التصنيفات
الصف الثامن

تقرير عن صلاة الضحى للصف الثامن

صلاة الضحى وفضلها

الحمد لله الذي لم يخلق العباد عبثاً، ولم يتركهم سدىً، بل خلقهم لعبادته، وأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، فبينوا لهم دين الله القويم، وصراطه المستقيم، وتركوهم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
من رحمة الله بعباده، وفضله وامتنانه، أن كثر وعدد لهم طرق الخير، وأسباب الرضى والقبول، ويسَّـر كل إنسان لما خلق له، وفضل بعض الأعمال على بعض، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يصبح على كل سُلامى1 من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمرٌ بمعروف صدقة، ونهيٌ عن منكر صدقة، ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى".2
وبعد ..
فإن صلاة الأوابين فعلها يسير، وفضلها كبير، وثوابها جزيل، ولو لم يكن لها فضل إلا أنها تجزئ عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان كل يوم لكفاها فضلاً ، وزاد المرء عليها حرصـاً ، فما صفة هذه الصلاة ؟ وكم عدد ركعاتها؟ وما حكمها وأفضل أوقاتها؟ وما يتعلق بها؟ هذا ما نود الإشارة إليه في هذه العجالة ، فنقول وبالله التوفيق:
عدد ركعاتها
أقل صلاة الضحى: ركعتان.
أفضلها: أربع ركعات، مثنى مثنى.
أكثرها: ثمان ركعات، وقيل اثنتا عشرة ركعة، وقيل لا حدَّ لأكثرها.
خرج البخاري في صحيحه بسنده قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: "ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات"3، وعن عائشة عند مسلم: "كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء"، وعن نعيم بن همار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقول الله تعالى: ابن آدم، لا تعجزني من أربع ركعات من أول نهارك أكفك آخره".4
وعن جابر عند الطبراني في الأوسط كما قال الحافظ في الفتح5: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات"، وعن أنس مرفوعاً: "من صلى الضحى ثنتي عشرة بنى الله له بيتاً في الجنة".6
قال النووي رحمه الله: (أقلها ركعتان، وأكثرها ثمان ركعات، هكذا قاله المصنف7 والأكثرون، وقال الروياني والرافعي وغيرهما: أكثرها ثنتي عشرة ركعة، وفيه حديث ضعيف.. وأدنى الكمال أربع، وأفضل منه ست، قال أصحابنا: ويسلم من كل ركعتين، وينوي ركعتين من الضحى).8
صفتها
كان صلى الله عليه وسلم يخفف فيها القراءة، مع إتمام الركوع والسجود، فهي صلاة قصيرة خفيفة، فعن أم هانئ رضي الله عنها في وصفها لصلاته لها: "… فلم أر قط أخَـفًّ منها، غير أنه يتم الركوع والسجود".9
وفي رواية عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: "لا أدري أقيامه فيها أطول أم ركوعه أم سجـوده، كل ذلك يتقارب".10
قال الحافظ: (واستدل به على استحباب تخفيف صلاة الضحى، وفيه نظر، لاحتمال أن يكون السبب فيه التفرغ لمهمات الفتح لكثرة شغله به، وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم الضحى، فطوَّل فيها أخرجه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة).11
وقتها
من ارتفاع الشمس إلى الزوال.
أفضل وقتها
عندما ترمض الفصال، لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال".12
قال النووي رحمه الله: (تَرْمَض بفتح التاء والميم، والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته من المشمس أي حين يبول الفصلان من شدة الحر في أخفافها).
وقال: قال صاحب الحاوي: وقتها المختار: إذا مضى ربع النهار).13
حكمها
صلاة الضحى سنة مؤكدة، وهذا مذهب الجمهور، منهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، وعند أبي حنيفة مندوبة.
قال مؤلف سبيل السعادة14 المالكي عن صلاة الضحى: (سنة مؤكدة عند الثلاثة ، مندوبة عند أبي حنيفة)، وقال النووي: (صلاة الضحى سنة مؤكدة).15
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وجمع ابن القيم في الهدي16 الأقوال في صلاة الضحى فبلغت ستة)17، ملخصها:
