السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أشار القــرآن الكــريم وحي الله الذي نزل على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم إلى حقيقة علمية في عدد من آياته ألا وهى ظاهرة الجبال التي توجـد على سطح الأرض والتي أمرنا الخـالق بأن ننظر في آياته الكونيــة لنزداد هـدى وبصيرة {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ…} (العنكبوت: 20) وذكر الله في كتابه الجبال في كثير من الآيات (49 آية صريحة) شكلا ووظيــفة وأنها تسجــد لله شأنها شأن المخلوقات الأخرى من شمس وقمر ونجوم وشجـر ودواب وإنسان {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَمَن في الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ …} (الحج: 18)، وكل مخـــلوق يسبح الله بطريقته {وَإن مِّن شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (الإسراء: 44) وهذه الحقيقة العلمية لشكل ووظيفة الجبال لم يستطع الإنسان أن يصل إليها كحقيقة معروفة إلا بعد التقدم والتطور العلمي والتقني الهائل الذي حدث في الفترة الأخيرة من عمر البشرية.
والإنسان منذ القدم عرف الجبال وعاش في أكنافها وتعامل معها واستفاد منها ومن مكوناتها، وعرف الجبل بأنه كلما علا عن سطح الأرض واستطال وتجاوز التل ارتفاعا ومع مرور الزمن وتقدم الإنسان من قرن إلى قرن، فتن الإنسان بالجبال والذي جذبه إليها ما تحتويه من منافع واكتفى بمعرفتها ظاهريا حتى بداية القرن الثامن عشر فبدأ يبحث في نشأة الجبال وتكوينها في بدايات القرن التاسع عشر من أعمال مسح جيولوجي ودراسات جيولوجية إلى أن وصل إلى أن هناك امتدادات لهذه الجبال الهائلة في جوف القشرة الأرضية إلى مسافات عميقة وأن هذه الامتدادات إما أن تكون من نفس مادة الجبال البارزة أو أكثر كثافة منها وهى بعبارة أخرى وجود جذور Roots لهذه الجبال ممتدة أسفل منها كما هو مبين بالشكل رقم (1)، وكل بروز على سطح الأرض له امتداد يخترق الغلاف الصخري للأرض بنسبة 01: 15 ضعف ارتفاعه فوق سطح الأرض.
شكل رقم (1) رسم توضيحي يبين الجبل (قشرة قارية) والمنخفض (قشرة محيطة)
حيث يمتد تحت الجبل جذر منغرس في مادة الوشاح ويرجع التوازن بينتهما إلى زيادة الكثافة تحت المحيط في القارة.
وفى منتصف القرن التاسع عشر افترض أحد العلماء أن القشرة الأرضية وما عليها من جبال لا تمثل إلا جزرا طافية على بحر من صخور ذات كثافة عالية وبناءا على ذلك فلا بد للجبال لضمان ثباتها واستقرارها على هذه المادة الأكثر كثافة أن تكون لها الجذور التي ذكرناها، والقرآن الكريم قد وجه الإنسان إلى تلك الحقيقة من خلال الآية الكريمة {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} (النبأ: 7)، إلا أن معرفة هذه الحقيقة ما كان متيسرا في القرون الماضية التي سبقت الكشوف العلمية الحديثة فأشارت هذه الآية الكريمة إلى الشكل الحقيقي للجبل وجذره الخفي الممتد أسفل منه وذلك في هاتين الكلمتين الواضحتين، وهذه الجذور هي التي مكنت الجبال من الانتصاب على القشرة الأرضية وهو أمر كان موضع عناية القرآن الكريم حين قال الله تعالى: {أَفَلا يَنظُرُونَ إلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ٭ وَإلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ٭ وَإلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} (الغاشية: 17 ـ 19).
شكل رقم (2) صورة توضح أثر التعرية في تآكل وتفتيت قمم الجبال (جبل أبو همر بشمال الصحراء الشرقية) وتساقط هذا الفتات في الأودية
ومع تطور العلوم انتقل موضوع جذور الجبال من المرحلة النظرية إلى واقعٍ ملموسٍ بفضل من الله وبمعرفة تركيب الأرض الداخلي عن طريق القياسات السايزمية التي كشفت أن القشرة الأرضية الصلبة التي نعيش عليها لا تمثل إلا طبقة رقيقة جدا قياسا بما تحتها من طبقات أخرى أعلى كثافة منها وهى الوشاح Mantle (كثافته 3.3)، ثم عرف الدارسون لعلم الأرض والجبال حقيقة اتزان القشرة الأرضية Isostasy رغم ما تحمله من جبال وتلال ووديان وأن هذا الاتزان لا يتم إلا من خلال امتدادت من مادة القشرة داخل نطاق الوشاح والتي لا يمكن أن تمثل عمليا إلا بدور الأوتاد في تثبيت الخيمة على سطح الأرض لضمان ثباتها وعدم اضطرابها وهذه الامتدادت (الجذور) تحت السطحية تتناسب طرديا مع ما يعلو الأرض من تراكيب فهي جذور ضحلة في حالة المنخفضات وعميقة في حالة الجبال العالية لكي يحدث الاستقرار على هذه الأرض الذي أشار إليه القرآن (قرارا) في قوله تعالى {أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} (النمل: 61)، وإلى هذا الاتزان وعدم الاضطراب أشار كتاب الله ـ عز وجل ـ في أكثر من عشر آيات بلفظ (رواسي) أى إرساء الأرض بالجبال بإيجازه المعجز قبل ما يزيد عن أربعة عشر قرنا من الزمان عندما قال تعالى: {وَأَلْقَى فِى الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (النحل: 15)، {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} (الحجر: 19)، {وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَارًا …} (الرعد: 3)، {وَجَعَلْنَا فِى الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} (الأنبياء: 31)، {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا …} (فصلت: 10)، {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا} (المرسلات:27)، {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (ق: 7)، {خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ …} (لقمان:10)، مشيرا إلى ما خفي على الإنسان من دور ووظيفة الجبال في ثبات واستقرار الأرض لتصبح صالحة للعمران ويعيش عليها هذا الإنسان ليعمرها كما أنها وسيلة لتثبيت الأرض في دورانها حول محورها أمام الشمس.
شكل رقم(3) منظر عام لجبل السكري بجنوب الصحراء الشرقية
والمشهور بتواجد الذهب فيه وبه أحد المناجم المعروفة في مصر
شكل رقم (4) شكل توضيحي يبين ملتقى الصفائح الصخرية
التي يولد تصادمها تجعدات تكون الجبال والمنخفضات
شكل رقم (5) صورة تبين قدرة الله عز وجل في خروج الماء من الصخور الصماء
في بئر أم عنب بشمال الصحراء الشرقية المصرية
وبعد بروز الجبال وانتصابها إلى أعلى تبدأ عوامل التعرية في تآكل قممها (شكل (2) وتستمر هذه العملية حتى يخرج الوتد من الطبقة شبه المنصهرة وتظهر هذه الأوتاد وما بها من خيرات وثروات طبيعية لا تتكون إلا تحت ظروف عالية من التحول (الضغط والحرارة ويظهر الشكل رقم (3)صورة لأحد هذه الجبال جبل السكري بالصحراء المصرية) والذي يحتوي بداخله أحد مناجم الذهب المعروفة في مصر. وحينما تتكون الجبال فإنها تتكون عند حواف القارات لتثبيت مادة القارات في قيعان البحار والمحيطات (مثل سلاسل جبال البحر الأحمر التي تمتد عبر الصحراء الشرقية المصرية والسودان وأثيوبيا) وحينما يتسع قاع المحيط نجد أن هناك خندقاً عميقاً جداً Trench zone يتكون عند التقاء قاع المحيطات بالقارة حيث تتجمع في هذا الخندق العميق كميات كبيرة من الصخور الرسوبية وحينما ينزل قاع المحيط فان هذه الرسوبيات تنصهر بسبب الارتفاع الشديد في درجة الحرارة فيساعد على النشاط البركاني الذي يؤدى إلى تكوين الجزر البركانية المندفعة عبر صدوع قيعان البحار والمحيطات Volcanic Islandsشكل (4) بالإضافة إلى تكوين متداخــلات نارية، لذلك نجـد نشاطا غريبا بين الصخور بأنواعها الثلاثة النارية والرسوبية والمتحولة نتيجة لهذه الحركة فتتكون في النهاية السلسلة الجبلية كما تظهر في الشكل السابق (4) والتي تغرس مادة القارة في مادة قاع المحيط حتى تتوقف الحركة بالكامل وإلى هذا أشار كلام الله الذي نزل على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ٭ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ. النازعات 32،33. أي إن الله ـ عز وجل ـ فعل ذلك كله فأنبع العيون وأجرى الأنهار منفعة للعباد وتحقيقا لمصالحهم ومصالح أنعامهم ومواشيهم {وَإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ …} (البقرة:74)، أي تتدفق منها الأنهار الغزيرة ومنها ما يتصدع إشفاقا من عظمة الله فينبع منها الماء، وفي الشكل رقم (5) منظر للماء الخارج من وسط الحجارة الصلبة الصماء في بئر أم عنب (جنوب غرب مدينة الغردقة ـ البحر الأحمر) مع أن هذه الصخور غير مسامية وغير منفذة ولكن هي قدرة الخالق العظيم الذي يقول للشيء كن فيكون، {وَإنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أي ومن الحجارة ما يتفتت ويتردى من رءوس الجبال من خشية الله فالحجارة المكونة لهذه الجبال تلين وتخشع وذهب بعض المفسرين إلى أن الخشية هنا حقيقة وأن الله تعالى جعل لهذه الأحجار خشية بقدرها (كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون)، فقد سخر الله الجبال مع سيدنا داود ـ عليه السلام ـ بالتسبيح حيث قال تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} (الأنبياء: 79)، قدم ذكر الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأغرب وأدخل في الإعجاز لأنها جماد، وفى آية أخرى يقول الله عز وجل: {إنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِي وَالإشْرَاقِ} (ص: 18) أي سخر الله الجبال لداود ـ عليه السلام ـ تسبح معه في المساء والصباح وكان تسبيحها معجزة له، وفى ترديدها لتسبيح هذا النبي {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْـرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ} (سبأ:10) أي قلنا يا جبال سبحي معه ورجعي التسبيح إذا سبح.
وفى الجبال تصوير لعظمة قدر القرآن وقوة تأثيره وأنه بحيث لو خوطب به جبل ـ على شدته وصلابته ـ لرأيته ذليلا متصدعا من خشية الله يتضح هذا في قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} (الحشر:21)، فإذا كان الجبل على عظمته وتصلبه يعرض له الخشوع والتصدع فابن آدم كان أولى بذلك لكن على حقارته وضعفه لا يتأثر بل يعرض عما فيه من عجائب وعظائم، فعندما تأثر الأوائل من المسلمين بهذا القرآن وخشعوا تبوءوا موقع القيادة والريادة لبقية الأمم وما كانوا كذلك إلا عندما كانوا على صلة بالله عبادةً وفهمًا فأنار لهم ظلام الطريق ويسر لهم سبل الهداية، أما عندما ابتعدنا وغفونا ضعنا وأضعنا معنا بقية الأمم وأصبح حالنا حال الأيتام على مائدة اللئام نتطفل على حضارات غيرنا نأخذ منها كل مخلوط وباق فهل من عودة إلى مواقع الريادة والقيادة كما كنا، لن يكون ذلك إلا من خلال دعوة صادقة إلى العودة إلى رحاب الله، إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نقتبس من معينهما ونهتدي بهداهما.
شكل رقم (6): صورة تبين الثني (Folding) للجبال نتيجة الحركة الجانبية والتورق (Foliation)
الذي يميز الصخور المتحولة بجبل معتيق وسط الصحراء الشرقية المصرية
شكل رقم (7) منظر عام يوضح أثر الحركات الرأسية في شكل الجبال من تصدع وكسور وتشققات رأسية
أما عن حركة الجبال فهي دائمة الحركة ليست ثابتة في مكانها وواقفة كما يراها الناس فهي تتحرك حركة جانبية بالطي والثني فنرى هناك جبال مطوية ومنثنية Folded mountain regions كما يظهر في شكل رقم (6) الذي يوضح الثني الذي تتعرض له الصخور المكونة للجبال ويشوه تورقها Foliatio، وهناك حركة رأسية للجبال بالتصدع وبالدفع من أسفل إلى أعلى بواسطة مختلف قوى الأرض الداخلية ويظهر آثار هذه الحركات الرأسية في شكل الجبال في الصورة التي نراها رقم (7) حيث تظهر الكسور والتشققات الرأسية والمائلة في الصخور الصلبة المكونة لجبال البحر الأحمر وإلى هذه الحركة أشار المولى ـ تبارك وتعالى ـ في الوحي المنزل على خاتم الرسل حيث قال تعالى: {وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (النمل:88)، فهي تتحرك جانبيا ورأسيا وهذا هو صنع الله البديع الذي أحكم كل شيء خلقه وأودع فيه من الحكمة ما أودع والآية تشير أيضا إلى دوران الأرض حول محور الشمس لأن الجبال جزء من الأرض.
شكل رقم (8): صورة تبين الألوان المتعددة في الجبل الواحد
(جبل خشب بجنوب الصحراء الشرقية المصرية) والقواطع السوداء التي تخترقه
كذلك يتحدث القرآن الكريم عن تكوين الجبال من الجدد وهى شكل من أشكال الصخور النارية وهذه الجدد لها ألوان متعددة فنرى منها الأبيض والأحمر المتعدد الدرجات والأسود، كما هو واضح بالشكل رقم (8) لجبل خشب بجنوب الصحراء الشرقية المصرية حيث اللون الأحمر الفاتح والرمادي والبني في الجبل والقواطع السوداء التي تخترقه وكل هذه الألوان المختلفة تعكس الألوان الأساسية للمعادن الرئيسية المكونة لصخور القشرة الأرضية والتي تعكس بدورها التركيب الكيميائي لهذه المعادن وفى ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (فاطر:27)، هذه لفتة كونية عجيبة إلى ألوان الجبال والصخور وتنوعها داخل اللون الواحد (من بيض مختلفة البياض وحمر مختلفة في حمرتها وسود شديدة السواد) تهز القلب هزا وتوقظ فيه حاسة الذوق الجمالي العالي بما يستحق النظر والالتفات في هذا الكتاب الكوني الجميل الصفحات العجيب في التكوين والتلوين فسبحان القادر على كل شيء.
وعن فناء هذه الجبال الصلبة القوية الشامخة فالذي بناها وأرساها وهو الله الخالق لها قادر على أن يفنيها ويسويها كالأرض، لذلك كانت الجبال موضع سؤال المجرمين يوم القيامة عن حالها {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ٭ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ٭ لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} (طه: 105 ـ 107) سبحان القادر العظيم إن ربى يفتتها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فيطيرها وتصير كالصوف المنتثر المتطاير تتفرق أجزاؤها في الجو {وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالْعِهْنِ المَنفُوشِ} (القارعة: 5) تنبيها على أن تلك القارعة (اسم من أسماء القيامة) أثرت في الجبال العظيمة الصلبة حتى تصير كالصوف المندوف مع كونها غير مكلفة، فكيف حال الإنسان الضعيف المقصود بالتكليف والحساب، ويتركها أرضا ملساء مستوية لا نبات فيها ولا بناء ولا ترى فيها انخفاضا ولا ارتفاعا هذا هو حالها الاستواء بعد البناء وبعد العوج (الذي كان يمثل الطي الشديد) فتصبح مساوية بالأرض لا بروز فيها وتنتهي مثل باقي المخلوقات من نبات وحيوان وإنسان ولا يبقى إلا وجه الله عز وجل ـ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٭ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإكْرَامِ} (الرحمن:26،27).
فالحمد لله الذي عرفنا آياته وبعض أسرار كونه {وَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} (النمل: 93)، فالعلم الصحيح لم ولن يتعارض أبدا والدين الصحيح وسيكون العلم في عصرنا والعصور القادمة برهانا ساطعا على صدق الوحي وسيشهد العلماء قبل غيرهم بهذا كما قال الحق سبحانه: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الحَقَّ وَيَهْدِي إلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ} (سبأ: 6)، وستتجلى آيات الله في الأفاق حتى يتبين للناس أن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق.
م/ن