علم القراءات علم طريف وجميل, ومهم ومفيد وأصيل وقديم, له علاقة وثيقة بكتاب الله فهو العلم الذي يُبّين الكيفية الصحيحة لقراءة كلام الله حسب الروايات الصحيحة المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وما من أحد اقبل على القراءات بجدِّ وشغف إلا وخطى بجلال هذا العلم, واستمتع بجماله وتنقل في بساتينه ، وارتشف من أنهاره .
تعريف علم القراءات :
عرف العلماء القراءات بتعريفات كثيرة وكل منهم اجتهد في وضع تعريف جامع مانع لكن قل من تمكن من ذلك فالبشر من طبعهم القصور مهما بلغوا من العلم وواصلوا من الجهد .
وفي نظري أن تعريف ابن الجزري – وهو من هو في تبحره وإتقانه هو اقرب التعاريف إلى الصحة فقد عرفها بقوله : « علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة » (1)
تعريفات مهمات :
من المهم بمكان لطالب علم القراءات الإلمام ببعض الأمور الرئيسة والمسائل الحاسمة والتي بدونها لن يتمكن من إدراك كلام العلماء ومصطلاحاتهم فمن ذلك :
1/ الرواية :
هي القراءة التي يذهب إليها احد الرواة عن أمام القراءة الرئيس.
إذ من المعلوم أن كل إمام قراءة كأبي عمرو البصري, أو عاصم له عدد من الرواة ، وهؤلاء الرواة ربما نقلوا عن إمامهم رواية أو روايتين أو أكثر .
فكل ما روي عن الإمام تسمى رواية ، فما رواه حفص عن عاصم يسمى رواية وما رواه أبو بكر شعبة عن عاصم يسمى رواية وهكذا .
تعريف الوجه :
الوجه هو : الخلاف المنسوب إلى القارئ الرئيس؛ فبعض القراء يلتزمون البسملة بين السور ولكن لهم في البسملة أوجه فمن ذلك وصل البسملة بالسورة فهذا وجه أو قطع البسملة عن السورة فهذا وجه ثاني لا يسمى شيء من ذلك قراءة .
قال الدمياطي (2): « واعلم أن الخلاف أما أن يكون للشيخ كنافع أو للراوي عنه كقالون أو للراوي عن الراوي وان سفل كأبي نشيط عن قالون ، والقزاز عن أبي نشيط أو لم يكن كذلك..»
فان كان للشيخ بكماله أي مما اجتمعت عليه الروايات والطرق عنه فقراءة, وإن كان للراوي عن الشيخ فراوية, وان كان لمن بعد الرواة وان سفل فطريق, وما كان على غير هذه الصفة مما هو راجع إلى تميز القارئ فيه فهو وجه »
تعريف الاختيار (3): قال الدكتور نبيل آل إسماعيل : « هو الصورة أو الوجه الذي يختاره القارئ من بين مروياته ، أو الراوي من بين مسموعاته أو الأخذ عن الراوي من بين محفوظاته وكل واحد منهم مجتهد في اختياره »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر : منجد المقرئين ص 3 .
(2) إتحاف فضلاء البشر للدمياطي 1/102.
(3) علم القراءات ، ص 31 .
القراءات المقبولة والمردودة (2)
أنواع القراءات من حيث القبول والرد
تنقسم القراءات من حيث القبول والرد إلى قسمين اثنين :
1/ النوع الأول: القراءة المقبولة :
ذهب كثير من أهل الاختصاص ، وعلماء القراءات إلى أن للقراءة المقبولة شروطا ثلاثة :
1- صحة السند .
2- موافقة الرسم العثماني ، ولو احتمالاً .
3- موافقة اللغة العربية ولو بوجه من الأوجه .
قال العلامة ابن الجزري (1)
وصح إسنادا هو القـران *** فـهذه الثلاثة الأركـــان
وحيثما يختل ركـن اثبت *** شــذوذه لو انه في السبعة
الكلام على صحة السند :
المراد بصحة السند سلامتة من الانقطاع أو الضعف في رواته .
هل يكفي صحة السند لقبول القراءة أم لا بد من التواتر ؟
ذهب بعض العلماء وعلى رأسهم ابن الجزري إلى عدم اشتراط التواتر في القراءة وزعم أن اشتراط التواتر في كل حرف من حروف الخلاف فين به كثير من أحرف الخلاف الثابت عن السبعة وغيرهم »
قلت : والذي أراه أن التواتر لا بد من اشتراطه في القراءة القرآنية المقبولة فان العلماء مطبقون في تعريفهم للقرآن بأنه المنقول الينا بالتواتر .
وأما ما لم ينقل بالتواتر فهو وان كان صحيح السند ، فسيبقى خارج نطاق القرآن في تعريفه الاصطلاحي المطبق عليه وبهذا يزول اللبس الحاصل حول انفراد بعض السبعة أو غيرهم بأحرف لم يقرأ بها سواهم ، والله اعلم »
ومن أنواع القراءات المقبولة :
القراءة الصحيحة الإسناد التي لم تبلغ حدّ التواتر كالمشهورة والآحاد فهذه قراءات مقبولة لصحة أسانيدها ويستفاد منها في ترجيح رأي فقهي أو منحى نحوي وما سوى ذلك لا يبنغي أن يصار إليه كدعوى أن القراءة المشهورة أو الآحاد بلغت مبلغ القرآن الذي لا يُمارى فيه ويتعبد بتلاوته .
وأما القراءات المردودة :
فهي كل قراءة جاءت بسند غير صحيح أو خالفت الرسم العثماني أو اللغة العربية مع ضرورة الإشارة بأن القرآن حاكم على اللغة وليست اللغة بحاكمه على القرآن.
كلمة موجزة في القراءات الشاذة :
كثيرا ما يمر بنا بعض القراءات فلا نجد لها أصلا في كتب القراءات المعتمدة للسبعة أو العشرة فإذا أمعنّا النظر وجدناها في المحتسب لابن جني ،أو المختصر لابن خالويه وهما كتابان جمع فيها المؤلفان كثيراً من شواذ القراءات ! .
فما حقيقة القراءة الشاذة :
القراءة الشاذة هي – في نظرنا – ما لم تصح سنداً أو خالفت الرسم العثماني الذي هو محل إجماع الصحابة .
وأما مخالفة القراءة لقواعد العربية مع صحة السند وموافقة الرسم فإنّ النفس لا تطمئن إلى القول بشذوذ القراءة بمجرد المخالفة المذكورة ، وذلك لما قررناه بأن القرآن حاكم على قواعد اللغة ، ولا عكس والله أعلم