كان الإنسان يعتمد في رحلاته وتنقلاته من موقع لآخرعلى ما يختزنه في ذاكرته من الصور الذهنية عن معالم الطريق والاتجاهاتوالمسافات بين تلك المعالم،ومن أجل أن لا يفقد من تلك الصور الذهنية شيئاًلجأ الإنسان إلى رسم صور موجزة على شكل مخططات لتلك المعالم،يهتدي بها فيرحلاته،فكانت بذلك الخريطة.
فمنذ القدم استعان الإنسان بتوزيع الظاهرات الطبيعية والبشرية بالوصف والرسم،لقد رسم على الأرض بالعصا أو بالإصبع ليوضح الطريق لغيره،برسم أهم الظاهرات التي يمر بالقرب منها،ثم تطور ثم تطور الأمر وأصبح يرسم على قطع من الحجارة والعظام أو الخشب أو الجلود،إلى أن أصبح في الوقت الحاضر ترسم على الورق وغيره.
وقبل أن نتناول دراسة الخريطة من حيث التعريف، الأهمية، والأنواع يجدر بنا تتبع نشأة وتطور الخرائط وإسهامات بعض الشعوب المختلفة في هذا المجال ، ومن هذه الشعوب:
فلقد واكبت عملية رسم الخرائط الإنسان منذ القدم، حيث إن الآثار التي خلفها سكان بلاد ما بين النهرين وقدماء المصريين والصينيون والمسلمين غيرهم منذ أزمنة تحتوي على خرائط قيمة.إن هذه الأشياء تؤكد لنا شدة اهتمام القدماء بالخرائط.
سكان بلاد ما بين النهرين:نتيجة لتواجدهم في منطقة يغلب على سمائها الصفاء وقلة وجود الغيوم، معظم أيام السنة، فإن علماءهم قد برعوا في علوم شتى وفي مقدمتها الرياضيات والفلك.ومن المعروف أن هذين العلمين لهما اتصال مباشر ووثيق بعلم الخرائط. وبما أن الملكيات الزراعية كانت فردية، فإن الحكومات المختلفة قد حرصت على جمع الضرائب التي كانت تفرضها.لذا فإن رجال الحكومة قد استخدموا خرائط الملكيات الفردية التي عرفت فيما بعد بالخرائط الكدسترالية.
وكذلك المصريون القدماء، قد برعوا في رسم خراط الملكيات الزراعية التي ساعدت الدولة في تقدير كمية الضريبة المستحقة على كل مالك، لقد كانت هذه الخرائط في منتهى الدقة وبنيت أشكال وأبعاد ومساحات الملكيات الفردية بكل وضوح.
وبالتأكيد هناك فضل كبير على المسلمين في تطور علم الخرائط فقد برع علماء كُثر نذكر منهم المقدسي واضع أسس الخرائط الطبوغرافية، والإدريسي ويعتبر أحد أعلام مرحلة هامة من مراحل تاريخ علم الخرائط في العصور الإسلامية فقد رسم خريطة للعالم على هيئة دائرة، وبالطبع لا ننسى البحار أحمد بن ماجد وله فضل كبير في وصف طرق الملاحة البحرية، هناك الكثير منهم برعوا فيس علم الخرائط ولهم أثر كبير في تطور هذا العلم.
ومن خلال معرفتنا لاستخدام وتطور الخرائط في القدم، يجدر بنا التعرف على معنى كلمة الخريطة.فلقد كان لفظ الخريطة عند العرب يعني كيساً أو حقيبة من الجلد أو القماش تستعمل لحفظ الأشياء, وهذا يعني أن اللفظ كان موجوداً لدى العرب ولكن مدلوله لم يكن مدلول الخريطة التي نعرفها الآن.وقد كان بعض الجغرافيين العرب يستعملون كلمة الصورة أو المصور الجغرافي أو لوح الترسيم بدلاً من كلمة خريطة المعروفة لنا حالياً.ويرجع استعمال لفظ الخارطة أو الخريطة في اللغة العربية إلى زمن محمد علي باشا والي مصر، حيث عربت كلمة (كارت) الفرنسية إلى لفظ الخارطة. والخريطة هي:عبارة عن قطعة مستوية من الورق أو القماش أو الجلد أو غيرها تمثل جزءاً سمن أو كل سطح الأرض.
ومن ناحية أخرى للخرائط أهمية بالغة في حياتنا، ولقد زادت أهميتها في وقتنا الحاضر بحيث أنها لم تعد ضرورة فقط للباحثين أو طلاب علم الجغرافيا فقط ذلك لأنها أصبحت أداة ووسيلة لأناس كثيرين غيرهم.ولا عجب أن نجد أن الخرائط قد أضحت من أهم أدوات الطيارين و الضباط والبحارة والمهندسين والمدرسين والمسافرين، وحتى رواد الفضاء فلقد اهتموا بقراءة واستعمال الخرائط،وهناك الكثير غيرهم لا يستغنون عن استعمال الخرائط.
ومن الملاحظ أن استعمالنا للخرائط في عالمنا العربي محدود للغاية.ويعتقد الكثير من أبناء أمتنا العربية أن حيازة خريطة لمنطقة ما أثناء السفر قد يثير اشتباه رجال الأمن وحراس الحدود في أمرهم.و لربما يرجع ذلك إلى الظروف الحرجة التي تمر بها فلسطين وحالة الحرب التي بينها وبين الدولة الصهيونية.
إن الخرائط الموجودة الآن تفوق من حيث الكمية والنوعية أضعاف المرات كل الخرائط التي رسمت منذ الأزل حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ويمكن تقسيم الخرائط إلى أنواع مختلفة وفقاً للأسس التي اتخذت عند رسم الخريطة. ولعل أهم أنواع التقسيمات الخرائط من حيث النوع ما يلي:
أ)تقسيم الخرائط إلى خرائط عامة وأخرى متخصصة:
تحفل الخرائط العامة بيانات متعددة عن الظاهرات الطبيعية والبشرية بصورة مبسطة وعامة، ولا تكون هذه الخرائط مليئة بالتفاصيل الدقيقة.أما الخرائط المتخصصة فهي التي ترسم من أجل إبراز وتوضيح ظاهرة واحدة أو أكثر بصورة مركزة.ومن أمثلة هذا النوع خرائط توزيعات السكان، خرائط السلع والمنتجات الاقتصادية، وخرائط المدن.
ب)تقسيم الخرائط حسب مقياس الرسم:
تتنوع الخرائط أيضاً تبعاً لمقياس الرسم الذي استخدم أثناء رسمها وتوقيع المعلومات عليها.وتوجد، في العادة، ثلاثة أنواع من الخرائط في ظل هذا التقسيم وهي:
1-خرائط ذات مقياس رسم صغير:
ويطلق على هذه المجموعة من الخرائط اسم {الخرائط المليونية}. ومن أهم الأمثلة التي تنضوي تحت لواء هذا النوع من خرائط الأطالس والخرائط الحائطية.
2-خرائط ذات مقياس رسم متوسط:
ومن أهم أمثلة هذا النوع الخرائط الطبوغرافية ، ويسود استعمال هذا النوع من الخرائط في بعض الدول الأوربية مثل ألمانيا، إيطاليا، وسويسرا، وهولندا.
3-خرائط ذات مقياس رسم كبير:
وتعرف هذه الخرائط باسم {الخرائط التفصيلية} أو {الخرائط الكادسترالية} وترسم مثل هذه الخرائط عادة لمناطق محدودة المساحة للقرى أو المدن الصغيرة أو لجزء أو أكثر من المدن الكبيرة. ويوجد نوعان من هذه الخرائط، خرائط تفصيلية مدنية ويوضح هذا النوع بعض الظاهرات البشرية مثل الشوارع والمساجد والمدارس، و النوع الآخر خرائط تفصيلية زراعية وتوضح التفاصيل الدقيقة الخاصة بالملكيات الزراعية أو الريفية.
ج)تقسيم الخرائط حسب الهدف الذي ترسم من أجله:
ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أنه خلف رسم أيه خريطة يكمن هدف أو أكثر.ويعتبر التقسيم حسب الهدف من أكثر التقسيمات ملاءمة للدراسة الجغرافية،ولقد قسمت إلى أربعة عشر نوعاً.. ومن أهم تلك الأنواع ما يلي:
-خرائط الموقع:وتهدف هذه الخرائط إلى تبيان موقع إقليم أو ظاهرة ما بالنسبة إلى الأقاليم الأخرى مثل أحواض الأنهار وطرق المواصلات والسلاسل الجبلية.
-الخرائط السياسية:تهدف هذه الخرائط إلى توضيح مواقع الحدود السياسية وحدود الإمارات والمقاطعات والولايات والمدن وغيرها، وإن هدفها الرئيسي هو إبراز الأسماء الجغرافية التي تذكر في المعاهدة أو المقال الذي ترافقه تلك الخريطة.
-خرائط الطقس:ترمي هذه الخرائط إلى توضيح حالة الجو في منطقة ما خلال مدة محدودة من الزمن تتراوح ما بين بضع ساعات وبضعة أسابيع.
-خرائط المناخ:توضح هذه الخرائط الحالة المناخية في منطقة ما خلال مدة طويلة.ومن ضمن عناصر المناخ التي تمثلها هذه الخرائط المطر ودرجات الحرارة والرياح.
وفي الختام ، فإن الخرائط لا غنى عنها في حياتنا الدراسية أو العملية ،فكما اتضح فخرائط يستفيد منها الطالبوالمعلم والجغرافي والمهندس والطيار والصحفي في أداء أعمالهم بشكل أسرع وأسهل.