التصنيفات
الارشيف الدراسي

من مؤلفات فريد الأنصاري -للتعليم الاماراتي

بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل إلى الفطرية
من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام
ــــــــ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
((بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ. فَمَن يَهْدِي مَن اَضَلَّ اللهُ؟ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ! فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا. لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ. ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ. وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ!)) (الروم:29-31).
إهـداء..

إلى حُمَّالِ رِسَالاَتِ القُرآن..
السَّالِكِينَ بِهَا إلى اللهِ، تَعَبُّداً وبَلاَغاً..
الْمُكَابِدِينَ بِهَا مِحَنَ هذَا الزَّمَان!
إلى بَلاَبِلِ اللَّيالِي الْخُضْر..
الْمُرَتِّلَةِ خَوْفَهَا ورَجَاءَهَا بِمَحَارِيبِ السَّحَر!
إلى طَلاَئِعِ الْخُيُولِ الغُبْـر..
الْمُورِيَةِ بِسَنَابِكِهَا لَهِيبَ الفَتْحِ الْمُبِين
سَلاَماً وأمَاناً للعَالَمِين!
إلى أجْيَالِ الشَّبَابِ الصَّادِقِ الْمُؤْمِنِ.. ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ! وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً!﴾( )
إلَيْكُمْ سَادَتِي.. أُهْدِي هَذِهِ اللَّوَعَات..!
خادمكم المحب: فريد الأنصاري.

مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده؛ حتى أتاه اليقين.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد، فهذه خلاصة عملية مأخوذة من كتابنا الموسوم بـ: "الفطرية: بعثة التجديد المقبلة، من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام"، اقتصرنا فيها ههنا على الجانب العملي دون التنظيري؛ وذلك قصد تيسير التطبيق لحقائق "المنهاج الفطري"، للراغبين في الدخول بمدارج التزكية القرآنية بهذا المشروع الدعوي. وبيان ذلك هو كما يلي:
الفطرية دراسة في المفهوم والأركان
الفِطْرِيَّةُ: مصدر صناعي أخذناه من الفطرة. وهو دال – بمصدريته تلك – على معنى دعوي. أي على "فِعْلٍ" واقع في الفطرة ومن أجلها، سواء في النفس أو في المجتمع. ومن هنا سَكَكْنَاهُ مصطلحاً نعبر به عن مشروع دعوي عام، وعن تصور كلي للعمل الإسلامي، نرجو أن يوفقنا الله إليه. وهو ما نتوسل إلى محاولة ضبطه – في هذه الورقات – بمسمى الفطرية.
ولذلك جعلنا لها حَدّاً، وستةَ أركانٍ، وثلاثةَ مَسَالِكَ.
فأما حَدُّهَا فهو:
إِقَامَةُ الوَجْهِ للِدِّينِ حَنِيفاً، خَالِصاً للهِ؛ وذلك بِمُكَابَدَةِ القُرْآنِ ومُجَاهَدَةِ النَّفْسِ بِهِ تَلَقِّيّاً وبَلاَغاً؛ قَصْدَ إِخْرَاجِهَا مِنْ تَشَوُّهَاتِ الْهَوَى إلَى هُدَى الدِّينِ الْقَيِّمِ؛ ومِنْ ظُلُمَاتِ الضَّلاَلِ إلَى نُورِ الْعِلْمِ بِاللهِ.
فبناء على هذا التعريف؛ تكون "الفِطْرِيَّةُ" عملية إصلاحية وجدانية، تقوم أساسا على تصحيح ما فسد من فطرة الإنسان، المجبول أصلا على إخلاص التوحيد، وإصلاح ما أصابها من تشوهات تصورية وسلوكية، في شتى امتداداتها العمرانية.
ذلك مقتضى الآيات – عِبَارةً وإشارةً وسياقاً – من قوله تعالى، الجامع المانع في هذا المعنى العظيم: ((بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَن اَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ. فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا. لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ. ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ. وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.))(الروم:29-31).
و الفِطْرِيَّةُ دائرة من حيث المنهج على تلقي رسالات القرآن، من خلال تلقي آياته كلمةً كلمةً، ومكابدة حقائقه الإيمانية مَنْـزِلَةً مَنْـزِلَةً، إذ لا تَخَلُّقَ للنفس إلا بمعاناة! ولا تخلص لها من أهوائها إلا بمجاهدة! فالقرآن هو خطاب الفطرة، من حيث هي راجعة إلى "إقامة الوجه للدين"، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا). وقد كان ذلك – منذ كان – بتلقي آيات القرآن، وما تجدد قط في التاريخ إلا بتجديد التلقي لها، بناءً وتربيةً وتثبيتاً، على مُكْثٍ من الزمان.
ذلك هو المنهج الدعوي الأصيل الذي يصرح به القرآن: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً)(الفرقان: 32). (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنـزِيلاً)(الإسراء: 106). وتلك هي الحكمة الأولى من تنجيم القرآن على مدى ثلاث وعشرين سنة!
والمصطلح المفتاح لمنهج التعامل مع القرآن، في مدرسة "الفطرية"، هو مصطلح: "التلقي". لأن التربية القرآنية في مجالس القرآن لا تكون إلا بتلقي الرسالات الكامنة في الآيات! تلك الرسالات هي التي تتضمن حقائق الإيمان المقصودة بالتخلق والتحقق، في طريق الدعوة والسير إلى الله صلاحا وإصلاحا.
فمن قرأ سورة الإخلاص ولم يتخلق بالإخلاص، ولا هو تحقق به، فمعناه أنه لم يَتَلَقَّ سورةَ الإخلاص! ولا هو ممن تلاها حقّاً، ولو ظل يرددها آلاف المرات! (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ!)(البقرة: 121). وكذلك من قرأ المعوذتين ولم يتحقق بما فيهما من أمان، ولا نزلت عليه سكينتهما، فإنه لم يتلق شيئا من السورتين! ومن قرأ سورة الفاتحة ولم يجد نفسه قد تخلق بالحمد، ثم اندرج بمدارج "إياك نعبد وإياك نستعين"؛ طلباً لهداية الرضى والتثبيت، فإنه لم يتلق الفاتحة بعد!
بهذا المنهج إذن تتلقى عزيمتُك رسالةَ الكلمات، فتشعر بمعاناتها، ويتلقى قلبُك هدايةَ الآيات، فيشعر بمكابداتها، وتجد نفسَكَ أنك تترقى حقيقة بمدارج الإيمان، تشاهد ذلك وتبصره! فلا يمضي عليها إلا وقت وجيز حتى تراها – بإذن الله – قد تحولت إلى منـزلة أعلى من منازل الصلاح والإصلاح؛ فتتحول المعاناة إلى لذة، وتصير المكابدة إلى حلاوة! ويصير الخوف إلى أمان. وإنما الموفَّق من وفقه الله.
تلك هي الفطرية، وذلك هو منهاجها لمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً!
وأما أركانها فستة – هي مصطلحاتها المفتاحية – وهي:
1- الإخلاصُ مجاهدةً
2- الآخِرةُ غايةً
3- القرآنُ مدرسةً
4- الربانيةُ برنامجاً
5- العلمُ طريقةً
6- الحكمةُ صبغةً
فأما الركن الأول، وهو:
– الإخلاصُ مجاهدةً: فهو فَصُّ الفطرية، ومُحُهَّا الذي تنطوي عليه، بما هي محاولة لإعادة بناء النفس على ما بُنيت عليه أول ما خُلقت، وقد كان أول بنائها على الفطرة, وقد سبق أن أصل الفطرة الإنسانية إنما هو إخلاص التوحيد لله رب العالمين. فكان مدارُ الفطرية – دعوةً وتربيةً – إنما هو على إفراد الله جلَّ جلالُه بالعبودية، وحده دون سواه، ونبذ سائر ضروب الشرك والشركاء، ظاهرا وباطنا. فسائر الأعمال والعبادات في الإسلام إنما هي خادمة لهذا الركن الركين، وفروع لهذا الأصل العظيم. هو غايتها، وهو مقياس صحتها وفسادها. ولذلك وجب أن يُجعل الإخلاصُ – كما جعله الله في كتابه، وبَيَّنَهُ الرسولُ في منهاجه – مدارَ الدين والدعوة جميعا، وإلا صار العمل الإسلامي كله إلى انحراف وضلال!
إلا أن إخلاص التوحيد ليس مجرد معلومات تُلَقَّن، ولا منظومات تُستظهر، بل هو حقيقةٌ إيمانيةٌ عظمى، وخُلُقٌ قرآني عميق، لا يُنال إلا بمجاهدة ومكابدة! ولذلك قيدنا ركنيته ببيان طريقة التحقق به؛ بقولنا: "الإخلاصُ مجاهدةً". إذ مقتضاه راجع إلى معنى السير إلى الله على طريق الفناء في طاعته؛ لتحقيق خالص العبدية له وحده جل علاه، حتى لا يبقى منك شيء لسواه! فتجعل كل رغائبك وكل أهوائك وكل ذراتك، الظاهرة والباطنة، فانية في قصده هو جل جلاله، حتى يتحقق لك دوام الشهود لعبديتك الكاملة له، فلا تكون في شيء من عبادتك وعاداتك إلا بالله وله! (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايْ وَمَمَاتِيَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام: 162-163).
هذا هو المقصد الأساس من المدرسة القرآنية، والغاية الكبرى لبرنامج الربانية، والجامع المانع لمفهوم الفطرية. فمن أراد الإخلاص حقيقةً، وجب أن يتحقق بطريقة التخلق بمقامه، ومعراج الرقي إلى منـزله، وإلا كان ممن يتمنى على الله الأماني! وليس لذلك دون مكابدة القرآن ومجاهدة النفس به من سبيل! وإنما الموفق من وفقه الله.
وأما الركن الثاني، فهو:
– الآخِرةُ غَايةً: وهو ميزان الداعية المؤمن لتقويم صفاء دينه، وبوصلته لضبط مسار دعوته. وما ارتبط شيء في كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما ارتبط ركن الإيمان بالله بركن الإيمان باليوم الآخر! على نحو ما في قوله تعالى: (ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)(البقرة: 232). وهو في الكتاب والسنة أكثر من أن يحصى! إذ الإيمان بالآخرة هو حادي العبد إلى تحقيق منـزلة الإخلاص في إيمانه بالله جل علاه. ولذلك كان هذا البيان النبوي العجيب في رسم طريق الآخرة للمؤمنين، قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ في قَلْبِهِ، وجمعَ له شملَه، و أتته الدنيا وهي رَاغِمَةٌ! ومَنْ كَانَتِ الدُّنيا هَمَّهُ جعلَ اللهُ فَقْرَهُ بين عينيه! وفَرَّقَ عليهِ شَمْلَهُ! ولم يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ!)( )
فالحضور الأخروي الدائم في وجدان المؤمن يجعله آمنا من فتن الشهوات، ومن بريق الإغراءات، التي تفسد الدعوات وتدمر الحركات! وعدمُ العض على هذا المعنى العظيم في الإسلام بالنواجذ مُلْقٍ بالمرء – أنى كان موقعه الدعوي في العلم والعمل – إلى متاهات الضلال! ذلك أن قضية الحياة الآخرة هي جوهر العقيدة الإسلامية، ومآل العالم الوجودي كله! (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ!)(العنكبوت:64).
وإنما المؤمن الصادق بهذا الدين – بله الداعية إليه – رَجُلٌ أخروي بالقصد الأول! (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ؟ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ!)(التوبة: 38).
وتتميز الفطرية بأنها تجعل لكل حقيقة من حقائق الدين ما جعله الله لها من الحجم والقَدْرِ، في الصورة الكلية للإسلام ديناً ودعوةً. لأن ذلك من خصائص الفطرة، ومن صفاتها الذاتية، بما هي الهيأة الأولى للدين، قبل أن يصيبها التغيير والتحريف. ومن هنا كان الركن الثاني من أركان الدعوة الفطرية: "الآخِرةُ غايةً"، وقَيَّدْنَا بالغاية؛ حتى لا يبقى هذا المعنى حبيس التصورات النظرية في الجدل الكلامي، بل ليصبح هدفا محددا واضحا، لكل عمل إسلامي يُرْجَى به نيلُ رضى الله، والفوز بالنعيم المقيم في جنات الخلد، والنجاة من عذاب الجحيم. ألاَ جعلني الله وإياك يا صاح من الفائزين بنعمته، الداخلين في رحمته! (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ!)(الشعراء:88-89).
وأما الركن الثالث، فهو:
– القرآنُ مدرسةً: وهو الصبغة العامة للفطرية، بما هي قائمة أساسا على تلقي رسالات القرآن، سواء عبر برامج الربانية أو عبر مجالس القرآن. وقد تبين ألا إمكان لإصلاح الفطرة الإنسانية إلا بالقرآن، لأنه إنما أُنْزِلَ أساسا لهذا القصد الرباني العظيم. فالقرآن – بما هو كلامُ خالقِ الإنسان، العليم بأسرار تكوينه – هو كتاب إصلاح الفطرة الإنسانية وصيانتها. ومن هنا كانت الفطرية مدرسة قرآنية بالدرجة الأولى.
وأما الركن الرابع، فهو:
– الربانيةُ برنامجاً: وهو أحد مسالكها التربوية الرئيسة، الهادفة إلى تخريج طبقة الدعاة المربين، وهم طائفة الربانيين الحاملين لرسالة القرآن، المشتغلين بدعوته في الناس أجمعين، بما يقتضيه مفهوم الربانية من مقام إيماني عظيم، وفقه دعوي متين. ولذلك جعلنا لها برنامجا قرآنيا خاصا، استقريناه من مجموع الآيات الدالة على أخلاق الربانيين، وخصوص منازلهم الإيمانية، وما تقتضيه من العلم والحكمة، معزَّزاً بالبيانات النبوية، الرامية إلى تخريج أئمة الهدى في الدين.
وأما الركن الخامس، فهو:
– العلمُ طريقةً: وهو راجع إلى كون العلوم الشرعية أساسا، ومناهجها الاستدلالية والاجتهادية، وقواعدها النقدية والتأصيلية، هي المسلك الأساس لبناء علم الناس بالله وبدينه، عقيدةً، وشريعةً، وتربيةً وسلوكاً. فلا مكان في الفطرية للخرافية، ولا للأهوائية الشخصانية. ومن هنا وجب أن تحمل رسالات الفطرية، لكل المسلمين، الحد الأدنى من العلم الشرعي، الذي لا يُعبد الله إلا به، عقيدةً وشريعةً. وذلك هو المسمى عند العلماء بـ"المعلوم من الدين بالضرورة"، أو "ما لا يَسَعُ المسلمَ جهلُه". ثم تحرض – في الوقت نفسه – نبغاء الشباب على تحقيق واجب الوقت، من التفرغ لطلب العلم الشرعي، بشروطه التخصصية؛ وذلك لمد الأمة بأجيال العلماء الربانيين، على ما بيناه في كتابنا "مفهوم العَالِمِيَّةِ". فذلك هدف استراتيجي، وجب أن يكون عمودا فقريا، في كل مشروع دعوي، انتصب لتجديد الدين بصدق وبجدية. وما التوفيق إلا بالله.
وأما الركن السادس، فهو:
– الحكمةُ صبغةً: وهو صمام الأمان لسير العمل الدعوي. وقد كان غياب الحكمة سببا رئيسا في هلاك كثير من الدعوات واندثارها، أو انحرافها. والحكمة في العمل الدعوي هي: "اتخاذ الإجراء المناسب، في الوقت المناسب، بالقَدْرِ المناسب". فهي إذن راجعة – في النهاية – إلى كلمة واحدة جامعة هي: حُسْنُ التَّقْدِيرِ والتدبير.
ويُتَحَقَّقُ منها بأمرين، أحدهما كسبي والآخر وهبي. فأما الكسبي فهو: الفقه في الدين بمعناه المنهجي، وخاصة منه ما يسمى عند الأصوليين بفقه "تحقيق المناط" عَامِّهِ وخاصِّه( )، ويدخل فيه فقه الأولويات وفقه الموازنات، وما يندرج فيهما من قواعد التدرج والتلطف والتترس.
وأما الوهبي فهو: راجع إلى التخلق بمقامات التقوى والورع، إذ هي سبب وضع المؤمن في منـزلة التعرض لنفحات الله، التي تفتح البصائر وتنير السرائر. وهو معنى الفرقان في قوله تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(الأنفال: 29). وكذا قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: 282). وفي هذا السياق أسند الله تعالى فعل إتيان الحكمة لنفسه تعالى؛ لنفي مطلقِ كسبيتها عن الإنسان، وهو قوله تعالى: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)(البقرة: 269).
وقد كان شيخ المقاصد أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله – بما فتح الله له من العلم والحكمة – من أمهر العلماء الربانيين فقهاً لهذه الحقائق وتعبيرا عنها، بشقيها الكسبي والوهبي. وقد وردت عنه في ذلك إشراقات عجيبة، في نصوص شتى من كتابه الرائد الموافقات. ولنا أن نختار منها هذا النص الفريد، قال – رحمه الله – في وصف العالم الرباني الحكيم أنه: (لاَ يَذْكُرَ للمبتدئ من العلم ما هو حظ المنتهي! بل يربي بصغار العلم قبل كباره. وقد فرض العلماء مسائل، مما لا يجوز الفتيا بها، وإن كانت صحيحة فى نظر الفقه! (…) وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت فى ميزانها؛ فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله! فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة؛ فاعرضها فى ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها، إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم. وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ؛ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية!)( ).
وهذه منـزلة من العلم الرباني، وجب على الداخل في مدرسة الفطرية أن يحرص على التحقق بأسبابها، والتخلق بشروطها؛ عسى أن يكون من أهلها، ولو على مستوى المنهج في المجال الدعوي، إن لم يكن من أهل الاختصاص الشرعي والاجتهاد الفقهي. ومدرسة القرآن بما هي مَشْرَبٌ رباني صاف، كفيلة بتحقيق ذلك للصادقين من طلابها، بما يجعل الحكمة – بإذن الله – صفة جوهرية في التصرفات الدعوية لأبنائها؛ ولذلك جعلنا الركن الأخير من أركانها: (الحكمة صبغةً). كذلك، والله الموفق للخير والمعين عليه.
تلك إذن هي أركان الفطرية الستة. ونحسب أن الدخول في برامجها القرآنية، من خلال مسالكها التربوية، كفيل بالتحقق التلقائي بها، ركنا ركنا. وإنما ذكرناها ههنا معزولة من باب ذكر المقاصد قبل الوسائل؛ حتى تكون تلك عونا على حسن تطبيق هذه. والله المستعان.
المسالك التربوية للفطرية
وأما المسالك التربوية للفطرية فثلاثة، وهي:
1- مجالس القرآن لتلقِّي حقائق الإيمان، والتخلق بمقتضياتها.
2- بلاغ رسالات الله بدعوة الناس إليه.
3- رباطات الفطرية، بما تتضمنه من صلوات وأوراد معنوية؛ للتغذية الفردية.( )
وبيان ذلك هو كما يلي:
الْمَسَالِكُ التربويةُ لتجديدِ بناءِ الفِطْرَةِ، هي: مجموعة من المسالك التعبدية التي تقود العبد إلى الله، فَتُقَوِّمُ مَا شَاهَ من أخلاقه وطباعه، وتُصلح ما فسد من مزاجه وأفكاره؛ ليستقيم على خالص فطرته، وصفاء سريرته، عبداً خالصاً لله، ثم ترتقي به عبر مدارج الربانية؛ إلى أن يتخلَّقَ بِمَقَامِ الصِّدِّيقِيَّةِ – إن شاء الله – ويتَحَقَّقَ بِه.
وهي ثلاثة مسالك، نوردها كما يلي:
– المسلك الأول: الدخول في مجالس القرآن
وهي مجالس تربوية لِتَلَقِّي آيات القرآن، والتخلق بأخلاقها وبحقائقها الإيمانية، والتحقق بها، تعلما وتعليما، وتدبراً ومدارسةً. وهي تقوم على وظائف النبوة الثلاث، التي هي:
1- التلاوة بمنهج التلقي
2- التزكية بمنهج التدبر
3- تعليم الكتاب والحكمة بمنهج التدارس( ).
ويستعان على إعداد القلب وتهيئته للتلقي بقيام الليل، ولك أن تختار لنفسك ليلة – على حسب ظروف عملك – تقوم فيها بنحو مائة آية من القرآن( )، مرة كل أسبوع على الأقل، عسى أن يصير ذلك لك عادةً يومية، تتنقل خلالها عبر منازل القرآن. وإذا أمكن أن نتحدث – في بداية الطريق – عن "تحقيق المناط التربوي"؛ فإنه يحسن الإكثار من القيام بسورة الفرقان في الركعة الأولى، وبسورة الحديد في الركعة الثانية، أو بسورة الملك؛ وذلك لما لهذه السور وأمثالها من ترياق عظيم لأمراض هذا العصر العصيب!
كما يحسن أن تكون سورةُ الفرقان خاصة، مما يُبدأ بتعلمه من القرآن الكريم، حفظاً ومدارسةً وتدبراً؛ لأنها باب عظيم من أبواب القرآن، ومدخل فسيح من مداخله الكبرى. مَنْ تَخَلَّقَ بحقائقها الإيمانية، وتحقق بمنازلها الربانية؛ نال من كنوزه الوفيرة فضلا عظيما! إذ فيها من الأسرار العَجَبُ العُجَابُ، عيونا تتدفق بالأنوار واللطائف والبركات، من بدايتها إلى نهايتها؛ بما يكفي السالكَ ويُمَكِّنُهُ – بعد تخلقه بأخلاقها وتحققه بمنازلها – أن يلج إلى مسالك القرآن جميعها! ويكون من (عباد الرحمن) حقيقةً!( )
ويلحق بهذا المسلك فرع أصيل، وهو مجالس قرآنية لتخريج الدعاة القائمين على مجالس القرآن في الناس، والمؤطرين لها. يعتمدون فيه برنامجا تربويا خاصا، منتقى من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو:
– برنامج الربانية لتخريج الدعاة
إذ الربانية: هي مرتبة الإمامة في مجاهدة النفس بالقرآن، على الالتزام بحقائقه الإيمانية، والتخلق بِحِكْمَتِهِ الرحمانية؛ إخلاصاً للهِ أولاً؛ حتى تفنى في دعوتها عن كل حظوظها، فلا يقوم شيء منها إلا لله وبه! ثم شهادةً بذلك على الناس، تربيةً ودعوةً، ثم صبراً واحتساباً.
والربانيون هم الأمناء على هذا المنهاج الدعوي، والقائمون به في المجتمع، والحاملون رسالته، تربيةً ودعوةً، على ما قرره القرآن الكريم في غير ما آية، من مثل قوله تعالى: (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ.)(آل عمران:79). وقوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيئُونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً)(المائدة:44).
وكذا قوله سبحانه: (لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِيسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)(المائدة: 63).
وقد أورد الإمام البخاري – رحمه الله – في صحيحه قولاً تفسيريا لابنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قال: ("كُونُوا رَبَّانِيِّينَ": حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ). وقال الإمام البخاري بعد ذلك شارحا: (وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ: الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.)( ).
ومن هنا فالأمة في حاجة ماسة إلى تخريج طائفة عريضة من هذه النماذج الدعوية، وبثهم في كل منطقة وقطاع؛ للقيام بدور تجديد الدين، على موازين العلم والحكمة( ).
– المسلك الثاني: بلاغ الرسالات.
وهو راجع إلى واجب الالتزام الدعوي للإنسان المسلم. وذلك لِمَا تعلق به من أهم صفات ما انتسب إليه من الإسلام: "الرسالية". قال – صلى الله عليه وسلم – في أمر مطلق لكل الأمة: (بَلِّغُوا عني و لو آيةً!)( ). ومن هنا كان المجتمع الإسلامي كله جماعة دعوية بطبيعته، وحياة إصلاحية بفطرته. إنه مذ أعلن أنَّ محمداً رسول الله، تقلد – بمقتضى عقيدة الاتباع – مهمة الدعوة إلى الله. فليس عبثا أن يحض النبي صلى الله عليه وسلم – بكل وسائل التحريض والتشجيع – على الدعوة إلى الخير والهدى، كما في قوله: (فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ!)( ).
ومن هنا شهادة الله بالخيرية لهذه الأمة، في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(آل عمران:110). إنها صفة عامة في كل من أسلم لله الواحد القهار، كل ينال منها على قدر طاقته ومسؤوليته.
لكن لا بد من بيان أن البلاغ اليوم في المسلمين ليس بلاغ (خبر) هذا الدين. فذلك أمر قام به الأولون. وما بقي اليوم صقع في الأرض لم تبلغه قصة الرسالة الإسلامية، على الجملة. وإنما المسلمون اليوم في حاجة إلى "إبصار". إبصار الحقائق القرآنية التي تتلى عليهم صباح مساء، وهم عنها عمون، على نحو ما وصف الله سبحانه في قوله: (وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)(الأعراف:198)، وقوله سبحانه: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)(يوسف:105). فالبلاغ الذي نحن في حاجة إليه إنما هو بلاغ التبصير، لا بلاغ التخبير.
وأما مادته فما ذكرناه من أصول الرسالة القرآنية، وبلاغات القرآن( ): من اكتشاف القرآن العظيم، والتعرف إلى الله والتعريف به، واكتشاف الحياة الآخرة، واكتشاف روح الصلوات وحفظ الأوقات، وحقيقة الدعوة إلى الخير، وحكمة اتباع السنة؛ تزكيةً وتعلماً وتحلماً. ومفاتيح ذلك كله في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتلك هي وظيفة مجالس القرآن.
ومعلوم أن من أهم الوسائل الدعوية ذات الأثر العميق، خاصة في هذا العصر، إنما هي تأسيس "مجالس القرآن" كما وصفنا وبينا، وتكثير حِلَقِهَا وسوادها في الأمة؛ حتى تصبح جزءا أساسيا من حركة النسيج الاجتماعي العام، وتلون كل شرائحه الاجتماعية، على اختلاف طبقاتها وقطاعاتها. فالداعية المسلم يدعو إلى الله كلَّ الناس، وفي كل مناسبة، ومن على كل منبر! لكن "مجلس القرآن" في النهاية، هو أساس التزكية والتعليم، ومحضن التربية والتكوين، وضمان السير إلى الله. ومن هنا كان مسلك "بلاغ الرسالات" إنما يتم بالرجوع إلى مسلك "مجالس القرآن" تأسيساً وتوسيعاً.
– المسلك الثالث: رِبَاطُ الفِطْرِيَّةِ، بما يتضمنه من صلوات وأوراد معنوية؛ للتغذية الفردية. وما يلزم عن ذلك كله من فعل الصالحات وترك الموبقات.
فرباط الفطرية: هو أعمال واجبات، وتروك لازمات، وأذكار مندوبات، مما صح أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – التزمه وداوم عليه. فالرباط الفطري هو معراج المؤمن الدائم إلى الله، وحصنه المنيع من كل فتنة أو آفة! ولذلك فهو يتضمن بالأساس، أفعالاً واجبةً وأخرى محرمةً – من المعلوم من الدين بالضرورة – يلتزمها المؤمنُ فعلاً وتركاً أبداً، على أنها أذكار معنوية تُذَكِّرُهُ أبداً بالله؛ إذْ لا يصح سيره إلى الله إلا بها، كما سترى بمحله إن شاء الله. والغايةُ منه إنما هي إصلاح صورة النفس بتهذيبها وتشذيبها، وكذا تزكيتها بتغذية لطائفها؛ حتى تعود إلى أصل فِطْرَتِهَا.
وقد سمى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الاشتغال بالصلوات الخمس، وبكل ما تعلق بها من وضوء، ومشي إلى المساجد، وما انبنى عن ذلك كله من سوابق ولواحق من الاستعدادات والعبادات: "رِبَاطاً". ففي الحديث الصحيحِ من رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِه،ِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ! فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ! فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ! فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ!)( )‌.‌
فكون الصلاة والاشتغال بمقدماتها وتوابعها "رباطا"، بهذا الشمول التربوي الجامع، إنما هو باعتبارها صلةً للعبد بربه، وعاصما له من الزلات والغفلات! فهي لذلك فعلٌ وترك. وهي ذكر دائم لله. فذلك هو "الرباط". وتلك هي غاية كل فعل تربوي في الإسلام. ولذلك كانت الصلاة أعظم شعيرة عملية في الدين! فهي أم الالتزامات والأوراد، وأساس كل الأذكار اللفظية والمعنوية جميعا. فالصلاة إذا تحقق بها العبد صدقا، وتخلق بمقاصدها الشرعية حقا – كانت عبادة جامعة مانعة! واقرأ إن شئت قوله تعالى: ((اُتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ! إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ! وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ! وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ!))(العنكبوت: 45). وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ! فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ! فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ!)
ومن هنا فإننا لم نعتمد في هذا المسلك سوى منهاج السنة النبوية الصحيحة. التي اشتغلت – في مجال إصلاح النفس – بالمعاني أساساً. حيث إنَّ الذِّكر على نوعين، هما: الذِّكْرُ العَدَدِيُّ والذِّكْرُ المَعْنَوِيُّ. فالعددي: هو الذي يرهن فيه المسلم نفسه بأعداد هائلة من الأذكار، تسبيحا وتهليلا واستغفارا… إلخ، بلوغا إلى الآلاف! وعلى هذا كان أغلب طرق الصوفية من المتأخرين خاصة. وتلك طريق طويلة محفوفة بالمخاطر! وقلما تصل بصاحبها إلى بر الأمان.
وأما النوع الثاني فهو: الذِّكْرُ الْمَعْنَوِيُّ.
وهو قائم أساسا على قصد ربط المؤمن بربه أبداً، بالأقوال والأفعال والتروك. حيث يجتهد العبد ليحقق في كل حركة، وفي كل كلمة، وفي كل هيأة، من سائر الأفعال والتروك التعبدية التي يدخل فيها، معناها الذي شُرعت له؛ فيكون بذلك في أعلى مقامات الذِّكْرِ. ولذلك كانت الصلاة مثلا بهذا المعنى ذِكْراً، كما في قوله تعالى: (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)(طه: 14)، وكان القرآن أيضا بهذا المعنى ذِكْراً، كما في قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(النحل: 44)، كما كان ترك الكبائر والموبقات – كلما عرضت للمؤمن – ذِكْراً أيضا؛ لأن الوقوع فيها آنئذ لا يكون إلا غفلة منه عن إيمانه، وهو ضد معنى الذكر. ومثاله الواضح ما ورد في الحديث النبوي المتفق عليه، من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن!)( )، وذلك لما لهذه الأفعال والتروك وأضرابها جميعا من تغذية قوية للقلب، وإمداد له بحقائق الإيمان، وهو معنى الذكر وغايته.
فإذا أُخِذَ الذِّكْرُ العددي بموازينه الثابتة في السنة الصحيحة، وطُبق على هذا الميزان، كان ذكرا معنويا أيضا، وكانت عدديته تابعة لهذا القصد. لأن الأذكار النبوية التي بنيت على أعداد معينة إنما جعلتها وسيلة لتعميق المعاني أساساً، ولضمان تغذية القلب بها. فالأعداد فيها تابعة للمعاني والعكس غير صحيح.
وذلك هو الذكر السُّني النبوي. ولذلك ما ثبت في السنة منه إلا ما يدور على المرة الواحدة والثلاث ثم العشرة حتى المائة، على أقصى تقدير. ولم يرد ما يجاوز ذلك ليبلغ المئات بله الآلاف! إذ القصد الشرعي من الذكر إنما هو ربط القلوب بالله، والترقي بها عبر مدارج الإيمان. وهذا إنما يتم بالتحقق والتخلق بالحقائق الإيمانية والصفات الربانية. ولا يكون ذلك إلا بالإبحار في سفائن المعنى، تركيزا على قليل الألفاظ، المكتنـزة بالحقائق الروحية، والمتدرجة بالعبد تربيةً وتزكيةً في طريق السير إلى الله، بما تتيحه له من التدبر والتذكر، والتغذية الإيمانية المنقطعة النظير، التي تقوم بإعادة بناء عمرانه الروحي، وترميم حصنه النفسي. عسى أن ينجح في ابتلاءاتها في مجال التدافع الاجتماعي، والافتتان الدنيوي من أمور المال والأعمال، وسائر معارض الشهوات ومواطنها.
وعلى ذلك المنهاج كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يدرب أصحابه ويعلمهم. وشواهده في السنة كثير، بل ذلك هو فعله – عليه الصلاة والسلام – في نفسه بنفسه. ويكفينا من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه، من حديث أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رَضِيَ اللَّهُ عَنها أن النبي – صلى الله عليه وَسَلَّم – خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها – يعني وهي تُسَبِّحُ – ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة على حالها، فقال: (ما زلتِ على الحال التي فارقتك عليها؟) قالت: نعم. فقال النبي صلى الله عليه وَسَلَّم: (لقد قلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وُزِنَتْ بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: "سبحان الله وبحمده، عددَ خلقِه، ورِضَا نفسِه، وزِنَةَ عرشِه، ومِدَادَ كلماتِه!")( )
ومعلوم أن الكثرة من ذلك تُفْقِدُ اللفظَ حقيقتَه في النفس، وتخرجه عن منهاج السنة النبوية؛ فتحتجب أسرارُه وتغيب أنواره! إذْ أن تضخيم جانب من جوانب الدين – بما يخرجه عن أصله المسنون – يؤدي قطعا إلى ضمور جانب آخر، ربما كان أوجب في الدين وأهم. والحكمةُ إنما هي إعطاء كل شيء قَدْرَهُ الذي أعطاه الشرع له.
وعلى هذا المنهج بنينا ما جمعناه من "أوراد الفطرة" للعمل اليومي، في "رباط الفطرة" الدائم. وهو أربعة التزامات:
– الالتزام الأول: شهود الصلوات الخمس والتزام رباطاتها
وذلك بمجاهدة النفس في كل صلاة من الصلوات الخمس؛ للتحقق من مقام العبودية خشوعاً فيها؛ حتى تجد فعلا أنك بين يدي الله جل جلاله! تناجيه ثم تركع له وتسجد، بما هو ربك ورب العالمين، وبما أنت عبده المتبتل بين يديه! فهذا جوهر هذا المسلك وحقيقته. فكل صلاة ضاع منها شهود المناجاة لله رب العالمين، فَقَدَتْ معنى كونها مسلكا تعبديا، ووردا تربويا. بل فقدت معنى كونها صلاة على الحقيقة! فعن أنَسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ أحَدَكُمْ إذَا قَامَ في صَلاَتِه فإنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ!)( ) وفي رواية أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما: (إنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ؛ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ!)( ). وفي صيغة لأبي هريرة خاصة: (فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ يُنَاجِيهِ!)
وإنما ذلك يكون بثلاثة أمور، أولها: تحقيق تكبيرة الإحرام ابتداءً، حيث يكون شهود العبد لحقيقتها تخلصا من مؤثرات كل الأغيار، وإشهادا للقلب مقامَ الوقوف بين يدي الواحد القهار! وأما الثاني: فهو شهود مقام (إياك نعبد وإياك نستعين) – عند قراءة الفاتحة – بما هو تحقيقٌ عميقٌ لإخلاص العبادة لله رب العالمين، وحده دون سواه، وبما هو تجميعٌ للقلب على توحيد المعبودية في ذات الله جل علاه. وأما الثالث: فهو تحقيق الخضوع في هيئتي السجود والركوع؛ لتذوق مواجيد العَبْدِيَّةِ لله. وذلك مفض إلى مشاهدة معاني كل حركات الصلاة وتسبيحاتها، فإن لكل هيئة مَقَاماً ولكل عبارة حالاً. ذلك أنه إذا استقامت هذه الثلاثة للعبد في صلاته استقام له كل أفعالها وأقوالها؛ لِمَا لتلك من تأثير كبير على صلاح باقيها قولا وعملا؛ وبذلك تكون الصلاةُ وِرْداً تربويا حقيقيا، ينهى صاحبَه عن الفحشاء والمنكر فعلاً، ويعرج به عبر منازل الإيمان. ولا معراج أسرع في الوصول إلى الله من الصلاة!
ومما يعطي للصلاة عمقَها الروحي عُمْرَانُ سجودِها – بعد التسبيح – بخالص الدعاء! وإنه لا يذوق معنى السجود حقا، ولا يستفيد من أنواره الفياضة على القلب، إلا مَنْ وَضَعَ جبهته على الأرض خاضعا لله، ومتذللا بين يديه تعالى بِأَحَرِّ الدعواتِ وأَخْلَصِهَا! وحَرِيٌّ بالمؤمن أن يذكر هَدْيَ النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (أَقْرَبُ ما يَكُونُ العبدُ من رَبِّهِ وهو ساجدٌ؛ فأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ!)( ) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( فأمَّا الركوعُ فَعَظِّمُوا فيهِ الرَّبَّ! وأمَّا السُّجُودُ فاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ؛ فَقَمَنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ!)( ).
وأما التزام رباط الصلاة فإنما القصد به المساجد حيثما كانت. وذلك ببذل غاية الوسع لأداء الصلاة المفروضة بها. قال اللهُ جَلَّ عُلاه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)(النور:36 ـ 38). ذلك ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالرباط)، في حديثه المذكور قبل.
– الالتزام الثاني: في المختار من الذِّكْرِ العَدَدِيِّ
صيغ الأذكار اللسانية الواردة في السنة الصحيحة كثير، وللمؤمن أن يختار منها ما يشاء، على حسب حاجته وعلته، إذ لكل داء دواء. وهذا نوع من تحقيق المناط الخاص، كما عبر عنه الإمام الشاطبي رحمه الله. إلا أنه ثبت باستقراء تلك الصيغ والأذكار، أن منها ما يمكن اعتباره أصولاً للذكر في الإسلام، مما اطرد العمل به، أو تواتر الأمر به في نصوص القرآن الكريم وبيانات السنة النبوية الصحيحة، ومما اشتهر محكيا في كتاب الله على ألسنة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ومما مُدِحُوا بالتزامه والمداومة عليه بالغدو والآصال. وصيغه جميعها – باختلاف عباراتها – تدور على الإجمال حول أربعة أصول:
أولها: الاستغفار، وثانيها: التهليل، وثالثها: التسبيح، ورابعها: الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم.( )
ولا شك أن غيرها من الأذكار النبوية كثير، لكننا نحسب أن هذه المحاور الأربعة المذكورة – لأصليتها، ولتواتر الأمر والعمل بها – هي مما لا يجمل بالمؤمن أن تخلو أوراده منه. ومن هنا كان لك – أخي المحب في الله – أن تتوسع ما شئت في الذكر، على حسب حاجتك وطبيعة علتك؛ بشرط الالتزام بالمنهج المسنون قولاً وعملاً. عسى أن تكون على الفطرة.
وعليه؛ فلك أن تختار من صيغ الأصول الأربعة الصيغ النبوية التالية، تركب منها لنفسك وردا يوميا، وذلك على نحو ما يلي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا. لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ. ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ. وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.))(الروم:29-31).( )
– اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عليَّ وأبُوءُ بِذَنْبي، فاغْفِرْ لي فإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ.(1 مرة)( ).
– أستغفر الله الذي لا إلـه إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه. (1 مرة)( ).
– أستغفر الله وأتوب إليه. (100 مرة)( ).
– لاَ إلَـهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ ولَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (10 مرات)( ).
– لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ ( 3 مرات)( ).
– اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، وَالْحَمْدُ لله كَثِيراً، وَسُبْحَانَ الله بُكُرَةً وأصِيلاً (3 مرات)( ).
– سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، ورِضَا نفسِه، وزِنَةَ عرشِه، ومِدادَ كلماتِه (3 مرات).( )
– سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ. (50 50 + = 100)( ).
– اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وعَلَى آلِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ علَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعلى آل سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كمَا بَارَكْتَ علَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، في العَالَمِينَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.(1 مرة)( ).
– اللَّهُمَّ صَلِّ وبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وسَلِّمْ تَسْلِيماً. (10 مرات).
– يَاحَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ! أصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ! يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ!(3 مرات)( ).
– وَارْضَ اللَّهُمَّ عن ساداتِنا أصحابِ رسولِ الله أجمعين، خصوصاً الأنصارَ والمهاجرين، والخلفاءَ الراشدين، أُمَرَاءَ المؤمنين: أبَا بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثْمَانَ، وعَلِيّاً. وعلَى كُلِّ من اسْتَنَّ بِسُنَّـتِهِمْ، واقْتَدَى بِهَدْيِهِمْ، من التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم انفعنا بمحبتهم، وثبتنا على سنتهم، ولا تخالف بنا عن نهجهم، واحشرنا في زمرتهم، مع رسولك الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم.
اللهم اجعلنا على هُدَاهُ ثابتين، لاَ مُبَدِّلِينَ ولاَ مُغَيِّرِينَ، حتى نلقاك مُقْبِلِينَ على وجهك الكريم، تائبينَ مُتَطَهِّرِينَ، رَاضِينَ مَرْضِيِّينَ، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ يَا رَبَّ العالمينَ. آمين.
– سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، أستغفرك وأتوب إليك.( )ــانتهى.
هذا، ولا تنس أخي المؤمن – في سياق الذكر – الالتزام بأدعية اليوم والليلة، كدعاء النوم والاستيقاظ منه، وأدعية الخروج والدخول والسفر، وسائر الأحوال، مما هو مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كما أن على المؤمن أن تكون له أوقاتٌ مع ربه؛ لمناجاته جَلَّ جَلاَلُهُ، ورفع أكف الضراعة إليه تعالى، بالأدعية التي يجد فيها العبدُ علاجا لقلبه وغذاء لروحه. ولا يجوز لأهل الدعوة خاصة، أن تخلو حياتهم من هذا! إذِ الدعاء هو من أهم الزاد اليومي للعبد السائر إلى الله، ومن أهم أسباب الفتح والنصر.( ) وقد ثبتت في ذلك أحاديث وفيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ!)( ). وقد فصلنا في تأصيل هذا – في غير هذا الموطن – بما فيه الكفاية إن شاء الله.( )

يتبع ………….. الدكتور فريد الأنصاري ………. اقرأ له تستفد …. موقع الفطرية

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *