البطالة مشكلة اقتصادية، كما هي مشكلة نفسية، واجتماعية، وأمنية، وسياسية،وجيل الشباب هو جيل العمل والإنتاج، لأنه في مرحلة الفتوة و القوة ، والطاقة ،والمهارة .
فالشاب يفكّر في بناء أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية ، من خلال العمل والإنتاج، خاصة أصحاب الكفاءات ، والخِرِّيجين الذين أمضوا شطر حياتهم في الدراسة والتعلم، واكتساب الخبراتالعملية.
و نجد مرة اخرى فئة كبيرة من الشباب تعاني من البطالة ، بسبب نقص التأهيل بسببغياب المؤهلات أو ضعفها، لتَدنِّي مستوى تعليمهم وإعدادهم من قبل حكوماتهم ، أوأولياء أمورهم.
وتؤكّد الإحصاءات أنَّ هناك عشرات الملايين من العاطلين عن العمل في كل أنحاءالعالم من جيل الشباب ، وبالتالي يعانون من مشاكل لا تعد و لا تحصى في حياتهم.
أضرار البطالة:
تؤكد لنا الإحصاءات العلمية أنَّ للبطالة آثارها السيئة على الصحة النفسية ،وعلىالصحة الجسدية ، فأصبحت طبقة العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات ، ويشعرونبالفشل ، وأنهم أقلُّ من غيرهم،
كما وُجِد أن نسبة منهم يسيطر عليهم الملل، وأنَّ يقظتهم العقلية والجسميةمنخفضة ، كما أن البطالة تُعيق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوافي مرحلة النمو النفسي.
كما وجد أن القلق والكآبة وعدم الاستقرار يزداد بين العاطلين، بل ويمتد هذاالتأثير النفسي على حالة الزوجات ، وأنَّ هذه الحالات النفسية تنعكس سلبياً علىالعلاقة بالزوجة والأبناء ، وتزايد المشاكل.
العائلية.
وعند الأشخاص الذين يفتقدون الوازع الديني، يقدم البعض منهم على شرب الخمور ،بل وَوُجد أن 69% ممّن يقدمون على الانتحار ، هم من العاطلين عن العمل ، ونتيجةللتوتر النفسي تزداد نسبة الجريمة ، كالقتل والاعتداء بين هؤلاء العاطلين.
ومن مشاكل البطالة أيضاً هي مشكلة الهجرة، وترك الأهل والأوطان التي لهاآثارها ونتائجها السلبية ، كما لها آثارها الإيجابية والسبب الأساس فيهذه المشاكل بين العاطلين عن العمل هو الافتقار إلى المال ، وعدم توفّره لِسَدالحاجة ، إن تعطيل الطاقة الجسدية بسبب الفراغ ، لا سيما بين الشباب الممتلئ طاقةوحيوية ، ولا يجد المجال لتصريف تلك الطاقة ، يؤدِّي إلى أن ترتدَّ عليه تلكالطاقة لتهدمه نفسياً ، مسببة له مشاكل كثيرة. .
وتتحول البطالة في كثير من بلدان العالم إلى مشاكل أساسية معقَّدة ، ربماأطاحت ببعض الحكومات ، فحالات التظاهر والعنف والانتقام توجَّه ضد الحكّام وأصحابرؤوس المال ، فهم المسؤولون في نظر العاطلين عن مشكلة البطالة.
الإسلام والبطالة:
وقد حلَّل الإسلام مشكلة الحاجة المادية والبطالة تحليلاً نفسياً ،كما حلَّلها تحليلاً مادياً .
فمنها ماروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله و سلم ) قوله: ( إنَّ النفسَ اذا أحرزت قُوَّتها استقرّت)
وهذا النص يكشف العلمية التحليلية للعلاقة بين الجانب النفسي منالإنسان وبين توفّر الحاجات المادية ، وأثرها في الاستقرار والطمأنينة ، وأنالحاجة والفقر يسببان الكآبة والقلق وعدم الاستقرار ، وما يستتبع ذلك من مشاكلصحية معقَّدة ، كأمراض الجهاز الهضمي ، والسكر ، وضغط الدم ، وآلام الجسم ، وغيرها .
والبطالة هي السبب الأوَّل في الفقر والحاجة والحرمان ، لذلك دعاالإسلام إلى العمل ، وكره البطالة والفراغ ، بل وأوجب العمل من أجل توفير الحاجاتالضرورية للفرد ، لإعالة من تجب إعالته.
العلاج:
ولكي يكافح الإسلام البطالة دعا إلى الاحتراف ، أي إلى تعلّم الحِرَف، كالتجارة ، والميكانيك ، والخياطة
وصناعة الأقمشة ، والزراعة ، وإلى آخره منالحِرف..فقد جاء في الحديث الشريف:)إنّ الله يُحبُّ المحترف الأمين).
ولقد وجَّه القرآن الكريمالأنظار إلى العمل والإنتاج ، وطلب الرزق ، فقال
): فَامْشُوافِيمَنَاكِبِهَاوَكُلُوامِنرِّزْقِهِوَإِلَ يْهِالنُّشُورُ(الملك 15 .
وقال أيضاً : )فَإِذَاقُضِيَتِالصَّلَاةُفَانتَشِرُوافِيالْأَرْضِ وَابْتَغُوامِنفَضْلِاللَّهِ (الجمعة 10 .
واعتبر الرسول الكريم ( صلىالله عليه وآله ) العمل كالجهاد في سبيل الله ، فقد روي عنه ( صلى الله عليه وآله) قوله : (الكَادُّعَلى عِيَاله كالمُجاهد في سَبيلِالله).
وروي عن الإمام علي( عليه السلام ) قوله: (إنَّالأشياءلما ازدَوَجَت، ازدوَجَالكسلُوالعجز،فنتجَبينهُما الفقر).
وفي التشديد على التحذير منالبطالة والكسل والفراغ ، نقرأ ما جاء في رواية الإمام الرضا عن أبيه الإمامالكاظم ( عليهما السلام ) ، قال: (قالَأبي لِبَعض وِلده:إيَّاكَوالكسل والضجر، فإنَّهما يمنعانك من حَظِّك في الدنيا والآخرة).
وقد جسَّد الأنبياء والأئمة( عليهم السلام ) والصالحون ( رضوان الله عليهم ) هذه المبادئ تجسيداً عملياً ،فكانوا يعملون في رعي الغنم ، والزراعة ، والتجارة ، والخياطة ، والنجارة.. .
إنَّ كل ذلك يوفّر لجيلالشباب وعياً لِقِيمَة العمل ، وفهماً عميقا لأخطار البطالة ، مما يدعوهم إلىتوفير الكفاية المادية ، والكرامة الشخصية بالعمل والإنتاج ، والابتعاد عن البطالةوالكسل .
ومن أولى مستلزمات العمل في عصرنا الحاضر ، هو التأهيل الحِرَفيوالمِهَني ، واكتساب الخبرات العملية ، فالعمل يملأ الفراغ ، وينقذ الشباب منالأزمات النفسية ، ويُلبِّي له طموحه في توفير السعادة ، وبناء المستقبل .
وكم تجني الأنظمة والحكومات لا سيما الدول الرأسمالية ، والشركاتالاحتكارية ، على أجيال الشباب في العالم الثالث ، باستيلائها على خيراته وثرواته، واشعال نيران الحروب والصراعات والفتن ، واستهلاك مئات المليارات بالتسليحوالاقتتال ، مما يستهلك ثروة هذه الشعوب ، ويضعها تحت وطأة البطالة والفقر ،والتخلف والحرمان .