنطاوي. (ثمانية أجزاء).
•أبو بكر الصديق.
•عمر بن الخطاب.

حقيقة الحب لدى الشيخ علي الطنطاوي

يستطيع أن يمحو من النفس صورة المجد والجاه ، والفضيلة والرذيلة ، والطموح والحسد ، ولكن لايمحوه شيء 0الحب أحجية الوجود،ليس في الناس من لم يعرف الحب،وليس فيهم من عرف ماهو الحب الحب مشكلة العقل التى لاتحل ولكنه حقيقة القلب الكبرى0 الحب اضعف مخلوق واقواه، يختبىء في النظره الخاطفه من العين الفاتنه وفى الرجفه الخفيفه من الاغنيه الشجيه، والبسمه المومضه من الثغر ثم يظهر للوجود عظيما جباراً،فيبنى الحياه ويهدمها ويقيم العروش ويثلها،ويفعل في الناس والدنيا الافعايل من حرم الكلام في الحب ؟!! ما في الحب شيء !! ولا على المحبين من سبيل !! إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه ، أو يضيع خلقه ، أو يهدم رجولته ، أو يشتري بلذة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنم .. ما أشقى المحبين! يمشون كما يمشي الناس ويأكلون كما يأكلون, ولكنهم يعيشون في دنيا لا يعرفها الناس ولا يصلون إليها, تضيق الدنيا بالمحب إذا جفاه محبوبه, حتى ليكاد يختنق فيها على سعتها, ويجد في العش الضيق الذي يلجأ إليه مع محبوبه دنيا واسعة, ويتألم المحب في اللذائذ إذا لم يذقها معه من يحب .. والطبيعة الجميلة سواد في عين المحب قاتم إذا لم تنرها مقلتا المحبوب .. هذا هو الحب .. ثوب براق تحمله المرأة وتمشي حتى تلقى رجلاً فتخلعه عليه فتراه به أجمل الناس ، وتحسب أنه هو الذي كانت تبصر صورته من فرج الأحلام وتراها من ثنايا الأماني …. مصباح في يد الرجل ، يوجهه إلى أول امرأة يلقاها فيراها مشرقة الوجه بين نساء لا تشرق بالنور وجوههن ، فيحسبها خلقت من النور وخلقن من طين فلا يطلب غيرها ولا يهيم بسواها ، لا يدري أنه هو الذي أضاء محياها بمصباح حبه .. خدعة ضخمة من خدع الحياة ، خفيت عن المحبين كلهم من عهد آدم إلى هذا اليوم .. هذه هي حقيقة الحب .. فلا تسمع ما يهذي به المحبون!..
مقتبس من كلام العلامة الأديب السوري : الشيخ علي الطنطاوي يرحمه الله
وهناك كلام ووصية جميلة له.

قصة طريفة للشيخ الطنطاوي

صحبنا في رحلتنا إلى الحجاز، دليل شيخ من أعراب نجد يقال له صلَبى ما رأيت أعرابياً مثله قوةَ جَنَان، وفصاحة لسان، وشدة بيان ولولا مكان النبرة البدوية لحسبته قد انصرف الساعة من سوق عكاظ، لبيان لهجته، وقوة عارضته، وكثرة ما يدور على لسانه من فصيح الكلام. وكان أبيّ النفس، أشمّ المعطس،

كريم الطباع، لكن فيه لوثة وجفاء من جفاء الأعراب، رافقنا أيام طويلة، فما شئنا خلة من خلال الخير إلا وجدناها فيه، فكان يواسينا إذا أصبنا، ويؤثرنا إذا أَضَقنا، ويدفع عنا إذا هوجمنا، ويفديّنا إذا تألمنا، على شجاعة نادرة، ونكتة حاضرة، وخفة روح، وسرعة جواب، قلنا له مرة:
– إن (صْلَبة) في عرب اليوم، كباهلة في عرب الأمس، قبيلة لئيمة يأنف الكرام من الانتساب إليها، وأنت فيما علمنا سيّد كريم من سادة كرام، وليس لك في هذه القبيلة نسب؟ فما لك تدعى صلبى. فضحك وقال:
– صدقتم والله، ما أنا من صلبة، ولا صلبة مني، وإني لكريم العم والخال ولكنّ هذا الاسم نكتة أنا مخبركم بها.
قلنا: هات. قال:
– كان أبواي لا يعيش لهما ولد، فلما ولدت خشيا عليّ فسمياني صْلَبى. قلنا: ائن سمياك صْلَبى عشت؟ قال:
إن عزرائيل أكرم من أن يقبض روح صْلَبى.
وسألناه مرة: هل أنت متزوج يا صْلَبى؟ قال:
– لقد كنت متزوجاً بشرّ امرأة تزوجها رجل، فما زلت أحسن إليها وتسيء إليّ، حتى ضقت باحتمالها ذرعاً فطلقتها ثلاثاً وثلاثين.
قلنا: إنها تبين منك بثلاث، فعلام الثلاثون؟
فقال على الفور: صدقة مني على الأزواج المساكين!
وطال بنا الطريق إلى تبوك، وملّ القوم، فجعلوا يسألونه عن تبوك، ويكثرون عليه، يتذمرون من بعدها، حتى إذا كثروا قال لهم:
ما لكم تلومونني على بعدها؟ والله لم أكن أنا الذي وضعها هناك. ولم يكن صْلَبي يعرف المدن، ولم يفارق الصحراء قط إلا إلى حاضرته تبوك (وتبوك لا تزيد عن خمسين بيتاً…) فلما بلغنا مشارف الشام أغريناه بالإبلاد ودخول المدينة، وجعلنا نصف إليه الشام، ونشوّقه فيأبى، وكنت صفّيه من القوم وخليله ونجيّه فجعلت أحاولوه وأداوره، وبذلت في ذلك الجهد فلم أصنع معه شيئاً لما استقر في نفسه من كراهية المدن وإساءة الظن بأهلها، وكان عربياً حراً، ومسلماً موحداً، لا يطيق أن يعيش يوماً تحت حكم (الروم) أو يرى مرة مظاهر الشرك…
فودعناه وتركناه.
وعدت إلى دمشق، فانغمست في الحياة، وغصت في حمايتها أكدّ للعيش، وأسعى للكسب، فنسيت صلَبى وصُحبته، وكدت أنسى الصحراء وأيامها، ومرّت على ذلك شهور… وكان أمس فإذا بي ألمح في باب الجابية وسط الزحمة الهائلة، وجهاً أعرفه فلحقت به أتبيّنه فإذا هو وجه صْلَبى، فصحت به:
– صْلَبى! قال: – لا صْلَبى ولا مْلَبى.
قلت: ولم ويحك؟ قال: أنا في طلبك منذ ثلاث ثم لا تأتي إليّ ولا تلقاني؟
فقلت له ضاحكاً: – وأي ثلاث وأي أربع؟ أتحسبها تبوك فيها أربعمائة نسمة؟ إنها دمشق يا صْلَبي، فيها أربعمائة ألف إنسان، فأين تلقاني بين أربعمائة ألف؟
قال: – صدقت والله.
قلت: هلم معي. فاستخرجته من هذه الزحمة الهائلة، وملت به إلى قهوة خالية، فجلسنا بها ودعوت له بالقهوة المرة والشاهي، فسرّ، وانطلق يحدثني قال:
– لمّا فارقتكم ورجعت وحيداً، أسير بجملي في هذه البادية الواسعة، جعلت نفسي تحدثني أن لو أجبت القوم ورأيت المدينة… فلما كان رمضان مرّ بنا بعض الحضريين فدعوني إلى صحبتهم لأرشدهم الطريق، ثم أغروني كما أغريتموني، وحاوروني كما حاورتموني حتى غلبوني على أمري ودخلوا بي دمشق، فما راعني والله يا ابن أخي إلا سيارة كبيرة كسيارتكم هذه، لكنها أهول وأضخم، لها نوافذ وفيها غرف، وقد خطوا لها خطين من حديد فهي تمشي عليهما، فأدخلوني إليها، فخشيت والله وأبيت، فأقسموا لي وطمأنوني، فدخلت ويدي على خنجري إن رأيت من أحد شيئا أكره وجأته به، وعيني على النافذة إن رابني من السيارة أمر قفزت إلى الطريق، وجلست، فما راعنا إلا رجل بثياب عجيبة قد انشق إزاره شقاً منكراً، ثم التف على فخذيه فبدا كأنما هو بسراويل من غير إزار، وعمد إلى ردائه فصف في صدره مرايا صغيره من النحاس، ما رأيت أعجب منها، فعلمت أنه مجنون وخفت أن يؤذينا، فوضعت كفي على قبضة الخنجر، فابتسم صاحبي وقال: هو الجابي. قلت: جابي ماذا، جبّ الله (…)!
