الادخار هو أن تحتفظ ببعض المال أو بعض الأشياء النافعة من أجل الاستفادة بما تدخر عند الحاجة إليه . وهو عمل يدل على كياسة من يحرص عليه كما يدل على أن المدخر إنسان يحسن التفكير ويحسن تنظيم حياته ويدل كذلك على أنه يستعد لكل طارئ بما يناسبه .
فمطالب الحياة والمفاجآت التي تحدث فيها كثيرة فمن الواجب أن يكون الإنسان مستعدا لهذه المطالب وتلك المفاجآت التي تحدث فيها . والمال الذي يدخره هو الذي يستطيع به المرء أن يقضي حاجاته حين يجد نفسه في حاجة طارئة إليه.
وليس بالضرورة أن يكون المال الذي ندخره كثيرا ولكن يجب أن يكون على قدر المستطاع فالمهم أن يحرص الشخص على أن يقتطع جزءا من ماله للادخار مهما كان دخله قليلا.
ولو نظرت إلى حياة النمل لاستقيت منه درسا في ذلك فهو في فصل الصيف يدخر جزءا من طعامه ليأكل منه في الشتاء القارس لأن البرد يمنعه من الخروج بحثا عن طعامه.
والمدخر بشعر بالسعادة حين يجد لديه مبلغا كبيرا من المال قام بجمعه من مبالغ صغيرة فلو أنه أهمل الادخار لما وجد لديه هذا المبلغ الكبير الذي يمكن أن يحقق له مطالبه التي تناسبه فالادخار أمان وتنظيم وهو دليل على بعد نظر صاحبه .
وقد يخلط كثير من الناس بين الادخار والبخل فالادخار اعتدال واقتصاد في الإنفاق وهو سلوك حضاري يحثنا الإسلام عليه ويأمرنا به وينفرنا من البخل الذي هو حرص وتقتير وحرمان فلا نفع البخيل به غيره ولا يكاد ينفع نفسه حتى إذا جاءه الموت قال :
( رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين )
وحقيقة الادخار أنه توسط واعتدال بين البخل والتبذير وبهذا المعنى فهو ضروري لاستمرار الحياة وكفى بالمقتصد فخرا أن يعيش عزيز النفس محبوبا عند الله وعند الناس قال تعالى
( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما )
ولا يقتصر الادخار على عامة الناس فهاهم أجواد العرب قد سيقوا إلى هذا السلوك الحضاري فقد روي عن قيس بن عبادة أنه أتاه قوم يسألونه كفالة يتيم فصادفوه في بستان له يجمع ما يسقط من الثمار فيعزل جيده من رديئه فقاموا حتى فرغ فكلموه في ذلك فبذل لهم ما أرادوه فقال بعضهم سخاؤك هذا مناف لما تقوم به من عزل الثمار فقال :بما رأيتم من فعلي أمكنني أن أقضي حاجتكم
وليكون الادخار سلوكا فلا بد أن يعتاده الإنسان منذ نعومة أظفاره لينشأ حريصا على هذا العمل النافع الذي يجعله في أمان مستعدا لمواجهة الضرورات التي تظهر له فجأة.