السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
المقدمة
يعد المسجد الجامع بقرطبة من أروع ما خلفته الدولة الأموية من آثار بل هو يمثل مرحلة من مراحل النضح المعماري والفني للطراز العربي الإسلامي وذلك من حيث التخطيط وأساليب البناء وظهور عدة عناصر معمارية وزخرفية كان بعضها قد إلى الغرب الإسلامي من الشرق مع الجيوش الفاتحة …
وكان جامع قرطبة من الوجهة الفنية أروع أمثلة العمارة الإسلامية والمسيحية على السواء في العصر الوسيط ومن الوجهة العلمية أكبر جامعة إسلامية تدرس فيها العلوم الدينية واللغوية ويفد إليها طلاب المسلمين والعجم للدرس.والتحصيل العلمي……
ومن مظاهر إجلال المسلمين وتعظيمهم لهذا الجامع ما نعته به مؤرخو العرب فقد سماه عبد الواحد المراكشي بالجامع الأعظم …
تخطيط الجامع ومراحل التوسع:
بعد دخول عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس واستتب الآمر له في قرطبة نظر في أمر الجامع فسام النصارى بيع ما بقى بأيديهم من كنيستهم ليدخله فيه أوسع لهم البذل وفاء العهد الذي صولحوا عليه فأبوا بيع ما بأيديهم وسئلوا أن يباح لهم بناء كنيستهم التي هدمت بخارج المدينة وتعرف بشنت أجلح خارج الأسوار على أن يتخلوا للمسلمين عن هذا الشطر الذي طولبوا به فتم الأمر على ذلك 168- 169
ولقد بنائه في أواسط القرن الثامن الميلادي بأمر من عبد الرحمن الأول ثم أدخلت عليه سلسة من التحسينات والإضافات في عهد كل من عبد الرحمن الثاني والحكم الثاني والمنصور بن أبي عامر ..
ولقد بدأ تخطيطه على غرار المسجد النبوي بالمدينة المنورة في أول أمره أي كان مكوناًً من ظلة عميقة جهة القبلة ويتقدمها الصحن ويذكر ابن الدلائى أن مساحة المسجد ثلاثة وثلاثون ألفاً ومائة وخمسون ذراعاً فإن المساحة الصحن المسقوف 4868 متراً مربعاً أي ما يزيد على الفدان وإذا أضفنا إلى ذلك الفناء غير المسقوف وهو بقية صحن الجامع يحيط بها سوره كانت مساحته 12189 أي ثلاثة أفدنه ولقد بلغ ارتفاع صومعته ثلاثة وسبعين ذراعاً في عهد عبد الرحمن الناصر …
ولقد انتصبت ساحة كبيرة أمام مدخل المسجد مزروعة بالمئات من أشجار البلح والنار بج ولقد جاء المسقط الأفقي لهذا المسجد وضع أساس التصميم المبسط لمسجد سماراً وبعد نصف قرن تم تكبير المسجد وزيادة سعة الممرات ثم أضيفت زيادات أخرى للمرة الثانية في سنوات 961 – 965 ه وبعد عشرون عاماً أضفيت 8 ممرات أخرى للمسجد من الجهة الشرقية حيث تقرر عمل هذه الإضافات من الجهة الجنوبية لوجود جسر نهر بالمنطقة وتوضح لنا هذه المراحل المتعددة من الإضافات للمسجد المرونة التامة في تصميم المساجد الأفقية للمساجد التي جعلت من اليسير زيادة المسطحات دون الخروج عن النموذج الأصلي للمسجد
وكانت أهم زياداته في عصر الحكم الثاني عام 350 ه – 961 م حيث أضيفت له سبع بلاطات في الجهة الجنوبية لرواق القبلة …
المرحلة الأولى من التصميم في عهد عبد الرحمن الداخل :
يقولون أن المعماري نقله عن سقاية ماء رومانية قديمة في ماردة … وكانت الحلول الهندسية هذا الجامع والابتكارات المعمارية والزخرفية التي وصل إليها هو ومن جاءوا بعده تقرر دون ادني شك أن العرب كانوا اعظم مهندسي الدنيا حتى مطلع العصر الحديث …
فقد خطط القسم الأول من الجامع أولا .. ورسم الرسم .. وحسب حساب الارتفاعات ومقادير مادة البناء .. ثم بدا له – بعد أن وضع اساس الجدران – أن يمد المساحة قليلاً ناحية الجنوب .. وتصور في ذهنه هيئة البناء بعد التوسعة فلم تعجبه أحس أن الارتفاع لن يناسب المساحة , سيبدو السقف منخفضاً بعض الشيء ولم يكن ليستطيع أن يزيد في طول العمد فهي من الرخام وكانت قد أعدت وهيئت ..
لهذا خطر بباله أن يتم وضع الأعمدة ويعقد الأقواس بينها ثم يقيم أعمدة أخرى فوق الأعمدة الأولى ثم يعقد أقواسا ثانية وفوق هذه يقيم السقف …
ابتكار لا يخلو من جرأة واقل ما يتطلبه حساب دقيق لاحتمال الأعمدة الأولى ثم أوزان الأعمدة الثانية وأقواسها والسقف فوقها ولكنه معمارياً ممتازاً وحاسباً دقيقاً له ما أراد ..
والجامع الأول أو القسم الأول من الجامع بناه عبد الرحمن الداخل فيما بين 780- 786هـ, هذا الجامع هو الذي يدخل الناس إليه اليوم من الباب الرئيسي المعروف بباب النخيل كان مدخله الرئيسي أيام عبد الرحمن الباب المعروف اليوم بباب القديس اصطفان وهو أول الأبواب الثلاثة الكبرى التي تراها في واجهة الجامع الغربية الواقعة في الشارع المعروف اليوم باسم شارع توريخوس هذا الجامع يكون اليوم الربع الجنوبي من الجامع الحالي يبدأ من المدخل وينتهي عند العمود أو (القوس) الثالث عشر في اتجاه المحراب ويبدأ من الحائط الغربي على (يمينك وأنت داخل ) وينتهي إلى العمود إلحادي عشر في اتجاه الشرق إذا أفضيت من الباب الرئيسي الحالي وجدت نفسك في رواق من الأقواس المزدوجة عرضه 7.85امتار على يمينك خمسة صفوف من الأعمدة وعن يسارك خمسة أخرى
وكان المسجد نصفه مسقوفاً ونصفه الأخر لا يظله شئ والنصف المسقوف يتألف من تسع بلاطات عمودية على جدار القبلة تمتد على اثني عشر قوساً تقوم على عمد من الرخام …… ونلاحظ أن العقود السفلي مشرشرة وتشبه تيجان بعض الأعمدة مثيلاتها في العمارة القوطية وذلك لان اغلبها منقول من أماكن قديمة ويرى البعض أن تيجان الأعمدة ذات اصل الروماني من النوع الكورنثي المركب قد تطورت إلى أشكال تجريدية من ابتكار خيال المعماريين الأندلسيين
وكان يحيط بالفناء المكشوف من الجهة الشمالية أروقة ذات عقود ومن الجهة الجنوبية يوجد رواق القبلة الذي يضم 19بلاطة ويلاحظ أن عقوده متعاقدة مع جدار القبلة كما استبدل شكل العقد المستدير بعقد على هيئة حدوة الحصان ربما تكون فكريه مقتبسة من العمارة القوطية الغربية وهناك عقود ذات فصوص ثلاثة أو متعددة وكذلك ظاهرة العقود المتقاطعة والمتشابكة وكانت هذه العقود من لونين بالتبادل أحدهما فاتح والأخر داكن ……
ويواجه الداخل إلى المسجد غابة من الأعمدة حيث تقوده الممرات وترشده إلى القبلة وينيرها ضوء شاحب يتسلل من الصحن ومن شبكات الواجهات وتتسم العناصر المختلفة باتساق في المظهر الخارجي , وفي التركيب الداخلي يحدده تداخل العقود التي تقوم على عمد ودعائم مرتفعة في الفضاء تنتهي عند السقف في وضع أفقي..
وإذا تأملت الأعمدة نلاحظ أنها مختلفة في اللون والمادة بعضها رخامي ابيض وبعضها مرمري شفاف أو وردى أو اخضر وجميعها استخدمت من الكنائس الخربة في المسجد الجامع .. وقد أُورسيت دون أن تتخذ مستوى واحداً بحيث أن بعضها توارى بدرجات متفاوتة وأبدانها ملساء في مجمعها وان كان بعضها مزدانا بضلوع حلوزنية أو مستقيمة …
ويذكر ابن الدلائى أن عددها 1307 أعمدة …
المرحلة الثانية من التصميم في عهد عبد الرحمن الأوسط 339 هـ – 950 م
وبعد هذا القسم من الجامع مباشرة تجد الزيادة التي أضافها عبد الرحمن الأوسط وهى على نمط جامع عبد الرحمن الداخل تماما وتمتد إلى الجنوب سبعة أقواس تحملها ستة أعمدة ..
وإذا وقفت في الرواق في هذا القسم من الجامع وظهرك إلى الباب الذي دخلت منه رأيت اجمل منظر يمكن أن تقع عليه عين الداخل المسجد وإذا أمعنت النظر في أحد الأعمدة رأيت عجباً – كأعمدة القسم الأول ولن تحس أن بين بعضها وبعض فرقاً لا في السمك ولا في الهيئة وتيجان هذه الأعمدة من كل طراز وقد وضع المعماري على كل منها قاعدة ضيقة من السفل واسعة من أعلى … وبذلك حصل على سطح أوسع ليضع عليه عموداً ثانياً من الحجر ..
ومن جانبي هذه القاعدة اخرج المعماري الأقواس الأولى يستدير كل منها ويستقر على راس العمود المجاور
المرحلة الثالثة من التصميم في عهد الحكم المستنصر 350 هـ :
ولكن عجيبة هذا المسجد الكبرى ميزته التي جعلته فريدا في طرازه حقاً هي الزيادة التي أضافها إليها الحكم المستنصر ثامن أمراء البيت الأموي الأندلسي والثاني من خلفائه وقد تمت بين سنتي 961 – 966 م بإشراف علم من أعلام الفكر الأندلسي هو الزيادة الجديدة أضيفت في جنوب الجامع أي في اتجاه نهر الوادي الكبير – في نفس اتجاه زيادة عبد الرحمن الأوسط بهذه الزيادة وصل الجامع إلى ضفة النهر …
الإنشاء:
كان السقف يرتكز على 18 باكية تتكون من دورين من العقود فوق بعضها ويصل العقد الأسفل بالعقد الأعلى زوج من الأعمدة الصغيرة تركز على الأعمدة السفلية وبين العمد الرخامية على أعلى رؤوسها عقود أقواس متجاورة نصف دائرية تقوم مقام الأوتار الخشبية وظيفتها ربط الأعمدة أقيمت فوقها عقود مثلها تحمل السقف وتزيد في الوقت نفسه من ارتفاع السقف وتستند هذه العقود العليا على دعائم من الحجر تتكئ بدورها على كوابيل مؤلفة من 3 أو 4 فصوص متراكبة الواحد فوق الأخر وجميع العقود العليا ملونة باللون الأصفر الشاحب والسفلي باللون الأحمر وقد كانت الأعمدة تتألف من تاج بدون قاعدة من الرخام
حيث أقام المعمــــــــاري العمود الثاني فــوق الأول فقد وضع فوق تاج العمود الأول قاعدة صغـــيرة من الحجر وفوق هذه قاعدتين أوسع حتى حصل على اتساع كاف أقام فوقه العمود الثاني وفرع في نفس الوقت أربعة أقواس وعند نهاية العمود الثاني فرع الأقواس الثانية موازية للأولى أقام عليها السقف وابيكرشيئاً ثانياً زاد في جمال هذه الأقواس المزدوجة عملها بالحجارة والطوب الأحمر طوبة من هذا وطوبة من ذاك فبدت الأقواس في الهيئة المزخرفة الجميلة التي نراها عليها الآن ولقد جمعت هذه الأعمدة من كل مكان في أسبانيا بل آلتي ببعضها من إيطاليا والمغرب ……
ولقد ظهر ابتكار جديد في هندسة القبة وهى من المبتكرات المعمارية و البنائية في المغرب الإسلامي والتي تتصف بالروعة والطرافة فكرة عمل قبة من مغطاة بقشرة خارجية من جمالون من الخشب المغطى بالقرميد ولقد شيدت من أقواس أو عقود رفيعة نسميها (( بالقنانات )) اشتقاقاً من القنا وهو عصا الرمح , وشيدت تلك القنانات من الحجل الرمح البعض فتنتج أشكالا من حشوات هندسية تملا بالزخارف ووضعت في قمة تلاقي تلك القنانات قبية ذات قنوات إشعاعية مجوفة ما يسمى بالشمسيات ……
وتقوم قباب الجامع على هياكل من عقود بارزة فهي تؤلف نجوماً يتوسطها قباب صغيرة مفصصة ,, ومما لاشك فيه نرى أن هذه القباب أوحت إلى ابتكار القبوات القوطية – ويرجى أن بنظر المسقط الافقى للجامع والرسومات الموضحة ……
الزخرفة:
أن المسجد بما يحتويه من الزخرف كثيرة ورائعة في الجمال إلا أننا لا نستطيع إلا ذكر أهم تلك الزخارف ذلك لان وصفها وشرحها يحتاج إلى مجموعة من الكتب لحصرها ووقت كافي لذلك واهم صفات المسجد الزخرفية هي تكمن في الزخارف التي على الجدران والقباب والمصنوعة من الجس وأخرى محفورة على الجدران الحجرية ويمتاز المحراب بزخرفة خاصة من الفسيفساء والآيات القرآنية التي سوف نشرحها في قسم لاحق إنشاء الله , أما القباب شيدت من سموات خشبية كل منها تختلف عن الأخرى وكذلك من القناتات التي ذكرنها سابقاً والتي نتج عنها حشوات هندسية الزخرفية التي ليست لها مثيل ويوجد تحتها ازار من الخشب المنقوش عليه آيات قرآنية كذلك استخدم الزجاج اللازوردي للتزين في المسجد , الشرفات أحد أهم العناصر الزخرفية القوية في المسجد إما تكونه من أشكال مثلثة مدرجة كأسنان المنشار في الجزء المسقوف من الجامع ولا ننسى التيجان المختلفة الأشكال في أرجاء الجامع والتي تحتوى على صور أوراق نباتات كثيرة بين الرسوم الهندسية ومن تلك الأوراق شوكة اليهود وبعضها الأخر على شكل ناقوس يزينها أوراق الزنبق وتذكر من يراها بزهرة اللوتس المصرية وأيضا الكوابيل المزخرفة والمركب عليها مقومات الأقواس وأما الجمال العام فكان لونين الأخضر والأحمر اللذان كان على جميع العقود في الجامع هذا قطرة من بحر زخرفة هذا الجامع الجليل …
المحراب :
على أن اجمل ما في المسجد هو المحراب إذ أقيمت على واجهته سبعة عقود ثلاثية الفصوص , مزججة دقيقة التكوين والزخرفة يعلوها إفريزان بين بحرين من الفسيفساء المذهب على ارض الزجاج اللازوردي وتحت هذه العقود إفريزان آخران وعلى رأسه رخامة مشبوكة محفورة منمقة تشبه القوقعة المقلوبة ونقُش المحراب من الداخل والخارج بالتوريقات , وزينت عضاداتة بلوحات رخامية حفرت فيها زخارف نباتية وتوريقات حفر غائر …….واليك قراءة هذه الكتابات ,
كتابة الإطار الخارجي لواجهة المحراب تبدأ من السطر الأول من اليمين من اسفل وتصعد ثم تسير من اليمين إلى اليسار ثم تنحدر إلى اسفل اليسار وكذلك السطر الثاني ,, الكلمات الأربعة الأولى من السطر ليست شيئاً مفهوماً أنها تقليد لهيئة الكتابة العربية لان الذين رمموا المسجد سنة 1816 م وجدوا أن الكتابة والزخرفة سقطتا من هذا الجزء فأكملوه بتقليد هيئات الحروف العربية حتى لا يبقى فراغاً وبعد ذلك تقرا الآية السادسة من سورة السجد … (( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم )) …… ثم الآية 65 من سورة غافر وبقية السطر موفق المستنصر بالله عبد الله الحكم أمير المؤمنين أصلحه الله ثم تستمر الكتابة من أعلى إلى اسفل وبقية مطموسة …..
وعند قاعدتى القوس ( العقد ) على اليمين واليسار كابتان تتألف كل منهما من ثلاثة سطور ..
ونقوش الواجهة وكتاباتها محلاة بالفسيفساء , وهى المعروفة في اللغات الأوربية باسم موزايك أو موازيكو …… يصنعونها بان يقطعوا الحجر مكعبات صغيرة ضلع الواحد منها سنتيمتر أو اقل ثم يغمسوها في الألوان ازرق واحمر وذهبي واخضر ورمادي ووردي …… ويرسمون الرسم الذي يريدون على الموضع المراد رسماً خفيفاً بالفحم ثم يلصقون قطع الفسيفساء على خطوط الرسم وخلاله فتكتمل الصورة بهذه القطع … والألوان الغالبة عليها الأزرق العربي وهو ذلك الأزرق الصافي المتوسط العمق , وهو مشهور في عالم الألوان باسمهم ( بلوداربى) ثم الذهبي والأحمر …
ونفضي إلى داخل المحراب انه مقصورة صغيرة ذات أضلاع جدرانها مبطنة من اسفل بالرخام الأبيض ثم يلي ذلك عقود زخرفية صماء ثم إفريز محلى بالكتابة , يليه إفريز زخرفي صغير …
وفوق هذا أقام المعماري المبدع سقف المحراب جعله من قطعة واحدة من الحجر, هيأها على صورة المحارة مقمسة إلى فصوص زخرفية … والإفريز المكتوب يضم نص الآيتين 102- 103 من سورة آل عمران …
وكان المنبر عود مؤلف من الصندل الأحمر والأصفر والانبوس والمرجان واوصاله من فضة مثبتة
المئذنة:
أن تصميم المئذنة كان وثيق الصلة بتصميم مئذنة جامع القيروان والتي انبثق عنها تصميم مآذن الغرب الإسلامي كله والمئذنة التي ذُكر أنها شيدت لأول مرة بعد إتمام بناء المسجد الأول واغلب الظن كانت تحتل مكاناً إلى اليمين الذي وضع على محور المحراب وفي جدار الصحن المقابل القبلة ثم أعيد بناء مئذنة أخرى عند توسيع المسجد في نهاية القرن العاشر في عهد المنصور بن أبى عامر وكانت تحتل نفس المكان الأول والذي يشغله الآن برج الأجراس الحالي والذي شيد بعد تحويل المسجد إلى كنيسة بعد خروج الإسلام من الأندلس على يد الفرنجة المسيحيين …
تحويل المسجد إلى كنيسة :
عندما سقطت قرطبة في أيدي الفرنجة توقفت الصلاة في هذا المسجد العظيم ثم تقدم الفرنجة فأقاموا كنيسة في جزء منه وهذا الجزء يمثل حوالي عشر المساحة العظيمة التي يشغلها ولا يزال المسجد بجلالة وعظمته يطغى على ما في هذه الكنيسة من فن وزخارف فمن المعروف أن الفن المسيحي لا يتعدى صورا خرافية لملائكة تنشر أجنحتها ,وفتاة تمثل السيدة العذراء مع صورة طفل يمثل السيد المسيح وبحلول الذهب أن يغطى هذه الكائنات ولكن روعة الفن الإسلامي اجمل واعظم تأثيرا في نفوس المشاهدين
التغيرات التي جدت على المسجد الجامع :
وتعرض المسجد منذ القرن الخامس عشر للتشويه والتبديل منها :
1- ففي سنة 1371 م أقام ملك قشتالة دون انريك الثاني المصلى الملكي المعروف بمصلى سان فرتدو بجوار قبة الضوء وغطيت جدرانه بزخارف من عمل المدجنين محفورة في الجص .
2- وفي سنة 1489 م هدم الأسقف انييجو مانريكى العقود والأعمدة في البلاطات الخمسة الممتدة طولاً من مصلى فيلافسيوسا إلى جدار الجامع الغربي ..
3- وفي سنة 1523 م شرع الأسقف دون الونسوما مانريك في هدم جزء كبير من زيادة عبد الرحمن الأوسط والمنصور ليقيم كاتدرائية في قلب الجامع ولكن المجلس البلدي بقرطبة ونفرا من أعيان المدينة أنكروا ذلك ولم يرضوا به وعرض الأمر على شارلكان فوافق على هدم ما يلزم لبناء الكنيسة ولم يكن قد رأى الجامع فلما مر بقرطبة في سنة 1524 م بمناسبة زواجه في اشبيلة بدنيا ايزابيلا البرتغالية ورأى الجامع راعه ما رأى من حلال الفن وعظمة البنيان ثم توجه بالحديث إلى خراى خوان أسقف طليطلة وإلى أعضاء المجلس الكنسي وقال كلمته المشهورة : (( لو كنت قد علمت ما وصل إليه ذلك لما كنت قد سمحت بأن يمس البناء القديم لان ما بنيتموه موجود في كل مكان وما هدمتموه فريد في العالم ))
الصلاة من جديد في مسجد قرطبة :
خلال المؤتمر الإسلامي المسيحي الذي عقد بقرطبة تمت اتصالات ليقيم المسلمون شعائر صلاة الجمعة بهذا المسجد العظيم وقد نجحت هذه الاتصالات فسمحت السلطات الأسبانية للمسلمين أن يقيموا بهذا المسجد شعائر صلاة الجمعة يوم الثالث عشر من سبتمبر سنة 1973 م وعندما أذيع هذا الاتفاق توافد على قرطبة عدد من الطائرات من المغرب تحمل مجموعة من المسلمين الذين وفدوا لأداء الصلاة في هذا المسجد بهذه المناسبة التاريخية العظيمة كما حضر إلى قرطبة سفراء الدول الإسلامية بأسبانيا وكان موفقاً عاطفياً أن تؤدى الصلاة من جديد في هذا المسجد بعد أن توقفت به الصلاة حوالي ثمانية قرون ……
ما قيال عن المسجد :
في سنة 1765 م قرطبة سفير مغربي هو أحمد بن المهدي الغزال ليتحدث في تنظيم تبادل الأسرى بين المغرب وأسبانيا أن الحرب بين البلدين لم تسكن إلا بعد معاهدة استقلال المغرب في مطالع سنة 1956 م أطال السفير الوقوف بمسجد قرطبة الجامع ثم كتب بعد ذلك كتاباً لطيفاً عن رحلته اختص فيه المسجد ببضع صفحات وصف فيها الشعور الذي ملأ نفسه وهو بين يدي هذا الأثر العربي الجليل قال : (( وقد تخيل الفكر أن حيطان المسجد وسواريه تسلم وتهش إلينا من شدة ما وجدنا من الأسف حتى صرنا نخاطب الجمادات ونعانق كل سارية ونقبل سواري المسجد وجدرانه …………… ))
ويقول عنه الحميري انه الجامع (( المشهور أمره , الشائع ذكره مناجل مصانع الدنيا كبر مساحة , وإحكام صنعة وجمال هيئة وإتقان بنية تهمم به الخلفاء المروانيون فزادوا فيه زيادة بعد زيادة , وتتميما اثر تتميم حتى بلغ الغاية في الإتقان فصار يحار فيه الطرف ويعجز عن حسنه الوصف فليس في مساجد المسلمين تنميقاً وطولاً وعرضاً ))
ويقول عنه الشريف الادريسي في كتابه (( نزهة المشتاق في اختراق الآفاق )) (( وفيها المسجد الجامع الذي ليس بمساجد المسلمين مثله بنية وتنميقاً وطولاً وعرضاً ))
ولما شاور الخليفة الحكم المستنصر العلماء في رغبته في تصحيح اتجاه القبلة نحو الشرق عندما شرع في النظر زيادته الكبرى بالجامع كما فعل أبوه النصر في قبلة جامع الزهراء قال له الفقيه أبو إبراهيم (( يا أمير المؤمنين , انه قد صلى إلى هذه القبلة خيار هذه الأمة من أجدادك الأئمة , وصلحاء المسلمين وعلمائهم منذ افتتحت الأندلس إلى هذا الوقت , متأسين بأول من نصبها من التابعين كموسى بن نصير وحنش الصنعاني وأمثالهم رحمهم الله تعالى , وإنما فضل من فضل بالاتباع وهلك من هلك بالابتداع فأخذ الخليفة برأيه وقال : نعم ما قلت ! وإنما مذهبنا الاتباع …
الخاتمة
هكذا اصبح يضرب بهذا المسجد الجامع المثل في العظمة والاتساع وفي كثرة الزخارف والجمال وقد بالغ مؤرخو العرب في المغرب والأندلس في وصفهم له فصوروه تصويراً اقرب إلى الخيال , واختصوه بعنايتهم وعظموه أجلوه , وكتبوا في تاريخه ووصفه فصولاً طوالاً …… تعد من أهم المصادر غن هذا الأثر الخالد الجليل
م/ن