قال: اسكت، إنه جابي (الترام) أعني هذه السيارة.
ثم مدّ يده بقرشين اثنين، أعطاه بها فتاتة ورق، فما رأيت والله صفقة أخسر منها، وعجبت من بلاهة هذا الرجل إذ يشتري بقرشين ورقتين لا تنفعان وجلست لا أنبس، فلم تكن إلا هنَيّة حتى جاء رجل كالأول له هيئة قِزْدية ألا أنه أجمل ثياباً، وأحسن بزّة، فأخذ هذه الأوراق فمزقها، فثارت ثائرتي، قلت: هذا والله الذل، فقّبح الله من يقيم على الذل والخسيفة، وقمت إليه فلبّبته وقلت له:
– يا اين الصانعة، أتعمد إلى شيء اشتريناه بأموالنا، ودفعنا به قروشنا فتمزقه، لأمزّقن عمرك.
وحسبت صاحبي سيدركه من الغصب لكرامته، والدفاع عن حقه مثل ما أدركني فإذا هو يضحك، ويضحك الناس ويعجبون من فعلي، لأن عمل هذا الرجل -فيما زعموا- تمزيق أوراق الناس التي اشتروها بأموالهم…
ولما نزلنا من هذه الآفة، قال لي صاحبي: هلّم إلى الحمام. فقلت: وما الحمام يا ابن أخي؟
قال: تغتسل وتلقي عنك وعثاء السفر.
قلت: إن كان هذا هو الحمام، فما لي فيه من مأرب، حسبي هذا النهر أغطس فيه فأغتسل وأتنظف.
قال: هيهات… إن الحمام لا يعدله شيء، أو ما سمعت أن الحمام نعيم الدنيا؟
قلت: لا والله ما سمعت. قال: إذن فاسمع ورَهْ.
وأخذني فأدخلني داراً قوراء في وسطها بركة عليها نوافير يتدفق منها الماء، فيذهب صعداً كأنه عمود من البلور ثم يتثنى ويتكسر ويهبط كأنه الألماس، له بريق يخطف الأبصار، صنعة ما حسبت أن يكون مثلها إلا في الجنان، وعلى أطراف الدار دكك كثيرة، مفروشة بالأسرة والمتكآت والزرابيّ كأنها خباء الأمير، فلم نكد نتوسطها حتى وقثب إلينا أهلوها وثبة رجل واحد، يصيحون علينا صياحاً غريباً، فأدركت أنها مكيدة مدبرة، وأنهم يريدون اغتيالي، فانتضيت خنجري وقلت: والله لا يدنو مني أحد إلا قطعت رقبته، فأحجموا وعجبوا ورعبوا، وغضب صاحبي وظنني أمزح، ومال عليّ يعاتبني عتاباً شديداً. فقلت له: ويحك أو ما تراهم قد أحاطوا بنا؟ قال:
إنهم يرحبون بنا ويسلمون علينا. فسكت ودخلت. وعادوا إلى حركتهم يضحكون من هذا المزاح، ويدورون حولنا بقباقيبهم العالية، ويجيئون ويذهبون، وأنا لا أدري ما هم صانعون حتى قادونا إلى دكة من هذه الدكك، وجاءوا ينزعون ثيابنا فتحققت أنها المكيدة، وأنهم سيسلبونني خنجري حتى يهون عليهم قتلي، فقد عجزوا أن يقاتلوني وبيدي الخنجر، فأبيت وهممت بالخروج ولكن صاحبي ألحّ عليّ وأقسم لي، فأجبت واستسلمت وإن روحي لتزهق حزناً على إني ذللت هذا الذل حتى أسلمتهم سَلَبي يسلبونني وأنا حي. ولو كنت في البادية لأريتهم كيف يكون القتال… حتى إذا تمّ أمر الله ولم يبق عليّ شيء، قلت: أما من مسلم؟ أما من عربي؟ أتكشف العورات في هذا البلد فلا يغار أحد، ولا يغضب إنسان؟
فهدّأ صاحبي من ثورتي وقال: أفتغتسل وأنت متزر؟ قلت: فكيف أتكشف بعد هذه الشيبة وتذهب عني في العرب فتكون فضيحتي إلى الأبد؟
قال: من أنبأك أنك ستتكشف؟ هلا انتظرت!
فانتظرت وسكت فإذا غلام من أغلمة الحمام، يأخذ بيده إزاراً فيحجبني به حتى أنزع أزراري وأتزرّ به، فحمدت الله على النجاة، وكان صاحبي قد تعرى فأخذ بيدي وأدخلني إلى باطن الحمام، فإذا غرف وسطها غرف، وساحات تفضي إلى ساحات، ومداخل ومخارج ملتفّة متلوية، يضّل فيها الخرّيت وهي مظلمة كأنها قبر قد انعقدت فوقها قباب وعقود، فيها قوارير من زجاج تضيء كأنها النجوم اللوامع، في السماء الداجية، وفي باطن الحمام أناس عري جالسون إلى قدور من الصخر فيها ماء، فتعوذت بالله من الشيطان الرجيم، وقلت هذه والله دار الشياطين وجعلت ألتمس آية الكرسي فلا أذكر منها شيئاً، فأيقنت أنها ستركبني الشياطين لما نسيت من آية الكرسي، وجعلت أبكي على شيبتي أن يختم لها هذه الخاتمة السيئة، وإني لكذلك، وإذا بالخبيث يعود إليّ يريد أن ينزع هذا الإزار الذي كسانيه، فصحت به: يا رجل، اتق الله، سلبتني ثيابي وسلاحي، وعدت تجردني وتعريني، الرحمة يا مسلمون، الشفقة أيها الناس! فوثب إليّ الناس، وأحدقوا بي، وجعلوا يضحكون، فقال صاحبي:
– ما هذا يا صْلَبى، لا تضحك الناس علينا، أعطه الإزار. قلت: وأبقى عرياناً؟ قال: لا، ستأخذ غيره، هذا كساء يفسد إذا مسه الماء، وإن للماء كساء آخر.
ونظرت فإذا عليه هيئة الناصح، وإذا هو يدفع إليّ إزاراً آخر، فاستبدلته به مكرهاً وتبعت صاحبي إلى مقصورة من هذه المقاصير، فجلسنا علا قدر من هذه القدور… وأنا أستجير بالله لا أدري ماذا يجري عليّ، فبينما أنا كذلك وإذا برجل عار، كأنه قفص عظام، له لحية كثة، وشكل مخيف وقد تأبط ليفاً غليظاً يا شرّ ما تأبط، وحمل ماعوناً كبيراً، يفور فوراناً، فاسترجعت وعلمت أنه السمّ وأنه سيتناثر منه لحمي، فقصد إليّ، فجعلت أفرّ منه وأتوثب من جانب إلى جانب وهو يلحقني ويعجب من فعلي، ويظن أني أداعبه، وصاحبي يضحك ويقسم لي أنه الصابون، وأنه لا ينظف شيء مثله.
قلت: ألا شيء من سدر! ألا قليل من أشنان؟
قال: والله ما أغشك، فجرب هذا إنه خير منه.
فاستجبت واستكنت، وأقبل الرجل يدلكني دلكاً شديداً وأنا أنظر هل تساقط لحمي، هل تناثر جلدي، فلا أجد إلا خيراً فأزمعت شكره لولا أني وجدته يتغفلني فيمد يده تحت الإزار إلى فخذي، فيدلكه ويقرصه، فقلت هذا ماجن خبيث، ولو ترك من شره أحد لتركني، ولصرفته عني شيبتي، وهممت بهشم أنفه وهتم أسنانه، ولحظ ذلك صاحبي فهمس في أذني أنه ينظفك وكذلك يصنع مع الناس كلهم، فلما انتهى وصب عليّ الماء، شعرت والله كأنما نشطت من عقال، وأحسست الزهو والخفة، فصحت فأنكرت صوتي فقلت: ما هذا، أينطق لساني مغنٍ من الجن؟ وأعدت الصيحة فازددت لصوتي إنكاراً. واستخفني الطرب، فجعلت أغني وأحدو، فقال صاحبي: لعلك استطبت صوتك؟
قلت: أي والله. قال: أفأدلك على باب القاضي؟
قلت: وما أصنع في باب القاضي؟ قال: ألا تعرف قصة جحا؟
قلت: لا والله، ما أعرف جحا ولا قصته.
قال: كان جحا عالماً نحريراً، وأستاذاً كبيراً، لكن كان فيه فضائل نادرة، وكان خفيف الروح، فدخل الحمام مرة فغنى فأعجبه صوته -وكان أقبح رجل صوتاً- وراقه حسنه، فخرج من فوره إلى القاضي، فسأله أن ينصبه مؤذناً وزعم أن له صوتاً لا يدخل أذناً إلاّ حمل صاحبها حملاً فوضعه في المسجد… فقال القاضي: اصعد المنارة فأذن نسمع.
فلما صعد فأذّن، لم يبق في المسجد رجل إلا فر هارباً. فقال له القاضي: أي صوت هذا، هذا الصوت الذي ذكره ربنا في الكتاب:
قال: أصلح الله القاضي، ما يمنعك أن تبني لي فوق المئذنة حماماً؟!..
ولمح الأعرابي صديقاً له من أعراب نجد، قد مرّ من أمام القهوة، فقطع عليّ الحديث وخرج مهرولاً يلحق به.

مصدر :معهد الامارات التعليمي www.uae.ii5ii.com

ارجو ان ينال هذا الموضوع اعجابكم
مع تحيات زعيم العلمي

__________________

منقول

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *