السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
يبنى الفعل في اللغة العربية للمجهول لدلالات متعددة،إلا أن القرآن الكريم وظفّ دلالتي البناء للمعلوم والبناء للمجهول توظيفا فريدا متفردا وقد أورد الدكتور فاضل السامرائي في كتابه دقة التعبير القرآني نورد مقتطفا منه بتصرف ، لقد تباين توظيف الفعل( طَبع) والفعل (طُبع) في سياقات متعددة في سورة التوبةالكريم ومن ذلك قوله تعالى:
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ }التوبة87
سبب بناء الفعل (طُبع)للمجهول في الآية السابقة وبنائه للمعلوم في وقوله {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }التوبة93إن إسناد الطبع إلى الله أشد تمكناً في القلب من بنائه للمجهول. فما أُسنِد إليه صراحة يكون أثبت وأقوى مما لم يُسند إليه. وعلى هذا فهو يسنِد الطبع إلى الله في مواطن المبالغة والتأكيد ويبنيه للمجهول فيما هو أقلّ من ذلك. وذلك واضح في الآيتين المذكورتين وهما قوله: ((رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) التوبة)) وقوله ((إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) التوبة)).وبالنظر في السياقين يتضح ذلك.
قال تعالى في سياق الآية الأولى (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)).
وقال في سياق الآية الثانية (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)).فأنت ترى أن الآخرين أشدّ ضلالاً وكفراً من الأولين، يدلّك على ذلك ما ذكره من صفاتهم وأحوالهم. فإنه لم يذكر في الأولين سوى أنهم يستأذنون الرسول إذا أُنزِلت سورة تأمر بالإيمان والجهاد، وأنهم يقولون (ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) وعقب على ذلك بقوله (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ). في حين ذكر من صفات الآخرين ما يدلُّ على شدة كفرهم وضلالهم، وغضب الله عليهم ما لم يذكره في الأولين.
1. فقد طلب الله رد اعتذارهم إذا اعتذروا (قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا).
2. وطلب أن يخبروهم بعدم تصديقهم (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ).
3. وأن يخبروهم بأن الله نبّأ المؤمنين بأخبارهم وأحوالهم (َدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ).
4. وطلب من المؤمنين أن يُعرضوا عنهم (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ).
5. ووصفهم بأنهم رجس (إِنَّهُمْ رِجْسٌ).
6. وذكر عاقبتهم وسوء مآلهم في الآخرة (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون).
7. وطلب من المؤمنين ضمناً ألا يرضوا عنهم إذا ما حاولوا استرضاءهم لأن الله غير راض عنهم: (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ). فناسب ذلك إسناد الطبع إلى الله للدلالة على شدة تمكن الكفر في نفوسهم وقلوبهم بخلاف الآية الأخرى.
والله أعلم.
م/ن