1. مستحبة.
2. لا تشرع إلا لسبب.
3. لا تستحب أصلاً.
4. يستحب فعلها تارة وتركها تارة بحيث لا يواظب عليها، وهذه إحدى الروايات عن أحمد.
5. تستحب صلاتها والمواظبة عليها في البيوت.
6. أنها بدعة.
والراجح ما ذهب إليه الجمهور أنها سنة مؤكدة، لما يأتي من الأدلة.
الأدلة على سنية صلاة الضحى
الأدلة على سنية صلاة الضحى كثيرة، نذكر منها ما يأتي:
1. حديث أم هانئ السابق :" أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات" الحديث.18
2. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر".19
3. وعن عائشة رضي الله عنهـا قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله".20
4. وعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: "أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه".21
5. وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه: "رأى قوماً يصلون الضحى، فقال: لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعـة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال".22
6. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى وإني لأسبحها".23
7. وفي رواية عنها: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم".24
8. وقد وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر وأبا الدرداء، كما وصى أبا هريرة رضي الله عنهم.
9. وحديث أبي هريرة السابق: "يصبح على كل سلامى.." الحديث.
قال الحافظ ابن حجر: (وقد جمع الحاكم الأحاديث الواردة في صلاة الضحى في جزء مفرد، وذكر لغالب هذه الأقوال مستنداً، وبلغ عدد رواة الحديث في إثباتهـا نحو العشرين نفساً من الصحابة).25
الحكمة في عدم مواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الضحى
العلة والحكمة في عدم مواظبته ومداومته على صلاة الضحى هي نفس العلة التي من أجلها لم يداوم على صلاة التراويح في جماعة، وهي خشية أن تفرض على الأمة، وكان يحب لأمته التخفيف، وبهذا يُجمع بين الأحاديث التي وردت في فضلها والآثار التي نفت مداومته صلى الله عليه وسلم عليها.
قال النووي رحمه الله: ( قال العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يداوم على صلاة الضحى مخافة أن تفرض على الأمة فيعجزوا عنها كما ثبت هذا في الحديث26، وكان يفعلها في بعض الأوقات كما صرحت به عائشة في الأحاديث السابقة، وكما ذكرته أم هانئ، وأوصى بها أبا الدرداء وأبا هريرة. وقول عائشة: "ما رأيته صلاها"، لا يخالف قولها: "كان يصليها"، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يكون عندها في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات، لأنه صلى الله عليه وسلم في وقت يكون مسافراً وفي وقت يكون حاضراً، وقد يكون في الحضر في المسجد وغيره، وإذا كان في بيته فله تسع نسوة، وكان يقسم لهن، فلو اعتبرت ما ذكرناه لما صادف وقت الضحى عند عائشة إلا في نادر من الأوقات، وما رأته صلاها في تلك الأوقات النادرة، فقالت: "ما رأيته"، وعملت بغير رؤية أنه كان يصليها بإخباره صلى الله عليه وسلم أوبإخبار غيره، فروت ذلك، فلا منافاة بينهما).27
وقال الحافظ ابن حجر: (وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها لا ينافي استحبابها لأنه حاصل بدلالة القول، وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول والفعل، لكن ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله مرجح على ما لم يواظب عليه).28
قول ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم أنها بدعة لا يدفع سنية ومشروعية صلاة الضحى
خرَّج البخاري في صحيحه عن مُوَرِّق العجلي قال: "قلت لابن عمر رضي الله عنهما: أتصلي الضحى؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا؟ قلت: فالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا إخاله".29
وعن أبي بكرة وقد رأى ناساً يصلون الضحى فقال: "إنكم لتصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه".30
وعن قيس بن عبيد قال: كنت أختلف إلى ابن مسعود السنة كلها، فما رأيته مصلياً الضحى.
وقال الشعبي: سمعت ابن عمر يقول: "ما ابتدع المسلمون أفضل من صلاة الضحى".
قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على الأحاديث والآثار التي وردت في صلاة الضحى نفياً وإثباتاً: (فاختلف الناس في هذه الأحاديث على طرق، منهم من رجح رواية الفعل على الترك، بأنها مثبتة تتضمن زيادة علم خفيت على النافي، وقالوا: وقد يجوز أن يذهب علم مثل هذا على كثير من الناس، ويوجد عند الأقل، قالوا: وقد أخبرت عائشة، وأنس، وجابر، وأم هانئ، وعلي بن أبي طالب أنه صلاها، قالوا: ويؤيد هذا الأحاديث الصحيحة المتضمنة للوصية بها، والمحافظة عليها، ومدح فاعلها، والثناء عليه).31
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وكان سبب توقف ابن عمر في ذلك أنه بلغه عن غيره أنه صلاها ولم يثق بذلك عمن ذكره… وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الشعبي عن ابن عمر قال: "ما صليت الضحى منذ أسلمت إلا أن أطوف بالبيت"، أي فأصلي في ذلك الوقت، لا على نية صلاة الضحى، بل على نية الطواف، ويحتمل أنه كان ينويهما معاً، وقد جاء عن ابن عمر أنه كان يفعل ذلك في وقت خاص، كما سيأتي بعد سبعة أبواب من طريق نافع أن ابن عمر كان لا يصلي الضحى إلا يوم يقدم مكة، فإنه كان يقدمها ضحى فيطوف بالبيت ثم يصلي ركعتين، ويوم يأتي مسجد قباء.
إلى أن قال:
وفي الجملة ليس في أحاديث ابن عمر32 ما يدفع مشروعية صلاة الضحى، لأن نفيه محمول على عدم رؤيته، لا على عدم الوقوع في نفس الأمر، أو الذي نفاه صفة مخصوصة… قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المسجد وصلاتها جماعة، لأنها مخالفة للسنة، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه رأى قوماً يصلونها فأنكر عليهم، وقال: إن كان ولابد ففي بيوتكم).33
مما سبق يتضح لنا الآتي:
1. أن قول ابن عمر وابن مسعود ومن وافقهما أنها بدعة يُراد بذلك البدعة اللغوية لا البدعة الشرعية، بدليل استحسانهما لها، وقولهما هذا شبيه بقول عمر عندما جمع الناس على صلاة القيام واعترض عليه أبي بن كعب بأنها بدعة، فقال: "إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة هي".
2. أن اعتراض المعترضين ليس على أصل صلاة الضحى وإنما على الصفة التي كانت تؤدى بها، إما في جماعة، أوفي المسجد، وإما عقب الشروق مباشرة، وإما لسبب آخر، والله أعلم.
3. اعتراضهم هذا يدل على أن صلاة الضحى ليست من السنن الرواتب قبل ودبر الصلوات، وإنما هي سنة مؤكدة تؤدى في البيوت.
4. اعتراضهم هذا قائم على عدم مواظبة ومداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، وسبب عدم المواظبة كما ذكرنا خشيته أن تفرض عليهم ثم لا يطيقونها .
5. أن كلاً يؤخذ من قوله ويترك مهما كانت مكانته وعلمه ومنزلته، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.
6. من أقوى ما يدل على سنية صلاة الضحى والمحافظة عليها وصيته صلى الله عليه وسلم لثلاثة من خيار أصحابه المشمِّرين للعبادة: أبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وإجزاؤها عن صدقة المفاصل في كل يوم: "يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة.." الحديث.
ما يستحب أن يقرأ فيها
قال الحافظ ابن حجر: (روى الحاكم من طريق أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي الضحى بسور منها والشمس وضحاها، والضحى"، ومناسبة ذلك ظاهرة جداً).34
واللهَ أسأل أن ييسرنا لليسرى، وأن ينفعنا بالذكرى، وصلى الله وسلم وبارك على الرحمة المهداة، والنعمـة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

واتمنى الفائدة للجميع

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *