في هذا التحقيق نحاول إضاءة الجوانب الخفية في مسألة زواج ذوي الاحتياجات الخاصة القادرين على ذلك من الجنسين وأن بإمكانهم تكوين أسرة وإنجاب أطفال أصحاء بإذن الله تعالى وكيف أسهمت الدولة والمجتمع في تعزيز ذلك وما هو الأثر النفسي والاجتماعي الناتج عن هذا الزواج.
في البداية يحدثنا أستاذ الدراسات والبحوث الاجتماعية والمحلل النفسي والمعالج السلوكي وخبير العلاقات والشؤون الأسرية والرئيس العام للاتحاد العربي للاستشارات الاجتماعية الدكتور هاني بن عبدالله الغامدي حيث يقول.. إن المجتمع اعتمد على ترسبات قديمة توحي بأن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة حسب المسمى الحديث والتي كان يطلق عليهم (معاق) أو (معوق) بل وأسماء وألقاب أخرى نهى عنها ديننا الحنيف اعتمد هذا المجتمع على المرجعية العاطفية في تقرير نظرته تجاه هذه الفئة، وترسخت بذلك تلك النظرة التي تحرم ذوي الاحتياجات الخاصة من حقهم الشرعي والنفسي والمجتمعي بالتعاطي مع الحياة بكل أحداثها، مما جعل تحركهم مع أحداث الحياة والتعامل مع مجريات الأمور اليومية محدودا ومنقوصا بدرجة أثرت بشكل مباشر على تعاطيهم مع أبسط أمور تلك الحياة الطبيعية وهي (الزواج) على سبيل المثال، ولم يفرق المجتمع بين بعض القصور الجسدي الذي قد يكتبه الله على بعض عبادة وبين القصور العقلي، والذي بالتأكيد هو مختلف كامل الاختلاف عن القصور الجسدي والذي يوجب بأن يكون هناك تفعيل للدور التوعوي عبر محاضرات لطلبة وطالبات المدارس، وتفعيل دور الإعلام من خلال إضافة أدوار في المسلسلات أو البرامج التي يهتم بها المجتمع بالدور الإيجابي الذي يستطيع ذوي الاحتياجات الخاصة القيام به، وأيضاً من خلال النشرات والمؤتمرات والندوات المتلفزة والمنقولة لكي يشاهدها أفراد المجتمع لزيادة جرعات الوعي، وإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في العمل وسوق العمل وتحديد نوعيات من الأعمال التي تتناسب مع وضعهم ليقوموا بتغطيتها بالشكل المطلوب من الجنسين.
الأثر النفسي والاجتماعي
وعن أثر زواج ذوي الاحتياجات الخاصة على الشخص نفسه وعلى المجتمع أضاف.. لو أخذنا الموضوع من الجانب النفسي لدى الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة لوجدنا بأنهم يفرزون سلوكيات طبيعية جدا مثلهم مثل بقية الأفراد في ذلك المجتمع داخل بيت الزوجية لكن يبقى أن نعي تماماً بأن أي إنقاص من قبل أحد الزوجين أو أفراد عائلاتهم لذلك الفرد سيؤدي إلى حالة استئساد ونفور وعدم رضى بأن ينعت بأن هناك قصورا في واجباته الشرعية أو الحميمية أو الزوجية حتى المنزلية بسب حالته ووضعه الجسدي، لأن ذلك إنقاص من رجولة أو أنوثة ذلك الفرد حسب جنسه، وهو ما لا يقبله البشر عموما بطبعهم الفطري، وأما الأثر الاجتماعي بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة والتي أتى القصور لديهم في الناحية الجسدية فهم بشر أسوياء عقليا وفكريا، ولنا مشاهدات عدة من خلال إطلاعنا على بعض الأشخاص الذين قدر الله عليهم بهذه النعمة، وقد أبلوا بلاء حسناً في ميادين الإنتاج والعمل والفكر وتزوجوا وأنجبوا أطفالا أسوياء أيضا، وعليه فإن الأسرة التي يكون أحد أفرادها من ذوي الاحتياجات الخاصة هي الأساس في دعمه ومساندته وتشجيعه، وبأنه لم يفقد العقل الذي هو أساس الكينونة البشرية، مما يجعل من هذا الفرد عاملا فاعلا متمما لأدواره الحياتية المناطة إليه، وبالتالي يجد هذا الفرد نفسه وقد أخذ مكانته الاجتماعية اللائقة به كمخلوق سوي لا ينقصه سوى بعض الاحتياجات التي يمكن أن يسانده في تنفيذها المجتمع ككل، بحيث ينظر إليه المجتمع أولا أنه فرد سوي دون نظرة النقص والنكران للأدوار التي يمكن أن يؤديها بسبب ما كتبه وقدره الله عليه.
وعند سؤالنا متى تكون حاجة ذوي الاحتياجات الخاصة إلى تكوين أسرة ملحة وضرورية؟ أجاب.. ذوو الاحتياجات الخاصة كما ذكرنا سابقا هم أسوياء عقليا وفكريا إذا كان القصور جسديا، لذلك فإن الفرد صاحب الاحتياجات الخاصة هو مخلوق طبيعي وإنسان يحتاج إلى تفعيل ذكوريته أو أنثويتها حسب الجنس بالشكل الطبيعي والفطري، وتفريغ تلك الرغبات بالشكل الذي أحله المولى عز وجل وهو الزواج، لذا فإن ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاجون مثلهم مثل بقية البشر إلى السكن إلى خليل شرعي وإلى الزواج الطبيعي، بل هم ربما أشد حاجة من الأسوياء جسديا وعقليا في بعض الأحيان لأنهم يحتاجون وبشدة إلى من يتفهمهم ويحتضنهم ويعوضهم تلك النظرة التي يرونها في عيون من هم حولهم من الأهل أو المجتمع غير الواعي لوضعهم النفسي والمشاعري.
وعن السبب الذي يجعل بعض ذوي الاحتياجات الخاصة يكتمون رغبتهم في الزواج عن المجتمع قال.. في ظني أن هناك عددا ضئيلا جدا من ذوي الاحتياجات الخاصة ممن يكتمون رغباتهم في الزواج بالشكل الشرعي ضمن أعراف المجتمع، وذلك لأن المشجع والمحفز الأول لذوي الاحتياجات الخاصة هو ذاته الداخلية التي تدفعه دائما إلى إثبات الأنا والخروج إلى ميدان التحدي والمثابرة للوصول إلى تحقيق الأهداف الحياتية، وإذا كان هنالك بعض الذين يكتمون رغباتهم تجاه أمر الزواج فهم بالتأكيد يحتاجون إلى المساندة النفسية والمعنوية مثلهم مثل الكثير من الأسوياء الذين جانبهم التوفيق أحيانا في مسيرتهم الحياتية على الصعيد العملي أو الأسري أو غيره، وخرجوا بمفهوم الرفض والاعتزال عن التحرك مع أحداث الحياة والاندماج في تلك الأحداث بالشكل الإيجابي المطلوب.
توافق المشاعر
بإمكان الشخص أن يختار شريك حياته من نفس حالته أو من فئة مختلفة في بعض الأحيان، فهم أسوياء بالعقل والفكر والتي بدورها تتعامل مع الرغبات والاشتهاءات والقرارات والأهداف، لذلك فهم يطالبون مثلما يطالب أي شخص سوي يكون داكن البشرة على سبيل المثال بزوجة بيضاء أو زوج أبيض بزوجة سمراء البشرة وهكذا.
وعن مدى التوافق بين زوجين أحدهما من ذوي الاحتياجات الخاصة والآخر سليم أضاف.. أن أي قلب محب لن يتجرأ على أن ينظر إلى عجز خليله، سواء كان هذا الخليل من ذوي الاحتياجات الخاصة أو كان الأمر بين أسوياء وأسوياء مثلهم، ولو نظرنا إلى القصور الذي يقوم به بعض الأزواج أو الزوجات تجاه بعضهما البعض لعلمنا أن (الحب والحميمية والمشاعرية) في السلوك ستكون هي الأساس والديدن في تعاملهما مع بعضهما البعض، وبالتالي لن يرى أي طرف منهما قصور خليله، ومن هنا يجب أن نعلم أن هناك توافقا قائما دائما طالما هناك قلب محب ومحتضن لذات الشخص بغض النظر عن القصور الذي ربما يكون عقبة عند البعض في عدم تقبله بشكل أو بآخر.
أما العوامل التي تجعل فتاة سليمة تتزوج بشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة حسب وجهة نظري المتواضعة ربما يكون أحد أمرين، إما أن تكون تلك الفتاة تشعر بالحميمية التي ترغبها ووجدتها في شخص ذلك الإنسان الذي كتب الله عليه بأن يكون من ذوي الاحتياجات الخاصة أو أنها قبلت بالزواج تهرباً من نار الأهل أو الجور في التعامل من قبلهم، وهذا الأمر يحصل لكثير من بنات زمننا هذا بغض النظر عن ارتباطهن بشخص سليم جسديا أو من ذوي الاحتياجات الخاصة ونجد السبب هو هروبهن من بيت الأهل بسبب جور المعاملة وعدم وجود الحضن الدافئ المحتضن لهن فيحاولن في حينه القبول بأي شخص بغض النظر عن أهليته أو سلوكياته أو مميزاته أو قصوره أو وضعه كرجل يعتمد عليه لبناء أسرة.
وأخيراً أتمنى أن يأتي اليوم الذي نجد فيه اندماجا كاملا لذوي الاحتياجات الخاصة من الجنسين في سوق العمل بل ووضع نسبة محددة مثل النسبة التي تم تحديدها للسعودة لدى الشركات كي يجد ذوو الاحتياجات الخاصة المقعد المضمون لهم في سوق العمل وأيضا لا ننسى التعديل المطلوب للنظرة العامة للمجتمع تجاه هذه الفئة من أفراد المجتمع وأتمنى أيضا أن يكون هناك ميزانيات لدى الشركات الحكومية والخاصة تهتم بالمتطلبات الأساسية لتعديل الأماكن مثل الممشى ودورات المياه وأيضا لدى بلديات المناطق في تعديل الأرصفة واحترام المواقف الخاصة للسيارات وأمور أخرى كثيرة نستطيع من خلال تحقيقها أن نفخر بأننا أمة متكاملة يساند القوي فيها الضعيف وتفعيل مفهوم مد يد العون دون نظرة العطف التي قد لا تؤدي الغرض المطلوب للتعامل مع هذه الفئة الغالية على قلوبنا من أفراد مجتمعنا الفتي.
صعوبات تواجههم
الأستاذة سمر إبراهيم حنيفة مديرة قسم (لست وحدك) وهو أحد أقسام جمعية الأطفال المعاقين بجدة. تحدثت قائلة: إن مركز (لست وحدك) هو مركز إرشادي توعوي اجتماع وملتقى حديث لذوي الاحتياجات الخاصة، كما أنه يختص بطرح المشاكل والقضايا والصعوبات التي تواجههم وحلها بالاستعانة بالجهات المختصة في مجال تقديم الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة، ويحتوي القسم على فرع يختص بزواج ذوي الاحتياجات الخاصة في المركز، وتكمن أهمية هذا القسم في استقبال طلبات الزواج عن طريق الهاتف أو الحضور المباشر للمركز سواء كان من الشباب أو الفتيات على حد سواء ويتم تعبئة استمارة الزواج الخاصة لكل منهما في سرية تامة وبعد ذلك يتم التعاون مع الجهات الأخرى المختصة بالزواج للتنسيق، والحالات الناجحة التي تمت عن طريق المركز تعتبر جيدة، ويهدف المركز إلى توفير الدعم الاجتماعي والنفسي لذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير المعلومات والبيانات التي تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم، ويستقبل المركز عضوية غير المستفيدين وهم المتطوعون العاملون في مركز (لست وحدك) لتقديم الخدمات كالأطباء والمستشارين والمؤسسات التعليمية والتأهيلية الطبية ومزايا العضوية هي أولاً الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى لهذه الخدمة السامية لتمكين العدد الكبير من ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم من ممارسة حقهم الطبيعي في الحياة، كذلك حضور الاجتماعات والندوات والمؤتمرات والاستفادة من الأنشطة المشتركة مع المنظمات والهيئات العاملة في المجال النفسي والاستفادة من الأسعار المخفضة للخدمات التي ستقدمها المراكز والهيئات المتعلقة بالاحتياجات الخاصة، ورسوم العضوية مجاناً.
ولا يسعني إلا أن أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على خدمة هذه الفئة الغالية على قلوب الجميع.. والشكر موصول إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة الجمعية لما يقدمه من دعم للجمعية ولأعضائها.
وفي جانب الخدمات الإنسانية القيمة التي يقدمها مواطنون لا يبتغون من ورائها غير الأجر والثواب في مجتمعنا الواعي، نسلط الضوء على أول موقع (سعودي) إلكتروني في (العالم) متخصص في تقديم خدمة التوافق والزواج بين إخواننا ذوي الاحتياجات الخاصة حيث التقينا بالمشرف العام على هذا الموقع الشيخ عبدالله الزهراني الذي حدثنا عن المشروع قائلاً:
إن الفكرة كانت إلهاماً من الله سبحانه وتعالى قبل ثلاث سنوات حين تقديم أوراقي كمأذون شرعي وصدور الموافقة على ذلك من وزير العدل، وكان زميلي في العمل أ. خالد الفواز يجاذبني أطراف الحديث في موضوعات شتى ومنها تقديم خدمة (مجانية) للمجتمع فتلاحقت الأفكار بافتتاح مكتب لزواج ذوي الاحتياجات الخاصة، فبدأنا الدراسة في منتصف عام 1443هـ بعد ذلك قدمنا دراستنا على الشيخ عبدالله الأبنودي والذي أيد الفكرة وأعجب بها.
بعد ذلك قمنا بافتتاح المكتب والعمل به في غرة محرم 1443هـ وانتشر اسم المكتب سريعاً وانهالت الاتصالات من جميع مدن المملكة، الأمر الذي جعلنا لا نستطيع تغطية الاتصالات والطلبات فبادرتنا فكرة إنشاء موقع على الإنترنت وذلك لسهولة الوصول إليه وتعامل الشخص بنفسه الراغب في البحث عن شريك حياته والتواصل معه مباشرة وما علينا إلا تمرير الرسائل بين الأعضاء وتفعيلها، وقد تم العمل على الموقع منتصف عام 1443هـ، واشتهر الموقع على مستوى العالم لأنه الأول في هذا الاختصاص، ولاقى ترحيبا واسعا من داخل وخارج المملكة.
وعن مدى الاستفادة من هذا الموقع يقول الشيخ عبدالله إن الاستفادة من الموقع يقيمها الشخص نفسه حيث إنه يمثل وسيلة اتصال بينه وبين الطرف الآخر سواء من ذوي الاحتياجات الخاصة أم أناس أصحاء يريدون أزواجاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد بلغ عدد الزيجات التي تمت عن طريق الموقع ثمانين شابا وشابة على مستوى العالم.
وأضاف.. أن المكتب والموقع يمتنعان عن استقبال أي مساعدات مادية، فالمشروع لا يحتاج إلا لمساعدات معنوية.. فبهذا نشكر جميع من أعاننا معنوياً في خدمة إخواننا وأبنائنا فمنهم من قدم خدمات جليلة تتمثل في توظيف إخواننا ذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك عرض مشروع الأميرة العنود الخيري والمتمثل في عدة مقاعد دراسية مجانية لذوي الاحتياجات الخاصة في جامعة الأمير محمد بن فهد بالمنطقة الشرقية وكذلك عرض من عدة شقق مفروشة في الرياض لإقامة ليالٍ مجانية للمتزوجين وأيضاً تقديم الاستشارات النفسية من أحد استشاريي الطب النفسي والتأهيل الأسري.
م