عمل الطالب:خالد إبراهيم بوميان
الصف:السابع/1
إشراف المدرس لؤي محمد
مقدمة
" أمير شعراء المهجر" "رسول الشعر العربي الحديث" "… ولعل الشاعر نفسه آنس الضعف في لغته، ولعله حاول أن يصلحه فلفم يستطع، ولعله لما استيأس من هذا الإصلاح لم يجد بدا من أن يتخذ هذا الضعف مذهبا…!!" هل يخطر ببال القارئ إن مثل هذه الآراء صدرت في الشاعر نفسه، أجل هذا مولده ووفاته:
ولد ايليا أبو ماضي في بلدة المحيدثة القريبة من بكفيا في قضاء المتن الشمالي في جبل لبنان. وقد اختلف الباحثون في تحديد سنة ولادته. وربما لم يكن هو نفسه يرغب كثيرا في الحديث عن حياته خاصة في بداياتها الأولى لما عرفه من بؤس وشقاء وتشرد وهجرة وبحث عن لقمة العيش لذلك اختلف الرواة والباحثون في تحديد سنة ولادته فذكروا سنة 1883، 1889، 1890، 1891، 1892.
حياته:
يقول ايليا أبو ماضي في رسالة بعثها إلى عيسى الناعوري: أما سيرة حياتي فليس فيها ما يستحق النشر أو على الأقل هكذا أعتقد أنا إذ ليس فيها ما ينفع فضول أحد".
والواقع أن سيرة حياته حافلة بالأحداث والتجارب وفيها ما يستحق النشر ويسلط أضواء هامة على نتاجه وتجاربه في الحياة. ويمكننا تقسيم مراحل حياته بحسب مكان إقامته إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى في لبنان والثانية في مصر والثالثة في الولايات المتحدة الأمريكية.
1_ في لبنان:
ولد ايليا أبو ماضي في المحيدثة وعندما بلغ الخامسة من عمره، أرسله والده ضاهر الذي كان يتعاطى التجارة في المحيدثة ونظم القرادي والمعنى إلى مدرسة القرية. ولم يكد يمضي على وجوده فيها سنتين متتاليتين حتى لاحظ أن بمقدوره تصحيح أخطاء معلمه اللغوية.
وحينما بلغ الثامنة من عمره أرسله والده برفقة شقيقه الأكبر مراد إلى مدرسة اليسوعية في بكفيا. ولما بلغ الحادية عشرة من عمره شق صدر البحر إلى الإسكندرية، إذ أرسل خاله قبلان اسكندر الذي كان مقيما هناك رسالة إلى والد الشاعر يطلب فيها منه أن يرسل ولده لمساعدته في إدارة في محله الذي كان يبيع فيه الدخان.
عمل أبو ماضي في دكان خاله سنتين متتاليتين. وعندما فتح شقيقه الأكبر مراد دكانا خاصا به لبيع الدخان. انتقل على الفور لمساعدته.
بقي أبو ماضي يعمل في دكان أخيه حوالي عم ونصف. وعندما أقفل أخوه الدكان قفل عائدا إلى لبنان عاد ليعمل من جديد في دكان خاله. ولما بلغ السابعة عشرة من عمره بدأ ينظم القصائد وينشرها في عدد من المجلات والجرائد المصرية مثل "الأكسبرس" و "الزهور" حيث نشر قصائد وطنية وسياسية بحيث طارت له بسببها شهرة واسعة وصلت أصداؤها إلى مسامع أبيه في المحيدثة الذي خشي على ولده مغبة تدخله بالسياسة، فأرسل إلى ابنه مراد_ الذي كان قد هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية يطلب منه إقناع أخيه بمغادرة مصر واللحاق به إلى أمريكا. وهكذا قرر أبو ماضي مغادرة الإسكندرية نزولا عند رغبة والده ورغبة شقيقه مراد.
وصل أبو ماضي المحيدثة وأخذ يحث الناس على تجنب بعض التقاليد والعادات الموروثة عند الآباء والأجداد. فسببت له آراؤه الجريئة الكثير من العداوة والبغضاء. كما راح يلقي القصائد الحماسية التي تهاجم رجال السلطة الحاكمة، وبعد إقامته حوالي ثلاثة أشهر في بلدته أدرك استحالة بقائه فيها دون تعرض للمتاعب بسبب مواقفه وآرائه فصمم على تقريب موعد سفره إلى أمريكا الشمالية وهكذا كان.
2_ في الولايات المتحدة الأمريكية (1912- 1957):
وصل ايليا أبو ماضي برفقة شقيقه الأصغر متري إلى نيويورك عام 1912. وما إن وقع نظره على تمثال الحرية المنتصب على مدخل ميناء نيويورك حتى هتف قائلا:
نفسي اخلدي ودعي الحنين فإنما
جهل بغيد اليوم أن نتشوقا
أصبحت حيث النفس لاتخشى أذى
أبدا وحيث الفكر يغدو مطلقا
ثم انتقل من نيويورك قاصدا "سنسناتي أوهايو" التي كان شقيقه مراد يملك فيها متجرا صغيرا حيث التحق على الفور للعمل مع أخيه لمدة خمس سنوات متتالية تعرف خلالها على السيد نجيب دياب صاحب جريدة "مرآة الغرب" التي كانت تصدر في نيويورك والذي كان ينشر لأبي ماضي كل قصيدة يبعث إليها به. لاحظ أبو ماضي أن قصيدته "أمة تغني وانتم تلعبون" تحتل الصفحة الأولى من هذه الجريدة فأدرك أنه لم يخلق للعمل في التجارة.
في العام 1916 غادر متجر أخيه قاصدا نيويورك حيث رأس تحرير "المجلة العربية" ثم تركها ليعمل محررا في جريدة الفتاة لصاحبها شكري البخاش. وبعد حوالي الشهرين تركها إلى مجلة "مرآة الطرب" بعد أن وعده صاحبها نجيب دياب بإطلاق يده في تحرير مجلته_ وقد تزوج فيما بعد ابنته. وقضى سنوات عشرا يكتب وينقح في هذه المجلة.
في نيسان 1929 أسس مجلة " السمير" التي كانت تصدر مرتين في الشهر ثم حولها بجهده الكبير إلى جريدة يومية واستمر يصدرها دونما كلل حتى النفس الأخير من حياته.
وفي هذه المرحلة راح أبو ماضي يجمع قصائده التي لم يجرؤ على نشرها في ديوانه المسمى "تذكار الماضي" التي قد كان نشره في الإسكندرية سنة 1912 والقصائد التي نظمها في سنسناتي أوهايو ونيويورك حيث قام بطبعها جميعا عام 1919 في ديوانه الذي أسماه "ديوان ايليا أبو ماضي الجزء الثاني" وقد كتب له مقدمته جبران خليل جبران.
عام 1920 أصبح أبو ماضي عضوا في "الرابطة القلمية" التي أسسها في نيويورك جبران ونعيمة.
وقد أتاح اغتراب أبي ماضي له فرصة الاطلاع على بعض الآداب الغربية إطلاعا واسعا. فقد تمكن من اللغة الإنكليزية بحيث استطاع تعريب بغض الروايات الأجنبية التي كان ينشرها تباعا في جريدة "السمير". كما ساعده ذلك على قراءة دواوين مشاهير الشعراء الغربيين. حيث أنتجت مطالعاته تلك إضافة إلى مطالعاته لدواوين كبار شعراء العربية وعلى رأسهم المتنبي الذي كان أبو ماضي يحفظ كل شعره تقريبا عن ظهر قلب مزيجا ثقافيا مميزا سمح لأبي ماضي إبداع قصائد كالطلاسم والعنقاء والأشباح الثلاثة وسواها من القصائد والمطولات الجياد.
عام 1927 جمع أبو ماضي القصائد التي كتبها بعد نشره الجزء الثاني من ديوانه وأصدرها في ديوان أسماه "الجداول" وقد بلغ بواسطته قمة شهرته الشعرية في العالم العربي كله. وفي عام 1931 وصلته برقية من الشيخ إبراهيم المنذر يعلمه فيها بوفاة والده، فشعر بالألم والمرارة ونظم قصيدة بعنوان "أبي" يقول فيها:
طوى بعض نفسي إذ طواك الثرى عني
وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
فليس سوى طعم المنية في فمي
وليس سوى صوت النوادب في أذني
فواه لو أني كنت في القوم عندما
نظرت إلى العواد تسألهم عني
ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها
فكنت مع الباكين في ساعة الدفن
فأعظم مجدي كان أنك كنت لي أب
وأكبر فخري كان قولك: ذا إبني
أحتى وداع الأهل يحرمه الفتى
أيا دهر، هذا منتهى الحيف والغبن
وفجع أبو ماضي في السنة بنفسها بوفاة صديقه جبران خليل جبران.
رزق أبو ماضي ثلاثة أبناء ذكور. صدمت إحدى العربات أوسطهم وهو في العاشرة من عمره فسببت له تلك الصدمة شللا دائما وتركته كسيحا مقعدا طيلة حياته في المنزل مما سبب للشاعر جرحا عميقا لازمه طوال عمره.
في السادس عشر من أيلول تزوج ابنه البكر العالم الطبيعي الدكتور ريتشارد فتاة أمريكية تدعى ماري لويز، فألقى شاعرنا كلمة في المناسبة اللغة الإنكليزية جاء فيها:
" إن أحد الحكماء قال: لكي يتمم الإنسان واجباته في هذه الحياة عليه أن يحقق أمورا ثلاثة:
_ أن يؤلف كتابا.
_أن يزرع شجرة.
_أن ينجب ولدا.
الكتاب لتظل معرفة مستمرة في الدنيا. والشجرة لتحقق جلال الحياة وجمالها. والولد لنمو البشرية واستمرارها. وأنا أعتقد أنني أتممت هذه الواجبات فأخرجت أربعة كتب علاوة على جريدة "السمير" وزرعت بعض شجيرات؟، ورزقني الله ثلاثة أولاد.
العوامل المؤثرة في شاعرية أبي ماضي :
_ أول هذه العوامل ولادة شاعرنا في بيئة قروية خلابة الجمال حيث سلخ شطرا من صباه فرأى الدوالي تتعرش والعناقيد تتدلى والثمار تتكور ، والياسمين يتعرج ، والولد يفوح ، والطيور تنتقل من فنن إلى فنن ، والجمال يختلي بالطبيعة ويزاملها ويخادنها .
_ وثاني هذه العوامل هجرة تطول وتمتد حتى تكتنف العمر وتلتف على أعناق السنين في وقت ما انفك القلب مشدودا إلى الوطن.
_ وثالث هذه العوامل ثقافة عميقة واسعة متعددة المصادر متنوعة المظاهر، فقد اكب أبو ماضي منذ نعومة أظافره على المطالعة بشغف فكان يلتهم كل كتاب يقع بين يديه.