التصنيفات
الصف الثاني عشر

الاسطورة في الشعر للصف الثاني عشر

الأسطورة في الشعر والفكر
د. محمد عبدالرحمن يونس
١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٣

توظيف الأسطورة في النص الشعري العربي المعاصر مسألة في غاية الأهمية، فما من شاعر عربي معاصر معروف الا ووظف الاسطورة في اعماله. انها تشكل نظاما خاصا داخل بنية الخطاب الشعري العربي المعاصر، وقد يبدو هذا النظام عصياً على الضبط والتحديد، وذلك لضبابية الرؤية المراد طرحها، ولكثافة الاسطورة نفسها، غموضا وتداخلا مع ظواهر اخرى وعندما نستحضر الاسطورة، فإننا نستحضر التاريخ متداخلا مع الميثولوجيا والخرافة، ولذا فإنه يصعب علينا تلمس اوجهها كاملة، وذلك لتناصها مع الحقول المعرفية الاخرى، التاريخية والميثولوجية والسحرية والخرافية. فهل الاسطورة هي الخرافة ام هي التاريخ، ام هي الفلكلور، ام هي جزء لا يتجزأ من اثنولوجيا وصفية، لا تزال بوصفها بنية معرفية عميقة تتعلق بمعتقدات الشعوب وروحانياتها واعرافها وتقاليدها، تفعل فعلها في تاريخنا المعاصر؟ انها مزيج من هذا وذاك، ومع ذلك تبقى عصية على الضبط والتحديد، لانها رؤية متنامية متشعبة في بنية الزمان التار! يخي، والمكان الاثنوجرافي. وقليلون هم النقاد والباحثون الذين استطاعوا ضبط مصطلح الاسطورة ضبطا دقيقا، ولذا نلاحظ غموض النصوص النقدية التي تناولت هذا المصطلح، بحيث لا يعادل غموضها الا غموض النص الابداعي نفسه.
تصبح الاسطورة احياناً تاريخا وخرافة، وتداخلها مع الخرافة يزيدها تعمية وغموضا، والتاريخ نفسه يصبح لدى جيل من الاجيال اسطورة، فشخصية الحلاج وشخصية الحسين بن علي، والمسيح بن مريم، شخصيات تاريخية لكن بعدها الانساني، ومدى تأثيرها في الفكر العربي لا يزال يفعل فعله بشكل اسطوري يفوق حد التخيل.
وبغض النظر عن كون شخصيتي شهر زاد وشهريار من التاريخ او الاسطورة فانهما يبقيان في بنيتهما العامة جزءاً من السحر والاسطورة والخرافة والتاريخ، والميثولوجيا والفكر والفن في آن. سيف بن ذي يزن، وضاح اليمن، بلقيس، عمرو بن عامر مزيقا، شخصيات تاريخية يمنية أثرت في تاريخ اليمن لحقبة طويلة، ولا تزال تؤثر في بنية الحياة المعاصرة على مستوى الفن والادب، فهي تشكل رؤية جمالية، وظفها الخطاب الشعري العربي المعاصر، وكذلك القصة والرواية، ولم يقتصر تأثيرها على أدباء ومثقفي اليمن، بل تجاوز هذا التأثير حدود اليمن الجغرافية ليشمل أدباء آخرين من لبنان وسوريا والعراق والخليج وتونس والجزائر ومصر، والامثلة على ذلك كثيرة جداً.
وتاريخياً كانت الاسطورة هي الملاذ الأول للإنسان للانتصار على خيباته ولتخطي فواجعه، وسياسيا كانت محاولة لخلق بديل جديد، أكثر اشراقا وجمالا، انها البؤرة التي يرى منها الانسان العربي النور والفرح، لانها تشكل له حالة توازن نفسي مع محيطه ومجتمعه، فبواسطتها تتم عملية الحلم والتخيل والاستذكار. وبالرغم من التحليلات الاجتماعية والفكرية التي تؤكد أن اللجوء إلى الفكر الأسطوري هو هروب من مواجهة الواقع، وهو دعوة لسيادة الظلم، ودعوة إلى الغاء العقل: «فالفكر الاسطوري القائم على اساس غيبي ـ لا عقلاني.. له منطقه المختلف تماماً عن منطق الفكر الموضوعي. والاسطورة المكونة لهذا الفكر تنزع دائما إلى اضفاء صفات قدسية غامضة على مواضيعها واشيائها، واشخاصها، ولا مشاحة ان الاسطورة لها عمليا مستلزمات غيبية تستند اليها في الواقع، وتنعكس بواسطتها على المجتمع وعلى السلوك السياسي ـ الطبقي فيه.
فالوسائل المتولدة من جراء الاسطورة أو المولدة لبعضها، تتحول في المجتمع إلى أدوات اضافية للسيطرة ـ ملكية طب! قة محددة لوسائل الممارسة الاسطورية، اذا جاز التعبير والافتراض» وهو تكريس للعبودية الاجتماعية التي تعتمد عليها الطبقات السياسية ضمانا لاستمرار سلطتها، فـ «الفكر الاسطوري اذ يقدم للإنسان مثالاً عن ارادة القوة الغيبية، يضعه في نفس الوقت في وضع «العبد» المندهش، المرتعب من سلطان هذه القوة، التي يزعم المستبدون انهم يمثلونها أو ينطقون باسمها.
بالرغم من هذه التحليلات، فإن الاسطورة من حيث كونها فكرا وفنا وتاريخا، فإنها تشكل خطابا يمكن ان يقال عنه انه أدبي يتناص مع التاريخ والميثولوجيا.
وما يجعل الاسطورة خطابا أدبيا قدرتها على توسيع آفاق المخيلة عن طريق الحلم والتخيل، وما الأدب في بنيته العميقة الا نظام رمزي قادر على الايحاء والتأويل، ومن ثم كشف اللا إنساني واللا اخلاقي في رؤية المجتمعات البشرية ونظام قيمها، واذا قلنا انه كلما تراجع المجتمع حضاريا وثقافيا، وبقي مغلفا بالغيبيات والشعوذات والسحر، زادت أساطيره وخرافاته، فإن ذلك لا يعني التقليل من شأن الاسطورة لانها تبقى عنصراً بنائياً مكونا للفكر الإنساني. ينمو الفكر الانساني ويتحرر، ويزداد عقلانية مع تطور المعارف والعلوم، لكن ذلك لا يمنع عنه حالة الحلم والتخيل، والاسطورة في أهم خصائصها انها رؤية حلمية تخيلية. وترافق الاسطورة الانسان في حله وترحاله باعتبارها رمزاً مضيئاً وأصيلا، وقد تتعدد مستويات هذا الزمن من حيث الاضاءة والعتمة، لكنه يبقى على صلة قوية بصيرورة التاريخ وتشكل طبقاته الاجتماعية.
وتبقى الاسطورة في المجتمعات المتخلفة حلاً جمالياً لرفض حالات الاستلاب والخيبة التي يمر بها انسان هذه المجتمعات، اما في المجتمعات المتقدمة حضاريا وتكنولوجيا، المتراجعة على مستوى العلاقات الاجتماعية بشرطها الانساني، فانها «مرض من امراض اللغة» على حد تعبير ماكس مولر، وهي في آن مرض من امراض لوثات العصر بتعقيداته، وما تفرزه الحضارة المتقدمة صناعيا من استلاب وتشيؤ.
إننا اذ نستحضر الاسطورة في وقتنا الراهن، حيث الهزائم على المستويات كافة، فإن نزعة نوستالجية تتأجج في اعماقنا نحو الماضي، ونحو المجهول، ونحو عوالم بكر لم تستكشف بعد، وتزداد هذه النزعة من خيباتنا المتلاحقة في ظل أنظمتنا الاجتماعية. ان عصر توليد الأساطير قابل لان يمتد حاضرا ومستقبلا. من منا لم يعجب بأسطورة جلجامش وانكيدو الملحمية؟. وتوق جلجامش وانكيدو المطلق للدفاع عن قضايا ال! إنسانية. ومن منا لم يعجب بتصميم جلجامش على قطع غابات العالم وبحاره للبحث عن النبتة المقدسة التي تعطيه هو وقومه في أوروك سر الخلود الأبدي؟. وكم كان محزناً حينما سرقت الافعى النبتة المقدسة التي حصل عليها.
استحضار للبطولة الغائبة ان اللجوء إلى الاسطورة في الفكر العربي المعاصر هو استحضار للبطولة الغائبة، وحنين لها، وعندما نستدعي البطل الاسطوري والتاريخي عبر زمن القصيدة وشفافيتها، فإن توقاً شديداً ليدفعنا إلى تمثل حالات هذا البطل عله يكون المفدي والمخلص، والشعلة التي تنير لنا طريقا مظلما. ان توليد الأسطورة وتشكيلها وإعادة صياغتها عملية جمالية تهدف للبحث عن عالم فسيح جميل، لم تقتله بعد الشعارات الايديولوجية، لكن العصر الذي شكلها ويشكلها ليس عصراً مضيئاً، فهي تولد لتمنع زحف ظلامه على المستوى التخيلي والتأملي.
ما من شاعر عربي مبدع الا ولاقى الظلم والمهانة، مما كسر شموخه الانساني وشرده، فلجأ إلى الحلم والتخيل واستخدم الرموز الاسطورية المضيئة والموحية.
وقبل ان يكون توظيف الاسطورة عودة إلى التاريخ والميثولوجيا فإنه رؤية تستمد مكوناتها من الواقع واتجاهات هذا الواقع ورؤاه، فالتاريخ والميثولوجيا ! والواقع كلها مكونات للفكر الاسطوري، وما من شاعر عربي مبدع الا وعانى من اغتيال هذا الواقع لاحلامه وفرحه وكبرياء قصيدته.
فكان اللجوء إلى الاسطورة رفضاً لهذا الواقع، وبالتالي كان استخدام الرمز الاسطوري المكثف الدلالة، بعيد الايحاء، هروباً وخوفاً من سلطة هذا الواقع، كان الشاعر العربي يرتحل ويحمل همه وهم قصيدته، ورموزه الاسطورية، واني حل كان ينشد الفرح والحرية عبر دلالات هذه الرموز، فخليل حاوي ذهب إلى لندن وكتب اجمل قصائده «السندباد في رحلته الثامنة»، وبدر شاكر السياب حمل «ادونيسه» المضرج بدمائه منتقلا من مشافي بيروت إلى لندن ثم الكويت، وعبدالوهاب البياتي حمل «حلاجه» وسيزيفه عبر رحلاته من بغداد الى بيروت إلى مدريد، وعبدالعزيز المقالح انارت له رموز بلاده: سيف بن ذي يزن، وضاح اليمن، بلقيس، منية النفوس، طريفة، عاقصة، عيروض، لياليه المظلمة عندما كان غريبا خارج بلاده.
حينما ترافق الاسطورة التكوين البشري منذ الازل حتى اقرب العصور، فان ثمة وضعاً انسانياً مستلباً بحاجة إلى تشكيلها وابداعها، واللوذ بها، وتواتر الاسطورة وتناقلها عبر مثاقفة حضارية بين الأمم والحضارات قديماً وحديثاً، لدليل حي على قدرتها على النفاذ إلى اعماق الرؤية المعاصرة، باعتبار هذه الرؤية نسقاً عصياً على التحديد الزماني والمكاني، انها ممتدة من الماضي إلى الحاضر.
ان بنية الخطاب الشعري المعاصر لا تعني الانقطاع عن التراث والاساطير فقد اثر التراث في تشكيل هذه البنية ولا يزال يؤثر بدرجات متفاوتة من شاعر إلى آخر. وبالرغم من ادعاء البعض على مستوى التنظير، بأن اللجوء إلى التراث ليس فعلا ابداعيا، الا ان ذلك لم يمنعه من الرجوع إلى الموروث بشتى توجهاته، ومع ذلك فان العودة إلى التراث لا تعني هيمنة الرؤية التراثية على الرؤية المعاصرة، بل لقد استطاع الشاعر ان ينطلق من البنية التراثية نفسها ليشكل بديلاً منها ويتجاوزها، وصارت الحكاية الاسطورية والخرافية عند الأدباء المعاصرين «ترد إلى عناصرها وكثيرا ما تضاف اليها عناصر جديدة تتواصل مع العناصر التقليدية، ثم يعاد تركيبها جميعا في شكل يشع ضوءاً جديداً على الحكاية نفسها، فإذا هي قد تحولت إلى شكل جديد ومغزى جديد، نابعين من الرؤية الفنية والفكرية للكاتب، تلك الرؤية التي تعتمد على ثقافته وعلى قدرته على تحليل مجتمعه والكشف عما في هذا المجتمع من مشاكل انسانية أو سياسية أو اجتماعية».
صار التراث في القصيدة العربية المعاصرة جزءا من رؤية جمالية، بعد ان تعامل معه الشعراء المعاصرون وفقاً لمنظور انساني وحضاري، اذ ان كثيرا من الرموز التراثية قادرة على الاستمرار في نسق الواقع المعاصر، وتغييره بفعل بعدها التاريخي ودلالة هذا البعد على المستوى الانساني والاجتماعي والسياسي، ومع ذلك فالشعر المعاصر ليس وليدا للرؤية التراثية، بالرغم من الاستفادة من مكونات هذه الرؤية، لأن له شرطه التاريخي والحضاري وامتداد هذا الشرط داخل بنية الحياة المعاصرة، بتشعبها وتناميها، وفرحها وفواجعها في آن. الرؤية التراثية خيط شفيف يربطنا بالتاريخي والاسطوري والمعاصر والعقلاني، قد ينقطع الخيط وقد يمتد، ولا يعني انقطاعه فشلاً في الرؤية العربية المعاصرة. الرؤية التراثية اضاءة لزمن القصيدة، انها رؤية تستنفر بعدا جماليا، ومع ذلك نستطيع تشكيل رؤية بديلة عنها، وهي الرؤية للعالم ViSion Do Monde بتحديدات لوسيان جولدمان لمفهوم الرؤية، وتتجلى أهمية هذه الرؤية بامتدادها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وبقدرتها على التعامل مع مكونات الاجناس الأدبية كافة.
تفكيك بنيات العالم ان مهمة الرؤية الحديثة إحداث الجديد في الأنظمة القوالبية الموروثة: في الشكل الشعري، في القافية، في الوزن، وفي الموسيقا، وبالتالي في المضمون نفسه، ولها دورها في تشكيل شعر جديد خصب ومتنام، من أهم ميزاته انه لا يخضع للتحقيب التاريخي، والتأطير الزمني، باعتباره شعراً منفتحاً على كل أشكال التطور الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وعلى كل الزوايا المضيئة في كل العصور.
ولذا فالقصيدة العربية المعاصرة من خلال هذه الرؤية الحديثة تعمل على تفكيك بنيات العالم العربي المعاصر وكثيراً من قيمه الزائفة، وتعري بنياته الهشة، ومن ثم تعيد صياغته وفق حركية ترفض الثبات والجمود، وتشيد عالماً مفتوحاً على الصيرورة التاريخية، والسيرورة الزمنية في آن، ولا اقصد بذلك تبني هذه القصيدة لخطابات الايديولوجيا، وفرزها السياسي، واشكاليتها المعرفية في بنية المجتمع. الابداع لاجل الابداع، والفن لاجل الفن، ظاهرتان ادخلت عليهما الرؤية المعاصرة م! فاهيم جديدة، فالابداع وجمالية الفن مضافا اليهما حركية التغيير والهدم تأسيساً للبناء الجديد، ولا قيمة للترف الشكلي والزخرفي والاغراق في الحلم، والهذيانات السريالية، الا اذا كان الهدف من ذلك تأسيس رؤية انسانية قادرة على إدانة المظاهر السلبية في بنية الحياة العامة، و«قد ساعد فتح الابواب امام الابداع الشعري الجديد على وجود هذه التيارات وتعددها داخل حركة الشعر الجديد، ونشأ عن ذلك اجتهادات وتيارات منحرفة لا تنشر سوى هذيان لا علاقة له بالشعر أو الفن ولاعلاقة له بالتجديد أو الابتكار وخطر هذه التيارات المنحرفة انها تدفع نحو اللامبالاة اللغوية ونحو اللامبالاة العقلية.
ولم يكن طغيان الهذيان في الخطاب الشعري العربي المعاصر الا تعبيراً عن فشل انساني عام، مستمد بالدرجة الأولى من بنيات المجتمع القاتمة، وتراجع هذا المجتمع وهزائمه، وبغض النظر عن كون الهذيان ظاهرة مرضية ـ بفتح الميم والراء ـ في الشعر العربي المعاصر، الا انه يستمد كثيراً من مكوناته من بنية الاسطورة والخرافة والتفكير الميثولوجي، لان الهذيانات الشعرية كثيرا ما ترتبط بامتداد الاسطورة معرفيا وزمنيا، وحينما يتداخل الهذيان مع الحلم و الاسطورة، والايحاءات السريالية، تنشأ ظاهرتان شعريتان هما الغموض والابهام. فالتداخل العشوائي اللامنظم المضطرب والمتوتر يشكل حالة من الابهام التي يستحيل فك طلاسمها، واكتشاف ما وراء ضبابية هذه الطلاسم، اما التداخل الجمالي الرؤيوي، فإنه يشكل حالة شفيفة من الغموض الموحي والمرمز، وعموماً ترتبط هذه الحالة بالذاتي والموضوعي من حياة الانسان داخل حقله الثقافي والمعرفي، ووسطه الاجتماعي والإنساني. ويشكل الحلم بالنسبة لكثير من المبدعين مفتاحاً للرؤية الشعرية، انه اساس الفعل الشعري، وجوهر العملية الابداعية بالنسبة اليهم، وهنا يشترك الحلم مع الاسطورة في كونها عملية تخيلية تتخطى حدود الواقع الممكن إلى افق اكثر رحابة في بنية الفضاء المكاني والزماني، يقول الشاعر انسي الحاج: «خلافا للاكثرية انا اؤمن بالحلم، من لا يحلم لا يفعل، الحلم يسبق الفعل، كما يسبق الغيم المطر… الحلم جوهر غير انه وجود… والحلم هو العقل والروح والخيال. انه الفردوس الممكن… الحلم أولاً، الحلم فوق الجميع، الحلم الذي هو محرض الواقع وروحه وعقله وعصبه، الحلم الذي هو المستقبل، الحلم الذي هو… الشاعر بدوره تجريباً شعرياً، تبدو أهميته! في ابداع المتميز المتنامي والمعاصر، وما «من شاعر عظيم او روائي عظيم الا وقد اضاف من خلال التجريب بعدا جديدا إلى الفن الشعري والروائي، واثبت انه غير خاضع وغير مستسلم لكل المواصفات السائدة والمألوفة. التجريب اذاً ومحاولة الاضافة نزعة صحية وضرورية في كل فنان اصيل وفي كل كاتب موهوب، وفي كل شاعر يريد ان يضيف إلى التراث ولا يكرره أو يقلده». ان استخدام الاسطورة والرمز والتاريخ في الخطاب الشعري العربي المعاصر نوع من التجريب الجمالي، قبل ان يكون عودة إلى التراث، والتأكيد على حضوره، وهذا التجريب في بنيته العميقة ينبغي ان يؤكد مكانة الإنسان ودوره الحضاري، ويستحضر ادق مشاعره الانسانية، «فالاشكال الفنية ليست اشكالاً فارغة، وانما تقوم بوظيفة خاصة في تنمية خبرة الانسان، وفي تنظيم هذه الخبرة، كما تؤدي دوراً أساسياً في بناء عالم الإنسان، وفي تحقيق ما يصبو اليه الانسان من معنى لحياته ولعالمه». وكل تجريب جمالي مبدع ينبغي ان يكون انسانياً، ولا قيمة لتجريب على مستوى الشكل الشعري ومضمونه اذا اقتصر على الظاهرة الشكلية والسطحية. ان التجريب على مستوى بنية الشكل الجمالي، واضافة الظواهر الجمالية والمغايرة إلى! هذا الشكل أمر ضروري، لكنه ليس كافياً لتحقق طرفي العملية الابداعية، فالعملية الابداعية فكر وفن ونزعة انسانية واخلاقية، تعمل على تأسيس أدب انساني يرفع الإنسان راية وهدفاً.

م ن

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *