تقرير عن اخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه احااديث
اتمنى الكل يستفيد ويوجد في المرفقاات مرتب
وسابدأ الحديث في هذا البحث عن تعريف الخُلق . ومن ثم سأتطرق إلى أخلاق أعظم الخلق لنغوص في بحر من الخلق العظيم والله ولي التوفيق .
الموضوع
لو أردنا تعريف الخلق لأخذنا بتعريف ابن الأثير في غريب الحديث كما قال أن الخُلق بضم اللاموسكونها: الدين والطبع والسجية . وفي الاصطلاح: يطلق إطلاقين أحدهما أعم من الثاني فيطلق على الصفة التي تقومبالنفس على سبيل الرسوخ ويستحق الموصوف بها المدح أو الذم، ويطلق على التمسك بأحكامالشرع وآدابه فعلاً وتركاًوأكبر دليل لخلق الرسول هو قولعائشة رضي الله عنها في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىخُلُقٍ عَظِيمٍ﴾(1) كان خلقه القرآن. هذاتعريف الخلق في اللغة والاصطلاح.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز بسمو خلق لايحيط بوصفه البيان، وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجلاله، وتفانى الرجال في حياطتهوإكباره، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه أحبوه إلى حد الهيام ولميبالوا أن تندق أعناقهم ولا يخدش له ظفر، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته قد فاضتبكم من الصفات الخلقية التي تعشق عادة ولم يرزق بمثلها بشر فكان -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقاً، اجتمع فيه من أوصافالمدح والثناء ما تفرق في غيره، فقد صانه الله سبحانه وحفظه من أدنى وصف يعابصاحبه. كل ذلك حصل له من ربه فضلاً ومنةً قطعاً لألسنةِ أعدائه الذين يتربصون بهويقفون في طريق دعوته محذرين منه أحب شيء إليهم تحصيل شيء يعيبونه به وأنى لهمذلك.
فقد نشأ – صلى الله عليه وسلم- متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصفذميم، فهو أعلم الناس وأنصحهم وأفصحهم لساناً، وأقواهم بياناً، وأكثرهم حياءً،يُضرب به المثل في الأمانة والصدق والعفاف.
أدبه الله فأحسن تأديبه فكانأرجح الناس عقلاً، وأكثرهم أدباً، وأوفرهم حلماً، وأكملهم قوة وشجاعةً وشفقةً،وأكرمهم نفساً، وأعلاهم منزلةً، وبالجملة كل خلق محمود يليق بالإنسان فله – صلى اللهعليه وسلم- منه القسط الأكبر والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منهوأبعدهم عنه شهد له بذلك العدو والصديق. عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( البر حسن الخلق ..)) (2 ) قال الشيخ ابن عثيمين في شرح الحديث السابع والعشرون في الأربعين النووية: حسن الخلق أي حسن الخلق مع الله ، وحسن الخلق مع عباد الله ، فأما حسن الخلق مع الله فان تتلقي أحكامه الشرعية بالرضا والتسليم ، وأن لا يكون في نفسك حرج منها ولا تضيق بها ذرعا ، فإذا أمرك الله بالصلاة والزكاة والصيام وغيرها فإنك تقابل هذا بصدر منشرح. أما حسن الخلق مع الناس فهو كف الأذى والصبر على الأذى، وطلاقة الوجه وغيره. على الرغم من حُسن خلقه حيث كان يدعو الله بأن يحسّن أخلاقه ويتعوذ من سوء الأخلاق عليه الصلاة والسلام . عن عائشة رضي الله عنها قالت ((كان صلى الله عليه وسلم يقول اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي)) (3) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول ((اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق)) (4)
وقد قال الله تعالى: )فَبِمَا رَحْمَةٍمِّنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْمِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِفَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّالْمُتَوَكِّلِينَ( (5)
وقال تعالى: ( ن والقَلَمِ وَمايَسْطُرُون * ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراًغَيْرَ مَمْنُون * وَإِنَّكَ لَعلى خُلُقٍ عَظِيم) (6)
وقالتعالى: (( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْحَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِين رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) (6) وقالتعالى: (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) (7)
وكان النبي صلى اللهعليه وسلم يقول: ( اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنيسيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليسإليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت) (8)
1. سورة القلم : الآية 4
2. حديث رواه مسلم
3. حديث رواه أحمد ورواته ثقات
4. رواه أبو داود والنسائي
5. سورة آل عمران الآية 159
6. سورة القلم الآية 1-4
7. سورة التوبة الآية 128
8. حديث رواه مسلم
وكانالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يرقّع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل معالعبد، ويجلس على الأرض، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله، ويصافحالغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو، ويسلم على من استقبله من غنيوفقير وكبير وصغير، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر، وإذا انتهى إلى القومجلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أنأحدًا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومنسأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهمأبا، وصاروا عنده في الحق متقاربين. يتفاضلون عنده بالتقوىروى البخاريفي صحيحه من حديث الأسود قال 🙁 سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليهوسلم يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة) (9) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن كانت الأمة لتأخذبيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حيث شاءت (10) و عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما كان شخصٌ أحبُّ إليهم من رسولِ الله صلى اللهعليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك. (11) وكان النبي صلى الله عليهوسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم.(12)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهمويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم. (13) ويقول رسول اللهصلى الله عليه وسلم: (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحدٍ ولايبغي أحد على أحد) (14) وعن أنس رضي الله عنه قال: "كانت ناقة رسولالله صلى الله عليه وسلم لا تُسبَق أو لا تكاد تُسبَق، فجاء أعرابي على قعود له (أيجمل) فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( حقعلى الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه" (15)
وما أحلمه فقد صبر على إيذاء قومه ولم يرضى بأن يعاقبهم رب السماء سبحانه وتعالى. وعند فتح مكة المكرمة وبعد إيذاء قومه الشديد لحبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد حاربوه وقبل ذلك آذوه فكان يضعون الشوك في طريقه و روث الحيوانات وما في أبطانها على ظهره وهو ساجد و ضربوه وشتموه ورغم كل ذلك فكان الصابر الحليم وما كان موقفه بعد أن فتح مكة إلا أن قال : يا معشر قريش ما ترون إني فاعل بكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته }لا تثريب عليكم اليوم { اذهبوا فأنتم الطلقاء .
كما أن المسلمين كانوا في حاجة وفقر وكان أكثرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صابرا ومحتسبا فقد روى لنا الصحابة أكثر من موقف على جوعه صلى الله عليه وسلم و بقاءه عدة ليال بدون طعام وكان فراشه صلى الله عليه وسلم أدم حشوه ليف لقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيذاء والفقر وكل ذلك لإبلاغ رسالة الله سبحانه وتعالى كل ذلك لننعم و ننجو من عذاب يوم عظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون
((عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كأني أنظر إلى رسول الله صلىالله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموهوهو يمسح الدم عن وجهه يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.)) (16) ( وعن أبي سعيد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما أن ناسًا من الأنصار سألوارسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده فقال لهمحين أنفق كل شيء بيده ما يكن من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومنيستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر(17 (,كان النبي صلى الله عليه وسلم أرفق الناس وألينهم.. أتى إليه أعرابي، وطلب منه عطاءً، وأغلظ له في القول، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، ثم أعطاه حمولة جملين من الطعام والشراب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يلاعب الحسن والحسين ويقبُّلهما، ويحملهما على كتفه .
9. حديث رواه البخاري
10. حديث رواه البخاري
11. رواه أحمدوالترمذي والبخاري في الأدبِ المفردِ بأسانيدَ صحيحة
12. رواه النسائي وصححهالألباني
13. رواه الحاكم وصححه الألباني
14. رواه مسلم
15. رواه البخاري
16. متفق عليه
17. متفق عليه
الرفق خلق عظيم، وما وُجِدَ في شيء إلا حَسَّنَه وزَيَّنَه، قال الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه (حسنه وجمله)، ولا يُنْزَعُ من شيء إلا شانه (عابه) (18)حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الرفق، فقال: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) [متفق عليه]، وقال الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه) (19) والمسلم برفقه ولينه يصير بعيدًا عن النار، ويكون من أهل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بمن يحْرُم على النار؟ أو بمن تَحْرُم عليه النار؟ تَحْرُم النار على كل قريب هين لين سهل) (20) وإذا كان المسلم رفيقًا مع الناس، فإن الله -سبحانه- سيرفق به يوم القيامة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، فيقول: (اللهم مَنْ وَلِي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به) (21 )وكان النبي صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والنجدة والبأسبالمكان الذي لا يجهل، كان أشجع الناس، حضر المواقف الصعبة، وفر عنه الكماةوالأبطال غير مرة، وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر، ولا يتزحزح، وما شجاع إلا وقدأحصيت له فَرّة وحفظت عنه جولة سواه
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه –وهو من أبطال الأمة وشجعانها- قال: (إنا كنا إذا اشتد بنا البأس واحمرت الحدقاتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقدرأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو( (22 )
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلىالله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُالْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْإِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِالسَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا.(23)
كما جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشري ، وتألّقت روحـه الطاهرة بعظيم الشمائـل والخِصال ، وكريم الصفات والأفعال ، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد ، وتملكت هيبتهُ العدوّ والصديق ، وقد صوّر لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أبلغ تصوير حينما قال : أجمل منك لم ترَ قط عيني وأكمل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرّأً من كل عيب كأنك قد خُلقت كما تشاء
فمن سمات الكمال التي تحلّى بها – صلى الله عليه وسلم – خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير ، كيف لا ؟ وهو المبعوث رحمة للعالمين ، فقد وهبه الله قلباً رحيماً ، يرقّ للضعيف ، ويحنّ على المسكين ، ويعطف على الخلق أجمعين ، حتىصارت الرحمة له سجيّة ، فشملت الصغير والكبير ، والقريب والبعيد ، والمؤمن والكافر ، فنال بذلك رحمة الله تعالى ، فالراحمونيرحمهم الرحمن . وقد تجلّت رحمته صلى الله عليه وسلم في عددٍ من المظاهر والمواقف ، ومن تلك المواقف أنه كان صلى الله عليه وسلم يعطف على الأطفال ويرقّ لهم ، حتى كان كالوالد لهم ، يقبّلهم ويضمّهم ، ويلاعبهم ويحنّكهم بالتمر ،كما فعل بعبدالله بن الزبير عند ولادته .وجاءه أعرابي فرآه يُقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجّب الأعرابي وقال : " تقبلون صبيانكم ؟ فما نقبلهم " فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ( أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟ ) . وصلى عليه الصلاة والسلام مرّة وهو حامل أمامة بنت زينب ، فكان إذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها . وكان إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبيّ ، أسرع في أدائها وخفّفها ، فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي ،فأتجوز في صلاتي ، كراهية أن أشقّ على أمّه) (24) وكان يحمل الأطفال ، ويصبر على أذاهم ، فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ( أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي ، فبال على ثوبه ، فدعا بماء ، فأتبعه إياه) (25).
19. رواه مسلم
20. رواه الترمذي وأحمد
21. رواه مسلم
22. رواه أحمد والطبراني والنسائي
23. رواه البخاري ومسلم
24. رواه البخاري ومسلم
25. رواه البخاري
ولما كانت طبيعة النساء الضعف وقلة التحمل ، كانت العناية بهنّ أعظم ، والرفق بهنّ أكثر ، وقد تجلّى ذلك في خلقه وسيرته على أكمل وجه ، فحثّ صلى الله عليه وسلم على رعاية البنات والإحسان إليهنّ.وضرب صلى الله عليه وسلمأروع الأمثلة في التلطّف مع أهل بيته ، حتى إنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير ، وكان عندما تأتيه ابنته فاطمة رضي الله عنها يأخذ بيدها ويقبلها ، ويجلسها في مكانه الذي يجلس فيه .وكان صلى الله عليه وسلم يهتمّ بأمر الضعفاء والخدم ، الذين هم مظنّة وقوع الظلم عليهم ، والاستيلاء على حقوقهم ، وكان يقول في شأن الخدم : ( هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم ) ، ومن مظاهر الرحمة بهم كذلك ، ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه فإنه هو الذي ولي حره ودخانه ) (26) ومثل ذلك اليتامى والأرامل ، فقد حثّ الناس على كفالة اليتيم ، وكان يقول : ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى ) ، وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل ، واعتبر وجود الضعفاء في الأمة ، والعطف عليهم سبباً من أسباب النصر على الأعداء ، وشملت رحمته صلى الله عليه وسلم البهائم التي لا تعقل ، فكان يحثّ الناس على الرفق بها ، وعدم تحميلها ما لا تطيق، ولم تقتصر رحمته صلى الله عليه وسلم على الحيوانات ، بل تعدّت ذلك إلى الرحمة بالجمادات ، وقد روت لنا كتب السير حادثة عجيبة تدل على رحمته وشفقته بالجمادات ، وهي : حادثة حنين الجذع ، فإنه لمّا شقّ على النبي صلى الله عليه وسلم طول القيام ، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر ، فكان إذا خطب الناس اتّكأ عليه ، ثم ما لبث أن صُنع له منبر ، فتحول إليه وترك ذلك الجذع ، فحنّ الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع الصحابة منه صوتاً كصوت البعير ، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن ، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم : ( لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة ) (27) وعلى الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الكفار في العهد المكي، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قد ضرب المثل الأعلى في التعامل معهم ، كما تجلّت رحمته صلى الله عليه وسلم أيضاً في ذلك الموقف العظيم يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى له ، حينما أعلنها صريحةً واضحةً : ( اليوم يوم المرحمة ) ، وأصدر عفوه العام عن قريش التي لم تدّخر وسعاً في إلحاق الأذى بالمسلمين ، فقابل الإساءة بالإحسان ، والأذيّة بحسن المعاملة . لقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها رحمة ، فهو رحمة ، وشريعته رحمة ، وسيرته رحمة وسنته رحمة ، وصدق الله إذ يقول : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (28)
26. رواه ابن ماجة وأصله في مسلم .
27. رواه أحمد .
28. الأنبياء 107
الخاتمة
هذه بعض الأخلاق التي والمزايا الحميدة التي أوتيها -صلى الله عليه وسلم- كان -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقاً، اجتمع فيه من أوصافالمدح والثناء ما تفرق في غيره، فقد صانه الله سبحانه وحفظه من أدنى وصف يعابصاحبه. كل ذلك حصل له من ربه فضلاً ومنةً قطعاً لألسنةِ أعدائه الذين يتربصون بهويقفون في طريق دعوته محذرين منه أحب شيء إليهم تحصيل شيء يعيبونه به وأنى لهمذلك.
فقد نشأ – صلى الله عليه وسلم- متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصفذميم، فهو أعلم الناس وأنصحهم وأفصحهم لساناً، وأقواهم بياناً، وأكثرهم حياءً،يُضرب به المثل في الأمانة والصدق والعفاف.
مما سبق عرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أدبه الله فأحسن تأديبه فكانأرجح الناس عقلاً، وأكثرهم أدباً، وأوفرهم حلماً، وأكملهم قوة وشجاعةً وشفقةً،وأكرمهم نفساً، وأعلاهم منزلةً، وبالجملة كل خلق محمود يليق بالإنسان فله – صلى اللهعليه وسلم- منه القسط الأكبر والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منهوأبعدهم عنه شهد له بذلك العدو والصديق.
إن للرسول صلى الله عليهوسلم حقوقًا وواجبات إذا أداها المسلم نفعه الله به، وأسعده بشفاعته، وأكرمه بورودحوضه، وسقاه من ماء كوثره فإذا كنت محبًّا صادقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم،فتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ومن ذلكطاعته واتباعه في كل ما أمربه، والعمل بسنته، والحكم بقرآنه والإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليهوسلموادفع السيئة التي قد تصيبك من أحدبالحسنة، بأن تعفو عن المسيء، فلا تؤاخذه، وتصفح عنه بأن لا تعاقبه، ولاتهجره .
يجب علينا أن لا نرضابالمدح الزائد، والإطراء المبالغ فيه، والاكتفاء بما هو ثابت للعبد، وبما قام به منصفات الحق والفضل والخيرولا تنطق ببذاء ولا جفاء، ولا كلام فاحش ولومازحًا وتمسك بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى تدخل في قوله: إن منورائكم أيام الصبر، للمُتمسك فيهن بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم، قالوا: يا نبيالله أو منهم؟ قال: بل منكمفأكمل المؤمنين إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعظمهم اتباعا، له وأسعدهم بالاجتماع
- بحث أخلاق الرسول.docx (498.9 كيلوبايت, 845 مشاهدات)