التصنيفات
الصف العاشر

الخليل بن أحمد الفراهيدي نحوي وفقيه لغوي للصف العاشر

الخليل بن أحمد الفراهيدي نحوي وفقيه لغوي

قيل: إن «الخليل» دعا وهو بمكة أن يُرزق علماً لم يسبقه إليه أحد، ولا يؤخذ إلا عنه، فلما رجع من حجه، فُتح عليه بعلم العروض، وكانت له معرفة بالإيقاع والنغم، فأحدثت له تلك المعرفة استنباط هذا الفن الأدبي الجميل. وهو (علم تقطيع الشعر العربي).

قال «حمزة بن إسحاق»: إن دولة الإسلام لم تخرج للعلوم التي لم يكن لها عند علماء العرب أصول، أبدع من (الخليل) وليس على ذلك برهان أفصح من علم العروض، الذي لا عن حكيم أخذه، ولا على مثال تقدمه، فاحتذاه.. وإنما اخترعه من مرور له بـ «سوق الصفارين كسوق النحاسين» ومن وقع مطرقة على طست، فلو كانت أيامه قديمة، ورسومه بعيدة لشك فيه بعض الأمم، لصنعته مالم يصنعه أحد.

من هو «الخليل»؟!

هو «أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد بن عمر بن نعيم الفراهيدي» الذي ولد في «البصرة» سنة مئة من الهجرة الموافقة لسنة سبعمائة وثماني عشرة للميلاد(1)، ويُعدُّ من القلائل الذين تركوا بصمات واضحة في التطور الحضاري لأمتنا العربية والإسلامية من خلال إبداعه وتطويره لبعض العلوم في عصره، ولا سيما اللغة والنحو والعروض.

وفي وفاته قصة غريبة يذكرها المؤرخون تتمثل في استغراقه في التأمل واستيلائه عليه، حيث فكر في ابتكار طريقة في الحساب تسهله على العامة، ولا سيما الجارية الصغيرة إذا أردات شراء حاجة لها، فدخل المسجد وهو يعمل فكره، فصدمته سارية من سواري المسجد، وهو غافل عنها، فوقع على ظهره، وعلى إثرها انتقل إلى رحمة الله.

صفاته

ثمة عوامل أسهمت في تكوين شخصية العالم ـ الخليل ـ العلمية، مما جعله متميزاً عن غيره، فحضوره حلقة القارئ «عاصم بن أبي النجود» في الكوفة، وما أخذه من مكة عن قارئها «ابن كثير» وسعيه الدائم في اكتساب العلوم الشرعية، واتصاله بالأعراب الذين تؤخذ اللغة عنهم، وذلك من خلال تجواله في بوادي الحجاز ونجد وتهامة، ولا سيما الالتقاء بأئمة العربية في عصره، كل ذلك جعله فقيهاً في اللغة عارفاً أسرارها، وهذا جعله متصدراً للتدريس في مسجد البصرة الكبيرة ومن صفاته، ذكاؤه النادر، وقوته الذهنية المتميزة في الفطنة والنباهة وقوة الملاحظة(2)، مما كان هذا العامل ـ الذكاء ـ الأساس في تكوين شخصية هذا العالم الفذ.

عاش «الخليل» فقيراً شديد الورع، شعث الرأس، شاحب اللون، قشف الهيئة، متمزق الثياب، منقطع القدمين، مغموراً في الناس لا يُعرف، قال فيه النضر بن شميل: «ما رأى الراؤون مثل الخليل، ولا رأى الخليل مثل نفسه»، وكان عاقلاً وقوراً، زهد في الدنيا وأعرض عنها.

الخليل نحوي وفقيه لغوي

كان عالماً بالنحو، بارعاً في معرفة الأصول والفروع، يأخذ بمبدأ القياس في النحو، ويعتمد على العلل النحوية لتفسير مختلف الظواهر الإعرابية في كلام العرب، كما كان منهجه في النحو يعتمد ـ أيضاً ـ على تقسيم الكلم بحسب طبيعتها وتركيبها ومدلولها إلى اسم وفعل وحرف، ويعود إليه الفضل في وضع الهيكل العام لعلم النحو وأبحاثه بمختلف أقسامه وتفرعاته.

دعا أن يرزقه الله علماً لم يسبقه إليه أحد فتم له ذلك

ويرى الدارسون، أن الخليل بجهوده المتميزة، كان المعبر الذي انتقل به النحو العربي إلى مرحلة لها سماتها وخصائصها، وكان أثره في جميع النحاة من بعده كبيراً، حيث أفادت منه المدارس النحوية كافة، لأن جهوه صبت في المنهج نفسه عبر ذهنية وعت طبيعة اللغة، وفقهت أدق أسرارها، ولذا فإن (بروكلمان) قد قال وهو يبحث في العربية، إن «الخليل» هو المؤسس الحقيقي لعلم النحو العربي الذي وضعه «سيبويه» في كتابه، بعد أن تلقاه عنه، وتعلمه عليه(3).

لقد كان «الخليل» واضع أول معجم للألفاظ في اللغة العربية، وهو معجم «العين» إذ يُعدُّ أول معجم جامع ذي منهج متميز، حيث قال «أبو الطيب اللغوي»(4).

«أبدع ـ الخليل ـ معجمه «كتاب العين» حسب مخارج الحروف مع مراعاة أوائل الأصول، فبدأ بحروف الحلق فاللسان فالأسنان فالشفتين، وهكذا.. وانتهى بحروف العلة فجاء هكذا:

«ع، ح، هـ، خ، غ، ق، ك، ج، ش، ض، ص، س، ذ، ط، د، ت، ظ، ز، ل، ن، ف، ب، م، و، أ، ي».

وقد بدأ ـ الخليل ـ بحرف العين دون الهمزة والهاء الأقصى مخرجاً، لأن الهمزة غير ثابتة، بل عرضة للحذف والتغيير، ولأن الهاء مهموسة خفيفة، كما عمد ـ الخليل ـ إلى الاشتقاق الكبير، أي ذكر الكلمات الناجمة عن تبديل مكان الحرف الأول الذي بدأت به الكلمة، فبعد عقد مثلاً يذكر «لعق، علق، قلع، وهكذا..» وزاد طريقته تعقيداً، فقسم المفردات التي تبدأ بحرف واحد إلى أبوب حسب عدد أصولها وطريقة بنائها.

وأما علم العروض، وهو الذي عرف به الخليل، فإنه أول من أخرج هذا الفن من العدم إلى الوجود(5)، واستنبطه كأروع ما يكون استنباط العلوم، وقد حصر أقساه في خمس دوائر، يستخرج منها خمسة عشر بحراً، ثم زاد فيه «الأخفش» بحر الخبب، وهو معروف بالمتدارك، وهذا الاستدراك لا يُعدُّ شيئاً بالقياس إلى مجموع ما ابتكره «الخليل» في هذا الفن، وابتكاره لعلم العروض، إذ اقترن هذا العلم باسمه.

لقد كان ـ الخليل ـ أول من درس علم أصوات العربية، دراسة علمية منهجية مبنية على الاستقصاء الدقيق والاستقراء الواسع، إذ حدد مخارج الحروف، ورسم صفاتها المختلفة، من الجهر، والهمس، والشدة، والرخاوة، والاستعلاء، والإطباق، والانفتاح، والذلاقة(6)، وهو أول من أرسى معظم المصطلحات التي تدور في علوم النحو والصرف واللغة والشعر، وذلك من مثل: العامل، والظروف، والتفسير بمعنى التمييز، والنعت، والإجراء، والصدر، والعجز والقافية(7). وكثير من العلماء ينسب للخليل طريقة الضبط بالشكل التي نستخدمها حتى يومنا هذا، فيعدها من مبتكراته(8)، حيث أزيل الالتباس والاختلاط بين الأعاجم والشكل، فجعل الفتحة ألفاً صغيرة مضطجعة فوق الحرف، والكسرة رأس ياء صغيرة تحته، والضمة واو فوقه والتشديد رأس شين بغير نقط، والسكون دائرة صغيرة، والهمزة رأس عين، وألف الوصل رأس صاد، والمد الواجب ميم صغيرة مع جزء من الدال، ولا يزال هذا الشكل الذي وضعه الخليل هو المعتمد إلى يومنا هذا.

مما تقدم، نخلص إلى القول بأن العالم العبقري «الخليل بن أحمد الفراهيدي» هو مخترع علم العروض، وواضع أول معجم عربي، وهو نحوي وفقيه ولغوي درس الحديث، وفقه اللغة على أيوب السخيتاني، وعاصم الأحول، والعوام بن حوشب، ومن تلاميذه: سيبويه، والأصمعي، والنضر بن شميل، والليث بن المظفر بن نصر، وغيرهم، وترك لنا كتباً كثيرة، منها: «النقط والشكل، ومعاني الحروف، والنوادر، والجمل».

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *