دارت الأيام ، وبعد أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا ، عاد إليها سيدا ، فاتحا ، تحف بهالألوف المؤلفة من بيض السيوف ، وإذا بزعماء قريش الذين ملئوا الأرض عنجهية ، وغطرسة ، وكبرا ، واستعلاء ، يقبلون على النبي صلى الله عليه وسلم خائفين واجفين ، يسألونه الرأفة .. عند ذلك أعد سراقة بن مالك راحلته ، ومضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه بين يديه ،ومعه العهد الذي كتبه له قبل عشر سنوات ، قال سراقة : ( لقد أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ، فدخلت في كتيبة الأنصار ، فجعلوا يقرعونني بكعوب الرماح ويقولون : إليك إليك ، ماذا تريد ؟ فما زلت أشق صفوفهم حتى غدوت قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو على ناقته فرفعت يدي بالكتاب ، وقلت : يا رسول الله أنا سراقة بن مالك ، وهذا كتابك لي ، فقال عليه الصلاة والسلام : يوم وفاء وبر، أدن ، ألا لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له فأقبلت عليه ،وأعلنت إسلامي بين يديه ، ونلت من خيره ، وبره ولم يمضِ على لقاء سراقة بن مالك برسول الله صلى الله عليه وسلم غير زمن يسير حتى اختار الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى جواره ، فحزن سراقة أشد الحزن ، وجعل يتراءى له ذلك اليوم الذي هم بقتله ، من أجل مائة ناقة ، وكيف أن نوق الدنيا كلها قد أصبحت اليوم لا تساوي عنده قلامة من ظفر النبي صلى الله عليه وسلم.
جعل سراقة يردد مقولة النبي صلى الله عليه وسلم له : كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى دون أن يخامره شك في أنه سيلبسهما ، ثم دارت الأيام دورتها كرة أخرى ، وآل أمر المسلمين إلى الفاروق ، وهبت جيوش المسلمين في عهده المبارك على مملكة فارس ، فطفقت تدك الحصون ، وتهزم الجيوش ، وتهز العروش ، وتحرز الغنائم ، وفي ذات يوم من أواخر أيام خلافة عمر قدم على المدينة رسل سعد بن أبي وقاص يبشرون خليفة المسلمين بالفتح ، ويحملون إلى بيت مال المسلمين خمس الفيء الذي غنمه الفاتحون ، فلما وضعت الغنائم بين يدي عمر نظر إليها في دهشة ، فقد كان فيها تاج كسرى المرصع بالدر ، وثيابه المنسوجة بخيوط الذهب ، ووشاحه المنظوم بالجوهر ، وسواراه اللذان لم تر العين مثلهما قط ، ومالا حصر له من النفائس الأخرى ، فجاء عمر يقلب هذا الكنز الثمين بقضيب كان بيده ، ثم التفت إلى من كان حوله ، وقد إغرورقت عيناه بالدموع ، وإلى جانبه علي بن أبى طالب وكرم وجهه ،فقال له : ما الذي يبكيك يا أمير المؤمنين؟
فقال إن قوما أدوا هذا لأمناء حقا ، تاج كسرى ثمنه مئات الملايين ، لو أن هذا الذي أخذه ذهب به إلى أنطاكية لعاش أغنى الأغنياء فأجابه علي بكلمة لا تنسى مدى الحياة، قال له :يا أمير المؤمنين ، لقد عففت فعفوا ، ولو رتعت لرتعوا. دعا الفاروق سراقة بن مالك فألبسه قميص كسرى ،وسراويله ، وقباءه ، وخفيه ، وقلده سيفه ، ومنطقته ، ووضع على رأسه تاجه ، وألبسه سواريه ، عند ذلك هتف المسلمون : الله أكبر الله أكبر ، لقد تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم ثم التفت عمر إلى سراقة رضي الله عنهما وقال له بخ بخ يا سراقة أعرابي من مدلج على رأسه تاج كسرى ، وفي يديه سواراه ثم رفع عمر رأسه إلى السماء ، وقال : ( اللهم إنك منعت هذا المال رسولك ، وكان أحب إليك مني ، وأكرم عليك ، ومنعته أبا بكر ، وكان أحب إليك مني وأكرم عليك ، وأعطيتنيه ، وأعوذ بك أن تكون قد أعطيتنيه لتمكر بي ) ثم لم يقم من مجلسه حتى قسمه بين فقراء المسلمين . روى سراقة عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث ===وفاته كانت سنة53للهجرة
- سراقة بن مالك.docx (16.5 كيلوبايت, 138 مشاهدات)