التصنيفات
الصف الحادي عشر

بحث تقرير الطب عند العرب للصف الحادي عشر

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

تاريخ الطب عند العرب

كان المؤرخون يذكرون الأطباء عرضاً في كتاباتهم(1) كما فعل ابن الأثير وابن خلكان وابن النديم والمالكي والمسعودي. ولايمكننا أن نعتبر كتاب حنين بن إسحق نوادرالفلاسفة تأريخاً للطب، فهو مترجم عن كتاب يحيى النحوي، ويحتوي على نوادر وأقوال عن حكماء وفلاسفة اليونان. كذلك هي حال الكتب اليونانية التي سبقت العرب.

وباستطاعتي القول إن تاريخ الطب والأطباء كان من ابتكار العرب. فلم يعرف التاريخ مؤلفات على هذا المنوال مكرسة كلها للأطباء. وأبرز وأشهر كتب تاريخ الطب العربي ثلاثة:

ــ كتاب عيون الأنباء في طبقات(2) الأطباء، لأبن أبي أصيبعة.

ــ وكتاب تاريخ الحكماء، لجمال الدين بن القفطي.

ــ وكتاب طبقات الأطباء والحكماء، لابن جلجل الأندلسي.

إلى جانب أدب الطبيب للزهاوي، وأخبار الأطباء لابن الدايه، وسير الحكماء للرازي، وبستان الأطباء لابن المطران.

ابن أبي أصيبعة : (1269 ـ 1303م).

هو موفق الدين أبو العباس أحمد بن سديد الدين القاسم السعدي الخزرجي. كان سليل عائلة اشتهر عدد من رجالها بالعلم والطب بشكل خاص.

فقد كان جده من أتباع صلاح الدين الأيوبي، ثم التحق بصاحب حلب. ورزق بولدين أحدهما سديد الدين وهو الأكبر ووالد موفق الدين، صاحب كتاب عيون الأنباء والثاني رشيد الدين.

وقد اهتم الولدان بدراسة الطب، خاصة وأن سوريا ومصر عرفتا في عهد الأيوبيين نشاطاً وتقدماً ملحوظاً. وقد اهتم سديد الدين بالكحالة وبرع فيها، حتى عين رئيساً للكحالين في دمشق.

أما رشيد الدين فقد هاجر إلى القاهرة عاد إلى دمشق ومات فيها. وكان كثير الثقافة، متعدد المواهب، كما تشهد بذلك مؤلفاته، إذ عالج فيها الطب والحساب ومنها كتاب مقالة في نسب النبض وموازنته إلى الحركات الموسيقاريه، كما جاء في كتاب العيون.

أما موفق الدين(3)، وهو المعروف بابن أبي اصيبعة فقد ولد في دمشق، وتوفي في صلخد في حوران في جنوب سوريا بعد أن بلغ من العمر عتياً. درس في البيمارستان النوري الذي كان في ذلك الحين مدرسة طبية مشهورة. وفي المدرسة الدخوارية التي كان صاحبها مهذب الدين الدخوار، وكان من أساتذته أيضاً : رضي الدين الرحبي، وسديد الدين أبي الفضل داود بن أبي البيان الإسرائيلي صاحب كتاب دستور المارستان وهو من أشهر الأقراباذينات، وابن البيطار، وشمس الدين الكلي، وعمران بن صدقة. وكان من زملائه ابن النفيس.

درس في البيمارستان الناصري في القاهرة، وتخصص في الكحالة. كما فعل والده. ويبدو أن الأمير عز الدين أيبك المعظمي، صاحب صلخد قد استدعاه ليكون طبيبه الخاص، ففعل.

وكانت له مواهب أدبية إذ كان يقرض الشعر وله قصيدة في مديح الوزير بن غزال الذي أهدى كتابه إليه ومنها قوله :

وقد أرسلت تأليفي ليبقى اسمك لا تغيره الدهور

فريد ما سبقت إليه قدما ومولانا بذاك هو الخبير

ولكن في علومك فهو يهدى كما تهدى إلى هجر القصور

وحاشا أبكار المعالي إذا زفت إلى المولى تبور

وإن تك زلة أديت فيها فمن أمثالها أنت الغفور

وكتابه هو الأوسع والأفصل والأهم والأكمل، خاصة بالنسبة لأطباء عصره وزمانه. ويتألف الكتاب من خمسة عشر باباً. ولقد قسم الأطباء حسب بلادهم الأصلية. فالعراقيون لهم فصل والهنود والسريان واليونانيون… إلخ.

ولقد طبع الكتب أول مرة في مصر في القاهرة عام 1882م، بتحقيق المستشرق الألماني أوغست موللر AUGUST MULLER، ثم نشر عام 1884 باللغة الألمانية.

ثم طبع الكتاب بالعربية في بيروت عن دار الحياة، عام 1965م بتحقيق الدكتور رضا. ولنا على هذه الطبعة مآخذ كثيرة، خاصة بالنسبة للفهارس.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن المستشرق الفرنسي الكبير لو كلير(4) اعتمد عليه اعتمادا كلياًً، وكذلك فعل المستشرق الألماني ويستنفلد … وغيرهما.

ولقد نشر الدكتور أحمد عيسى بك (5) (1876 ـ 1946) كتاباً أسماه ذيل العيون قصد به إكمال سير الأطباء الذين جاؤوا بعد ابن أبي أصيبعة، ابتداء من عام 1252م. ولقد قدم فيه سيرة حوالي تسعمائة طبيب، وصدر عام 1924م، ويقع في خمسمائة صفحة ونيف(6).

أما صاحب العيون فلم ينس أحداً ممن أخذ العرب عنهم الطب، وذكر ما استطاع أن يحصل عليه من معلومات. وتلك موضوعية قل أن تجدها اليوم في كتابات الغربيين، بل حتى في كتابات بعض المشارقة.

لم يغمط مؤلفنا كل من سبقوه. وذكر سيرة أكثر من أربعمائة طبيب.

لقد احترم العرب كل من سبقهم من الأطباء، ولم ينسوا فضلهم. وأطلقوا على جالينوس وأبقراط لقب الفاضلين رغم أنهما كانا وثنيين. الشيء الذي يندر أن نراه في كتب الغربيين حتى في هذا الزمان.

لقد أراد المؤلف، عن حق، أن يكون كتابه جامعاً، لذا أخذ عن كتاب ابن جلجل، مقتطفات من بعض الكتب ذاكراً مصدرها ليؤكد آراءه.

ولابد أنه أمضى وقتاً طويلاً حتى استطاع أن يقوم بعمل كهذا، خاصة وأن وسائل الاتصال كانت صعبة جداً وبطيئة في ذلك الزمان.

ومما يؤخذ عليه غياب سيرة ابن النفيس، زميله وابن بلده.

ويعتقد كل المؤرخين العرب أن المسألة محلولة، إذ وجد الدكتور يوسف العش نسخة من الكتاب في المكتبة الظاهرية بدمشق حيث توجد سيرة العالم الدمشقي الكبير، فقالوا إنه لم تعد ثمة مشكلة.

ولكنني شخصياً لم أقتنع حتى الآن بهذا الحل للأسباب التالية:

1. أولاً : إن هذه الورقة مكتوبة بخط مغاير.

2. إن هذه الورقة حيث تقرأ سيرة ابن النفيس ذات بنية مخالفة.

3. أما الأسباب الحقيقية في اعتقادي فهي أن ابن النفيس كان غير معروف الأصل، فنحن لانعرف عنه شيئاً. بينما يعلمنا صاحب العيون عن والده، وعن أبيه وأخيه. كما أننا نعرف أنه ذهب إلى مصر كما فعل ابن النفيس، ولكنه فشل! ولم يصل إلى المكانة التي تبوأها العبقري ابن النفيس. فاضطر إلى العودة إلى سوريا، وقنع بأن يكون طبيب أمير صغير في منطقة غير هامة (صلخد).كل هذه الأسباب في رأيي جعلته يتجاهل وجود زميله فلم يذكره إطلاقاً.

كل هذه الأسباب جعلت المؤرخ العربي يتجاهل وجود زميله، ولا يذكره إطلاقاً، وهي طريقة معروفة ومستعملة بكل أسف من قبل الكثيرين من أدعياء العلم في البلدان المتخلفة، إذ يكفي أن يظهر إنسان جيد حتى يقوم الجميع بكل المحاولات لقتله فكرياً وعلمياً، فلا مكان في هذه البلاد إلا للأدعياء.

وهذا هو السببب الحقيقي لهجرة السوريين إلى مصر، منذ أيام ابن النفيس حتى الكواكبي وأبي خليل القباني وهلم جرا.

وإذا كان ابن أبي أصيبعة قد اكتفى بتجاهل إبن النفيس، فإن ابن القفطي (وهو مصري الأصل، سوري الإقامة والعمل) في كتابه تاريخ الحكماء لم ينصف ابن بلده علي بن رضوان؛ إذ قال عنه : >قرأ شيئاً من الطب، وشيئاً من المنطق، وكان من المغلقين لا من المحققين ولم يكن حسن المنظر والهيئة<.

ابن جلجل

هو داود سليمان بن حسان، من أهل قرطبة في الأندلس. ويقال إنه درس الطب وأنهى دراسته وهو ابن أربعة عشر سنة.

وهو كلام مبالغ فيه؛ فإذا قلنا إن الطب يتطلب ثلاث سنوات من الدراسة، فمعنى هذا أن ابن جلجل كان عمره إحدى عشر سنة عندما بدأ دراسة الطب. فهل من المعقول أن يقبل طبيب أستاذاً طالباً في الطب، حتى في ذلك الزمان، وعمره قد جاوز العشر سنوات بقليل؟(7).

وربما تقبلنا هذه الفكرة لو كان ابن جلجل طبيباً ابن طبيب أو كان يعيش في جو عائلي طبي محض. ولكن الذي نعرفه عنه أنه لم يكن كذلك… لذا فإني أظن أن في هذا العمر مبالغة كبيرة. ولربما كان من الأشخاص الذين يوهمون بصغر السن. لذا فقد استغل هو أو مريدوه الأمر فبالغوا في تصغيره.

ويبدو أنه كان يحب تحصيل العلوم، كما كان شأن معظم الأطباء في عصره. لذا فقد اهتم بالنحو، وعلوم اللغة العربية، وليس هذا بالمستبعد خاصة وأن العلوم الطبية في ذلك الزمان كانت محدودة نسبياً.

اشتهر أيام المؤيد بالله هشام، فكان طبيبه الخاص. ألف كتباً كثيرة منها: كتاب تفسير أسماء الأدوية المفردة، كتاب طبقات الأطباء والحكماء، ومقالة في ذكر الأدوية التي لم يذكرها ديسقوريدس، ومقالة في أدوية للترياق، ورسالة في التبيين فيما غلط فيه بعض المتطببين.

والمقالة الأخيرة، كما يبدو لي من عنوانها، فيها بعض الغرور والادعاء الذي نلمسه عند بعض الأطباء القدامى أمثال جالينوس وابن رضوان.. وغيرهما. فبدل نقد القدامي الكبار نقداً علمياً تراهم يهاجمون أطباء عصرهم ويركزون حملتهم على الضعفاء والبسطاء منهم.

اعتمد ابن جلجل في كتابه الطبقات على مصدرين : كتابات من سبقه ككتاب الألوف لأبي معشر، وكتاب هروشيش صاحب القصص وغيرهما، وكذلك على الأخبار التي وصلته بالسمع.

ونجد في الكتاب سرداً لقصص طبية صعبة التصديق ولا يمكن لها أن تثبت أمام النقد العلمي، أمثال قصة البيرودي، وقصة الشاب الذي راهن على أكل لحم الفرس المسلوق، وتراه يعيد ذلك مرات عديدة، وكل مرة بشكل مختلف. فتارة أكل الشاب لحم فرس وتارة أخرى أرطالاً من الجزر… إلخ. وأعتقد أنها طرائف وقصص لطيفة لكنها لا تمت إلى العلم الصحيح بصلة قطعاً.

إن دفاع هؤلاء عن السلف بشكل أعمى أساء ويسىء دوماً وأبداً اليهم. فلم يكن ابن أبي أصيبعة كاملاً لأن الكمال لله وحده، وعلينا أن ننظر إليه وإلى غيره كما كان ينظر الرازي وابن البيطار وغيرهم إلى كتابات اليونان. أضرب مثلاًِ بالملاسنة التي جرت بين ابن بطلان الطبيب المسيحي، وابن رضوان الطبيب المسلم. كان موقف ابن الفقطي مع ابن بطلان ضد ابن رضوان. فلقد كرس صفحات طويلة في كتابه لابن بطلان بل ونشر له نص رسالتيه، كرس الصفحة الأخيرة من كتابه لسيرة ابن رضوان.

إلا أنه يجب الاعتراف بأن إبن أبي أصبيعه كان أكثر تهذيباً فيما يخص ابن رضوان وابن بطلان، ربما لأن ابن النفيس كان لا يزال على قيد الحياة، وكان يتمتع بسمعة قل أن حصل عليها طبيب.

ونجد في كتاب ابن أبي أصبيعه التهويل نفسه والمبالغة نفسها التي نجدها في كتابات الكثيرين من أدعياء العلم والموضوعية العلمية.

فلا زلت أذكر كيف أن أحدهم، في محاضره ألقاها عشرات المرات، وكان ذلك في مؤتمر عربي فبالغ حتى جعل من ابن النفيس مثالاً للجمال الجسماني فضحك الحضور منه. كما لو كنا نهتم بهذا العالم الكبير بسبب جماله. والواقع أن المبالغة هذه توجد حتى في المدائح النبوية. ويخيل للمرء أحياناً، لدى سماعه لهذا النوع من المدائح، أن النبي الكريم (ص) كان رجلاً شديد الجمال، بل وكأن الشاعر المداح يتكلم عن محبوبه.

وأهمية الكتاب أنه الوحيد الذي يتكلم عن أطباء الأندلس خاصة في زمانه وعصره.

ويقسم المؤلف الأطباء إلى تسع طبقات. وهذا التصنيف مبني على جنسية الطبيب ودينه، وهو الشيء الذي لا نجده عند ابن أصيبعة، فهو يصنف الأطباء حسب البلد الذي ينتسبون إليه بغض النظر عن الدين والمذهب. وهذه نقطة ضعف بالنسبة لابن جلجل.

جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي (568 هجرية 1172 / ميلادية)

ينتمي جمال الدين إلى عائلة كريمة من مدينة قفط في مصر. اضطر أبوه إلى هجرتها بسبب الضغوط السياسية التي تعرض لها خلال الحكم الفاطمي.

لم يدرس الطب بل القرآن و العلوم الشرعية وعلوم اللغة والفلك والحساب والمنطق والتاريخ، وذهب بعدها إلى القدس خلال حكم صلاح الدين الأيوبي، وكان ذلك حوالي عام 595 هجرية / 1198 ميلادية. وتنقل بين اليمن ودمشق ثم استقر في حلب حيث استطاع أن يصل إلى مرتبة رئيس ديوان السلطان بفضل دعم ضابط مصري متنفذ. وأصبح قاضياً ولقب بالأكرم، واستلم منصب وزير الخزينة ثم ترك العمل وكرس نفسه للدراسة والعلم.

ويعرفه المستشرق الألماني أ. موللر(8) بقوله :" يبدو القفطي في فلسفته موضوعياً، في أكثر النقاط التي يعالجها، ذو ثقافة واسعة، يدافع عن الدين الإسلامي. كان واقعياً، واسع الأفق متسامحاً، فقد كان اليهودي أبو الحجاج بن يحيى السبتي من أعز أصدقائه. وعندما لجأ ياقوت الحموي إلى حلب هرباً من المغول استضافه القفطي وأحسن إليه، وربما كتب كتابه الشهير" إخبار العلماء بأخبار الحكماء" تحت تأثير ياقوت.

ويبدو أن سبب اختفاء كتب القفطي هو هجوم التتر على حلب وتدميرها بما فيها مكتباتها. ويقول لوكلير : " وكان يحب العلماء، ويحب المساهمة في مناقشاتهم لذا لم يلبث أن أصبح عالماً هو نفسه، بسبب دراساته الجدية، ووجد في حلب رجلاً ذكياً، كانا يتعاونان سوية لتحقيق الأهداف نفسها، فجعل منه صديقاً له. نريد الإشارة إلى أبي الحجاج يوسف السبتي، الذي كان طبيب الأمير، ثم أصبح طبيب الملك الظاهر. توفي يوسف السبتي في حلب عام 1226م، فكتب جمال الدين سيرته. وهنا يذكر كيف أنه اتفق مع صديقه أن يتزاورا حتى بعد الموت وعندما توفي الأمير ميمون، عاش جمال الدين معتكفاً. ولكن الملك الظاهر ضمه إلى حاشيته، وعندما توفي الملك الظاهر عام 1216م عاد جمال الدين إلى الاعتكاف والوحدة، هارباً من العالم، مطلقاً لنفسه العنان في القراءة .

وفي عام (623 هجرية/1248 ميلادية) استدعاه الملك العزيز ونصبه وزيراً، لأن سلطنة حلب التي تشكلت بعد انفراط عقد دولة صلاح الدين، وصلت إلى ابنه الملك الظاهر غازي.

والذي يميز جمال الدين ويجعل منه نموذجاً خاصاً، هو غرامه بالكتب والعلم الذي يمتح منها.

وكان رجلاً وقوراً، ذا عادات محترمة، لم يتزوج. كان جمال الدين، أشهر عاشق للكتب يمكن أن نذكره من بين العرب. وقد جمع منها من كل جانب، بل جمع منها كمية بحيث أن مكتبته عندما أوصى بها للملك الناصر، قدرت بخمسين ألف دينار. وقد توصل إلى جمع ألوف المجلدات التي كانت كلها من أفضل ما نسخه الوراقون، أو كانت لمشاهير العلماء، أو كانت بخط المؤلفين أنفسهم. وكان كلما أحضرت له نسخة جميلة، يعرض دوماً سعراً مرتفعاً يرضي صاحبها، وعندما يشتري كتاباً كان يقرؤه كله، ثم يضعه في مكتبته، ومنذ ذلك الحين لا يتركه يخرج من عنده، ولا يعرضه على إنسان، وسنرى كيف أن غرامه للكتب أفاد العلوم أيضاً.

انصبت دراسته على علم الكلام، والنحو، وعلوم القرآن، والمنطق، والفلك، والرياضيات والتاريخ. ولقد اهتم بالطب أيضاً، ومهما يكن الأمر، فهو يهمنا بسبب فهرسته وسير الحكماء والأطباء التي ذكرها. وهي موضوع كتاب أخذنا عنه الكثير. وهو" كتاب تاريخ الحكماء". ونعتقد أنه الكتاب نفسه الذي ذكره الصفدي في فهرسته تحت اسم : " معلومات عن العلماء ومؤلفاتهم،" فهذا العنوان يوحي بمضمون الكتاب، كما أننا نجده أيضاً في كتب أخرى مع بعض التحريفات الطفيفة. كان الغزيري أول من ألقى الضوء على هذا الكتاب تحت عنوان " المكتبة الفلسفية". وقد أخذ عنه الملاحظات المتعلقة بمؤلفي كتب الأسكوريال. ولكنه لم يكن يعرف المؤلف، ومن المدهش أنه لا هو ولا غيره لم يتعرفوا عليه، وخلال فترة طويلة، من كتابات أبي الفرج الذي أخذ عنه الكثير، والذي يتحدث عنه مرات عديدة، بل ويخصص له مقالاً تأبينياً. وليست لدينا النسخة الأصلية للكتاب، أو بالأحرى مختصرات، لأنه مكتوب بأيدٍ مختلفة، ولهذا فقد بدا وكأنه مؤلف الكتاب، ويشترك في هذا الخطأ عدد من مشاهير المستشرقين، حسبما ذكر فليشر في طبعة أبي الفداء، و نريش في دراسته عن الترجمات دون الإشارة إلى موتك.

ومن نافل القول إنه من الهام البحث عن هوية الكتاب مرة أخرى لأنه يحتوي علـى ملاحظات حول حياة وكتابات أكثر من ثلاثمائة عالم من القدماء ومن المحدثين.

أما الكتاب الموجود بين أيدينا والمطبوع في لا يبزيع عام 1903فعليه الكثير من المآخذ؛ إذ لا نجد فيه ذكراً لابن الجزار ولا للرحبي ولا للبغدادي.

كما أن بعض الأحكام فيه تبدو غريبة ومتناقضة، مما جعل بعض المؤرخين يتهمون القفطي بالتحامل، والغرض، والحكم بشكل عاطفي اعتباطي، وهذا كله صحيح.

والكتاب منظم ومرتب حسب الأحرف الأبجدية، فيبدأ باسم إدريس وينتهي باسم يزيد، ثم يبدأ بتريتب آخر حسب " الكنى". وهكذا تراه يبدأ بابن أبي رمثة وينتهي بابن رضوان المصري. ويحتوي على أكثر من أربعمائه اسم.

وكنا قد أشرنا إلى التناقض الموجود في الكتاب، وإلى بعض أحكامه التي لا تتطابق مع الواقع. ويبدو أن الكتاب الذي وصلنا ليس الكتاب الأصلي بل مختصر عنه قام به الزوزني.

——————————————————————————–

(1) لم يذكر الشيخ راغب الطباخ في كتابه عن حلب ورجالاتها طبيباً واحداً، ويحق لنا أن نتساءل ألم يكن في عهده أطباء في حلب؟!.

(2) ليس المقصود بكلمة طبقات المعنى الذي نفهمه اليوم، بل يعني بكل بساطة، أجيال الأطباء.

(3) عانوتي : أسامة ـ روائع التراث العربي، بيروت، الأهلية للنشر، 1978، ص 97 و 137.

(4) LECLERC : Dr Lucien – Histoire de la Médecine Arabe- 1878, t. 2, pp. 187-193.

(5) عيسى بك : أحمد ـ معجم الأطباء ـ كلية الطب، جامعة فؤادالأول، القاهرة، 1924م.

(6) ترك لنا الدكتور إسحق الكيالي رحمه الله كتاباً مخطوطاً عن الطب والأطباء في حلب الشهباء، ويقوم ابنه الدكتور سعد الكيالي بمحاولة نشره.

(7) قد يعترض قائل فيذكرني بأن موزارت ألف سمفونيات وهو أصغر سناً من ابن جلجل، وأقول إن موزارت ترك لنا البرهان الدامغ على عبقريته، أما ابن جلجل فلم يترك من الكتب سوى الضحل.

(8) موللر: ــ تاريخ الحكماء، وهو مختصر الزوزني المسمى بالمنتخبات الملتقطات من كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء، لجمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي، لايبزيغ، 1903، ص 6.

م/ن للفائده ..

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *