التصنيفات
الارشيف الدراسي

تقرير / بحث / عن التحنيط للصف العاشر

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

إرتبطت الديانة المصرية القديمة إرتباطا وثيقا بعقيدة البعث والخلود ، لإيمانهم القوي بأن الموت ليس إلا رحلة عبور من عالم الحياة المؤقته الى عالم الحياة الدائمة والأبدية ، ومن هذه المنطلقات التي شكلت جوهر الديانة المصرية ، كان البحث عن سر الخلود ، شغل المصريين الشاغل ، ليس فقط خلود ال ( با ) الروح ولكن أيضا خلود ال ( كا ) الجسد ، وفي ظل هذا السعي الدؤوب للحفاظ على الجسد برع المصريون في فن حار فيه علماء العالم على مدي القرن العشرين ، وحاولوا تقليده بطرق مختلفة وهو فن التحنيط ، الذي تحول الى سر من أسرار عالم الخلود الخفي ، الذي لم يدرك العلم كنهه بعد .
ليس اخر الالغاز

والتحنيط ليس هو آخر الألغاز ولا أولها ، ولكنه حلقة في سلسلة من الألغاز الكثيرة التي يحاول العلماء فك طلاسمها ، فلم تكشف لنا الهيروغليفية عن أسرار الأهرامات ، والتي أعدت خصيصا كمقابر لدفن الملوك ، ويفسرها البعض في دراسات حديثة على أنها كانت مرصدا فلكيا مرة ، ومخزنا للحبوب مرة أخري ، وأخيرا وليس آخرا توصل بعض العلماء الأمريكان الى كشف يدعي أن الأهرامات وخاصة الهرم الأكبر كان مخزنا لتوليد الطاقة ولكن جرت محاولات لمحاكاة فن التحنيط تقوم على حفظ جسد الميت ، عن طريق تبريد غاز النيتروجين الى درجات عالية تحت الصفر ، ليتم حفظ الجثة في كبسولة وحفظها فيما يشبه الثلاجة ، وهي الطريقة التي أتبعت في تحنيط جثمان فلاديمير لينين مؤسس الدولة الشيوعية في روسيا والذي مات عام 4291 ومازالت جثته محنطة في الميدان الأحمر بموسكو .
مومياء
أي رهبة تلك التي تنتابك عندما تقف بقاعة المومياوات بالمتحف المصري بالقاهرة ، وأنت تشاهد مومياء رمسيس الثاني بكامل تفاصيلها .. رجل ميت ،ولكن جسده مازال يحتفظ بشكله مع قليل من الجفاف ، أي إحساس ذلك الذي تشعر به في هذا الموقف ، وأنت أمام سر لم تتكشف أبعاده بعد ؟! والتحنيط هو أحد الأسرار الذي اختص به فئة من المصريين ، وذلك في محاولة لحفظ أسراره وعدم إطلاع أي إنسان من الدول المجاورة عليه ، مما يضع تساؤلا مشروعا ، لماذا أحاط القدماء التحنيط بهذه السرية ؟
هل لارتباطه بطقوس الموت والحياة الآخرة فقط ؟
أم أن ثمة أسباب أخري وراء هذه التكتم والسرية ؟

فمن خلال البرديات والنقوش الموجودة على جدران المعابد قصة البعث وأهداف التحنيط فقد اعتقدوا أن ست إله الشر قتل أخاه أوزوريس إله الخير ، وقطع جثته قطاعا ثم رماها في نهر النيل ، وجاءت إيزيس زوجته وخادمة الآلهة لتغوص في مياه النيل لجمع أشلاء أوزوريس وأعادت إليه الحياة ، ومن هذه الأسطورة كوّن قدماء المصريين معتقداتهم حول البعث والخلود في الحياة الثانية ، فحاولوا حفظ جثمان الميت من التحلل ليكون أهلا لإستعادة الروح مرة أخري في العالم الآخر . نظام الأسرار
نظام الاسرار
ولأن التحنيط كان يدخل في النظام الديني المصري المعروف باسم ( نظام الأسرار ) لم يكن مسموحا لأحد بالإطلاع عليه ، إلا الكهنة ، ولكن التحنيط بشكل خاص لم يكن يطلع عليه إلا الكاهن الأكبر وإثنان من كبار الكهنة كان يتم إستدعاؤهم للقيام بعملية التحنيط مع الكاهن الأكبر ، والأمر المثير هو أن الفرعون شخصيا لم يكن يعرف أسرار التحنيط كما يؤكد على ذلك علماء الآثار ، بل والأكثر غرابة أن التحنيط كان يتم في إحدي الغرف السرية للغاية ، وفي معابد الطقوس الجنائزية ، وكان ينتقل السر من الكاهن الأكبر الى ابنه ، وليس الى مساعديه ، هذا الابن الذي يعامل معاملة خاصة لحيازته سر التحنيط الذي ورثه من والده الكاهن الأكبر .
ومن المعروف أيضا أن نظام الأسرار المصري كان خاصا بالإله آمون وكاهنه الأكبر ، أما بقية أشكال العبادة والآلهة الإقليمية فلم تكن تعرف شيئا عن سر التحنيط ، ولذا لم ينتقل الى أي جنازة أخري من خلال الهجرات ، وهناك من يدعي أن الفرعون الشهير إخناتون كان يعرف سر التحنيط ، لكنه دفن معه في مقبرته المجهول مكانها ، ولم تكشف عنه برديات تل العمارنه التي أكتشفت منذ وقت قريب ، مما ينفي إطلاع إخناتون على هذا السر ، لأنه كان إنقلابيا ضد عبادة آمون ، وهو الفرعون الذي لا تعرف له نهاية واحدة واضحة المعالم حتى الآن .. ونعود مرة أخري لسر التحنيط الذي لم يتم اكتشافه حتى الآن وإن كان البعض كشف عن بعض مواده ، ولكن الطرق المستخدمة فيه لا تزال مادة مثيرة للخيال العلمي حتى اليوم .
تحنيط طبقي

وأول من قدم معلومات عن أسرار التحنيط كان المؤرخ اليوناني هيرودوت كما يذكر زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار قائلا : إن هيرودوت زار مصر في منتصف القرن الخامس ق .م ، وحاول معرفة بعض المعلومات والطرق المفيدة في عملية التحنيط ، وذكر عدة طرق للتحنيط أغلاهم ثمنا هي التي تتم بواسطة قطعة حديد مثل الخطاف لتفتيت المخ الى أجزاء صغيرة ، وإخراجها من المنخرين بواسطة بعض العقاقير المذيبة التي يصبونها في الرأس ، أما الجسد فكانوا يشقونه من الجنب بحجر أثيوبي مسنون لإخراج الأحشاء وتنظيفها بغسول خاص وهو نبيذ للثمر ، ويتم تطهيرها بتوابل مهروسة ، ثم يملأون الجوف بمسحوق من القرفة واللبان وعطور الأعشاب ويقومون بخياطة الجثة وتمليحها بوادي النطرون لمدة سبعين يوما ، هي فترة الحزن لديهم ، وعند الدفن يقومون بغسل الجثة ولفها بشرائط من كتان شفاف مدهون بالضمغ ، ثم بعد ذلك يتم تسليم الجثة لأصحابها ليقومون ببناء هيكل خشبي ، ويحفظونه واقفا في غرفة الدفن مسندا الى جدارها ، وهذه الطريقة كانت خاصة بميسوري الحال ، حيث تعد مكلفة جدا .. أما الطريقة الثانية المخصصة للأسر المتوسطة الحال لإنخفاض تكاليفها عن الأولي فيشرحها د. حواس قائلا : في هذه الطريقة تقتصر عملية التحنيط على حقن الميت بزيت الصنوبر دون اللجوء الى إستخراج الأحشاء ، ويتم تمليح الجثة سبعين يوما ثم يستخرجون الزيت من نهايتها بعد أن تكون الأحشاء قد تحللت تماما وذاب اللحم ، ولا يبقي من الجثة سوي الجلد ، والعظم ثم ترد الجثة الى أهل المتوفي لدفنها.. وللفقراء أيضا طريقة في التحنيط ، يكتفون فيها بغسل الجوف بماء الفجل ، ويضعون الجثة في الملح سبعين يوما ، ثم ترد الى أصحابها ، ولعل هذا ما يفسر بقاء مومياوات الحكام والأسر الغنية الى اليوم ، لأنها حنطت بالطريقة الأولي التي تتكلف الكثير ، بينما لا تبقي الطريقة الثالثة على جثث الفقراء فترة طويلة .
تطور مراحله
وعن مراحل تطور فن التحنيط يقول د. أحمد شفيق أستاذ ورئيس قسم الجراحة بجامعة القاهرة ورئيس الأكاديمية العالمية لجراحة الجهاز الهضمي : بدأ التحنيط في أواخر عصر الأسرة الثالثة ، ومر بمراحل عديدة ، ظل يتطور خلالها نحو الأفضل والأجود بفضل البحث والتجربة ، ففي المرحلة الأولي قاموا باستخراج أجزاء الجسم القابلة للتحلل والتعفن من خلال تجويفي الصدر والبطن وتنظيف الجسم من الداخل ، ولكن هذا لم يكن كافيا للمحافظة التامة وقد تبين من خلال مومياء تنتمي لعصر الأسرة الخامسة 0032 ق . م أن تحنيطها تم باستخراج الأحشاء أولا وتجفيف الجسم من السوائل ، وحشي التجويف الصدري والبطن بأقمشة مغموسة بالراتنج وملح النطرون والقرفة ويغطي الجسم كله بمواد راتنجية لسد المسامات الجلدية لمنع تسرب الرطوبة الى أنسجة الجلد لحمايته من أي لون من ألوان بكتيريا التعفن أما الرأس فيتم تغطيته بطبقة رقيقة من الكتان لإظهار تفاصيل الوجه .
ويضيف د. شفيق أنه بفحص بعض المومياوات وجد أنها ظلت محتفظة بالأحشاء الداخلية ، وهذا يؤكد أنهم استغنوا عن إستخراج الأحشاء في مرحلة لاحقة من تطور عملية التحنيط ، أما في عصر الدولة الحديثة ( 0051 – 0011 ) ق . م ، فقد بلغت أقصي درجات التطور الحضاري ، وبالتالي بلغ فن التحنيط ذروة تطوره ، حتى أتخذ القائمون عليه دارا خاصة تسمي بيت التطهير ولوحا خاصا توضع عليه الجثة ، وكانت الطريقة المستخدمة في هذه المرحلة تبدأ بنزع المخ وإخراجه بآله دقيقة من فتحتي الأنف ، ثم شق الجانب الأيسر من البطن وتستخرج من خلاله جميع الأحشاء ، ويتم تطهير جوف البطن بنبيذ الخل والبهارات ، ويحشي بلفائف من الكتان تحتوي على مسحوق النطرون ، ومواد صمغية معطرة ، تعجل من تخفيف الأنسجة وتساعد في إزالة رائحة التعفن طوال فترة التجفيف ، وتدوم مدة التجفيف أربعين يوما – على خلاف ما ذكره زاهي حواس من أنها سبعين يوما – وهي مدة الحزن التي ظلت قائمة حتى الآن .. وبعد ذلك تقام أربعينية الفقيد تكريما له .. ويقوم المشرحون بعد ذلك بجمع كل المواد والسوائل والأحشاء ويضعونها في أوان صغيرة على أن تدفن بالقرب من الجثة ..
وهنا تبدو إشارة هامة الى ما قام به بعض العلماء الألمان بالكشف عن سر إخراج المواد المذكورة من جثة الميت المراد تحنيطه ، والذين اكتشفوا بعد عدة أبحاث وتجارب أن وجود أعضاء وأجهزة داخلية مثل الأحشاء والمخ والعينين تقوم بتفاعل كيميائي مضاد للمواد المستخدمة في التحنيط ، وتهدد بقاء الجثمان سليما لفترة طويلة ، وهو ما يبرز مدي التقدم الطبي المذهل عند المصريين القدماء .
سائل التحنيط
وفي متحف التحنيط بالأقصر يكشف مدير المتحف عن إكتشاف سائل التحنيط الذي يعود عمره لثلاثة آلاف عام وتم إكتشافه في أحد مقابر سقارة لأحد قادة الجيش ويبدو أن الأحوال السياسية في عصره لم تكن مستقرة فتم تحنيطه في أسبوع فقط ، فحدث تفاعل بين مواد التحنيط والجثة ، أدت الى تسرب سائل أسفل القدمين ظل في مكانه حتى عام 2491 حيث تم اكتشاف هذه المقبرة وتجميع هذا السائل وتحليله وثبت أننا نمتلك عينة من سائل التحنيط الذي كان يستخدمه الفراعنه . ويضيف : والمتحف أيضا يحتوي على أدوات التحنيط المصنوعة من البرونز وتعود الى مراحل تاريخية مختلفة وبحالة جيدة ، فهناك المقص والمشرط اللذين يقطع بهما الجسم والفرشة التي يزال بها ملح النيترون ، وهناك أداه تسمي الأسيتيولة وهي ألة تستخدم في إستخراج أنسجة المخ .
ويوجد بالمتحف مومياء كاملة من الأسرة 12 ، وهذا عصر الكمال في عمليات التحنيط ، وكانت هناك اختلافات بين الرجل والمرأة في عملية التحنيط ، فاللون الأحمر الغامق كان يستخدم للرجال أما السيدات فكان يضعن عليهن لونا أصفر فاتحا ، مع المحافظة على ملامح الجسد الطبيعية ، وكانوا يقومون بحشو الأحشاء في أماكن معينة بالجسد لتظهر العضلات والخدود .. ورغم كل هذه الاكتشافات والمعلومات ، إلا أنه لازالت هناك أشياء غامضة في فن التحنيط ، هي التي يمكن أن تكون أسرار لدي الكهنة والأطباء القائمين على التحنيط والتي جعلت تحنيط الفراعنة بمثل هذا القوة والقدرة على الإستمرار بهذه السرية رغم كل عوامل الزمن .

م/ن

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *