التصنيفات
الصف العاشر

بحث عن عبدالله بن المبارك الصف العاشر

دولة الإمارات العربية المتحدة
وزارة التربية والتعليــــــــــــم
منطقة أم القيوين التعليميــــــة


المقدمة
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين .
}رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً { . الكهف الآية رقم (10)
قال الذهبي : في تذكرة الحفاظ عن ابن المبارك : ( والله إني لأحبه , وأرجو الخير بحبه : لما منحه الله من التقوى , و العبادة ,و الإخلاص , و الجهاد ,وسعة العلم ,و الإتقان, و المواساة , و الفتوة ,و الصفات الحميدة.
اسمه ونشأته : هو عبد الله بن المبارك بن واضح، الإمام، الحافظ، كان فقيهاً، عالماً، زاهداً، (ت:181). قال ابن معين: كان ثقةً عالماً متثبتاً صحيح الحديث.
نشأ عبد الله بن المبارك في سنة 118هـ بمدينة مرو كبرى مدن خرسان
طلبه للعلم رحل ابن المبارك رحمه اللهفي سبيل طلب العلم إلى جميع الأمصار فمن اليمن في أقصى الجنوب إلى الشام في أقصى الشمال إلى ما بين هذين القطرين من الحجاز والبصرة والكوفة ومصر . ويكفي أنه سافر من مرو إلى هارون بن المغيرة في بلاد الري من أجل سماع حديث واحد كما في الرحلة للخطيب . قال هارون : قدم علي ابن المبارك فجاء إلي وهو على الرحل فسألني عن هذا الحديث فحدثته . فقال : ما وضعت رحلي من مرو إلا لهذا الحديث .) وقال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول : كان ابن المبارك ربع الدنيا بالرحلة في طلب الحديث ، لم يدع اليمن ولا مصر ولا الشام ولا الجزيرة ولا البصرة ولا الكوفة . وقال أبو أسامة الحافظ : ما رأيت رجلاً أطلب للعلم في الآفاق من ابن المبارك .) وقال إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله : لم يكن في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه ، رحل إلى اليمن ومصر والشام والبصرة والكوفة ، وكان من رواة العلم ، وكان أهل ذاك ، كتب عن الصغار والكبار ، كتب عن عبد الرحمن بن مهدي وكتب عن الفزاري وجمع أمراً عظيماً . وعابه قوم على كثرة طلبه للحديث فقالوا له : إلى متى تسمع؟ فقال: إلى الممات.
كتاب الإمام الرباني الزاهد عبد الله بن المبارك الصفحة (5)

علمه وصفاته :
روي عن ابن المبارك أنه قال : ما أودعت قلبي شيئاً قط فخانني.
وعن نعيم بن حماد أنه سمع ابن المبارك يقول : قال لي أبي : لئن وجدت كتبك لأحرقنها ، فقلت : وما علي من ذلك وهو في صدري

وعن علي بن الحسن بن شقيق قمت مع ابن المبارك ليلة باردة ليخرج من المسجد فاذكرني عند الباب بحديث وذاكرته فما زال يذاكرني حتى جاء المؤذن فأذن للفجر
وحضر عبد الله بن المبارك عند حماد بن زيد مسلماً عليه ،فقال أصحاب الحديث لحماد بن زيد : يا أبا إسماعيل تسال أبا عبد الرحمن أن يحدثنا (يعنون ابن المبارك ) ؟؟ فقال : يا أبا عبد الرحمن تحدثهم ؟ فإنهم قد سألوني . قال : سبحان الله يا أبا إسماعيل أحدث وأنت حاضر ؟؟ قال : أقسمت عليك لتفعلن . فقال ابن المبارك : خذوا : حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد … وحدثهم مجلساً كاملاً ، فما حدث فيه بحرف إلا عن حماد بن زيد.
وأما تبحره في هذا الفن فحدث ولا حرج ، فعن فضالة التونسي قال : كنت أجالس أصحاب الحديث بالكوفة ، وكانوا إذا تشاجروا في الحديث قالوا : مروا بنا إلى هذا الطبيب ، حتى نسأله يعنون عبد الله بن المبارك.
وكان يحي بن آدم يقول : كنت إذا طلبت الدقيق من المسائل ، فلم أجده فيكتب ابن المبارك ، أيست منه.
وعن ابن عُلية قال : أخذ هارون الرشيد زنديقاً فأمر بضرب عنقه ، فقال له الزنديق : لم تضرب.
عنقي ؟ قال له : أريح العباد منك . قال : فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال له الرشيد : فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك. ينخلانها نخلاً فيخرجانها حرفاً حرفاً
كان ابن المبارك رجلاً متواضعاً للناس ، لا يري في نفسه الفضل على أحد . سئل ابن المبارك عن العجب فقال : أن ترى أن عندك شيئاً ليس عند غيرك . وسئل عن مسألة في المسجد الحرام فجعل يقول : مثلي يفتي في المسجد الحرام ؟؟ أو أنا أهل أن أفتي. في المسجد الحرام ؟؟
وكان يعجبه قول مالك بن دينار : لو منادياً ينادي بباب المسجد : ليخرج شركم رجلاً ، والله ما كان أحد يسبقني إلى الباب إلا رجل بفضل قوة أو سعي . ويكفي أيها الإخوة الكرام أن ابن المبارك هو القائل.
ويروى في شأنه وهو صغير انه ما كان يسمع شيئا إلا وقر في ذهنه وفي حافظه وساعده في ذلك ما كانت عليه أسرته وأبوه بصفة خاصة من ورع وزهد وتقوى وهو من أسرة متواضعة إذ كان أبوه يشتغل في بستان ويروي عن أبيه في هذا الشأن أنه كان يعمل في بستان لمولاه وأقام فيه زمان ثم جاءه مولاه وطلب منه رمانا حلوا فمضى إلى بعض الشجر وأحضر منه رمانا فكسره فوجده حامضا فجرد عليه وقال أطلب الحلو فتحضر لي الحامض؟ هات حلوا فمضى وقطع من شجرة أخرى فلما كسره وجده أيضا حامضا فاشتد جرده عليه وفعل ذلك دفعة ثالثة فقال له بعد ذلك: أنت ما تعرف الحلو من الحامض فقال لا فقال كيف ذلك؟ فقال لأنني ما أكلت منه شيئا حتى اعرفه فقال ولِمَ لَمْ تأكل؟ قال لأنك ما أذنت لي فكشف عن ذلك فوجد قوله حقا فعظم في عينه وزوجه ابنته
أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين وأنا شر منهم اتفقت جميع المصادر على أنه كان طلاّباً للعلم نادر المثال، رحل إلى جميع الأقطار التي كانت معروفة بالنشاط العلمي في عصره. فيه يقول عبد الرحمن بن أبي حاتم: «سمعت أبي يقول: كان ابن المبارك ربع الدنيا بالرحلة في طلب الحديث، لم يدع اليمن ولا مصر ولا الشام ولا الجزيرة والبصرة ولا الكوفة»، وقد شهد له أحمد بن حنبل بذلك أيضاً.
كان ابن المبارك يقول: «خصلتان من كانتا فيه نجا: الصدق، وحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم». وقد كان ينشد العلم حيث رآه ويأخذه حيث وجده، لا يمنعه من ذلك مانع، كتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وتجاوز ذلك حتى كتب العلم عمن هو أصغر منه. وقد روي أنه مات ابن له فعزاه مجوسي فقال: ينبغي للعاقل أن يفعل اليوم ما يفعله الجاهل بعد أسبوع. فقال بن المبارك : اكتبوا هذه.
بلغ به ولعه بكتابة العلم مبلغاً جعل الناس يعجبون منه، فقد قيل له مرة: كم تكتب؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد. وعابه قومه على كثرة طلبه للحديث فقالوا: إلى متى تسمع؟ فقال إلى الممات. وعمل على جمع أربعين حديثا وذلك تطبيقا للحديث النبوي القائل: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله تعالى يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء)نسأل الله أن يجمعنا به على خير. وتبقى جوانب كثيرة للاقتداء في حياة هذا الإمام. فمنها عبادته وورعه وخشيته لله تعالى لنرى فيه مصداق قوله تعالى:إنّما يخشى الله من عباده العلماء وهذا هو العلم النّافع، الذي يقود إلى خشية الله تعالى، ورحم الله ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ إذ يقول: "كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار بالله جهلاً".
قال القاسم بن محمّد: كنّا نسافر مع ابن المبارك فكثيرًا ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي: بأيّ شيءٍ فضّل علينا هذا الرجل حتى اشتهر في النّاس هذه الشهرة، إنْ كان يصلي إنّا لنصلي، ولئنْ كان يصوم إنّا لنصوم، وإنْ كان يغزو فإنّا لنغزو، وإنْ كان يحجّ إنّا لنحجّ، قال: فكنّا في بعض مسيرنا في طريق الشام نتعشى في بيتٍ إذ طفئ السراج، فقام بعضنا فأخذ السراج وأخذ يبحث عمّا يوقد به المصباح، فمكث هنيهة، ثمّ جاء بالسراج فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع فقلت في نفسي: بهذه الخشية فضّل هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار إلى الظلمة ذكر القيامة.
وقال سويد بن سعيد: رأيت ابن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى شربة ثمّ استقبل القبلة فقال: اللهمّ إنّ ابن أبي المنوال حدثنا عن محمّد بن المنكدر عن جابر عن النّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنّه قال: (ماء زمزم لما شرب له) وهذا أشربه لعطش يوم القيامة.
ومن كلامه رحمه الله: إنّ البصراء لا يؤمنون من أربع: ذنبٌ قد مضى لا يدري ما يصنع فيه الربّ عزّ وجلّ، وعمر قد بقي لا يدري ما فيه من الهلكة، وفضلٌ قد أعطي العبد لعله مكرٌ واستدراجٌ وضلالة قد زيّنت يراها هدى، وزيغ قلب ساعة فقد يسلب المرء دينه ولا يشعر.
من كتاب عبد الله بن المبارك إمام القدوة صفحة (25)
عبادته وتقواه:
كان رحمه الله كثير الصلاة والصيام ، ذو عبادة متواصلة في الليل والنهار قلما أن ترى العيون مثله.
قال نعيم بن حماد : ما رأيت أكبر اجتهاداً منه في العبادة.
وعن محمد بن أعين وكان صاحب ابن المبارك في الأسفار وكان كريماً عليه : كان ذات ليلة ونحن في غزاة الروم ، ذهب ليضع رأسه ليريني أنه ينام ، فقعدت أنا ورمحي في يدي قبضت عليه ، ووضعت رأسي على الرمح كأني أنام كذلك ، فظن أني قد نمت فقام فأخذ في صلاته ، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمقه ، فلما طلع الفجر جاء فأيقظني وظن أني نائم وقال : يا محمد ، فقلت إني لم أنم ، فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يكلمني ولا ينبسط إلى في شيء من غزاته كلها ، كأنه لم يعجبه ذلك مني لما فظنت له من العمل ، فلم أزل أعرفها فيه حتى مات ، ولم أر رجلاً قط أسر بالخير منه.
واسمعوا إلى هذه القصة التي هي أغرب من الخيال . فعن القاسم بن محمد قال : كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيراً ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي : بأي شيء فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر هذه الشهرة ؟؟ إن كان يصلي إنا نصلي ، وإن كان يصوم إنا نصوم ، وإن كان يغزو فإنا نغزو ، وإن كان يحج إنا نحج . قال : فكنا في بعض مسيرنا في طريق الشام ليلة نتعشى في بيت إذ طفئ السراج ، فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح ، فمكث هنيهة ثم جاء السراج ، فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع ، فقلت في نفسي : بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا . ولعله حين فقد السراج وصار في الظلمة ذكر القيامة .) وقال الإمام أحمد بن حنبل : ما رفعه الله إلا بخشية كانت له.
كتاب الإمام الرباني الزاهد عبد الله بن المبارك الصفحة (54)
أقواله :
قال في السلطان
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا ** منه بعروته الوثقى لمن دانا
الله يدفع بالسلطان معضلةً **عن ديننا رحمة منه ورضوانا
لولا الأئمة لم تؤمن لنا سُبل **وكان أضعفنا نهباً لأقوانا

وقال في مِسعر بن كدام
من كان ملتمساً جليساً صالحاً ** فليأت حلقة مِسعر بن كدامِ
فيها السكينة والوقار وأهلها ** أهل الوقار وعِليَةُ الأقوامِ

وله أيضاً
الصمت أزين بالفتى ** من منطق في غير حينه
والصدق أجمل بالفتى ** في القول عندي من يمينه
وعلى الفتى بوقاره ** سِمة تلوح على جبينه
فمن الذي يخفى عليك ** إذا نظرت إلى قرينه
رب امرئ متيقنٍ ** غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه ** فابتاع دنياه بدينه
من أشعار عبد الله بن المبارك الصفحة (78) من كتاب الإمام الرباني عبد الله بن المبارك .
حكمه و آدابه :
غريزة عقل قيل : فإن لم يكن سئل ابن المبارك : ما خير ما أعطي الإنسان ؟؟ قال : حسن أدب . قيل : فإن لم يكن ؟ قال : أخ شقيق يستشيره قيل : فإن لم يكن ؟ قال : صمت طويل قيل : فإن لم يكن ؟ قال : موت عاجل.
وقال أيضاً : على العاقل أن لا يستخف بثلاث : العلماء والسلطان والإخوان ، فإن من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ، ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه ، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته
وعنه : كم من حامل للقرآن والقرآن يلعنه من جوفه ، وإذا عصى حامل القرآن ربه ، ناداه القرآن من جوفه ، : والله ما لهذا حملت، إلا تستحي من ربك
وعنه أيضاً : ليكن عمدتكم الأثر ، وخذوا من الري ما يفسر لكم الحديث.
وقال أيضاً : في صحيح الحديث شُغل عن سقيمة. ميادين قراءة الرجل وبماذا يشتغل وعمن يتتلمذ فهو مع الصحابة والتابعين يدرس ويحفظ ويحلل أعمالهم وآثارهم وهو لا يستبعد كذلك آثار الأنبياء والأولياء والصالحين والحكماء، ومعنى ذلك أن الرجل كان مهتما بما كانت تمتلئ به الساحة العلمية في وقته من الإنتاج العلمي والفكري وبالأخص الحديث وروايته ولكن إذ كان الأمر في هذا القرن الأول الذي يعتبر «الثاني الهجري» الذي يعتبر مرحلة ازدهار علمي وفكري في العصر العباسي ففي هذه المرحلة بدأت الترجمة وبدأ نقل العلوم والفكر من لغات الأقوام الآخرين إلى اللغة العربية والرجل بمكانته العلمية لابد أن يكون مستعدا للجواب والمواجهة الفكرية والعلمية وكذلك كان فهو عالم متميز بكل معنى الكلمة. وقد كان لدى الرجل الاستعداد الفكري والعلمي ليأخذ المنحى الجديد في حياته وهذا الاستعداد الفطري يلتقي مع القصة التي رويت عن أبيه مع صاحب البستان أما الاستعداد العلمي فقد كان متوفرا عليه وكيف لا وقد قال في حقه الإمام احمد بن حنبل «لم يكن في زمان أبن المبارك أَطْلَبَ للعلم منه، رحل إلى اليمن والى مصر والى الشام والبصرة والكوفة وكان من رواة العلم وأهل ذلك كتب عن الصغار والكبار وجمع أمرا عظيما.
كتاب التاريخ الصغير الجزء (2) الصفحة (225).
جهاد ابن مبارك :
كان ابن المبارك من أكبر المجاهدين في سبيل الله ، وكان يضرب به المثل في الشجاعة والبطولة.
قال الذهبي: : فخر المجاهدين . وقال أيضاً : كان رأساً في الشجاعة
وعن عبد الله بن سنان قال : كنت مع ابن المبارك ومع المعتمر بن سليمان بطرسوس فصاح الناس : النفير ، فخرج ابن المبارك والناس ، فلما اصطف الناس خرج رومي ، فطلب البراز، فخرج إليه رجل ، فشد العلج عليه فقتله ، حتى قتل ستاً من المسلمين ، وجعل يتبختر بين الصفين يطلب المبارزة ، ولا يخرج إليه أحد ، فالتفت إلى ابن المبارك ، فقال : يا فلان ، إن قتلت فافعل كذا وكذا، ثم حرك دابته ، وبرز للعلج ، فعالج معه ساعة ، فقتل العلج ، وطلب المبارزة ، فبرز له علج آخر فقتله ، حتى قتل ستة علوج ، وطلب البراز ، فكأنهم كاعواعنه ، فضرب دابته ، وطرد بين الصفين ، ثم غاب ، فلم نشعر بشيء ، وإذا أنا به في الموضع الذي كان ، فقال لي : يا عبد الله لئن حدثت بهذا أحداً، وأنا حي ، فذكر كلمة . وكان ابن المبارك الزاهد مجاهدا في سبيل الله يتمتع بشجاعة نادرة وهي ما أشار إليه الذهبي في الكلمة التي افتتحنا بها هذا الحديث وروى في شأنه أنه كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم، فصادنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله؛ ثم دعا إلى البراز فخرج غليه فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم إليه الناس، فكنت فيمن ازدحم إليه فإذا هو يلثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال: «وأنت يا أبا عمر من يشنع علينا. ولقد كان ابن المبارك منغمسا في الجهاد إلى درجة أن كثيرا ممن كانوا يحبون أن يستمعوا منه كانوا يذهبون إليه فيجدونه في الغزو.
يقول أبو عبد الله: ذهبت لأسمع منه فلم أدركه، وكان قدم فخرج إلى الثغر فلم اسمع منه، ولم أره
ولقد ختم الله حياة ابن المبارك بالجهاد، فإنه قد أدركته الوفاة وهو عائد من الجهاد في شهر رمضان 181 هـ.وابن المبارك له آراء وحكم تروي وتحفظ بما تدل عليه من إدراك لمرامي الدين والحياة معا ومن حكمه قوله تعلمنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا، وهو لا يرى ضرورة الاعتكاف على حفظ الكتاب المبين دون التزود من العلوم والمعارف ولهذا روى عنه انه قال: إذا تعلم أحدكم من القرآن ما يقيم به صلاته فليشتغل بالعلم فإن به تعرف معاني القرآن..»
كرامته :
قال الحسن بن عيسى : كان مجاب الدعوة.
وقال أبو وهب : مر عبد الله برجل أعمي فقال : أسألك أن تدعو لي فدعا فرد الله بصر ه وأنا أنظر.
ثناء العلماء عليه:
قال سفيان الثوري وهو شيخه
إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة واحدة مثل عبد الله بن المبارك فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام.
الثوري أيضاً : ابن المبارك عالم أهل المشرق وأهل المغرب
وعن ابن عيينة : ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما
وقال عبد الرحمن بن مهدي : ما رأيت مثل ابن المبارك ، فقيل له : ولا سفيان ولا شعبة ، فقال : ولا سفيان ولا شعبة.
وقال أبو إسحاق الفزاري : ابن المبارك إمام المسلمين.
وعن أبي أسامة الحافظ : كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس.
وقال إسماعيل بن عياش : ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك ، ولا أعلم أن الله خلق خلصه من خصال الخير إلا وقد جعلها فيه.
قال الحسن عيسى : اجتمع أصحاب الحديث فقالوا : تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير ، فقالوا : جمع العلم ، والفقه والأدب ، والنحو ، واللغة ، والزهد ، والشعر ، والفصاحة ، والورع و الإنصاف ، وقيام الليل والعبادة ، والحج والغزو ، والشجاعة والفروسية ، والشدة في بدنه ، وترك الكلام فيما لا يعنيه ، وقلة الخلاف على أصحابه.
وقال النسائي : لا نعلم في عصر ابن المبارك أجل من ابن المبارك ولا أعلى منه ولا أجمع لكل خصلة محمودة منه.
وقال مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي في العبر : الإمام العلم الفقيه ، الحافظ الزاهد ، ذو المناقب . كان رأساً في الذكاء ، رأساً في الشجاعة والجهاد ، رأساً في. الكرم
وقال الذهبي أيضاً : الإمام الحافظ العلامة ، شيخ الإسلام فخر المجاهدين ، قدوة الزاهدين ، صاحب التصانيف النافعة.
وقال أيضاً رحمه الله : والله إني لأحبه في الله وأرجو الخير بحبه لما منحه الله من التقوى والعبادة و الإخلاص والجهاد وسعة العلم والإتقان والمواساة والفتوة والصفات الحميدة .
من كتاب ابن المبارك الزاهد من صفحة (12)

وفاته:
توفي ابن المبارك رحمه الله في بلدة هِيت ودفن فيها وذلك في سنة 118هـ ، وله من العمر ثلاث وستون سنة . وروي أنه لما بلغ الرشيد موت ابن المبارك قال : مات سيد العلماء ، ثم جلس للعزاء وأمر الأعيان أن يعزوه في ابن المبارك. وعن عبد الرحمن بن عبيد الله يقول: كنا عند الفضيل بن عياض فجاء فتى في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة، فنعى إليه ابن المبارك، فقال فضيل: "إنا لله وإنا إليه راجعون، أما إنه ما خلف بعده مثله.".

ما رآه الناس عليه بعد وفاته :
زكريا بن عدي : رأيت ابن المبارك في النوم فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر قال لي برحلتي في الحديث
وعن صخر بن راشد قال : رأيت عبد الله بن المبارك في منامي بعد موته ، فقلت : أليس قد مت ؟؟ قال : بلى ، قلت : فما صنع بك ربك ؟؟ قال : غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب.
وعن محمد بن يوسف الفريابي قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقد مر به سفيان الثوري ، قلت : يا رسول الله مات مِسعر بن كدام . قال : نعم وتباشر بروحه أهل السماء . قلت : يا رسول الله ما فعل حماد بن سلمه ؟؟ قال : مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . قلت : يا رسول ما فعل حماد بن زيد ؟ قال : مع المقربين . قلت : يا رسول الله ما فعل عبد الله بن المبارك ؟ فقال : هيهات هيهات !! ذاك أرفع من هؤلاء.
ورحم الله بعض الفضلاء إذ يقول:
مررت بقبر ابن المبارك غـدوة ** فأوسعني وعظا وليس بنـاطق
وقد كنت بالعلم الذي في جوانحي ** غنيا وبالشيب الذي في مفـارقي
ولكن أرى الذكرى تنبـه عاقـلا ** إذا هي جاءت من رجال الحقائق
من كتاب الشعراء العرب القدماء الصفحة (102)

الخاتمة : هذا هو العالم العابد الزاهد المجتهد عبد الله بن المبارك الذي حين وافته المنية واشتدت عليه سكرات الموت أفاق ورفع الغطاء عن وجهه وابتسم قائلا : لمثل هذا فليعمل العاملون لا إله إلا الله ثم فاضت روحه
فرحمة الله و رضي عنه وما أصدق قول الشاعر فيه
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة ، وهم بعد الممات جمال الكتب و السير و أرجو أن تتفقهوا بالعلم كما فعل عبد الله بن المبارك رحمه الله وآمل أن تأخذوا عبرة من سيرة عبد الله بن المبارك و ارجوا أن تتصفوا بصفاته الحميدة .
المصادر و المراجع :
كتاب الإمام الرباني الزاهد عبد الله بن مبارك للمؤلف عبد الحليم محمود , دار المعارف سنة الطبع 1995_4897 هجري
كتاب {الزهد} للمؤلف عبد الله بن المبارك المروزي , دار الكتب العلمية , مكان النشر بيروت ,سنة الطبع 1443-2017
موقع : http://www.uae7.com معهد الإمارات التعليمي .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *